حبتين

الكاتب:

13 أبريل, 2012 لاتوجد تعليقات

صحيح، قد لا أملك ملامح مألوفة بالنسبة لك حضرة الطبيب -وفي حقيقة الأمر لا يعنيني ذلك-، لكنني كُنت هنا الثلاثاء الماضي، هل تتذكر ذلك؟ عندما سألتني بطريقة مباشرة –ومضحكة في الوقت نفسه-: “هل تشعر بالحزن؟”، وقد أجبتك بأنه اللفظ الأقرب لما أشعر به الآن. تملكتني وقتها رغبة عارمة في الضحك، “هل تشعر بالحزن؟”، “هل تشعر بالجوع؟”، “هل شعرت بالجوع الآن؟”، “هل سبق وأن شعرت بالجوع؟”، “هل تريد بعض البطاطس المقلية؟”
هيا يا سيدي! ألم يسبق لك وأن شعرت بالحزن؟، ألم يسبق أن فقدت شخصًا عزيزًا عليك في حادث سير؟ أو أن فقدت محفظة نقودك في مكان مزدحم؟ مطعم وجبات سريعة، أو أمام استقبال فندق يضع عدد نجومه في مكان غير ظاهر للعيان؟، أم حين فاتك موعد إقلاع الطائرة؟ أو أصيبت شاشة جهازك الجوال الجديد بخدش؟ أي شيء حضرة الطبيب؟ يشعرك بالحزن؟

حسنًا، لم يكن الثلاثاء الماضي بشكل دقيق. الأحد الماضي ربما؟ الخميس؟ الأسبوع الذي يسبقه؟ دعك من ذلك، هذا لن يغير من الأمر شيء، المهم أنك كتبت لي هذا الدواء، وطلبت مني تناول حبة واحدة يوميًّا، وأنا هُنا الآن لأنبهك حضرة الطبيب بأنك ترتكب خطأ فادحًا. هل تعتقد بأن هذه الجرعة التي قُدِّرَتْ في أمريكا ربما؟ أو في بلاد البراكين التسعة؟ تناسب الأشخاص الذين يعيشون هنا سيدي الطبيب؟

لاحظ أنك لم تعترض أو تتساءل حتى ما إذا كان هنالك حقا بلادٌ تحوي تسعة براكين، وتسمى بها. هل تنتظر نهاية هذه المحادثة؟ هل أشعرك بالسأم حضرة الطبيب؟ هل ستخبرني بأنك تفعل ذلك مع جميع المراجعين رغبة منك في التخفيف من الأذى النفسي الذي يسببه هذا التجاهل؟، هذا الشعور البشري البائس! حين تنبع سعادتك من آلام الآخرين التي لم تجبرك الظروف على المرور بها! هل سبق وأن قال لك أحدهم: “احمد ربك غيرك ما يلقى يأكل” حضرة الطبيب؟ أترى أن الجرعة ليست كافية إطلاقا، وأن واضعي شروط الجرعة  وسياساتها الدوائية فاتهم وجود مثل هذا المكان –أو لم يكن يهمهم أثناء تقدير الجرعة-، لذلك رأوا أن حبة واحدة تبدو كافية، على حين في الحقيقة أنا بحاجة إلى “حبتين”.

ربما لم تلاحظ أن هذه اللفظة -“حبتين”- يستخدمها بعض المراهقين –تقريبا- مصحوبة بإشارة يد على سبيل الظرافة. “حبتيييين” مع إشارة اليد وشبه ابتسامة لا أخفيك أنها تجلب الغثيان. صحيح بالنسبة لي على الأقل! وصحيح أيضا بأنه حتى لو تغير هذا اللفظ، لو اُستبدل بـه “قطعتييين” أو “أحضر الملابس معك” أو أي شيء، سأظل أشعر بالغثيان على أي حال، مشكلتي تبدو شخصية مع هذا العالم.

نعم، أرتدي ملابس نظيفة، مرتبة نوعا ما، لكنها لا تبدو جديدة، أو وثابة نحو التوجه العالمي في صناعة الموضة! لكن هذا الأمر عن قصد حضرة الطبيب، والهدف منه عدم لفت انتباه الفتيات نحوي، الأمر الذي قد يصدني عن غايتي العظمى في البحث عن اللاشيء!، وأنا أعلم في قرارة نفسي بأنه حتى لو كانت هذه الملابس وثابة نحو التوجه العالمي في صناعة الموضة، إلا أن هذه السحنة البالية لم تستطع إثارة أي انتباه على مدى سنوات طويلة، وأن المسألة –مسألة عدم لفت الانتباه- ليست سوى خدعة ركيكة للانسحاب من هذه المنافسات التي أبدو فيها خاسرا لا محالة، حتى أنني لم أعد أستطيع خداع نفسي بشكل جيد وأكثر إقناعا، هل تلاحظ حجم المشكلة؟

هل تعتقد أن الأميبيا تشعر بالوحدة؟ هل سبق وأن راودتك مخاوف في نهاية العالم؟ 2012؟ أو حتى في العام 2011 سيدي الطبيب؟ بالنسبة لي العالم انتهى منذ زمن بعيد، منذ اللحظة التي ابتدأ فيها الإنسان بالتفكير. كيف سينتهي العالم أكثر من هذا؟ هل تحسب أن حصول الإنسان على عقل يمثل مشكلة؟ أم ألا يمتلك عقلا، ولا يعتقد على الإطلاق؟

يبدو أنني قد حصلت على وقت أكثر من ذلك المخصص لي، لكن ما الفرق؟ لست أول شخص سيحصل على شيء لا يستحقه، ولن أكون الأخير. لكني قد أكون الوحيد الذي يشعر بالأّذى في اللحظة التي يشاهد فيها كل هذه الصور المعلقة في كل مكان، هل يرجح أن تكون المشكلة مني؟، وتكون هذه الصور في النهاية تجلب السعادة والحظ الحسن؟

هل كانت الثورة الفرنسية ستتأثر لو أقام لويس دوري “بونجور” للمحترفين؟ هل تؤيد قيادة المرأة للسيارة؟ هل تعتقد أنه يجب إضافة هذا السؤال إلى جملة الأسئلة التي يجيب عنها المتبرع بالدم قبل تبرعه: “هل سبق وأن زرت بهو الماريوت في الستة الشهور الأخيرة؟” أو حتى المحاولات الحثيثة التي يقوم آخرون لإقناع الجميع بأن الطريق إلى الجنة لا يمر سوى من جهنم الخاصة بهم، التي يتقنون صنعها. هل تعتقد أن الإله سيعاقبهم حضرة الطبيب، وهم لم يبقوا له على أي شيء من أمور الفصل في مصير الخلائق؟

كل الكلام الذي سبق، بكل اللا معنى الذي يحمله، أتمنى أن يترك لديك الانطباع المناسب بأن واضعي شروط الجرعة وسياساتها الدوائية لم يرد إلى أذهانهم وجود هذا القدر من المعاناة في مكان ما، لذلك خانتهم حسابات الحد الأدنى والظروف غير السارة من الحكم بشكل عادل على معاناة البشر المختلفة.

حضرة الطبيب، أرجوك، أنا في حاجة ماسة إلى زيادة الجرعة، “حبتين” ستكون مناسبة أكثر سيدي الطبيب.

 خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

مقالات ذات صلة:

  1. هل لديكم أقوال أُخرى؟

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق