السعودية البديلة – ملامح الدولة الرابعة

الكاتب:

18 ديسمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

المقال ينشر تقديم د.تركي الحمد لكتاب (السعودية البديلة – ملامح الدولة الرابعة) للكاتب أحمد عدنان الصادر حديثًا عن دار التنوير ببيروت.

مقدمة

د. تركي الحمد

العالم العربي اليوم، ومع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يعيش لحظة نادرة في تاريخه، أعادت العرب إلى التاريخ وصنع التاريخ، بعد أن غابوا عنه كفاعلين قرونًا وقرونًا من الزمان. العرب اليوم يعيشون لحظة “الربيع العربي”، وهي اللحظة التي تغيرت فيها المعادلة السياسية ودخلت الشعوب طرفًا فيها بعد أن كانت مهمشة جل فترات التاريخ العربي الحديث والمعاصر، بل حتى القديم. الشعوب العربية اليوم لم تعد ذلك المتلقي للفعل، أو المفعول به، أو المُتحدّث باسمه من قبل هذه النخبة أو تلك، هذا العسكري أو ذاك، هذا الانقلاب أو ذاك، الممنوح صفة الثورة، بل إنها في هذه اللحظة دخلت على خط التغيير السياسي، وعبّرت عن نفسها بنفسها، وليس عن طريق وسيط معين، أو إيديولوجيا محددة.

ثورات الشعوب العربية لم تأت من فراغ، بل يقف وراءها كثيرٌ من العوامل والدوافع، سواء كنا نتحدث عن عوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، أو تلك المتعلقة بقيم إنسانية مفقودة في عالم العرب مثل الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية. بطبيعة الحال ليست هذه المقدمة محاولة لتحليل أسباب ثورات الشعوب العربية ودوافعها، فمثل هذا التحليل له مكان آخر، لكن المراد قوله إن مثل هذه الثورات إنما جاءت نتيجة تاريخ طويل من التهميش وعدم المبالاة بها، بل سحقها إن صح التعبير. وطوال هذا التاريخ كانت هنالك محاولات أو مطالبات للإصلاح من قبل نخب وحركات حذرت من مغبة ترك الأمور على عواهنها من دون إصلاح العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومن دون إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإعادة تشكيل الدولة والمجتمع في ظل قيم العدل والحرية واحترام كرامة الإنسان. لكن معظم تلك المحاولات باءت بالفشل، نتيجة عدم اكتراث الحاكم أحيانًا، وعدم استيعاب النظام السياسي لمتغيرات المجتمع والعالم من حوله أحيانًا أخرى، وعدم قناعته بمفهوم التغيير إلا إنْ أُجبر عليه، وفي مساحات ضيقة للغاية قد لا تفي بما هو مطلوب في هذه المرحلة التاريخية أو تلك، وبذلك تتراكم المشكلات، وتتفاقم المعضلات حتى تتحول إلى أزمات وقنوات مسدودة، ثم تأتي لحظة يكون فيها الإصلاح غير ذي جدوى، وهنا تحدث الانفجارات الكبرى على شكل تغيّر جذري للنظام السياسي برمته، سواء كان ذلك الانفجار ثورة أو انقلابًا أو عدم استقرار مستديم لا يلبث بدوره أن يفرز ثورة أو انقلابًا أو حتى تدخل أجنبي، وأبرز مثال على ذلك هو الاتحاد السوفيتي وسقوطه المدوي في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين.

كان الاتحاد السوفيتي كيانا منبثقا عن ثورة شعبية في بدايتها، لم تلبث أن أفرزت   انقلابًا بلشفيًّا، أنشأ نظامًا سياسيًّا جديدًا غيّر جوهر المجتمع والسياسة في الإمبراطورية الروسية السابقة، فأصبحت معه روسيا، والاتحاد السوفيتي عمومًا، دولة صناعية كبرى، وقوة عظمى في عالم القرن العشرين، وذلك حين حلت مشكلات الإمبراطورية الروسية السابقة المتجذرة، والتي أبت الدولة السابقة أن تستجيب لمطالب الإصلاح المتعددة، وحاولت الإصلاح بعد فوات الأوان، فكانت الثورة هي المآل، وكان الانقلاب وخلع النظام بأسره هو المصير. لم تستجب الإمبراطورية الروسية لمطالب الإصلاح، لأنها لم ترد التنازل عن جزء من امتيازاتها وصلاحياتها، فكانت النتيجة هي زوال النظام بأسره، ولو كان العقل هو ديدن النخبة الروسية السياسية الحاكمة آنذاك، لربما ما كان هناك ثورة ولا كان هناك انقلاب.

إن ما حدث للإمبراطورية الروسية السابقة، حدث للإمبراطورية الروسية اللاحقة (الاتحاد السوفيتي)، وذلك حين وقفت النخبة السياسية الحاكمة موقفًا سلبيًّا من ضرورة التغيير وإدخال إصلاحات على نظام بدا واضحًا أنه يهرم، وبدأت حلوله لمشاكل السابق غير مجدية مع مشاكل اللاحق عبر التعنت والتشبث بالسابق كنهج وسياسة معضوض عليها بالنواجذ، فأدى ذلك إلى توتر في البنية السياسية والاجتماعية والسياسية السوفيتية. وفاقم من الأمر في اتحاد السوفيت وجود إيديولوجيا “مقدسة” ثابتة، لا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها، وقفت عائقًا أمام إدخال أية إصلاحات على نظام بدأت الفجوة تتسع بينه وبين واقع الحال ومشكلاته، بل وقفت أمام محاولات إصلاح النظام حين نُظر إلى تلك المحاولات بأنها غير متوافقة مع الأسس العقائدية لتلك الإيديولوجيا. حاول زعماء مثل خروتشوف أن يقوموا ببعض الإصلاحات الاقتصادية تحديدًا، لكن اصطدامه مع “ثوابت” الإيديولوجيا أسقطه في النهاية وأسقط مشروعاته، وذلك على حساب مستقبل النظام. وعندما جاء غورباتشوف وحاول الإصلاح باء بالفشل وسقط النظام في النهاية، لأن الإصلاح يكون فعالًا حين يكون في وقته وأوانه، أما عندما يتجاوز الأمر مجرد الإصلاح، فإن النتائج – عادة – تكون كارثية.

فالإصلاح لا بد أن يكون في الوقت المناسب وإلا فقد فاعليته وأثره، سواء كنا نتحدث عن الدولة أو المجتمع، وقد يتحول إلى كارثة في كثير من الأحوال. فمحاولات غورباتشوف الإصلاحية أدت في النهاية إلى سقوط النظام، ليس لأن الإصلاح سيء بذاته، ولا لأن الإصلاح يؤدي بالضرورة إلى انهيار الأنظمة السياسية التي تباشره، بل لأن المشكلات المتراكمة التي لم تحل في وقتها، تحولت إلى معضلات، والمعضلات إلى أزمات، ولم يكن من الممكن حل تلك الأزمات في ظل النظام الذي صنعها دون وعي، فكان الوصول إلى طريق مسدود لا ينفع معه إصلاح جزئي، ومن هنا تنفجر المجتمعات وتنهار الأنظمة بهذه الوسيلة أو تلك، ثورة أو انقلاب أو انهيار ذاتي. وما يُقال عن الاتحاد السوفيتي يمكن أن يُقال عن أنظمة ودول كثيرة، لعل أبرزها ما حدث للدولة العثمانية التي انهارت رغم محاولات الإصلاح المتأخرةالتي كانت، كما في الحالة السوفيتية، قد جاءت بعد تجاوز النظام عتبة قدرته على حل الأزمات المستعصية، بعد أن تحول هو ذاته إلى أزمة.

وعودة إلى ثورات الربيع العربي، فإنه يمكن القول أن هذه الثورات كانت نتيجة تجاهل ضرورة الإصلاح ودعواته، وذلك ضمن أسباب أخرى عديدة بطبيعة الحال. انفجرت هذه الثورات في دول، وهي قادمة إلى دول أخرى فيما لو تُجوهِل ضرورة الإصلاح من الداخل، وفي الوقت المناسب قبل أن يفوت أوان الإصلاح الجزئي، ولا يبقى بعد ذلك من خيار إلا التغيير الكلي. سنوات طويلة كانت فيها مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا تُحكم من قبل نخب تدير الدولة وكأنها أملاكٌ خاصة بها، متجاهلة أن الدولة أرض وشعب ومواطنة وحقوق للجميع، رغم صرخات الصارخين بضرورة عودة الدولة إلى المجتمع، لكن تلك النخب استمرأت السلطة والمال والجبروت، فكانت الصرخات لا تعني لديها أكثر من رهط من الناقمين أو المتآمرين الموتورين والحاقدين على حكمة الحكومة ورشدها. لو أن هذه النخب رشيدة فعلًا، لكانت الحكمة ضالتها، ولكانت ضرورة الإصلاح ضمن أولوياتها، ولما آلت إلى ما آلت إليه. وما مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن إلا نماذج لضرب المثل، وإلا فإن القادم في دول عربية عديدة لن يختلف كثيرًا، طالما كان مفهوم التغيير وضرورة الإصلاح المستمر غير وارد في ذهن النخب السياسية العربية الحاكمة.

في ظل هذا الربيع العربي تبدو دول الخليج العربي وكأنها بمنأى عن أحداثه وتقلباته، لكن ذلك ليس صحيحًا في مطلق الأحوال، فدول الخليج جزء من المنظومة العربية والإقليمية والدولية، وما يُمكن أن يجري في دولة ما يُمكن أن يجري في أي دولة خليجية، إذا توفرت ذات الظروف والبواعث التي حركت الشارع في تلك الدول. صحيح أن دول الخليج العربي بشكل عام، إذا استثنينا البحرين، مازالت بعيدة عن مجريات الربيع العربي، وذلك يعود إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية خاصة بدول ومجتمعات الخليج، ولعل من أهمها الوفرة الاقتصادية النسبية مقارنة بدول الربيع العربي، وإنْ كان سوء توزيع الثروة الوطنية يقف عائقًا أمام الانتفاع العام بهذه الوفرة، وعدم وجود استبداد قمعي متطرف كما في ليبيا أو سوريا، وثقافة سياسية غير ذي خبرة في العمل السياسي، كما أنها – أي هذه الثقافة – لا تحبذ الصدام المباشر مع الحاكم إلا ما ندر، إذا استثنينا المؤدلجين دينيًّا على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، خصوصا في السعودية حيث الثقافة الدينية تلعب دورًا كبيرًا في تحريم التظاهر والخروج على الحاكم، وهي ذات الثقافة التي تستخدمها الجماعات الإسلاموية لإثارة الرأي العام، في مفارقة عجيبة، وإنْ لم تكن عجيبة حين نعلم أن الفكر الديني قابل لمختلف التفسيرات والتأويلات. لكن أن تكون هذه الدول بمنأي عن الأحداث الجارية حولها في هذه اللحظة، لا يعني أنها محصنة ضدها في كل لحظة، فكل شيء يعتمد على قدرة النظام السياسي على التكيف مع المعطيات المستجدة، وعلى القدرة على التغيّر وفق متغيرات المجتمع والعالم من حول هذا المجتمع، والاستجابة لمطالب الإصلاح القادمة من مختلف الشرائح وعدم تجاهلها بمبررات مختلفة، مثل القول بخصوصية معينة، أو أن الإصلاح يعني وجود فساد ولا فساد لدينا، وغيرها من مبررات تُشكل تهربًا من ضرورة الإصلاح المستديم، خشية فقدان مزايا مُعينة لا يُراد التنازل عنها أو بعضها. إن مثل هذه التنازلات لو حدثت فإنها لخير المجتمع والنظام السياسي في نهاية المطاف. الإصلاح في وقته وديمومته، هو كلمة السر في بقاء الأنظمة وزوالها، هكذا يُعلمنا التاريخ.

المملكة العربية السعودية – مثلًا – دولة قامت على معطيات معينة في الماضي، لكن عدم مراجعة هذه المعطيات، والإبقاء عليها كما كانت دون تغيير أو تعديل، مسألة فيها الكثير من الخطورة على مستقبل الدولة. فالدولة السعودية مثلًا قامت على أسس دينية تمثلت في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (الوهابية) وتحالفه مع الإمام محمد بن سعود، وبواسطة هذه الإيديولوجيا الدينية قامت دولة ضمت معظم أجزاء جزيرة العرب في إنجاز تاريخي غير مسبوق في تاريخ العرب المعاصر. سقطت هذه الدولة مرتين في تاريخها، لكنها كانت تعاود النهوض في كل مرة، وأخرها كان على يد الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسسًا بذلك الدولة السعودية الثالثة. فالدين يشكل شرعية الدولة السعودية، لكن المشكلة لا تكمن هنا بقدر ما تكمن في التمسك بالمقولات الدينية وفق تفسيرها الوهابي التقليدي، الذي كان فاعلاً في زمانه لكنه أصبح أضيق من استيعاب معطيات العصر ومتغيراته، كما كانت الإيديولوجيا السوفيتية أقل قدرة على استيعاب المتغيرات، وهي ذات الإيديولوجيا التي أشعلت ثورة أكتوبر البلشفية، كما أشعلت الوهابية الثورة السعودية في القرن الثامن عشر على يد تحالف الشيخ والأمير، وفي بدايات القرن العشرين على يد عبدالعزيز آل سعود. كانت الوهابية في حينها إيديولوجيا ثورية ناجحة وخلقت دولة مترامية الأطراف، ومجتمعًا ينضوي تحت عباءتها، لكنها لم تعد قادرة على استيعاب مجتمع مركب حديث بذات القدرة على استيعابها لمجتمع تقليدي بسيط، كما كان الحال في بداية التأسيس. من هنا فإن تحديث الفكر الديني بما يتواءم مع معطيات العصر في السعودية يُعد من ضرورات الإصلاح لاستمرارية الدولة في مجتمع وعالم متغير.

من ناحية أخرى، فعندما قامت الدولة السعودي في مراحلها المختلفة، كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة مباشرة، وفق مفهوم المجلس المفتوح، ووفق مفهوم شخصانية السلطة، وكانت مثل هذه السياسة ناجحة كل النجاح، حيث كان المجتمع بسيطًا وقليل العدد، لكن أن يستمر الأخذ بمثل هذه السياسة عندما يتمدد المجتمع ويتنوع، فإن ذلك لن يكون ناجحًا على الإطلاق. فالدولة الحديثة إنما تقوم على ركنين أساسيين هما القانون والمؤسسات، في علاقة غير مباشرة بين الحاكم والمحكوم، أي مأسسة السلطة وتحريرها من الشخصانية المباشرة. صحيح أن هناك بعض المؤسسات المستجدة في السعودية التي جاءت بفعل الضرورة، لكنها لا زالت غير كافية بحيث يمكن القول أن هناك فقرًا مؤسسيًّا في المملكة. من هنا تأتي الحاجة إلى تجديد بنية الدولة وهياكلها قبل أن الوصول إلى مرحلة الأزمة المستعصية، وهنا تكمن ضرورة الإصلاح.

الدعوة إلى الإصلاح في المملكة العربية السعودية ليست ضربًا من الرفاه، وليست مجرد دعوات نخبوية من هذا الطرف أو ذاك، بقدر ما هي حاجة ملحة في دولة لها من العمر أكثر من قرنين من الزمان، تحتاج إلى الإصلاح، إذا كانت الاستمرارية السلسة للمجتمع والنظام هي الهدف. في كثير من الأحيان يُنظر إلى هذه الدعوات على أنها نوع من المعارضة للنظام، بينما هي دعوات تحمل ولاءً حقيقيًّا له، من حيث الحرص على استمراريته وتصحيح مساره وفق ضرورات المراحل التاريخية التي يمر بها. الولاء للنظام لا يعني موافقته في كل سياساته، بل يكمن في محاولة تقويمه عندما يبدو أنه بحاجة للتقويم. أما ولاء الطاعة المطلقة و”كله تمام يا افندم”، فهو ليس ولاءً بقدر ما هو مسايرة للنظام في صوابه وخطئه من دون إحساس بالمسؤولية تجاه الدولة والمجتمع، وما تفتت مجتمعات ودول إلا نتيجة مثل هذا الولاء المزيف حقيقة. ما حدث في دول الربيع العربي هو نتيجة منطقية لتجاهل دعوات الإصلاح التي كانت تظهر بين الحين والآخر، لكن تجاهل الأنظمة السياسية الحاكمة لها هو ما دفع الجميع إلى اللجوء إلى الخيار الآخر ، أي الخيار المر، وما كان لهذا الخيار أن يكون حتمًا لو كان هناك هامش من الأخذ والعطاء بين الحاكم والمحكوم. عندما بدأت المظاهرات في سوريا، كان الشعار المرفوع هو “الشعب يُريد إصلاح النظام”، لكن ردة فعل النظام القاسية تجاه هذا المطلب، دفعت الشارع إلى تغيير الشعار ليصبح “الشعب يُريد إسقاط النظام “، وهو ساقط لا محالة، وكان بالإمكان تجنب هذا المصير لو كان العقل والحكمة هما منهج النظام في التعامل مع المجتمع.

في كتابه هذا، يُحاول أحمد عدنان أن يرصد دعوات الإصلاح في المملكة العربية السعودية خلال العقود الثلاثة المنصرمة، وتنقل بين مختلف القضايا التي تُشغل النخب السياسية والثقافية السعودية تحديدًا، ومختلف شرائح المجتمع بشكل عام. فمن الحديث عن الوهابية وضرورة إعادة التفكير في مضمونها ومقولاتها، إلى الحديث عن الإسلاموية والليبرالية والعلمانية وتفصيل ما هو مختلف عيه وما هو متفق عليه بينها، مرورًا بالموقف من شيعة السعودية والإقرار بأنهم مواطنون أولًا وأخيرًا، وأن دعواتهم للإصلاح إنما تنبع في النهاية من حس وطني وليس طائفيًّا إلا ما ندر، والشذوذ لا يعني خطأ القاعدة. كما يتناول المؤلف قضية الإرهاب وكيف أن محاولة التصدي له أمنيًّا فقط  غير مجدية على المدى الطويل، بل أن اقتلاع جذوره الفكرية هو الأساس، وذلك لا يكون إلا بإصلاح الخلل في الثقافة السعودية السائدة، وبتجديد الفكر الديني بما يتوافق مع مبادئ الحربة والتسامح وحقوق الإنسان. قضايا كثيرة يعالجها المؤلف في كتابه، وكلها تدور حول مستقبل المملكة، أو كيف يجب أن يكون هذا المستقبل إذا كنا نريد لأجيالنا القادمة أن تعيش في وئام وسلام وازدهار.

وفي هذا المجال، أستطيع القول أن المؤلف قد قدم أول محاولة جادة ودقيقة في متابعة حركة الإصلاح في السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية. صحيح أن متن هذا الكتاب – في الأصل – عبارة عن مقالات طويلة كتبها الكاتب في فترات متفرقة، وحول موضوعات متعددة، إلا أن خيطا واحدا يجمعها هو رصد المحاولات المدنية للإصلاح، ورصد انبثاق وصراع التيارات الفكرية والسياسية في السعودية، من توجهات ليبرالية وإسلاموية وعلمانية، وتلك التيارات التي تحاول المواءمة بين تيارات تبدو متعارضة في ظاهرها، وذلك بمزج شيء من الليبرالية مع شيء من الإسلاموية لتقديم خطاب مقبول، أو لنقل جذابا جماهيريا. الأستاذ أحمد عدنان يُقدم لنا هنا بحثًا موثقًا حول عديد من القضايا التي تشغل المهتمين بالشأن العام في السعودية اليوم. لا شك أن محاولة المؤلف رصد دعوات الإصلاح في المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة، هي محاولة مبدئية – إضافة إلى كتابه (السجين32) – سوف تليها محاولات أخرى، ودراسات أكثر عمقًا، ورصد أكثر دقة وتفصيلا. فشكرًا للمؤلف على محاولته هذه، والقادم لا شك في أنه أجمل.

 23/11/2011

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق