بين مبدأ الاحتساب.. و نقد المحتسبين

الكاتب:

23 أبريل, 2013 لاتوجد تعليقات

كمقدمة يجب الاتفاق عليها؛ فإن مبدأ الاحتساب و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المبادئ الإسلامية المقدسة والعظيمة ..

كما يجب على الأمة المحافظة على شقي هذا المبدأ : الأمر بالمعروف .. والنهي عن المنكر..

لكن نظرا لغلبة الشقّ الثاني وغياب أو ضعف الشقّ الأول  في العمل الميداني.. انصرفت أذهان الناس عند إطلاق كلمة (الاحتساب) إلى إنكار المنكر خاصة  .. بل تمّ اختزال فكرة (المنكر) في المنكرات (الشهوانية) في الأعم الأغلب .

(1)

إلا أنه من أكبر التحديات التي تواجه تفعيل وتطبيق هذا المبدأ على الواقع؛ هو مدى الدّقة في تحديد :

– نوع المنكر ودرجته في الشريعة وحالته؛ هل هو من الصغائر أم من الكبائر .. هل هو من القطعيات أم من الظنيات .. هل هو من الأصول أم من الفروع .. هل هناك خلاف فيه معتبر أم لا.. هل وقع المنكر سرّا خفيا بشكل خاص أم مجاهرة وعلناً بشكل عام وكان ضرره متعديا!

والمترتب على تحرير هذه التساؤلات هو: تحديد الموقف المناسب قدْرا وكيفا تجاه المنكر، والاستبانة عن مدى صحة الإنكار والمؤاخذة العلنية من الجهة المخوّلة ، أم الاكتفاء بالمناصحة الشفهية، أم تُصنّف الحالة على أنها من المنكرات الخاصة التي لايحق تتبعها والتجسس عليها حتى لو وقعت.. ما لم تكن منكرا ظاهرا !

وهذا التفصيل يندرج تحت شرط ( العلم بالمنكر) الذي قرره العلماء، فليس العلم بالمنكر هو مجرد معرفته فقط، بل من العلم بالمنكر كشف نوعه ودرجته وحالته وخطورته في الشريعة، فلاتصح التسوية بين منكرات صغائر أو مختلف فيها كالموسيقى وكشف وجه المرأة و بعض صور الاختلاط، ومنكرات كبائر أو مُجمع على تحريمها كالخمر والزنا والسحر والشعوذة.

– كيفية الإنكار .. والمتعلق بشرطي : القدرة الكافية والمكافئة أو المناسبة للحدث .. وموازنة المصلحة والمفسدة أو تحقيق الإنكار بشكل لايتسبب بمفسدة أكبر كما في تعبير أهل العلم .. فليس مجال الاحتساب والإنكار محلًّا  للاجتهادات المندفعة غير المحسوبة أو التي ليس لها أثرٌ فعّال! مع ملاحظة أن قياس المصالح والمفاسد أمرٌ دقيق لايحسنه كل أحد، وكثيرا ما تخضع حالات الإنكار للأخذ بالتخرّص والظنّ والارتجال  ..

كما ينبغي مراعاة أن بعض الأحوال يكون الأقرب والأقدر عليها هو تقليل المفسدة وتحجيم المنكر ومحاصرته حسب المُستطاع، وليس القضاء عليه كليا.. لذلك ينبغي اعتبار ظروف المنكر والحال التي يكون فيها المتلبّسون به، تفاديا لحدوث مفاسد ربما تكون أعظم .

والملاحظ في الممارسات المعاصرة؛ أن الإخلال بهذين الجانبين في عملية إنكار المنكر تسبب في الوقوع في العديد من التجاوزات  ..

فثمّة ضعف ظاهر وربما  انعدام لتحرير درجة المنكر ونوعيته، و اضطراب في ترشيح الموقف الأمثل في معالجته .. فضلا عن غياب الدراسة الفقهية وضعف التأهيل العلمي المناسب لكثير من أهل الاحتساب بالمسائل الشائعة بين الناس، وربما يكون بعضها من مسائل النوازل التي تفتقر لمزيد من التكييف والتحقيق. فمن المهم العناية بدراسة وتحرير الخلاف في المسائل الفقهية التي تنتشر المخالفة والخلاف فيها بين الناس ..  ثم التفريق بين ما ينكر عليه ، وبين مايسوغ فيه الخلاف ولايقبل الإنكار .. أو على الأقل مالاينبغي التشنيع والتشنّج تجاه المخالف فيه  !

إن من آثار الإخلال بفهم تفاوت درجات المنكر: حصول الاضطراب في ردة الفعل المناسبة للحدث، مع الخلط والتضخيم والمساواة بين المنكرات مع تفاوت مراتبها في الشريعة ..

ويتضح الإشكال في حملات التجييش الاجتماعي ضد بعض المنكرات التي تُصنّف في خانة الصغائر أو ماجرى فيه الخلاف كالحجاب والموسيقى واللحية ونحوها، أو ما كانت فيه المسائل من النوازل التي تتقارب فيها الأقوال كعمل المرأة أو قيادة المرأة للسيارة ومشاركة المرأة في الشورى أو إغلاق المحلات التجارية أثناء الصلاة .. ثم يظهر المخالف في هذه المسائل وكأنه شاذّ أو مرتكب كبيرة.. وهذا من الظلم والبغي العلمي والاجتماعي..

لذلك؛ يجب التأكيد على بطلان التهويل المبالغ فيه لبعض المنكرات التي تتراوح مابين مسائل صغائر أو مما يسعه الخلاف الفقهي .

كما ينبغي المطالبة والسعي (لتقنين المنكرات) وتحديد أوصافها وضبط الطرق والمسالك في إنكارها ومعالجتها، وتضييق دائرة الارتجال والاجتهاد الشخصي من العضو المحتسب.

مع ضرورة  نشر أنواع المنكرات وإعلانها بين الناس لنشر ثقافة الاحتساب مع الوعي بالحقوق، حتى يعرف الناس حدودهم وحقوقهم و يأمنوا من التعدي على حرياتهم وخصوصياتهم! ونشر الوعي في المجتمع بدرجات ومراتب المنكرات والفروق بينها، مع بيان المسائل الخلافية الشائعة؛ لتفادي التعصب والتشنج ضد المخالف والمفضي للتنازع والتحزّب المجتمعي..

والمطالبة باعتبار هذه التفاصيل لايعني التخفيف من وطأة المنكر ولا التهوين من شأنه بقدر ما هو مطلب لسد الباب ضدّ الغلو واستغلال هذا المبدأ في التعدي على حقوق وأعراض الآخرين سواء كانوا مخالفين أو عصاة بنظرنا ! مع الدفع نحو مراعاة الحال واعتبار الملابسات واختيار الوسيلة الأنسب والأنجع والأهدى في تحقيق الإنكار الذي تتحقق به المصلحة و الهداية وليس مجرد إعلان الحرب والاستقواء والمغالبة والاصطفاف أكثر من تحقيق الأصلح للدعوة والناس ..

هذا من جهة المنكر في ذاته والموقف في تكييف درجته ..

(2)

ومن جهة عملية الإنكار الميداني .. يجدر التفريق بين مبدأ الاحتساب .. وبين الهيئة وأعضائها.. أي الجهة التي تتبنّى العمل الإداري الرسمي للاحتساب ..

فمبدأ الاحتساب هو المقدّس ..

أما أعضاء الهيئة والمحتسبون فعملهم بشري يعتريه الخطأ و التقصير وربما سوء استخدام السلطة-بحسب التعبير الوظيفي – .

إن من المغالطات السلبية في خطاب بعض الدعاة تصوير حالة من التماهي بين الهيئة كجهاز وأعضاء وبين مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكأنهما شيءٌ واحد .. مما يصعّب ويعرقل عملية التصحيح والنقد ، ويسحب النقد الموجّه للنظام والممارسة في الهيئة على نقد المبدأ في ذاته! حتى يعتقد عوام الناس أن نقد الهيئة وأعضائها هو نقدٌ للدين وشعيرةِ الاحتساب فتنسحب هالة التقديس على الهيئة وأعضائها وكافة ممارساتهم .. وهذا المفهوم المروّج في المجتمع باطل ومُضرّ بالمبدأ حينما نعلّقه على التصرفات البشرية المليئة بالارتجال والأخطاء ..

وحتى لو كانت المهنة شريفة ومقدّسة فلايلزم من ذلك سلامة موظفيها من الخطأ والتقصير أو الاعتقاد بندرة الخطأ عندهم .. أو التعصّب والانتصار لهم مطلقا بعلم أو بدون علم .. بحجة الوقوف معهم ضد المناوئين والليبراليين ونحوهم ممن يُعتقد فيهم أنهم يريدون هدم الشريعة ..

وهاهي المِهَن الشريفة كثيرة كالتعليم و حفظ الأمن وغيرها .. ومع ذلك يقع المعلمون ورجال الأمن في الأخطاء والتقصير .. وينتقدهم الناس وبشدة أيضا .. و لايتعصب أو يتعجب المجتمع من نقدهم !

وليس معيبا ولا غريبا أن يقع المحتسبون في الأخطاء أو فيما هو خلاف الأحكم والأولى، فهاهم أهل القرون الفاضلة قد وقعوا في ذلك، فقد ورد في موطأ مالك وغيره عن أحد الصحابة حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم محتسباً ورفع له شأن ماعز بأنه واقع جاريته، فقال له رسول الله عليه السلام : (يا هزَّال بئسما صنعتَ ، لو سترتَه بطرف ردائك لكان خيرا لك ) .. وفي مصنّف عبدالرزّاق وغيره أن عبدالرحمن بن عوف قال : خرجتُ مع عمر بن الخطاب ليلة من الليالي نحرس المدينة … فرأينا سِرَاجا، فقال عمر: هل تدري أين هذا السراج؟ قال هذا في دار ربيعة بن أمية بن خلف وهم شُربٌ الآن [= سُكارى]، قال: فتيممنا داره حتى سمعنا اللّغَط والأصوات؛ فقال عمر: ما أظننا إلا قد جئنا ما لايَحِلُّ لنا، فقلت: أجل .. فانصرفنا .

وأورد ابن مفلح في الآداب الشرعية أثراً بسنده ، وفيه أن رجلا دخل على سفيان الثوري بالبصرة، وقال له: يا أبا عبدالله إني مع هؤلاء المحتسبة، ندخل على هؤلاء المُخنَّثين، ونتسلق على الحيطان، فقال سفيان: أليس لهم أبواب ؟! قال: بلى، ولكن ندخل عليهم لئلّا يفرّوا، فأنكره سفيان إنكارا شديدا وعاب فعلنا !

فها هو الخطأ قد وقع من أهل الاحتساب في القرون الفاضلة، وكان إما مخالفا للحكمة أو كان حراما كما في التجسس والمداهمة في المنكرات الخاصة الخفية. ولم يتساكت الناس عن النقد والمراجعة بل أنكروا على بعض، وسجّلت كتب الآثار الخطأ في الاحتساب والإنكار الحاصل عليه! ولم يؤثر ذلك النقد على قيمة مبدأ الاحتساب، ولا أسقط النقد من قيمة وهيبة المحتسبين حينما كانوا صادقين و أوَّابين للحق ولم تأخذهم العزّة بالإثم!

وهكذا حال كل الأعمال والوظائف التي فيها مواجهة واحتكاك بالجمهور هي مظنة الأخطاء والتقصير بل والتعسّف والاعتداء ظلما.. واختلاف الاجتهادات ووجهات النظر .. فلا تصح الحساسية المفرطة من نقد أعضاء الهيئة فهم بشر من البشر وهم كغيرهم من أطياف المجتمع .

بل من المصلحة التشديد على الفصل والتفريق بين مبدأ الاحتساب وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  عن اجتهادات المحتسبين .

حتى لايستغلّ المخالف المتطرّف أخطاء المحتسبين وأعضاء الهيئة في ضرب المبدأ !

وليس من مصلحة مبدأ الاحتساب أن يظهر المحتسبون بمظهر الجلّاد الفظّ الغليظ، الحريص على تأثيم المجتمع، وشيطنة كل العصاة، وإشعار الناس بأنهم هالكون، وقد ورد النهي عن مثل هذا الإشعار – إذا تجاوز حيّز الشفقة والتحذير- في صحيح مسلم في حديث ( مَن قال هلك الناس فهو أهلكهم)، قال الخطابي في بيان معنى الحديث ” لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدّاه ذلك إلى العُجب بنفسه و رؤيته أنه خيرٌ منهم”.

إن من صور الفظاظة في تقديم مبدأ الاحتساب صورة التقريع والتحقير للمخالف .. والتي  تكرّس نظرة المجتمع الاحتقارية للمخالفين وأهل المعصية، بحيث يرفع عنهم كل وصف إنساني ويجعل أعراضهم مستباحة للسب والشتم والقذف، بدون أيّ شعور بتأنيب الضمير، وهذا مخالف لردة الفعل الشرعية الرحيمة والمشفقة كما وردت في عدة نصوص، كما في حديث المرأة البغي التي غفر الله لها حينما عطفت وسقت الكلب، فالشرع لم يُلغ إنسانية هذه المرأة التي امتهنت عملا مُحرّما وكبيرا، بل كانت إنسانيتها وعاطفتها سببا في غفران الرحمن. وكذا الرّجل الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقد أقام علاقة مع امرأة بطريقة محرمة فقبّلها وفعل بها ما يفعل الرجل بزوجته غير أنه لم يُجامع! .. لم يستقبله النبي عليه السلام بتعنيف ولم يطالب بالبحث عن رفيقته التي فعل معها فعلته، بل بمجرد أنْ لمس الشعور بالندم اكتفى بتبليغه بأن صلاته المفروضة كفارةٌ له، وقرأ عليه وحي الرحمن: (إن الحسنات يُذهبن السيئات).

إن في تفريغ مبدأ الاحتساب من البُعد الإنساني تجفيفا لهذا المبدأ من هدفه الأساس؛ وهو خدمة الإنسان بحمايته من داعي الهوى والشيطان!

ومهما كان الحقّ مع أهل الاحتساب؛ فإن هذه المظاهر كافية في التنفير، وقد حذّر الله جل وعلا نبيّه عليه السلام مع علوّ مقام النبوّة بقوله: ( ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك )، فلايكفي أن يكون الحق معك؛ إذا لم تعرف كيف توصله وتؤدّيه بالتي هي أحسن !

إن في التغافل عن النقد والمراجعة لعمل أعضاء الهيئة الميداني تكريسا للأخطاء المتكررة والتي قد تتسبب في الوبال على هذا الجهاز  ، كما أن المناصرة المندفعة ضدّ كل من ينتقد الهيئة سيخلق حالة من الصمم والغفلة والتجبّر على الخلق .

(3)

إن من أهم مطالب التصحيح التوعوي في باب الاحتساب:

  • تطوير الوعي الديني للمجتمع في استيعاب الفرق بين قدسية المبادئ الدينية .. وبشرية التنفيذ والممارسة والفهم عنها .. فليس كل ما يصدر عن الشيخ أو الداعية أو المحتسب من ممارسة أو فهم يكون معصوما تحرم مخالفته ونقده .. بل القدسية والتعظيم هي للمبادئ والمُحكمات، ويبقى التصرف البشري اجتهادا يقبل النقد والمراجعة والتصحيح..
  • كما أنه من الجدير أيضا؛ تطوير الوعي الديني في المجتمع لاستيعاب الخلاف الفقهي المعتبر، والذي ربما غاب كثيرا عن التداول، لكنه في زمن العولمة الفقهية والإعلامية وتطوّر البحث ثبتَ الخلاف الفقهي المعتبر في كثير من المسائل الفقهية التي اعتقد الناس إلى زمن قريب أنها محسومة و لاخلاف فيها .. فينبغي على الخطاب الوعظي والحركة الدينية الدعوية تقبّل الخلاف – حتى لو لم يكن راجحا عند مشايخ البلد – واحترام المخالف وتوعية الناس والدعاة والمحتسبين بهذه المسائل من أجل تخفيف حدّة التعصّب والتشنّج وما يتبعه من التفرّق والتحزّب .. وإشاعة مبدأ التعايش والتسامح في ظل الخلاف الفقهي والفكري.
  • التوعية بثقافة الاحتساب مقرونة بثقافة الحقوق، وتمييز الفرق بين الحقوق الشخصية والحدود العامة الشرعية،  لضبط الانفعالات وحفظ الحقوق والحدود والأعراض من الاختراقات والتعدّيات سواءً بحجة الاحتساب أو بحجة الحرية الشخصية !
  • التوعية بالفرق والتفاوت بين مسائل الفقه العملية بحسب القطع والظن، والفرع والأصل، والكبير والصغير، والكلي والجزئي. وما يترتب على ذلك من فقه التعامل وإنزال المسائل منازلها المناسبة، وضبط الانفعالات بحسب درجات الحالات بلا مزايدة على الغيرات فوق ما رتَّبته الشريعة، فليست كل دعوى بالغيرة والغضب لله تكون دعوى صحيحة أو مقبولة شرعا، بل ربما تكون لغرض شخصي أوهوىً خفي أو لغلبة الطبع والعادة والمزاج الحادّ الذي يختفي أو يختلط بستار الحميّة الشرعية! ومقتضى العدل أن تُقدّر الأمور بقدرها !
  • الحذر من ضرر إدارة الخلاف في الموقف من المحتسبين والمسائل الخلافية بصيغة المفاصلة ( مَنْ لم يكن معي فهو ضدي)، والوقوع تحت تأثير الصراع والاصطفاف الآيديولوجي/الفكري، فتنقلب ممارسات الاحتساب من الإصلاح و الهداية إلى الانتقام والعداء الشخصي!
  • كما  يجب أن يتوسع في أذهان وانفعالات واهتمامات المجتمع مجالات المنكرات المُهمّشة؛ كالمنكر الاقتصادي: الواقع في بيوع الربا والعِينة والغش التجاري والاحتكار والغلاء الفاحش في الأسعار وغيرها .. والمنكر الإداري: الواقع في تأثير المحسوبيات والوساطات في التوظيف وترسية المناقصات وإهمال العمل والتوسع في إهدار المال العام والكيد الوظيفي بين الإداريين وتجاه الجمهور وغير ذلك .. والمنكر الاجتماعي: الواقع في عقوق الوالدين وقطع الأرحام والعنصرية والفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والبذخ والتباهي والتعدّي بالسب والقذف على أعراض الآخرين سواء بشكل خاص أو في وسيلة إعلامية وغير ذلك كثير .. وأيضا المنكر السياسي: الواقع في الاستبداد والاستئثار بالسلطة وسوء توزيع الثروات والاعتقالات التعسّفية … ونحو ذلك من مجالات المنكرات التي هي أعظم وأبعد أثرا من كثير من المنكرات التي يرتكز عليها نشاط الهيئة في صورتها الحالية !

إن الاستقبال البارد والتفاعل الضعيف ضد هذه المجالات والأنواع من المنكرات خلق في اعتقاد عموم الناس أنها منكرات بسيطة وصغيرة وهامشية ولاتستحق الانفعال كتلك التي يحدث حولها الصَّخب كالغناء والكاشيرة وقيادة المرأة للسيارة !!

إن إضعاف أو إعدام العقل التحليلي و التفصيلي للتفريق في قراءة وفهم المواقف والأحداث سيعود بالسلب على العقل الجمعي للمجتمع، حيث ستُخلق بيئة صالحة للتعصب والتحزّبات والاحترابات الفكرية وسينتج حالة من التنازع المستمر نحو الفشل والإخفاق، كما ستُنتج هذه الحالة مزيدا من المتعصبين والمتطرفين والإقصائيين في كافة الاتجاهات الدينية والليبرالية وغيرها.

وحينما يغيب التفكير الاستفصالي .. ويحضر التفكير الانفصالي الاستئصالي .. سيفاجأ المجتمع بحالات من التمرّد لم يتوقعها، وسينطلق كلٌ من جهته في سرد مظلوميته ونشر بكائياته لكسب تعاطف الجماهير بطرق غير موضوعية وغير عادلة ولاصادقة وبهدف المغالبة والاحتراب لا الهداية والرحمة.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

عن وائل الحارثي

متخصص في أصول الفقه ومحاضر في جامعة أم القرى
زيارة صفحة الكاتب على تويتر

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق