“التداعيات الإقليمية للتغيير السياسي في مصر”

الكاتب:

20 ديسمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

العنوان أعلاه كان عنوانا لندوة عقدها مؤخرا بالقاهرة مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستيراتيجية الذي يترأسه الصديق الدكتور مصطفى اللباد. هدف الندوة كان محاولة تلمس الواقع الإقليمي الجديد الذي سيتشكل بعد التغيير السياسي الذي مرت به مصر ومن ثم تم طرح عدة سيناريوهات حول علاقات مصر المستقبلية مع القوى الإقليمية الرئيسية، ولأن مصر تظل الدولة الأكثر محورية في المنطقة والتي تتقاطع عندها عدة ملفات فإن توقيت مثل النقاش بالغ الأهمية على الصعيد السياسي خاصة وأن الكثير من السياسات الخارجية لدول المنطقة يتم إرساء أساساتها المستقبلية من الآن، الندوة انقسمت لخمس جلسات تناولت كل جلسة علاقة مصر بعد التغيير مع خمس قوى إقليمية (السعودية وتركيا وايران وإسرائيل وأوروبا) وهو تقسيم يتسق مع مناقشة سابقة لي مع الدكتور اللباد الذي يرى أن منطقة الشرق الأوسط رهينة الآن لتوازن قوى بين خمس دول (مصر والسعودية وتركيا وإيران وإسرائيل) لا يمكن لواحدة منها أن تحكم المنطقة، ومن ثم فإن قدرة أيا من هذه الدول لتحقيق اختراق في التوازن من خلال تحالف مع دولة أخرى سيضع الكفة في صالح هاتين الدولتين، ومن هنا كان حديثنا عن الرقم العربي في المعادلة الإقليمية (والمقصود السعودية ومصر كرقم قادر على تحييد باقي الأطراف الثلاثة الأخرى من إخلال ميزان توازن القوى الإقليمي)

كان من الطبيعي أيضا وضع الاتحاد الاوروبي على طاولة النقاش حيث أن أوروبا – شئنا أم أبينا – تظل لاعب إقليمي غير مباشر وهو أمر يحكمه بالأساس عامل الجغرافيا-السياسية التي تجعل من ضفتي المتوسط امتدادا وعمقا سياسيا لبعضهما البعض (على عكس واقع الامتداد جنوبا باتجاه أفريقيا جنوب الصحراء على سبيل المثال)، وأوروبا أثبتت مؤخرا أنها ما تزال لاعب فاعل في المنطقة وإن لم تعد لاعبا مباشرا كما كان ولن تكون أبدا اللاعب الرئيس كما كانت مطلع القرن الماضي، على أن مناقشة علاقات مصر ما بعد ٢٥ يناير مع الاتحاد الاوروبي أو إسرائيل على سبيل المثال رغم أهميتها ربما تأتي في المرتبة الثانية من الانعكاسات ذلك أن التغير المحتمل فيهما – على الأقل في المدى القصير والمتوسط – لن يتعدى التوقعات السائدة والتي كان أغلبها قائما في التحليل حتى قبل ثورة ٢٥ يناير.

أبرز الاهتمامات حقيقة تتمحور حول مستقبل علاقة مصر مع كل من تركيا وإيران وهو أمر أخذ زخما إعلاميا كبيرا بعد الثورة في مصر للكثير من الأسباب، ولذلك قد يبدو من الجدير أن أنقل أهم ما طرح في الندوة حول هذين المحورين تحديدا وكذلك بعض النقاط التي دونتها خلال الندوة تعليقا عليها.

مصر وتركيا

المتحدثون في هذا المحور طرحوا عدة نقاط هامة، الدكتورة مليحة التونيشيك – أستاذة العلاقات الدولية بجامعة أنقرة – قدمت رؤيتها بخصوص وجود مسار إيجابي للعلاقات بين القاهرة وأنقرة ربما يمثل دافعا للتحالف بينهم مستقبلا انطلاقا من فرضية قائمة على نقطتين، الأولى: أن مشكلة اختلاف النموذج بين الدولتين انتهى وهو الأمر الذي كان يعوق بناء العلاقة وخاصة من قبل الرئيس المصري السابق مبارك، ثانيا: أن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين شهدت تحسنا كبيرا حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما حوالي ٣ بليون دولار في عام 2010، وخلال زيارة أردوغان الأخيرة لمصر تم توقيع عقود بقيمة مليار دولار في يوم واحد فقط، وبالتالي فإن مصر ومن خلال هذه الرؤية تتوافق مع تركيا في التوجه المتعلق بالتنمية الديمقراطية والاقتصادية (الذي هو أساس النموذج التركي) وهو ما سيجعل بين الدولتين قاعدة مشتركة لبناء تحالفهم الإقليمي في المنطقة.

الدكتور فؤاد السعيد – كبير الباحثين بمركز الشرق – من جهته تناول مسألة كون مصر وتركيا تلعبان دوليا تحت نفس المظلة (الولايات المتحدة الأمريكية) وبالتالي فإن حظوظ تقاربهم أكبر بكثير من تقارب مصر مع قوة إقليمية أخرى كإيران مثلا، فهو يرى أن النموذج التركي في إدارة العلاقات الدولية والإقليمية مفيد جدا لمصر حيث يمكن لها أن تستفيد من تجربة تركيا في كيفية إنشاء سياسة خارجية مستقلة دون الخضوع أو الاستكانة للولايات المتحدة ودون المعارضة الواضحة لها أيضا، ومن ثم فإن حظوظ تركيا في أن تكون الملهم الأول لمصر كبيرة وخاصة على صعيدين رئيسيين هما تجربة تركيا الناجحة في الصعود الاقتصادي وتجربتها في التحول الداخلي من الحكم العسكري للحكم المدني (وهي تجربة مرتبطة أيضا بمسألة التوفيق التركي بين الإسلاميين والعلمانيين فالنموذج التركي ترتفع قدرته التمايزية كلما برز في مصر ما بات يسمى النموذج السعودي والذي يربطه الإعلام المصري بصعود القوى السلفية هناك)

مصر وإيران

الدكتور أفشين شاهي – المحاضر في الدراسات الإيرانية بجامعة دورهام بانجلترا – وضع أربعة أسباب بنيوية تمنع تطور العلاقات المصرية الإيرانية على عكس بعض الانطباعات التي ترى احتمال تغير السياسة المصرية تجاه ايران بعد الثورة. أولا: التفاعلات السياسة الداخلية في مصر وبالأخص القوى السلفية التي ستعارض التقارب مع إيران. ثانيا: الوضع الاقتصادي المصري والذي لا يشكل فرصة لإيران حيث أن ايران نفسها ضعيفة اقتصاديا مقارنة بالقوى الإقليمية الأخرى. ثالثا: التحالفات الإستراتيجة المصرية في المنطقة والتي لن تضحي بها مصر حيث لا مكاسب حقيقية من التقارب مع ايران. رابعا: حالة التنافس الإقليمي حيث أن تركيا على وجه الخصوص تشكل عامل تهديد لإيران في المنطقة وهو ما يحجم فرص إيران كثيرا. وفي النهاية فإن الوضع الاقتصادي لمصر ما بعد الثورة يفتح فرصا لتركيا أو السعودية أكبر بكثير من إيران، ومسألة قيام مصر بفتح قناة السويس لعبور سفينتين حربيتين إيرانيتين بعد الثورة أو ما يثار من فترة لأخرى حول تطوير العلاقة بينهما هو في حقيقته خطاب موجه للحصول على مزيد من المكاسب من دول الخليج أو أمريكا من خلال استخدام إيران كورقة أو فزاعة سياسية.

الدكتور مصطفى اللباد – الخبير في الشئون الإيرانية – يتفق مع هذا الرأي في كون إيران غير رابحة تماماً من الربيع العربي عموما ومن التغير في مصر خصوصا، فالربيع العربي نقل المبادئة الأيدولوجية من طهران إلى القاهرة وبالتالي فإن الحمولة الإعلامية الضعيفة للعرب والتي استفادت منها طهران انتفت بعد الربيع العربي وتغير مركز الثقل الأيديولوجي منها إلى العرب فالتمدد الإيراني في المنطقة لم يعد يحظى بأي شرعية إقليمية شعبية وأزمة النظام السوري وضعت إيران في حرج أكبر في المنطقة. الدكتور اللباد يرى أن قيام تنسيق وتحالف بين مصر وإيران مستبعد حيث الكلفة السياسية باهظة خاصة في ظل غياب قواسم مشتركة بين كلا الاثنين وصعوبة تخلي أي منهما عن مكاسبه وعلاقاته ووضعه الإقليمي، ولكن في المقابل يمكن إعادة تركيب العلاقة على أساس المصالح الوطنية المصرية بحيث تلعب مصر دورا أكبر لرأب الصدع السني الشيعي حيث مصر مؤهلة لذلك فمصر لأول مرة منذ ٥٠ عاما اصبح وضعها التساومي أمام إيران أقوى استنادا للقيم المؤسسة للربيع العربي، الدكتور اللباد هنا أشار لأهمية ما أسماه الرقم العربي (مصر والسعودية) في ظل دخول أطراف غير عربية للمنطقة ومن ثم أشار أنه لا يجب في ظل هذا إضعاف العلاقة المصرية مع السعودية.

أين تقع المملكة من هذه التطورات؟

على صعيد إيران، رغم كل التخوفات الإعلامية التي تثار في المملكة تجاه إيران وإمكانية تقاربها مع مصر فإن القراءة المتأنية تتفق مع ما ورد بأن إيران خرجت خاسرة بشكل كبير من الربيع العربي فهي لا تملك المقومات الموضوعية أو الإستراتيجية التي تؤهلها لأن تستفيد من حالة التغير في مصر، ومع ذلك تظل إيران قوة إقليمية لها حسابها في المنطقة، ولكن في المقابل فإن تركيا هي الحصان الحقيقي الذي برز بعد الربيع العربي ولذلك فعلى المدى المتوسط والبعيد ستشكل تركيا التحدي الحقيقي أمام السياسة الخارجية السعودية، وستكون مصر هي ساحة الجذب بين كلا الطرفين فالتوازن الإقليمي الحالي بين القوى الخمسة المذكورة سيعتمد مستقبله على التوجه المصري المستقبلي، كذلك على قدرة تركيا على تشكيل تحالف إقليمي مع مصر أو قدرة المملكة على دفع الرقم العربي في المنطقة من خلال إعادة تركيب العلاقة مع مصر بما يتواءم مع المعطيات بعد الثورة المصرية.

فيما يخص تركيا ومصر هناك عدة نقاط يجب أن تؤخذ في الحسبان:

أولا: إن تجربة الإسلام السياسي في تركيا تختلف بنيويا عنها في مصر، فالحديث عن النماذج السياسية هنا (تجربة حزب العدالة والتنمية التركي في مقابل حزب الحرية والعدالة المصري) يجب أن يراعي اختلاف البيئة بين الدولتين، فالحزب التركي لم يتنصل من بيئته السياسية العلمانية وهو ما أكده أردوغان في تصريحاته في القاهرة، بينما الحزب المصري الإخواني يرى إمكانية تقديم نموذج جديد ضمن بيئة إسلامية أو مؤسلمة – إن صح التعبير – ومن ثم فمنطلقات النموذجين تختلفان، والإخوان المسلمون في مصر أصحاب تجربة تاريخية طويلة ومن ثم فهذه الفرصة التاريخية لهم دافعة لتوليد أنموذجهم الخاص أكثر من مجرد نقل التجربة التركية.

ثانيا: على صعيد العلاقة بين الدولتين ما يزال التخوف كبير من استمرارية التوجه التركي بنفس قوته في المنطقة في حال خرج حزب العدالة والتنمية من الحكم في تركيا وهو أمر لم يدخل موضع الاختبار، فإلى أي مدى توجهات تركيا في المنطقة أصبحت جزءًا راسخًا من سياستها الخارجية وليس فقط سياسة حزب العدالة والتنمية؟ ثم إنه رغم كل التطورات في العلاقة الاقتصادية بين تركيا ومصر تظل هذه العلاقة أقل بكثير من حجم العلاقة الاقتصادية بين مصر والسعودية ودول الخليج.

رغم أن الانطباع العام هو أن تركيا تملك الحظوظ الأكبر للتحالف إقليميا مع مصر ما بعد الثورة وهو انطباع يستند لأسس موضوعية إلا أن التحليل على الورق يشير إلى أن تركيا لا تملك في هذا المضمار حظوظا أفضل من السعودية، وإن كان في المقابل لا يعني أن السعودية تملك حظوظا أفضل من تركيا كون الربيع العربي فرض معطيات سياسية جديدة على أرض الواقع، والخلاصة هنا هو أن المملكة تملك اليوم أفضلية السبق لإعادة تركيب العلاقة الاستراتيجية مع مصر بحيث يكون الربيع العربي دافعا لتجديد التحالف بينهما ودفع الرقم العربي في المنطقة، خاصة وأن التوازن الإقليمي بين القوى الخمس في المنطقة لابد أن يتغير بتحالف قوتين وميل الكفة لصالحهم، وإذا لم ننجح في الأسبقية لذلك فغيرنا بالتأكيد سينجح وسيتحدد شكل منطقة الشرق الأوسط مستقبلا على أسس هذا التوازن الإقليمي الجديد خاصة وأن انسحاب الولايات المتحدة من العراق خلق فراغًا سياسيًا في المنطقة لأول مرة ستملؤه دوله وليس قوى عظمى من خارجه، وعليه من هذا المنطلق فإن إعادة تركيب العلاقة الإستيراتيجة مع مصر بات أمرا مصيريا يتطلب منا قراءة واعية وشجاعة ومتعمقة لأسس الربيع العربي ويتطلب كذلك تغيرا جذريا على عدة أصعدة نتيجة تغير المعطيات على الارض، وفي السباق ينجح الأسرع.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق