عندما يهتز النفط لابد من الخوف على الاقتصاد السعودي

الكاتب:

9 ديسمبر, 2014 لاتوجد تعليقات

مقدمة

النفط مادة تدخل في مكونات عديدة من سلع وخدمات لكنها بالنسبة للطاقة فهي لا تزال المصدر الأساسي الذي يزود العالم بشقيه الصناعي المتقدم أو السائر في طريق النمو الاقتصادي بالطاقة. ولا غنىً لأي دولة عن استهلاك النفط سواءً حصلت عليه من مصادرها المحلية أو باستيراد ما ينتجه غيرها من دول العالم الأخرى. النفط مورد طبيعي يوجد على مسافات مختلفة تحت الأرض في حواضن جيولوجية من آلاف السنين  نجم عن انصهار البقايا الحيوانية والزراعية تحت درجات حرارية عالية حولت المواد الصلبة هذه إلى سائل أسود اللون هو النفط، يصاحبه غاز يسمى الغاز المصاحب خلافاً للغاز الذي يوجد في مكامن أرضية ليس بها نفط ويسمى الغاز الجاف. والنفط مادة لا يمكن إعادة إنتاجها فالبرميل من النفط الذي يستهلك ينتهي إلى الأبد لذا يُنعت النفط بأنه مادة ناضبة Non Renewable

يُوجد النفط في أماكن كثيرة من العالم لكن استخراجه صعب ومكلف إلا في مناطق محددة من العالم حسب تقنية وآلية الاستخراج المتوفرة حالياً ومن هذه المناطق المملكة العربية السعودية. وكما يوجد النفط في بحيرات وآبار لا يحتاج الأمر إلا إلى مد أنبوب يصل إليها، فهو أيضاً موجود في مسام تكوينات جيولوجية مثل النفط الصخري Shale Oilوالرمال النفطية   Tar Sand وتسمى بالمصادر غير التقليدية للنفط .

للنفط سوق عالمي يباع فيه على آجال مختلفة قصيرة، ومتوسطة وطويلة المدى وقد كان لدول الأوبك، وفي مقدمتها السعودية، دور هام في تحديد  سعر البيع و حجم العرض ولكن هذا الدور ضعف كثيراً وحل محله شركات النفط العالمية والمضاربون في السوق النفطية. سعر النفط متذبذب لأسباب عدة بعضها اقتصادي ويتعلق بعوامل العرض والطلب وبعضها تقني يتعلق بتكلفة الإنتاج وبعضها يتعلق بأمور جيوسياسية وأزمات عالمية. وفي خضم هذه المتغيرات فأنه في ظل الظروف الاقتصادية والتقنية الراهنة فأن الاتجاه العام لأسعار النفط على المدى البعيد تصاعدي ما لم يحدث تغيير جوهري وبنيوي في عالم الطاقة بشكل عام والنفط بشكل خاص يؤدى إلى تقلص دور النفط كمصدر أساسي للطاقة أو إلى تخفيض تكلفة إنتاجه عالمياً إلى مستويات منخفضة وزيادة حجم المعروض منه بكميات كبيرة تفوق حجم الطلب عليه على المدى الطويل.

السعودية والنفط

هبوط سعر البترول  في النصف الأخير  من العام 2014م إلى حدود 40% من مستواه في شهر يونيو من هذا العام 2014، هو في نظري مرحلة ودورة عابرة من دورات سوق النفط العالمي, أسبابه اقتصادية تعود إلى زيادة في العرض وشح في الطلب إلى جانب عوامل أخرى. وقد يكون القرار في إبقاء السعر على ما هو عليه وعدم الدفع به إلى أعلى من خلال تخفيض الإنتاج قرار آني صائب إذا افترضنا أن السعر المنخفض سيقود إلى تحجيم وردع المنتجين الجدد من المصادر النفطية غير العادية مثل النفط الصخري أو النفط الرملي. وهذا يعتمد علي مرونة العرض Supply Elasticity بالنسبة لخارطة السعر أي على حساسية إنتاج النفط الصخري لمستوى السعر المنخفض (70 دولار للبرميل) فإن كانت مرونة العرض عالية أي أن العرض من البترول الصخري حساس لمستوى السعر, انخفض العرض من النفط الصخري، أما إن كانت مرونة العرض منخفضة أي أنه منخفض الحساسية فإن انخفاض السعر لن يكون له أثر كبير على كبح حجم الإنتاج من النفط الصخري. تشير تحاليل تكاليف الإنتاج للزيت الصخري والتي تقدر في المتوسط بحدود 85 دولار أمريكي للبرميل إلى أنه على المدى المتوسط، سوف تتعرض هذه الشركات الصغيرة لضائقة مالية تؤدي إلى توقفها عن الإنتاج أو إلى استحواذ الشركات النفطية الكبرى عليها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عامل التقنية المتعلق باستخراج النفط الصخري من مكامنه له دور أساسي وهام في خفض تكلفة الإنتاج وزيادة العرض. لذا فأن مستقبل النفط الصخري  التنافسي يعتمد بدرجة كبيرة على العوامل التقنية  التي تؤدي إلى خفض تكلفة الإنتاج  إضافة إلى العوامل المتعلقة بالبيئة. إنه من الواضح أن السعودية تقود جبهة خليجية لخفض الأسعار أو الحد من ارتفاعها والسؤال هنا: هل هذه سياسة  سعرية الهدف منها قصير الأمد، وهو المحافظة على العملاء وعلى حجم المبيعات من أجل تمويل النفقات الحكومية، أم إنها سياسة سعرية تهدف إلى تعظيم العوائد من النفط السعودي علي المدى البعيد وذلك بالحد من نمو وزيادة كميات المنتج من الزيت الصخري أو زيت الرمال وذلك بجعل الاستثمار طويل الأجل في هذا المجال غير مربح . الجواب على هذا السؤل عند وزير البترول السعودي .

حركة سعر البترول المؤقتة والمرحلية لا تعنيني كثيراً بقدر ما يعنيني البعد الزمني طويل الأجل للنفط سعراً وإنتاجاً ومدى ارتباط مصير المملكة الاقتصادي به وبحاله. كل دول العالم تحتاج إلى النفط وتعتمد عليه كمصدر أساسي للطاقة وعلى وجه الخصوص تلك الدول الصناعية، لكن النفط بالنسبة للمملكة العربية السعودية ليس مجرد مصدر مهم من مصادر الطاقة يساهم إلى جانب عوامل وموارد أخرى في حركة الاقتصاد ونموه، بل إنه – أي النفط – هو الاقتصاد  السعودي  بشحمه ولحمه وعظمه, وهنا مربط الفرس ومكمن الخطر. لذا فإنني أقول، وكما قلت سابقاً , إن تعرض النفط لتغيير هيكلي جوهري  يهمش الدور الهام للنفط في منظومة الطاقة العالمية ويهوي بأسعاره إلى الحضيض ولأمد طويل، وبقي الاقتصاد السعودي على بنيته الحالية ووضعه الراهن، فإن المملكة العربية السعودية سوف تتعرض لأزمة مالية حادة في الأمد الطويل ( المستقبل) تتعدى أثارها الجوانب الاقتصادية لتشمل نواحي الحياة الأخرى. هناك دول خليجية وعربية قد تتعرض لما يمكن أن تتعرض إليه المملكة ولكن هذا شأنهم، أما ما يهمني ويشغل فكري فهو حال ومستقبل الاقتصاد السعودي. كما أن هناك دول أخرى منتجة ومصدرة للنفط لن تتعرض لكارثة مالية واقتصادية إن أصاب النفط  مصيبة كبرى ودائمة، هذه الدول ليست كالمملكة العربية السعودية فإيراداتها النفطية ليست هي المصدر الأساسي لإيراداتها الوطنية التي منها يتغذى وعليها يعيش الاقتصاد الوطني وكل ما يرتبط به من استثمار واستهلاك وخدمات ووظائف، كما أن لدى هذه الدول موارد بشرية وصناعية وزراعية وخدمية منتجة تستطيع أن تحل رويداً رويداً محل النفط كمحرك لعجلة الاقتصاد ونموه.

من يظن أن هذه هي حالنا في المملكة العربية السعودية ففكره واهم وسياساته قصيرة الأمد. النفط بالنسبة لأجيالنا القادمة ومستقبل هذا الوطن هو مسألة وجود، إن هبط سعر النفط وهوى بشكل كبير ودائم ونحن على ما نحن عليه تعرضت حياتنا للخطر. النفط بالنسبة للمملكة العربية السعودية هو قضية وجود وليست سلعة تترك للعواصف والعواطف السياسية أو تترك لرياح السوق العالمية ومضاربيها وشركاتها ليكون لها القول الفصل أو الراجح في تحديد المعالم الأساسية والإستراتجية لاستغلال النفط السعودي. هذا النفط هو ملك لهذه الأمة من الأجيال الحاضرة والقادمة وهذه البلاد التي  للصحراء نصيب كبير من أرضها، مياهها نادرة ومتناقصة وسكانها يزدادون كل يوم وحاجاتهم وأحلامهم تتزايد وكل ما يملكونه اليوم من سلعة تباع في السوق العالمي هو النفط الذي يؤمن أكثر من 90% من العملات الصعبة للدولة وبهذه العملات الصعبة  يتم شراء السلع والخدمات الأجنبية التي تشكل الجزء الأكبر للاستهلاك والاستثمار الذي يقوم عليه الاقتصاد ويعيش عليه المواطنون الأغنياء منهم والفقراء. هذا المنظومة الاقتصادية تكفي لوحدها لرسم ملامح المشكلة الكبرى إن غابت شمس البترول  شيئاً فشيئاً ونحن على مقاعدنا منتظرون. أما الفوائض المالية والتي تقدر بحوالي 700 بليون دولار أمريكي فهي نقطة في محيط الحاجات المستقبلية لهذه الأمة إن تقلصت إيرادات البترول قبل أن نوجد البديل، فهذا الفائض لا يكفي لسد حاجاتنا الاستهلاكية والاستثمارية لسنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

لاشك أن هناك من يرى في هذا الرأي غلواً وشططاً ولعمري ليت رأيهم هذا صحيح، لكن الاستقراء المستمر لمصادر الإيرادات العامة للدولة وأهمها إيرادات النفط ومجالات الإنفاق الحاضرة والمستقبلية في ظل السياسات والإستراتجيات الاقتصادية  الحالية وما يصاحبها من إنفاق وهدر وفساد مالي وإداري  علي أرض الواقع، ينبئ بالخطر القادم وبأن العجز المالي للدولة قادم ولو في الأمد الطويل إن لم يهيئ الله لنا من أمرنا رشداً.

في مقال بتاريخ 15/10/2014م بعنوان (لكي لا تتوقف أعياد الوطن حذارى من المستقبل الاقتصادي) وقبل الهبوط الأخير لأسعار النفط قلت إنه لابد من فحص الإستراتيجية الاقتصادية للبلاد التي نسير عليها اليوم علي ضوء الواقع ومتطلبات المستقبل، فالنفط هو القاعدة التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني بشقيه العام والخاص وبشكل شبه كامل، لكن هذه القاعدة ناضبة فانية غير متجددة مهما كانت كمية الموجود من النفط تحت أرضنا. أسعاره – أي النفط – متأرجحة ذات اليمين وذات الشمال بفعل أمور كثيرة اقتصادية وتقنية وسياسية لا نملك السيطرة عليها أو حتى إدارتها بينما مصيرنا ومصير أجيالنا معلق بسعر البترول  والإيرادات الحكومية المتحققة من بيعه في الأسواق العالمية. إن كنا لا نستطيع السيطرة علي مستقبل سوق النفط العالمي وأسعاره والمعروض أو المطلوب منه، ونحن فعلا لا نستطيع، فعلينا التحكم بما نستطيع عليه.

رغم أن العالم قرية اقتصادية كما يقال إلا أن المصلحة الوطنية لكل دولة هي المحور الأساسي الذي تقوم عليه سياساتها واستراتجياتها الاقتصادية وهذا أمر لا غبار عليه وتجاهر به كل الدول، فليس من المقبول لدى أي شعب أن تضحي دولته بمصالحه الاقتصادية من أجل مصالح الدول الأخرى وشعوبها. من هنا أقول إن النفط مهم للعالم وخصوصاً الدول الصناعية، يجاهدون سياسياً واقتصادياً من أجل الحصول عليه بأبخس الأثمان كما كان عليه الحال في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وهم في فعلهم هذا يعملون علي تحقيق مصالحهم الوطنية وهذا من حقهم, لكنه وبنفس المنطق فانه من حقنا العمل اقتصادياً وسياسياً على تعظيم الفائدة من استغلال النفط وهو رأس مالنا الطبيعي الأكبر والأهم وفي هذا تحقيق للمصلحة الوطنية الراهنة والمستقبلية.

تأسيساً على ذلك أعيد طرح مجموعة من المرتكزات الأساسية لإستراتيجية اقتصاديه تؤدي إلى  إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي ليكون قادراً علي مواجهة المستقبل المجهول للنفط من خلال دعم وبناء رأس المال المنتج البشري والطبيعي وكبح جماح الإنفاق الاستهلاكي غير الضروري وغير المنتج والعمل الجاد من أجل بناء اقتصاد سعودي قائم على الإنتاجية الفردية والجماعية وعلي موارد طبيعية وصناعية منتجة تشكل مصدراً هاماً ومتنامياً من الإيرادات غير النفطية ليقل ويتوازن اعتمادنا المستقبلي المطلق علي النفط ومشتقاته. وفيما يلي أهم هذه المرتكزات :

1. تعظيم الاستفادة من النفط

نقطة البدء هي تعظيم الاستفادة من النفط المخزون تحت أراضينا لصالح هذا الجيل والأجيال القادمة وذلك بالكف عن هدره في الاستهلاك المحلي غير المنتج أو في تصدير كميات تزيد قيمتها عن حاجاتنا التنموية الحقيقية والحاجة إلي التأثير في السوق النفطية العالمية، بما يضمن تعظيم مصالحنا من استغلال خام النفط المخزون لدينا. لقد نتج عن الزيادة في استخراج النفط لصالح دول العالم الغربي بشكل عام، هذه الدول التي لم تكن مصالحنا التنموية والسياسية شأن من شؤونها بل أن مصلحة شعوبها هي شأنها الأول، وجود فائض مالي من الدولارات التي نكنزها في البنوك العالمية أو صكوك الدين الأمريكية بمرود قليل ومخاطر سياسية عالية.

2. التركيز على الاستثمار في الإنسان المواطن

وهذه أهم مجالات الاستثمار في الإنسان :

أ- القضاء على الأمية بشكل كامل بين الرجال والنساء.

ب- بناء نظام تعليم جديد يقوم على أسس علمية ومنهجية تعتمد بناء العقل المفكر المبدع المستنبط المستقرئ وليس العقل القائم على الحفظ والترديد والتكرار. النظام الذي أتحدث عنه لابد أن يحدث ثورة في المنظومة العلمية مادة ومنهجاً ومعلماً ومعملاً. هذه المنظومة لابد أن تكون كفيلة بخلق فكر جديد لإنسان جديد منتج مبدع يحل محل النفط عندما ينفذ أو تهوي أسعاره، فالإنسان، رأس المال البشري لا يفنى بل يتجدد ويتمدد وينتقل إنتاجه وإبداعه من جيل إلى جيل متراكماً بانياً لحضارة حقيقية إنتاجية لا استهلاكية. هذا ما أعنيه بالنظام التعليمي وببناء عقل الإنسان المواطن وقدراته الإبداعية والإنتاجية وليس ما نراه من برامج وبلايين تصرف لهيكلة تعنى بالقشور وتتجاوز القيود والأغلال المطبقة على نظام التعليم بكل مراحله وأجزائه.

ج- القضاء على حالة الفقر المادي والعوز في المدن والقرى فلا يمكن بناء عقل الإنسان وبطنه جائعاً كما أن الفقر مدخل لكل العلل والجرائم ومدمر لكرامة الإنسان.

د- تأمين السكن والعلاج الصحي والتعليم لمن كان فقيراً وتسهيل الحصول عليه لمن كان مقتدراً.

3- هيكلة الإدارة الحكومية

الإدارة الحكومية هي المحرك الأساسي والمدير والممول للاقتصاد السعودي، هذه الإدارة الحكومية تحتاج إلى إعادة بنائها حجماً ونوعاً وسلوكاً وإنتاجية وانضباطاً بشكل كبير وجذري من أجل التخلص تدريجياً من مواطن الفساد المالي والإداري ومستنقعاته. كل الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد والإسراع في تنفيذ المشاريع وترشيدها لن تؤتي أكلها مادام الهيكل الأساسي للجهاز الحكومي قائماً على ضعف أو انعدام المساءلة وعلى الواسطة والمحسوبية بدلاً من الكفاءة والإنتاجية.

4-القاعدة الاقتصادية

 بناء قاعدة اقتصادية قائمة على صناعات وخدمات ذات جدوى اقتصادية منتجة وليست معتمدة كلياً ونهائياً على الإعانات الحكومية أو الأسعار الميسرة للمواد الخام أو المياه والوقود وغيرها. إن أي صناعة لا يعتمد بقاؤها طويل الأجل على قدراتها الإنتاجية والتنافسية هي صناعة لا تضيف إلى الاقتصاد الوطني بل تأخذ منه وتستهلك أمواله التي هي أموال الأمة. وعليه يجب إعادة تقييم صناعاتنا الحالية وتركها بعد أن تعدت مرحلة الطفولة والبداية لتعيش من أرباحها بعد أن تدفع التكاليف الحقيقية لمدخلاتها من خدمات ومواد أولية. الشركات التي مضى على قيامها زمن وهي لا تزال تعتمد بشكل أساسي على الأسعار الميسرة للغاز والماء والكهرباء والأرض وغيرها من الإعانات المالية من المال العام، لا تفيد الاقتصاد الوطني بل هي عبء عليه.

5- الإنفاق الحكومي

وضع سياسة وإستراتيجية للإنفاق الحكومي تقوم كلياً على جعل الإنفاق مرتبطاً بشكل أساسي ومباشر بتحقيق عائد ملموس ومقاس متعلق برفاهية المواطن المادية والمعنوية، فبعض المشاريع تشعرك بأن فوائدها لا تتعدى الشركات القائمة علي تنفيذها. هذا من حيث أهداف الإنفاق ومناحيه أما بالنسبة للإجراءات المتعلقة بمشاريع الإنفاق وتكاليفها واعتمادها (إعداد ميزانية الدولة) فحدث ولا حرج، لأنه أمر يحتاج إلى نفض غبار الزمن عنه وإعادة بنائه على أسس علمية حديثة. ضبط الإنفاق وترشيده وحصره في ما يعظم مصلحة المواطن بشكل مباشر وزيادة إنتاجيته هو الأداة المالية الأساسية التي نستطيع من خلالها ضبط المالية العامة للدولة التي نستطيع عبرها التحكم في ما نحتاجه من استخراج  لاحتياطياتنا النفطية وضبط لإيراداتنا البترولية وهذا يعطينا استقلالاً عن الحاجة المالية الملحة والأساسية للإيرادات النفطية واستقلالاً في رسم السياسة النفطية التي تطيل من عمر أصولنا النفطية وتحقق العائد الأفضل لنا ولأجيالنا من استغلالها.

6– بناء قاعدة للإيرادات الحكومية غير النفطية

معظم الإيرادات الحكومية التي تغذي الإنفاق الحكومي علي المشاريع والخدمات التي يحتاج إليها المواطنون في حياتهم اليومية ويحتاج إليها الاقتصاد لإنتاج سلعه وخدماته من بنى تحتية وغيرها, هي من الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم علي الخدمات أو السلع التي تنتجها الدولة. لقد عاش المواطنون والقطاع الخاص منذ ظهور البترول كعامل أساسي في حياتنا وزيادة الإيرادات الحكومية بشكل كبير بعد الارتفاع الكبير في سعره عام 1973 بحبوحة مالية, كانت لها فوائدها عندما كانت تصل إلى المحتاجين من المواطنين  والى المشاريع الضرورية في المجالات الصحية والتعليمية والمواصلات وغيرها, لكن أيضا كانت لها سلبيات كثيرة عندما كانت تصب في مشاريع غير ذات جدوى ومصلحة مباشرة للمواطن أو توزيعات وهبات وإعانات لمن هم ليسوا في حاجتها أو يستحقونها. كل هذا اليوم تاريخ مضى ترك من السلوكيات السلبية ما ترك، وما هو مهم وضروري اليوم هو إيقاف الهدر والإنفاق غير المنتج وإعانة من يحتاج إلى إعانة من المواطنين وتكليف القادرين من أصحاب المال والأعمال من كل المواطنين دون أي استثناء لكبير أو صغير علي دفع التكاليف الحقيقية للماء والكهرباء والبترول, وهي أهم مجالات الصرف علي الإعانات. عندما يضاف إلى ذلك ضريبة غير مباشرة علي السلع الكمالية بكل أنواعها التي تستهلكها الطبقة الغنية  ورسوم جمركية عالية، ضمن القواعد والاتفاقيات الدولية التي وقعتها المملكة، على سلع يمكن إنتاجها محلياً نكون قد وضعنا اللبنات الأولى لبناء قاعدة من الإيرادات الحكومية غير النفطية  يمكن تطويرها والدفع بها إلى أعلى شيئاً فشيئاً.

7– الصندوق الوطني للادخار

بنية الاقتصاد السعودي القائمة علي مصدر طبيعي ناضب متناقص هو النفط تحتم ضرورة إنشاء صندوق وطني للادخار توضع فيه نسبة من الإيرادات النفطية ويتم استثمار أموال الصندوق داخلياً وخارجياً في استثمارات آمنة مجزية. يقوم على هذا الصندوق هيئة وطنية مستقلة لها نظام مستقل عن كل أجهزة الدولة. لا يصرف من هذا الصندوق إلا في حالات الكوارث الوطنية. البداية لهذا الصندوق هي الفوائض المالية للدولة التي تديرها اليوم مؤسسة النقد العربي السعودي والتي تبلغ في حدود 700 بليون دولار. هذا الصندوق هو من أجل تقليل حجم المخاطر المستقبلية التي قد تنجم من أي تغير سلبي جوهري وطويل الأجل على النفط، لذا يجب إبعاد يد الإنفاق الحكومي عنه. فعلى الدولة أن تتدبر أمرها في تمويل ميزانيتها إما بالحد من الإنفاق وترشيده أو بزيادة حجم الإيرادات غير البترولية أو غير ذلك. لذا فكلما أسرعنا في إنشاء هذا الصندوق كلما حمينا هذه الفوائض اليوم من الإنفاق الحكومي.

8- الإرادة السياسية

كل ما قلته أعلاه مربوط ومرهون بإرادة سياسية عليا من صاحب القرار الأول والمسئول الأول جلالة الملك، فبدون هذه الإرادة القائمة على القناعة التامة والخوف على مستقبل الأمة والوطن المتبوعة بقرار حاسم لفحص ومراجعة القضايا الاقتصادية المفصلية والجوهرية للتأكد من سلامتها وقدرتها على الصمود في وجه العواصف الاقتصادية الكبرى لكي يبقى الوطن صحيحاً سليماً ويبقى المواطنون مطمئنون على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأبناء أبنائهم والأجيال من بعدهم، لن يكون هناك إصلاح حقيقي فاعل يأخذ بالأمور الجوهرية إلى منتهاها السليم وأهدافها الصحيحة.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق