المعتقلون أولاً: هيا نتشاجر

الكاتب:

19 ديسمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

حشو زائد إخباركم أن ما سيلي لأناس غير متخيلين بالضرورة، وأنه ليس سوى تفريغ لفضيلة الشتم التي كبلتها آداب الحوار الخانعة، هذا هجاء لمن سيقرأ ولمن لن يفعل، لي ولجنود إبليس أجمعين.

تقول: ليس المعتقلون أولا، أجل من؟، اللبن أولا، اللعنة، من سيشرب اللبن إذن، اسكت أيها الخائن العميل…بلا بلا. نحن مُخرجات إعلامنا، منابر الوعي والحرية والثقافة، التي يكتب كاتبها: هيا يا سيدي الوزير، ادفع الغثاء عنك، وسر قدما في مشروع تنويرك للوزارة الهرمة.. نعم هذا شجار لمن لا يقول أن المعتقلين أولا، وأفترض من صميم عقلي أن القضايا تراتبية، لحظة، بمعنى، أيها التافهون لماذا الآن تهتمون بقيادة المرأة للسيارة، أليس هناك أرامل ومطلقات. وللذين يصابون بالأسى لزوال حاجز ما، بدل زوال هذا الحاجز ألا تهتمون بقضايا فكرية معرفية كما العالم الحديث، أم أنكم تريدون فقط قشور الحضارة والإباحية والعهر لهذه الدولة المباركة. فعلا، نحن سنصنع الجنة، لكن بالترتيب، على حبة حبة، من قضية إلى قضية، بغض النظر عن فداحتها أو تفاهتها.

تقول لي: لماذا المعتقلون أولا. أنت بالتأكيد لم تصورك أمك عند ولادتك، أرأيت عندما خرجت إلى الحياة، كنت مقيدا؟، ولدت وأنت خائف من شيء ما؟، دع أنك كنت تبكي، إنها دهشة الوجود، وفراق دفء أمك، هل وجدت مُخبرا بجانبك؟، هل سمعتَ بسجن؟، إذن أنت حر من البداية، غير مربوط أبدا، ولو كنت قويا قليلا، لانطلقت تعدو إلى حديقة المستشفى. قدّس الحرية أيها العبد، الحرية التي وهبكها الإله، ولم تسع إليها أنت، أن تكون حرا أو لا تكون، هذه هي القضية. والمعتقل الذي في السجن، غير حر أبدا، وأنا وأنت غير بعيدين عنه كثيرا، الأمكنة تصنع فروقا بصرية فحسب.

أعرف أنك غير عابئ، عهدت هذا منك، والحرية لم تجربها، حتى تؤمن بها، لذا، واسمعني جيدا، الإنسان أناني بطبعه، أناني جدا، أشعلْ حريقا في منزلكم، وستهرب أنت أولا بلا شك، لذا عندما تسمع أن فلانين معتقلون، طالب بالإفراج عنهم، سيظنك الناس طيبا جدا، هم لن يعرفوا أنك تدافع عن أمان يومك، واخضرار غدك. دافع كثيرا، حتى تنجح، ولا يعتقلك أحد، أما هكذا ساكت كجدار، فيا رب يعتقلونك، ونتخلص منك ومن جبنك.

تقول إنك في الحريق ستهب لنجدة إخوانك ووالدتك، في الحقيقة أعرف أن الإنسان يضحي بأثمن ما لديه؛ حياته، لكن وجهك هذا لم ينبئني بنبالة داخلك، حسنا، لن أعتذر، الاعتذار مهين، يجب أن ألفّ خمسين لفّة، قبل أن أعترف لناس من طبقتك، ومنطقتك. أصلا، أنا قلت أن خبرتي البسيطة في التفرس التي يشهد لها شيوخ قبيلتي، لم تنبئني بارتفاع السمو الاجتماعي لديك، وهذا وارد، في المناهج لم يعلموكم هذا، ثم ما بك يا رجل، هناك مذاهب قائمة على مبدأ الفردية، بالتأكيد أنت لم تسمع عن مِل ولوك، أعذرك، عامّي. أقول لك، لكن هناك النزعة الاجتماعية، مفادها أن الإنسان لأخوته، أحسنت، مثلما قلتَ، هي التي ستجعلك تهب لنجدة أهلك، يا لك من رجل. بهبتك من أجل المعتقلين، ستكون مدافعا عن أخوتك كلهم، قربوا أم ابتعدوا، بالتأكيد لا تود أن تفجع بأخيك، ولا بصديقك، بالتأكيد لا تريد شيخك يسجن لنصيحة، أو كاتبك لمقالة، لا تود أن تتخيل بُعد أحبائك عنك لسنين، لا يرضيك أم ثكلت من الحزن، رفعت الأيدي حتى تعبت، حكت حتى ملّت، أملِت حتى يأست، ولقسوتك يا شرير، سأخبرك عن مسنّة، كانت تنتظر عودة الملك على أحر من الجمر، ولأن كل يغني على ليلاه، في الوقت الذي الناس فيه يأملون الدراهم والأراضي، كانت هي متيقنة، سيقدم وسيفرج. بعد أن لم يطِر حس ولا خبر، خرست عن الأمل، كأنها ماتت من الخيبة.
أنت لا تحب الإنشاء، والكلام العاطفي لا يستهويك، تحب -دوما- الجمل الناشفة، اسمع إذن: للمعتقلين أهال وأقارب وجيران وزملاء وأطفال، احسب دائرة من حقد وخوف وتبرم وكره، تحيط بكل هذه الهالة، وقل لي ما الذي سيحدث في المجتمع، هيا أيها الاجتماعي، الاحتراق ليس بالضرورة إسعافا ومطافيا، الاحتراق نفثات في الليل، تكلسات من الأمل المتيبس، وتمتمات قهر لن تُخبيها الأيام، وصغار كُثر كبروا على وطن أبكاهم وأفجعهم، أكثر مما أضحكهم وأسعدهم.

الأمر بمزاجك في نهاية المطاف، لكن الوطن ألزم ما علينا، الوطن ليس هذا الممتد أخضرَ في الخريطة، الوطن هنا، وأشير إلى قلبي، الوطن الحلقات التي تكبر معك من بيتك القديم، وأخوتك وعيال الحارة، ومدرستك، وكل أشيائك الأثيرة في صندوق رأسك، حتى تكبر وتكبر الأشياء التي تواجهها، تكبر في قلبك حسان ما وجدت في وطنك، فيغدو وطنك، أو يكبر ما يزعجك ويدميك من وطنك، فتشتمه وتندبه، ويغدو وطنك، الأمر ليس بسيان، افهمني، في الأولى بذرة تينع وتزهر، في الأخرى لطخة سخط تشلّك، تجعلك تمارس ممارسات الإنسان القديم، إنسان أبدا لا ينتمي لهذا العصر، العصر هذا ستنحل مسلماته الأولى الحضارية، من فرط ما مورست، من فرط ما تروْتنت، ونحن يا ليل، ما زلنا في حرية، رأي، تعبير، حقوق، محاكمة، كلب.

أعرف أنك لم تفهم شيئا مما قلت، نعم لأن كلامي أكاديمي رفيع، الكواكب المجاورة تتحدث عن مساهماتي الثقافية الصحفية الإعلامية الأدبية الشعرية الروائية النقدية، بالتأكيد لم تطلع على يوميات استلامي الجائزة الرفيعة، هذه الجائزة التي لم ينلها إلا أعلى أعلى من تتصور من العباقرة، وكنت أنا سليلهم الماجد، الذي لم ينافسني أحد، وأحب أن أذكرك أن اختياري جاء من لجنة من ألمع ألمع مما تتصور ممن يعيش على هذه السطيحة، في الحقيقة يصعب عليّ التحدث عن نفسي، ولا أدري كيف، لكنه تحصيل حاصل، وهناك بعض المغرضين الذين يشككون في نزاهتي، المهم، أين كنا، تعرف أنا أقرأ كثيرا، وقرأت ما خط أشهر أشهر مشاهير العالم في صنوف المعارف، قبل أن أبلغ، أوه، تذكرت، أمي المرحومة كانت تتحدث دوما عن ذاكرتي النشيطة، التي بززت فيها أبناء منطقتي.

كنت سأخبرك عن الكلمة، الإنسان كان إنسانا لأنه ناطق، لولا الكلمة لكان حيوانا ساكتا، وقد كانت شرفه يوم وجد، بزّ الملائكة هذا الإنسانُ بكلماته. الكلمة خلفها العقل، ووحدها العقول، من تفرز الكلمات وتردها، وتطورها وتمحيها، لا القضبان، لا السياط، لا التهديد، الكلمة نطفة عالقة بالقلب والعقل، اسحل الإنسان تحت دبابة، ولا تموت كلمته، التي أنبتها في تجاويف أخرى. حتى لو لم يفعل، الشمس والريح والسماء، والكتب والعقل الأزلي، تهب الكلمات نفسها من جديد، لا عدم للكلام، ولن ينطح الكلام إلا الكلام، إنك تضفي للكلام سطوة ساطعة، إذا كبلّته، تلوي الأعناق والأنوف لسماع هذه الكلمة المشوقة، لا يعجبك حديثي، أحسن، مَنْ أنت أصلا، يا سلالة المهزومين والضعفاء والتاريخ المستبد، ما أدراك عن أمم الحضارة والتمدن، هيا اسكت واسكت، وانتقِ من الكلام، كما لو أنك معدم في متجر باذخ واليد قصيرة، وفي النهاية؛ البذخ باق لطلابه، وسيعلم الجمع الذي ضم مجلسنا، إيش، إيش التكملة، حتى ثقافتك التراثية لا تفقه بها، مع مَنْ أتحدث أنا. مهزوم ضعيف، سائل اللعاب أمام الكفار.

أحب أن أخبرك، لجهلك الذي انكشفت عنه ورقة التوت، أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يوما يمشي، عادي يمشي، مع أنس، وعليه برد نجراني غليط الحاشية، فجأة، يأتي أعرابي -حسبي الله عليه- ويجذبه من ردائه جذبة، أثرت في عنقه، أنس يقول إنه رأى الأثر على عاتق النبي، فقط، لعل أثر الجذب الخشن امتد على مساحة كبرى من جسده الكريم، ويا لله، لم يكتف بهذا، بل قال هذا: “يا محمد أعطني من مال الله الذي أعطاك”، الموقف خطير، اعتداء على أشرف الخلق، بطريقة مهينة، مقصودة فوق ذلك، ثم نداء باسمه حافا، كأن لم يسمع بالآيات الكريمة في ذلك، وأيضا يطلب مالا فوق ذلك، لم يطلب، انتهى الأمر، يقول: أعطني. حُسم الأمر. كأن في الأمر رائحة اتهام للنبي، كأنه لم ير بساطة حجراته، يتصوره ينام على ثروة، وأنه يستأثر، بعد هذه المهولات كلها، لم يصرخ أحد: عميل من بني قينقاع، جاسوس من قريش، سلوليّ مندسّ. لم ينبثق أحد من الأرض، ويأخذه إلى ما وراء الشمس. لم يتقعر أحد: “هذه دعوة صريحة لتقويض الرسالة المحمدية، بالبدء من التهوين من صاحبها بجذبه وسط العامة، ولا ندري بما تحضر لنا الأيام القادمة، اللهم احم بلادنا من كيد الكائدين”.. الرسول الكريم التفت إلى الأعرابي، ضحك، ثم أمر له بعطاء. فقط، الحياة حلوة. سأدوخ.

أتوقع أن لم يقنعك كل ذلك، وهذا الأمر راجع لك في النهاية، وأنا أؤيد حريتك في قضيتك، أيا تكن، لكن لتعلم أن دفاعي عن المعتقلين يوفر حياة آمنة لقضيتك، كما ترى الاعتقال كثيرا، ومسوغات الاعتقال متباينة، ليس هناك وتيرة واحدة لنضمن أنفسنا وننجو، غير ذلك، حقا أنا لا أهتم لتفاهة قضاياك، فقضيتي أولا، ولك الطوفان أنت وما تهتم به، ومن يهتم بها، لكن الخوف ذلك الدميم الذي يطاردنا في عقولنا، ويندس بيننا وبيننا، إذا همس مرة في رأسك: “عوو”، وضاعت علومك، وارتجفتَ وأتباعك، تذكّرْ وقتها أنك خنت قضيتي الأولى المبجّلة. لأن لا إبداع تحت خوف، ولا خلق. أقسم لك، ولا تحرر، واسأل التاريخ، وسيجيبك أن كبريات الأعمال تمت حيث لم يكن قبضة مصلتة. هذا العقل إذا لم يسأل كل شيء، إذا لم ينقده، إذا لم يُدفع لمراجعة مسلماته، فليس عقلا، تلافيف عروق محشوة في رأسك، مليئة بالعصارة والدم، تدعى دماغا، لا تؤدي المهمة بطريقة كافية.

وهذا واضح عليك في الحقيقة، لم أبالغ بخصوص وجهك. اذهب أنت وآداب حوارك إلى الجحيم، أنا حقا لا أعبأ. الإنصات إلى المتحدث، عدم استخدام الشتائم، لا تقاطع، ترك الصراخ، لأنه علامة على فقدان البرهان. احمل هذه كلها لأطفال الحضانة، أنا لا أعزمك على قضيتي، أنت مطالب بالرضوخ إليها، بحكم الحقيقة الكاملة التي أملكها، المعتقلون، يعني المعتقلون.

في حال لم يعجبك كل ذلك، وكنت جبانا مبتور الحنجرة، مقبور الكرامة، فأذكرك، أن المعتقلين وحيدون كرمح منغرز في صحراء النسيان، تسفّه ريح الخذلان، لماذا؟، بحق الله أنت تعرف لماذا. الصحيفة لا يبدو أنها تسمع بهم، سبحان الله، تدري عن أحراش الحارات المجهولة، وصياعتها، ولا تعلم باختفاء أستاذ الجامعة، وأنت تعرف لماذا، وكتّابها الناعمون، دعهم في خواطرهم يعمهون، يا أخي هم أحرار، ليعلمونا عن السعادة التي نجهلها، وقد تكون في شرب كأس ماء، وفي علكة اكتشفها في جيبه، وعن الابتسامة الغائبة التي سينقلب حال المجتمع لو ابتسم، عن الرسالة التي أزعجته، ويطالب من جراءها حماية المستهلك، هذا شأنهم، لكن، أن يستمرئوا هذه التفاهة، والتكبر علينا، في خارج صحائفهم الصفراء، سجاجيد مدائحهم، أن لا يبدو عليهم التأثر بنا، في شبكات التواصل التي بمثابة أحاديث مقهى، لا، بل يكن ضدنا، فقل له: يا مستكتب، لست أخا لنا، ولم تكن يوما لساننا، يا انبثاقة أحداث يومك المتكررة. لا تقل لي: لا تعمم، إن قلتُ: إلا من رحم ربي، فكم ستبدو عصبيتي ضعيفة، أرجوك، ألا تعرف لغة الغاضبين، ثم هل أنا قلت كلهم، لتزعجني هكذا، اللغة مجازات، هند كالقمر، لا يعني أن وجه هند كرة بيضاء بلا ملامح، أنا لا أصف لك قالب زبادي. صحفنا هذه، حراج الإعلانات، أخبار الإثارة، ثرثرات النسوان، ليست صحفا، (ألوّح بطرحتي الآن اعتذارا وتحية لكل الصحف الحرة).حتى النافذة لا أنظفها بها، لو لطخ الزجاج بقعة نفاق، أي مسحوق مؤمن سيزيلها.

ولو تلاحظ، مسحورون الآن، بألفاظ جديدة على معجمهم، كتّاب السوق هؤلاء، منذ متى كنت تسمع عن الكواكبي العظيم، أشعر ببريق أعينهم وهم يمسكون بأ: “طبائع الاستبداد” و “مصارع الاستعباد”، يقبلونهما، ثم يلزقونهما في مقالاتهم، كم ستضيف عليها “كشخة” معرفية، ويلعبون بصيغتهما طيلة المقال، وتخيل إذا وضعوا معهما مفردات حلوة: ثورة – شعب – حرية – مظاهرة – شباب – الثورة الفرنسية – تشاوشيسكو – فولتير – مونتسكيو- أبو القاسم الشابي. جوقة الكتّاب والصحفيين والمحررين أولئك، تجدهم في النت مكررين، كما لو أنه محكوم بالصلب في عموده، أو مربوط بحبل الخبر المجتزأ الذي نشره، مولع بمكتسباته الاجتماعية والمهنية، لا يغير من رسميته شيئا، ثم يكتب لك بعد ذلك: أمثل هنا آرائي الشخصية. كأن لديه مختلِف عن مؤسسته. أو شعر بشكّنا أنها آراء جيرانه.

يا أخي، شيخي، أستاذي، ذاك الطبيب، وذيّاك المحامي، ابن جاري، الطفلة التي تبكي في اليوتيوب، وأم فهد، أقسم أن لهم قلوبا ومشاعر، ويريدون وطنا، وأمانا. لكن آه من الوطن، ايه والله، آه من الوطن، صح لسانك. الوطن هذا أتعبنا، انظر يا أخي، شبت قبل أواني، أريد أن أرتاح، أن أنام وليس في إهاب قلبي مظلوم، يا رب السماء، ساعدنا. سأدفن نفسي، وسأقول لربك، كنت على وشك الموت مقهورا مكمودا، فقتلتُ نفسي، قبل أن يفعلوا.

اسمع، اسمع، كان هذا انهيارا مفتعلا، لتكون على علم بماذا يصنع الظلم، الظلم القديم، الذي لا نية لتغييره، الذي مصفّقونه أكثر من شاذبيه، يغدو مع الأيام مقرفا، له رائحة نتنة، يخرب يومك، ومجريات ساعاتك واطمئنانك، وليس لإيمانك معه فائدة، ومن انهياري ذاك، أحببت أيضا عمل حساب للنواعم قارئاتي، تعرف يعني، لوازم الإعداد، وأنت متأخر جاهلي، لو عليك لقمت بوأد البنات، النساء نصف المجتمع، هنّ أمك وابنتك وزوجتك، وكم تعطل من قوى الإنتاج الوطني بحبسهن في المنازل. أنت فعلا إباحي، تريد تغريب المجتمع وغربلته، ترضاها على أختك؟، راعِ الخصوصية، نحن بلاد الحرمين، ولا نريد أن نخسر تقدير العالم لنا، هذا العالم المشغول بتفاهاتنا الغامضة.

أخيرا، أنت لست معي، إذن عدوي، إن لم تكن أبيضَ، فأنت حتما أسود، ويبدو أنك لا تعرف من تعادي، سأستعدي عليك الكبار الذين أعرف. ينبغي أن تشاهد ما شاهدت عندما حضرت منتدى الحريات القومية، ممثلا لبلادي، نحو دولة الحقوق والمؤسسات والمجتمع المدني، واستضافتي في القناة الأجنبية، وتحدثي عن خضارنا القشيب، (فزّورة: أنا “سياق” و”سياقات” و”في سياقها”، فمن أنا؟) أقول لك:

لن تهتم بالمعتقلين، هذا شأنك والرب، لا تريد الاقتناع، مفهوم هذا، وأقدّر الانتصار للبن والشعير، وأي شيء، حتى لو كان حقوق النمل الأسود، لكن أذكرك أن الإفراج عن المعتقلين سيزيد من رخاء البلد، وارتفاع القوة الشرائية، وستنخفض الأسعار من تلفاء نفسها، وإذ استمررنا بمطاردة كل محتويات البقالة على حدة، فستتعب، هناك سوبر ماركت يا عزيزي. شركة اللبن تقول اليوم، لوزارة الحلال: طيب يا سلام، وشركة الزيت والسكر، “إيش معنى إحنا”. بكرة؛ حليب بالفراولة سيرتفع بحجة ندرة الفراولة بالصيف، ومن سيقنع حليب بالموز بعدها. هذه الكثرة في الأخذ غير جميلة، لماذا؟، أنت لا تود أن يدور الحوار التالي: فلان اعتقل، عادي منَ لم يُعتقَل الآن، كفّك كفّك…

المعتقلون أولا، لا حوار في قضيتي، ولا خوار، الذين لم يحملوا سكينا، ولم يصوبوا سلاحا، أرباب الرأي الأبرياء، إذ أنت لم تهتم بمظلوم، كيف سنتيقن بعد ذلك من أنك حساس للظلم، إن كنت تجرمهم، وتعرف نظافة أيديهم وأرجلهم، فاقطع رؤوسهم، إنك لا تحتمل ما تنتج الرؤوس الحرة، المصوبة نحو السماء ألحاظها، وهممها. تريد ألا يكون لهم مطالبون، هيا، ماذا تنتظر، جزّ حناجر مغردي تويتر، واسحل البقية بإطباق دفتي فيس بوكهم، واليوتيوب افقأ أعين مشاهديه واحجبه، بضغطة زر، هذا الحل الوحيد، الآهل. خلاص.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق