هذا صحيح، لكني لم أطلب الاشتراك في هذه الباقة؟

الكاتب:

10 يوليو, 2012 لاتوجد تعليقات

لا أستطيع فهم القدرة العجيبة التي يتمتع بها الكثيرون هنا على تحويل كل منتج تقذفه الحضارة الإنسانية إلى أمر ذي أصل ديني أو على علاقة بالإسلام. إذن أنت تحب الأدب؟ يجب عليك أن تجرب الأدب الإسلامي. هل أنت على وشك البدء بتصميم منزلك؟ يمكنك البحث عن خيارات أكثر إسلامية. وأنتِ الأخرى نبارك لك زواجك، ونتمنى منك الاطلاع على هذه المجموعة من الزفات الإسلامية. حتى ساعات اليد تحولت ترفًا إلى ساعات إسلامية، باقات قنوات إسلامية، حتى ألعاب الأطفال أصبحت بطريقة منظمة تحمل طابع “الصبغة” الإسلامية، الأمر الذي صنع من الإسلام الذي أتى ظاهرةً روحية تضيف مزيدا من العمق على حياة البشر، إلى مجرد موضة تهتم بالشكل وترسل الناس إلى النار بناء عليه، ومن كونه شيئا من الأمنة يكسو كامل حياة المرء، إلى مجرد نادٍ ذي أعضاء محددين، “أنت! هل تريد الاشتراك في النادي الإسلامي؟ تظن أنك معنا لأنك تشهد بأن لا إله إلا الله؟ أنت مخطئ ويمكنك تدارك هذا الأمر قبل أن تذهب إلى الجحيم بقيامك بهذه الشروط الواردة في هذه الورقة”.

لكن أكثر ما يثير غثياني التام هو محاولات الالتفاف على كلمة الحرية التي بدأت الشعوب العربية الهتاف بها منذ العام الماضي تحت أسواط الجلادين، تُظلهم أسراب القنابل التي تحملها الطائرات، وتحجبهم سحب الدخان وآلاف القنابل المسيلة للدموع عن رؤية السماء، ولا يعلم هؤلاء الحمقى -رؤساء هذه الدول- أن هذه الشعوب التي خرجت لم تعد تستمتع برؤية أي شيء، وكل هذه الجدران التي اكتست بصورهم جعلتهم يزهدون بالرؤية، وآلاف سنوات السجن والتنكيل والجوع التي ذُرفت فيها أنهار الدموع قد أدت إلى جفافها، لذلك ليذهبوا هم وقنابلهم -بنوعيها- إلى الجحيم.

ولأن هذه الكلمة -الحرية- مستحدثة، ولم تصل إلينا -إذا ما استثنينا تلك التي تبثها الحكومة في صحفها وقنواتها الرسمية- سوى منذ مدة قريبة، لذلك تبدو كلمة ضبابية، مخيفة وغير مفهومة خصوصصا في تلك البلدان البعيدة عن أي شيء يتعلق بها -كلمة الحرية-، وخصوصًا تلك القريبة من القاموس الحكومي للمفردات الغريبة والمستحدثة، الأمر الذي قضى على ذائقتها في الإحساس الكامل بمعنى أي كلمة جديدة.

” أَخِي، أَيُّهَـــا العَرَبِيُّ الأَبِيُّ –  أَرَى اليَوْمَ مَوْعِدَنَا لاَ الغَـدَا

أَخِي، أَقْبَلَ الشَّرْقُ فِي أُمَّــةٍ – تَرُدُّ الضَّلالَ وَتُحْيِي الهُـدَى

أَخِي، إِنَّ فِي القُدْسِ أُخْتَاً لَنَـا – أَعَدَّ لَهَا الذَّابِحُونَ المُــدَى

صَبَرْنَا عَلَى غَدْرِهِمْ قَادِرِيـنَ – وَكُنَّا لَهُمْ قَدَرَاً مُرْصَــدَا

طَلَعْنَا عَلَيْهِمْ طُلُوعَ المَنُــونِ – فَطَارُوا هَبَاءً ، وَصَارُوا سُدَى

أَخِي، قُمْ إِلِى قِبْلَةِ المَشْرِقَيْـن – لِنَحْمِي الكَنِيسَةَ وَالمَسْجِـدَا”

هذه الكلمات هي جزء من قصيدة للشاعر المصري علي طه، والتي تغنى بها الموسيقار محمد عبدالوهاب إبان حرب 1948م، في أوان جميل لم تدنسه كثيرًا محن التقسيمات الطائفية والدينية كما يحدث الآن.

الآن حين يُحوَّر جهاد الشعوب في سبيل الحرية التي تضمن لهم صرف عبادة الخوف كاملة لله، بعد أن كانت تشاركه فيها أجهزة الأمن الداخلية، يأتي من يدنس هذا الجهاد النبيل، والمعنى الواسع بتحويل هذا إلى اقتتالات طائفية وحروب أهلية، ولا أستطيع إخباركم كم مرة أجريت الحوار التالي:

-“يجب أن تنصر إخوانك في سوريا؟

لماذا؟

-العلوية يقومون بقتل إخواننا السنة؟

هل أنت متأكد بأنه بين هؤلاء الشبيحة لا يوجد سني واحد؟ وهل لو كان أطفال الحولة على سبيل المثال علويين ارتكبت هذه المجزرة فيهم ستطلب مني نصرتهم؟

-يجب أن تنصر إخوانك في سوريا

يجب أن تذهب إلى الجحيم”.

ومئات آلاف من هذه الحوارات التي تخدش عدالة الدين في طياتها، وتدنس جانبه الإنساني العظيم في ترفعه عن إراقة دماء المدنيين أيا كانت ديانتهم. هل لو كان المجرم بشار الأسد من طائفتك، ويفعل ذلك بطوائف الآخرين سترضى بذلك؟ لماذا لا يؤرقنا الإنسان فقط؟ نحبه فقط، ونحفظ له حقه لأنه إنسان، بعيدًا عن كل هذا النتن الذي يبرر الجريمة أياً كانت؟

لماذا ونحن نستجدي جنرالات مجلس الأمن الدولي، وأعضاء الأمم المتحدة وكافة المنظمات الحقوقية عبر العالم لا نخجل من أنفسنا؟ ألا يبدو هذا السلوك نفعيًّا؟ وأنهم لو كانوا -أعضاء هذه المنظمات- تحت هذا القصف والعبث الإجرامي لن نأبه لهم؟ بحكم انتمائهم لديانات مختلفة.

ألا يبدو الإنسان إنسانًا ذا قيمة هكذا وحده؟ هل يجب أن يجتاز اختباراتنا الطويلة قبل أن ننقذه من المقصلة؟ لماذا لا يكون الأمر هكذا: “أنا أحب أخي السوري الثائر –أيا كان ما يؤمن به- وأتمنى أن ينتصر ضد هذا النظام الفاسد. جرب أن تفعلها، الأمر بسيط، أنا أفعلها كل مساء، وأتمتم: أنا أحب أخي الثائر المظلوم في كل مكان –أياً كان ما يؤمن به- وأتمنى أن ينتصر ضد الظلم الذي أخرجه.

وأنا وبالصدفة البحتة أستمع إلى مقطوعة بيانو عزفها الإنجليزي كلينت مانسيل بعنوان: “Together we will live forever”، أي “معا سنعيش إلى الأبد”، وهذا فعلا ما حدث -سابقا- وسيحدث –مستقبلا-، أي ثور منفرد -مهما كان لونه- سيؤكل، وسيؤكل ذلك الذي تركه لاحقاً. أدعوكم للاستماع هنا:

http://youtu.be/4XZkLmomNgA

 خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق