الطريق إلى ساحة التغيير (6-6)
بعد منتصف الليل .. على الرصيف تحت ضوء الشموع

الكاتب:

30 سبتمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

في حدود الساعة الرابعة والنصف من عصرِ يوم الجمعة، توجهتُ برفقة فؤاد الحميري للقاء الأستاذ محمد قحطان _ وهو الناطق الرسمي باسم اللقاء المشترك _ وسط خيمته في ساحة التغيير.

حين التقيتُ بفؤاد الحِميري في منزل الصديق شوقي القاضي، لم أكن قد سمعتُ به من قبل.. وقد بدا شاباً نحيل الجسم، في حدود الثلاثين من عمره.. ولكن بعد ذهابي معه إلى ساحة التغيير، ومرورنا على عددٍ من نقاط التفتيش عند مداخل الساحة، لاحظتُ أمراً لافتاً.. حيثُ لا أكاد أمرُّ مع فؤاد على جمعٍ من الشباب المسؤولين عن إدارة بعض مرافق الساحة، إلا ويقومون بالسلام عليه باحتفاء.. وفي نقاط التفتيش، كانوا بمُجرد ما يرونه، يدعوننا للدخول دون تفتيش.. عندها قلت له باندهاش: ياعم فؤاد ما قصة كل هذه العلاقات وهذا الاحتفاء؟!

بعد ذلك عرفت أن فؤاد الحميري هو أحد ألمع شباب ساحة التغيير وأكثرهم شُهرة.. وهو بمعزل عن كونه شاعراً بليغاً ومعروفاً (يُسمى شاعر الثورة)، وناشطاً سياسيّاً بارزاً.. كان فؤاد هو الخطيب في أشهر جمعةٍ مرّت في تاريخ الثورة اليمنيّة (جمعة الكرامة 18 مارس)، والتي شهدت أول وأكبر مجزرةٍ تعرضت لها الثورة في العاصمة صنعاء.. وعلى إثرها انضمّت قطاعات كبيرة من النِظام والجيش إلى صف الثورة (وفي مقدمتهم الفرقة الأولى التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر).. لذلك يُعدّ هذا الشاب النحيل (فؤاد الحميري) من أشهر خُطباء الثورة، إن لم يكن أشهرهم.. ومن يستمع إلى خطبته في جمعة الكرامة (موجودة كاملة على موقع اليوتيوب) سيعرف تماماً أيُ بلاغةٍ وفصاحة يملكها هذا الشاب.. وقد خطب فؤاد الحِميري في حشود الثورة مرة أخرى يوم 9 سبتمبر في جمعة (نصرٌ من الله وفتحٌ قريب)، وهي موجودة أيضاً في النت.

وبسبب النشاط السياسي وحضوره اللافت منذ بداية الثورة اليمنية.. صار فؤاد الحميري من أهم المطلوبين أمنيّاً للنظام.. لذلك _ ومنذ جمعة الكرامة _ هو لا يُغادر ساحة التغيير والمناطق الخاضعة لسيطرة القوات الموالية للثورة.. حتى لا تتعرض له قوات النظام بالقتل أو الاعتقال.

في حدود الساعة الخامسة وبضع دقائق، وفي خيمةٍ متواضعةٍ وسط ساحة التغيير، التقيت الأستاذ محمد قحطان، الناطق الرسمي باسم اللقاء المشترك، والمُنتمي لتجمّع الإصلاح.. وبالطبع شاركنا اللقاء فؤاد الحميري، إضافة للحقوقي خالد الآنسي.. ودار حوارٌ حول عددٍ من القضايا، من أهمها: تقييمه للموقفين السعودي والأمريكي من الثورة.. خاصة أن الشارع الثوري في اليمن لا يكف الحديث عن السعودية تحديداً باعتبارها الطرف الذي يستطيع حسم الموقف مع الرئيس اليمني وإجباره على التنحي.. بل اتضح لي أن كثيراً من اليمنيين يشعرون بأن اليمن أشبه بمُستعمرة سعودية.. وأن القرار الأخير فيما يخص نظام الرئيس صالح يُتخذ في الرياض.. وهو ما أدّى إلى ظهور موجة غضب من الموقف السعودي تجاه الثورة.

مع الأستاذ محمد قحطان والصديق فؤاد الحميري

وقد بدا لي بوضوح تباين الموقف تجاه السعودية تحديداً بين فصائل الثورة.. ففيما تُبدي كثيرٌ من فصائل الثورة والمجموعات الشبابية امتعاضها الشديد من الموقف السعودي.. يقوم اللقاء المشترك _ وتجمع الإصلاح بشكل خاص _ بالتعامل الدبلوماسي الودود، الذي يحمل رغبة بعدم توتير العلاقة مع الجار السعودي.

أيضاً سألتُ محمد قحطان عن شيءٍ من الخلافات التي بدت واضحة في ساحة التغيير بين قوى الشباب من جهة، وأحزاب اللقاء المشترك من جهة أخرى، وذلك حول عددٍ من الملفات، في مقدمتها موضوع الرغبة في التصعيد الثوري الميداني تجاه النظام.. وهو الأمر الذي لا تُحبّذه أحزاب اللقاء المشترك، لمعرفتها بحجم الدماء التي ستنزف في هذا التصعيد.. لذا هي تميل إلى إيجاد حلٍ سياسي.

وفي حدود الساعة السادسة من مساء الجمعة شكرتُ الأستاذ محمد قحطان على لُطفه.. ومضيتُ بصحبة فؤاد الحميري للتجول في ساحة التغيير.

*    *    *    *

من ضمن الأسئلة التي كنتُ أسألها لغالبِ من ألتقيهم.. عن التوزيع المذهبي في اليمن.. من ناحية التواجد في المحافظات من جهة.. وعن النِسب العددية من ناحية أخرى.. وتحديداً عن نِسبة المُنتمين للمذهبين الزيدي والشافعي.. خاصةً أن اليمن كانت خاضعةً لأكثر من ألف عامٍ لحُكمِ أئمةٍ من المذهب الزيدي.. وكان ذلك يُوحي للكثيرين بأن غالبية أهل اليمن مُنتمون إلى هذا المذهب.

ولكن ما فاجأني، واتفق عليه كل من سألتهم _ من أبناء المذهبين _ أن نسبة المُنتمين إلى المذهب الزيدي في الجمهورية اليمنيّة بشقيها الشمالي والجنوبي لا يقل عن 20%، ولا يزيد على 30% .. ويتواجدون في المُحافظات الشمالية من اليمن الشمالي.. أما غالب المُحافظات الجنوبية لليمن الشمالي، وكامل سكان اليمن الجنوبي، فهم شافعية المذهب.. علماً أن اليمن يحظى بميزة تتمثل بأن الحضور المذهبي في الصراع الديني والسياسي محدود جداً، ولا يترتب على هذا الاختلاف المذهبي أي تمايز اجتماعي أو ثقافي أو سياسي.. حتى إن بعضاً من أهمّ عُلماء المذهب الزيدي _ كالشوكاني والصنعاني _ نجد أن لكُتبهم واختياراتهم حضورٌ كبير عند العلماء وطلبة العلم في الوسط السني.

*    *    *    *

قرر فؤاد الحميري أن يأخذني في جولة على كل شوارع وأزقة ساحة التغيير، من أقصاها إلى أقصاها.. مررنا خلالها على كثيرٍ من المواقع التي شهِدت مواجهاتٍ في بدايات الثورة، ومجازر، وأبنية كان يتمركز فيها قناصةٌ موالون للنظام.. وفي هذه الجولة _ التي تخللتها صلاتي المغرب والعِشاء جمعاً _ حرصتُ على أن أسأل فؤاد عن كل ما يخص تشكيلات الشباب في الساحة، وتباين أفكارهم، وطبيعة مواقفهم من الأحزاب.. وكنّا كل حينٍ نمرُّ على خيمةٍ تعود إلى مجموعةٍ شبابيةٍ مُشاركةٍ في الثورة (من مثل: التحالف المدني للثورة الشبابية.. اتحاد شباب الثورة.. ائتلاف ثورة التغيير السلمي.. شباب التنمية والتجديد …الخ)، ويقوم فؤاد بالحديث عن هذه المجموعة وطبيعة تكوينها، وربما قابلنا على مدخل الخيمة بعض أفرادها.. أيضاً مررنا على مقرّ (المُنسقية العليا للثورة اليمنية) التي تُمثل أكبر تكتل للمجموعات الشبابية الناشطة في الساحة.. وفؤاد الحِميري هو الناطق الرسمي باسم هذه المنسقيّة.

من يتجوّل في مسارب ساحة التغيير، ويقترب من الأحاديث التي تدور في شوارعها الخلفيّة.. يلمس بوضوح أن هناك شيئاً من التوتر يشوب العلاقة بين إطارين مُهمين مُشاركين في الثورة، هما (المجموعات الشبابيّة المُستقلّة) و(أحزاب اللقاء المشترك).. حيث يرغب الشباب بمزيدٍ من التصعيد الثوري لحسم المعركة، ولو تخلل ذلك ارتفاعٌ في أعداد الضحايا.. فيما يُفضّل اللقاء المشترك أن يتمّ الحسم عبر حلٍ سياسيٍ بدل سفك الكثير من الدماء.. من جانبهم يرى الشباب أن أحزاب اللقاء المشترك لا ترغب في التغيير الجذري للنظام.. لأن بعض قادتها كانوا جزءاً من هذه السُلطة في السابق.. لذا هم يرغبون فقط في تنحي الرئيس، ومن ثمّ القيام بترتيبات المرحلة الانتقالية بعد تولي نائب الرئيس _ مؤقتاً _ لمهام الرئاسة.. فيما تُريد المجموعات الشبابية المُستقلّة إسقاطاً كاملاً لكل أركان النظام.

أيضاً يشعر الشباب بأن أحزب اللقاء المشترك _ الذي يمثل أفرادها قرابة الـ 60% من المشاركين في الساحة _ هم من يُديرون ساحات الاعتصام، وهم أصحاب القرار في المنصة الرئيسية الموجودة بساحة التغيير.. لذلك قررت بعض المجموعات الشبابية المُستقلة أن تقوم بوضع منصّة أخرى تكون خاصة بهم.. ولكن إدارة الساحة _ المكوّنة من مُمثلين لغالب التشكيلات _ رفضت ذلك.. حتى لا يكون هذا الفِعل مدخلاً لتفرّق صوت المُعارضة.. خاصة أن ذلك قد يفتح الباب كي يُطالب كل فصيلٍ بأن تكون له منصّة خاصة.

وفي تلك الليلة _ ليلة السبت _ رأيتُ مسيرةً لشبابٍ من المجموعات المُستقلة.. تدور في أرجاء ساحة التغيير.. وتُردد هتافاً يحمل تلميحاً لأحزاب اللقاء المُشترك:

ثورتنا ثورة شباب  ،،  لا حزبية ولا أحزاب

وبعد قليلٍ بدأت مسيرة أخرى لمجموعاتٍ من الشباب المُنتمين لأحزاب اللقاء المشترك _ وتجمّع الإصلاح بشكل خاص _ تطوف هي أيضاً ساحة التغيير، وتهتف:

ثورتنا ثورة شباب  ،،  تدعمنا فيها الأحزاب

ثم هتف الشباب المُنتمون لأحزاب اللقاء المشترك بما يوصل رسالة إلى الشباب المستقلّين بوجوب الصبر، وخطر الانجرار إلى تقسيم الساحة حزبيّاً ومناطقيّاً وقبليّاً:

يا شباب الصبر والله معاكم  ،،  لا لشق الصف والعنصرية

وساحة التغيير بتحقق هدفها  ،،  للعقول الفاهمة والذكية

مسيرة شبابيّة ليليّة

مسيرة شبابيّة أخرى على ضوء القناديل والشموع

ومن تابع خطابات الرئيس علي عبدالله صالح، سيجد بوضوح كيف كان يهدف إلى التودد ومخاطبة (شباب الثورة) كما لو كان قريباً منهم.. وفي نفس الوقت التحذير من أحزاب اللقاء المشترك التي وصفها بأنها خطفت ثورة الشباب.. وذلك في مُحاولةٍ لشق صف الثورة، وضرب أسفين بين الأحزاب والمجموعات الشبابية المُستقلة.. ولكن بالطبع كان كلا الطرفين (الشباب والأحزاب) واعياً لمقاصد السُلطة.

في قرابة الساعة الثامنة والنصف حضرنا شطراً من الندوة السياسية التي تُعقد كل ثلاثاء وجمعة على المنصّة الرئيسية في الساحة.. وتشهد عادة حضوراً كبيراً.. وكان الحديث يدور بين سياسيين ينتمون إلى أحزاب مُختلفة عن مُستقبل اليمن بعد الثورة، وإشكالات التنمية المُعاقة في المُحافظات.

بعد قليلٍ ودعني الصديق فؤاد الحميري الذي كان مرتبطاً بحضور اجتماعٍ لقوى الشباب يُعقد في التاسعة مساءً.. وبقيتُ وسط الساحة بانتظار صديق آخر سيأتي قرابة الساعة التاسعة والنصف.. وخلال فترة الانتظار.. ذهبتُ إلى كشكٍ وسط الساحة يبيع صحفاً ومجلات.. واشتريتُ منه نسخةً من كل الصحف المحسوبة على المعارضة.. وهي تزيد على عشرة صحف.. غالبها ينتمي لاتجاهاتٍ فكريةٍ وحزبيةٍ معروفة، وبعضها مُستقل.. أخذتُ هذه الصحف.. وطلبتُ كوب شايٍ من طاولة صغيرة تقع بقرب كشك الصحف، وقد كتب صاحبها عليها (شاي الأحرار.. ذوق وكيف للثوار).. وجلستُ على رصيفٍ قريبٍ من وسط الساحة.. وأخذتُ أتصفّح وأقرأ فيما كان معي من صُحُف.

شاي الأحرار، أهمّ المُحفزات للثورة 🙂

وبعد أزيد من نصف ساعةٍ جاءني الصديق عبدالعزيز السقّاف.. وهو شابٌ في منتصف الثلاثين.. ينتسب لأسرة من الأشراف تنتمي إلى اليمن الجنوبي.. وقد نشأ عبدالعزيز قريباً من الأوساط السلفيّة.. ودرس وعمل في العراق والسعودية لبضع سنواتٍ قبل أن يعود إلى اليمن..

وهو من تواصل معي قبل قرابة العامين _ عبر الإيميل _ يطلب الإذن بطباعة كتاب أشواق الحرية في اليمن.. وبعد ذلك جرت بيننا بعض المراسلات.. والآن ألتقيه لأول مرة.

تجولت برفقة عبدالعزيز مرة أخرى في شوارع ساحة التغيير.. ثم حضرنا ندوة كانت قائمة في خيمة “المنتدى السياسي” بعنوان: (قناة الجزيرة ومدى تأثيرها في الثورات العربية بين الشعوب والأنظمة)، وكانت تشهد نقاشاً حاداً بين الضيوف والحضور عن دور قناة الجزيرة في الثورات، ولماذا هي تُقلل من حجم تغطيتها لثوراتٍ، فيما تتابع كل دقائق ثوراتٍ أخرى.. وعن سياسة قطر ودوافعها من دعم الثورات.. وسوى ذلك من موضوعاتٍ تكاد تتكرر في كل مرة يدور فيها الحديث عن قناة الجزيرة.

ندوة في "المنتدى السياسي" عن قناة الجزيرة

وبعد نصفِ ساعةٍ من أجواء السجال الصاخبة عن دور قناة الجزيرة.. دعاني الصديق عبدالعزيز لمطعمٍ يقدِّم وجباتٍ يمنية تقليدية.. وفي طاولة قصيّة جلسنا.. وتناولنا عدة أطباقٍ محليةٍ، على ضوء الشموع وقناديل الغاز.

وقريباً من منتصف الليل.. بعد أن خَلَد الجميع للنوم.. وساد السكون في طُرُقات الساحة وأزقّتها.. ودّعتُ عبدالعزيز السقاف.. وقررتُ أن أتجول وحيداً وسط العتمة التي غلّفت كل أرجاء ساحة التغيير.. سوى من بضع قناديل مُضاءة ومنثورة هنا وهناك.. ووسط لسع البرد.. جلستُ على رصيفٍ وسط ساحة الاعتصام.. وفتحتُ جهاز الآيفون.. وكتبت:

*    *    *    *

هذه ليست ساحة اعتصام.. هذه ساحةٌ للشِعر، والخيال، ومُطاردة الحُلُم.

وهذا ليس ميدان ثورة.. بل هي أرضٌ تصنعُ من النِضال، والدم، لحناً عذباً مليئاً بالشجن.

هذه ساحة التغيير.. قلب صنعاء الذي لا يكفُّ عن الخَفَقان.. ونبضها المُشبع بكثيرٍ من الطموح والإصرار.

هنا الوطن الذي قرر فيه الشباب أن يصنعوا ثورة.. وأن يقتلعوا بأيديهم غابات الشوك التي زرعها الأوغاد منذ عقود.. وأن يقطعوا شرايين الجسد.. كي يسقوا بدمائهم جذور الأمل، وأشجار البنفسج واللوز، وجذوع السنديان.

هنا اليمن الذي أشقاه الفقر والظُلم.. فقرر فيه الشباب أن يعود سعيداً.

*    *    *    *

كان موعد رحلتي التي ستُقلع من صنعاء إلى القاهرة في الساعة الواحدة من ظهر يوم السبت 16 يوليو.. قال لي الصديق شوقي القاضي إنه سيمرُّ عليَّ قرابة الساعة الثامنة صباحاً، كي نذهب في جولة بالسيارة على بعضٍ أرجاء صنعاء التي لم أرها.

وفي الساعة الثامنة.. ركبتُ مع شوقي.. واتجهنا إلى بعضٍ من نواحي العاصمة.. رأيتُ عدداً من خطوط التماس، والمَفَارِز العسكريّة الفاصلة بين مناطق الطرفين.. ثم دخلنا إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات الموالية للرئيس.. وذهبنا إلى (ميدان التحرير) الواقع وسط المنطقة التجارية، الذي ملأته السلطة قبل بداية الثورة بخيام بلاطجةٍ موالين لها.. ثم مررنا على شارع السبعين وميدان السبعين الذي يحشد فيها الرئيس أنصاره في كل جمعة (فيما كانت المُعارضة تقيمُ البارحة جُمعة “الدولة المدنيّة الديمقراطية”.. كان الموالون للرئيس يُقيمون جُمعة “العِرفان والامتنان لخادم الحرمين الشريفين”، في محاولةٍ دائمةٍ من الرئيس صالح لزج السعودية كطرف في الصراع).. ورأيتُ مواقع القصر الرئاسي، ورئاسة الوزراء، وبعضاً من مرافق الدولة.. ومررنا أيضاً على مسجدٍ ضخمٍ جدّاً بناه الرئيس قبل أعوامٍ، وأسماه باسمه (مسجد الصالح).. ويُشكل هذا المسجد جزءاً من حالة الترميز والنرجسيّة المُتضخمة التي أصابت الرئيس في العقد الأخير، وجعلته يبني أفخم المباني والمواقع ويُسمّيها باسمه.

أيضاً مررنا على حيّ الحَصَبَة، الذي يحوي قصر صادق الأحمر وبعض إخوته.. وهو موقعٌ مليءٌ بالتحصينات ومقاتلي القبائل.. حيث تشهدُ هذه المنطقة دوماً معارك عنيفة، وقصفاً متبادلاً، بين مواقع الأحمر، ومعسكرات الحرس الجمهوري الواقعة في جبلي نقم والنهدين.

تبدو صنعاء _ كما ذكرت _ وكأنها بيروت وسط الحرب الأهلية.. مُمتلِئة بالحواجز، وخطوط التماس، والمناطق الفاصلة، والكانتونات المُغلقة، والمُربعات الأمنيّة.. ولكنها كانت موعودةً بفجرٍ جديد.. فجر الدولة المدنيّة الديمقراطية.. التي تعلو فيها قيم العدل.. وتتساوى فيها الحقوق.. وترجع فيها الإرادة للأمة.

في ساحات التغيير، سفك اليمنيّون دماءهم وأرواحهم من أجل قيام (الدولة العادلة).. ورابط الشباب شهوراً في مواقع الاعتصام سعياً وراء الحُلُم بمستقبلٍ حُرٍ يصنعونه بأيديهم.. وقابل الأحرار القذائف والرصاص بصدورٍ عارية ملؤها الإيمان، والعزيمة.. فصنعوا ثورةً سلميّةً أبهرت العالم.

في الحادية عشرة صباحاً.. وبقُرب بوابة المطار.. ودّعتُ صديقي العزيز شوقي القاضي.. وشكرته كثيراً على لطفه وكَرَمه.. وتوجهت إلى صالة المُغادرين.. عائداً إلى القاهرة.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق