المرأة في المجلس.. قراءة حقوقية في أثر القرار

الكاتب:

9 أكتوبر, 2011 لاتوجد تعليقات

القرارات الملكية التي أصدرها  الملك عبد الله يوم الأحد 25 أيلول/ سبتمبر، والذي منح المرأة حق التصويت في الانتخابات البلدية، وحق دخول  مجلس الشورى يجب التأكيد بداية أنه لا أحد ينكر أنها قرارات تاريخية مفصلية في تاريخ المرأة السعودية، ومكافئة حقيقية للحركة النسوية المجتهدة  في انتزاع حق المرأة في المشاركة المجتمعية، خصوصًا مع تراجع الضغط الأمريكي منذ عام 2007 بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، وصمت من الحركة الإصلاحية في السعودية تجاه قضية المرأة، مما يعني أن هذا الانتصار يعود أولًا وأخيرًا للنضال النسوي الدؤوب، وقوته وتحديه للكثير من القيود المفروضة، رغم تصريح الأمير نايف في وقت سابق في عام 2009 أن لا ضرورة لتمثيل المرأة في مجلس الشورى، إلا إن هذا الحشد النسائي إستطاع كسر القيود وتثبيت قدمه في المجتمع وانتزاع حق المشاركة المجتمعية .

بعد خفوت سكرة الاحتفال والتأمل جيدًا في القرار، يظهر أن هذا الاصلاح في مجال المرأة ليس بالانتصار الذي رآه الكثير، وليس بالفوز المحقق الذي تطلبه المرأة السعودية، فكي نكون منصفين أكثر هذا الاصلاح هو استثناء وليس قاعدة، بمعنى أن المرأة السعودية لديها مشوار طويل حتى ترى نفسها قد أصبحت بالفعل فرد فاعل ومستقل وصاحبة أهلية غير منقوصة، فبأي حال من الأحوال المرأة لا تملك أمرها في المجتمع، فهي لا يمكنها الاستفادة من التعليم، العمل، العلاج، التجارة المطلقة، السفر، حرية التنقل، إلا برجل يحكمها فبتوقيع صغير منه يستطيع قلب حياتها وعزلها عن العالم ومنعها من ممارسة حياتها الطبيعية، حتى لو كانت تريد مقاضاة وليها بسبب تجاوزه أو أكله لحقوقها لا تستطيع فعل هذا إلا بأمر هذا الخصم، وإن أردنا اسقاط هذا الأمر على القرار فترشح المرأة لن يتم إلا بتوقيع وأمر وليها، وبإستطاعته الموافقة أو منعها ولن يحاسبه أحد، عدا عن مشروعية تدخله في قراراتها في مجال التصويت بما أنه يمتلك حق ولايتها، كذلك ستظل المرأة أسيرة لسائق غريب قد يحضرها لجلسات مجلس الشورى أو يرفض مما سيعطل انتاجية النساء،  المعضله في هذا القرار هو كون مجلس الشورى نخبوي، وسيتم تعيين النساء فيه من قبل السلطات العليا وليس انتخابهن، لذا كما أن مجلس الشورى الحالي تم تعيين النخبه فيه، فأصبح طرحهم لم يتماهى مع المستوى الشعبي ويستطلع واقعه، بل كان يتحدث بلسان السلطه ويرى بعينيه، فبالطبع النساء في مجلس الشورى لن يختلف طرحهن بأي حال من الأحوال عن هذا الواقع، حتى لو أردن كسر هذه القاعدة فلن يستطعن، فمن تتجرأ على تعدي الخطوط الحمراء سيتم اقالتها بكل سهولة وجلب غيرها، مع أن وجود المرأة سيتيح تسليط أكبر علي قضايا المرأة، لكن التنفيذ سيظل محدود كما هو حاصل مع مجلس الشورى الحالي وصلاحياته، والخاسر الأكبر هنا الكثير من الكادحات، المضطهدات، المعنفات واللاتي يتطلعن لقرار يمنحهن حريتهن وأرضية آمنة تمكنهن من العيش باستقلالية وبكرامة بعيدًا عن تبعية رجل قد يضرهن وجوده أكثر مما ينفعهن، ولا يعني هذا أن نحكم من البداية بفشل تجربة ادخال المرأة لمجلس الشورى حتى قبل أن تدخل بل يجب أن نمنح المرأة الفرصة لتثبت ذاتها فلا يمكننا أن نجور في حكمنا عليها وهي لم تخوض التجربة بعد فربما تتغير الكثير من الأمور ذلك الحين .

(1)
المرأة والتيار المحافظ

كان قرار الملك عبدالله صادمًا ومعاكسًا لرؤية وقرار السلطة الدينية، حيث كان أعلى الهرم في هيئة كبار العلماء ممثلًا بالمفتي العام للسعودية عبدالعزيز آل الشيخ يرى – قبل القرار – بعدم جواز مشاركة المرأة في الشورى بحجة أن المرأة مستهدفة من قبل أعداء الأمة، وأن الأمر ليس شورى أو مساواة بل هو أبعد من ذلك، فيما كانت الثقافة الدينية السائدة في خطابها للمرأة ترى أنها فتنة وجب إخفاؤها وابعادها عن الرجل خشية تعرضه للإنحراف، فيما كبلَّت المرأة لعقود عديدة بقيود التحريم بدءًا من تعليم البنات، المشاركة في النشاطات الثقافية، مرورًا بممارسة الرياضة، العمل كمحاسبة، وانتهاءًا بالعمل السياسي.
فليس من السهولة بمكان أن الموروث التقليدي الذي يرى صوت المرأة عورة سيتقبل بين ليلة وضحاها أن يصدح هذا الصوت بحقوقه علانية ويطالب بمساواته بالرجل جنبًا إلى جنب خاصة في مجال السياسة، المجال الذي يرى فيه الرجل والثقافة العامة أنه ترف زائد لاحاجة للمرأة به لأن مكانها المنزل،  قناعات كهذة ترسبت لعقود عديدة ليس من السهولة انتزاعها دون حصول صدامات ورفض شعبي لها،  حيث تم استباق ردات فعل التيار المحافظ بذكر الضوابط الشرعيه في الخطاب الملكي وكذلك ذكر دور المرأة في الإسلام، من أجل اضفاء الشرعية على الخطاب، فيما ظهر تاليًا تصريح وزير العدل الدكتور محمد العيسى في حديثه إلى صحيفة «الحياة»، إلى أن مشاركة المرأة في الشورى سوف تقتصر على الصوت – أي من خلال قناة تلفزيونية مغلقة – كما جزم عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع – في الصحيفة نفسها – بأنه لا اختلاط في الشورى، كل هذه الأحاديث هي لتطمين التيار المحافظ قبل السلطة الدينية أن القرارات التي ربما تعد انتصارًا في ظاهرها للتيار الليبرالي ستكون موافقة لشروط التيار المحافظ حتى لا يتم خسارة الشراكة الدينية والتي تمثل خط دفاع أولي لكل من يخرج على الدولة ويخالف الرؤية السياسية لها .

(2)
ثقافة الحقوق وجاهزية المجتمع

قرار الملك أسقط ورقة التوت الأخيرة والتي كانت تغطي على عورة الممانعين والرافضين لحدوث الإصلاح السياسي، بحجة أن المجتمع غير جاهز وأن الشعب لا يريد المشاركة ويريد من الحكومه أن تستفرد بالأمر وتقوده، لأنه شعب غير ناضج سياسيًا لا زال في مرحلة الطفولة ويحتاج سنين متعددة حتى ينمو ويصل لمرحلة النضج ، وهذا يعني بالطبع أن يُحرم الشعب من وجود مؤسسات مدنية يعبر من خلالها عن رأيه ويشارك عبرها في صناعة القرار المجتمعي، ويحرم كذلك من دخول مجلس الشورى بالانتخاب، وبالتالي لا يفكر بالمطالبة باصلاح سياسي، لأن المجتمع ليس جاهزًا حتى الآن، فالسعودية الدولة الوحيدة في العالم التي تعد حكومتها أكثر تقدمية من شعبها – كما يقول خالد القشطيني في مقاله – ، لكن هؤلاء قد يغفلون أو ينكرون حقيقة أن الشعب نفسه هو أكثر تقدميه من الحكومة في مجال مطالبته بالإصلاحات السياسية والمجتمعية حتى قبل الثورات العربية، رغم محاصرته ببيانات التجريم وفتاوى التحريم، وما حادثة النساء اللاتي قدن في التسعينات، والجهاد السلمي الذي قاده كبار الاصلاحيين من خلال البيانات أو طرق التعبير السلمي، إلا أكبر دليل على الوعي  السياسي للشعب السعودي وتطلعه لوجود دولة حقوق ومؤسسات يمارس من خلالها حقوقه كمواطن صانع للقرار، ورغم سيطرة المحافظين من أذرعة الدولة منذ قديم الزمان على قنوات التعبير المختلفة سواء في الاعلام أو الصحف، فهذا الوعي السعودي وعي ذاتي لم يكن للدولة شأن فيه، لا سيما هيمنة الرأي الواحد على المجتمع، مع هذا استطاع البعض شق الطريق والخروج عن دائرة المنظومة الواحدة إلى فكرة دولة الحقوق والمؤسسات والتي ستكون أرضية مشتركة آمنة يسير عليها الجميع .
كما لا يمكننا أن نغفل ارتفاع نسبة الشباب في المجتمع حيث تمثل نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة نسبة كبيرة من المجتمع السعودي تصل إلى 82.6 في المائة، بينما تمثل من تنحصر أعمارهم بين 10-29 عاما 40.9 في المائة من المجتمع، مما يدل على قابلية المجتمع للتغيير كون الشباب يسيطر علي الشريحة العظمى في المجتمع، وهو بطبيعة الحال من يقود التغيير في المجتمع، إن سمح له طبعًا بهذا الأمر، فالشعب لا يملك قنوات حرة يستطيع من خلالها التعبير عن رأيه حتى يقال أنه رافض للتغيير أو ليس بجاهز، فمن يتحدثون عن عدم جاهزية الشعب هم من أذرعة السلطة والمناوئين لها، فالشعب نفسه لم يجمع قولًا واحدًا على هذا الأمر حتى تصبح حجة عدم جاهزية المجتمع شماعة يعلق عليها التأخر في التنمية ورفض الاصلاح السياسي، والمراقب لتقبل الجميع – حتى المتشددين منهم – للقرار وصمتهم المطبق، يدل على أن لا كلمة غير كلمة الدولة وأن المجتمع ليس بحاجة ليجهز كي يتم تنفيذ اصلاحات سياسية فرأيه ليس مطلوبًا على أي حال من الأحوال، حتى وإن قام المجتمع بالتعبير عن رأيه من خلال جمع تواقيع أو بيان اصلاحي، أو حتى كتابة مقالات من أجل التنديد بالفساد فلا يتم تنفيذ شيء مما يريده هذا المجتمع فالقرار كله بيد السياسي وهو من بيده الأمر كله من قبل ومن بعد  .

(3)
هل انتصرت المرأة ؟

هل يعد هذا القرار انتصارًا للمرأة ؟ لا يمكننا أن نقول نعم، في الوقت ذاته لا يمكننا أن نجيب بالرفض، فلو تأملنا القرار كصورة عامة، فالقرار هو الأقل مقارنة بقرارت تجير لصالح المرأة وتعد انتصار مطلق لها، ليس في الدول الغربية بل دعنا نقول الدول الخليجية بجوارنا، والتي تجاوزت عباءة التقاليد والعرف منذ سنين عديدة بينما نحن لا زلنا نناقش قضية قيادة المرأة للسيارة منذ التسعينات، والتي تظل حجة منعه هو العرف المجتمعي، والتي كثيرًا ما رميت كرة القرار فيه ما بين ملعب الديني والسياسي، ولم يتم تسجيل الهدف حتى الآن .
لو اطلعنا على الحقوق الأساسية للمرأة السعودية نرى أنها لم تحصل عليها بعد، ولو قارنا بعين امرأة كادحة تفتقد لحقوقها الأساسية أهمية تمثيلها في مجلس الشورى وحق الانتخاب بالحقوق الأساسية، لرأينا أن الحق السياسي ترف زائد بالنسبة لحقوق أساسية منتهكة انتهاكًا شنيعًا نددت فيه كثيرًا المنظمات العالمية، فالمعاهدة الخاصة بمكافحة التمييز ضد المرأة وقعت عليها السعودية ولم يتم تنفيذها كما هي، لذا تعاني المرأة في البلاد من تمييز فاضح ومعاناة دائمة كونها الطرف الأضعف في البلد، فالمنظمات الحقوقية تنادي بخطوات لها الأولوية في اصلاح مجال قضية المرأة  مثل : الوصاية من الرجل على المرأة ما يسمى بولاية الأمر، الوصاية القانونية للأطفال بعد الطلاق، حق الرعاية الصحية والتعليم ، حق التنقل وقيادة السيارة، حقوقها في القضاء، الأحوال الشخصية، ثم تنتهي القائمة التمثيل النادر للمرأة في مجال السياسة من خلال السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية بإختلاف فروعها .
أتساءل بكل مشروعية: كيف تمنح المرأة في هذا الوقت سلطة سياسية موازية للرجل، بينما هي لا تملك حق تصرفها الكامل في نفسها، بسبب سلطة الوصي عليها؟ هذا أشبه بأن تمنح أحدهم كعكًا كي يسد به جوعه وتمنع عنه الخبز، عضوية المرأة في مجلس الشورى لن تكون كاملة، ما دامت تحتاج إلى وصي عليها مهما بلغ بها العمر ومهما كان مستواها التعليمي والوظيفي، هذا يتعارض مع مضمون القرار الملكي والذي يشجع إلى أن تكون المرأة فردًا فاعلًا له حق المشاركة كما الرجل، فيما ذكرت احصائيات عن واقعنا المرير أن الاناث يمثلن 60 في المئة من عدد متخرجي مرحلة البكالوريوس، ولكن حصّتهن في القوى العاملة مجتمعة تتراوح بين 4 ـ 6 في المئة فهل لا زلتم ترون هذا القرار انتصار للمرأة ؟


ختامًا
يجب على المرأة السعودية أن تعي لدورها جيدًا وأن تتنبّه إلى كونها ورقة سياسية شاءت أم أبت، فعليها أن ترفض هذا التسييس لقضيتها وأن تستمر في النضال كي تنتزع حقوقها بالعمل المنظم والتخطيط الجيد واقتحام المجال دون انتظار لإذن  أحد، وأن تركز على الحقوق الأولية، وتتجاهل الصراعات الجانبية التي تستهدف إضعافها وتشتت جهودها، فالمرأة ستكون قوة تغيير هائلة ودافع أولي لعجلة التنمية ما دامت مستوعبة لمتطلبات المرحلة، ومستوعبة أكثر لكونها قادرة علي تغيير الواقع، هي وحدها من تستطيع تغيير أمرها إذا شاءت .
ويبقى سؤال أخير : من له المصلحة في أن تظل قضية المرأة عائمة ومفتوحة كل هذه السنين، لم لا يتم حسمها؟ ما دام القرار بيد السياسي وهو من يملك المفتاح السحري لحل القضايا المعقده بهيئة أمر ملكي، فليحسم قضية القيادة وغيرها من المطالبات، فبعد الخطاب الأخير كل الحجج الواهية زالت، في ظل وجود تصريح من التيار المحافظ على أن مشاركة المرأة ستكون بقيود وبعيدة كل البعد عن المجلس نفسه، مما يعني عزلتها وكون النصيب الأكبر في مجلس الشورى للرجال، لذا لم يتغير من واقع المرأة الكثير، وعليها عمل الكثير، الكثير حتى تصل .

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق