الطريق إلى ساحة التغيير (2-6)
جولةٌ في قلب اليمن الثائر .. ساحة الاعتصام

الكاتب:

26 سبتمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

وصلتُ إلى الفندق في قرابة الساعة الثانية ظهراً.. فاتفقتُ مع شوقي وهاني على أن نبدأ جولتنا في الساعة الثالثة والنصف.. صليتُ الظهر والعصر جمعاً وقصراً.. ووضعتُ ما كان معي من أجهزة إلكترونية (جوال، كاميرا، لابتوب) على الشاحن (أخبرني موظف الفندق أول وصولي أن الكهرباء تتقطع كثيراً، وأنها اشتغلت قبل دخولي بدقائق، وربما تنقطع بعد ساعة، لذا عليّ المُسارعة بشحن أي أجهزة كهربائية لديّ قبل الانقطاع).. وفي الوقت المُحدد نزلتُ إلى مدخل الفندق على توقيت وصول شوقي وهاني.. واتجهنا جميعاً إلى ساحة التغيير.

بسبب الزخم الذي أحدثته الثورة المصرية في الوجدان العربي طيلة الثمانية عشر يوماً.. ربما كان أول ما يخطر ببال المُتابع لأخبار ثورة اليمن، أن (ساحة التغيير) في صنعاء هي ميدانٌ كبير يُشابه ميدان التحرير في القاهرة.. ولكن الحقيقة أن في صنعاء لا يوجد ميدان باسم ساحة التغيير.. وأن مكان اعتصام المعارضة هو في شارعٍ كبيرٍ ومُمتد.. اسمه الشارع الدائري.. ويقع أمام مدخل جامعة صنعاء.. ويمتد عن يمينها وشمالها لعدة كيلومترات.

يوجد في صنعاء ميدانٌ آخر يقع في المنطقة التجارية، واسمه يُطابق تماماً اسم الميدان المصري (ميدان التحرير) مع اختلافٍ في الحجم طبعاً، حيث ميدان التحرير في صنعاء أصغر بوضوح من ميدان التحرير القاهري.. وعندما بدأت المظاهرات بمدينة تعز في أول أيام الثورة اليمنية، خشِيت السلطة من انتقال المُظاهرات والاعتِصامات إلى العاصمة صنعاء، فبادرت بإرسال مجموعة من البلطجيّة (ويُسمون في اليمن البلاطجة) الموالين لها إلى ميدان التحرير وسط صنعاء.. وقاموا باحتلاله، ونصبوا الخيام بداخله.. في محاولة لقطع الطريق على المُعارضة كي لا تعتصم بهذا المكان.

خيام الاعتصام أمام بوابة جامعة صنعاء

المعارضة بدورها بادرت إلى اختيار مكانٍ آخر ملائم للاعتصام، وكان هذا المكان هو الشارع الدائري المُحاذي لجامعة صنعاء، لكونه شارعاً واسعاً ويقع أيضاً في منطقة حيوية وسط العاصمة.. ونصبت المعارضة أول خيام الاعتصام في هذا الشارع مُعلنة انتقال الثورة للعاصمة.. وكانت الخيام في البداية تمتد لبضع مئات من الأمتار.. وفي كل أسبوع تنحاز فصائل جديدة من المعارضة للثورة، وتشارك في الاعتصام، وتنصب لها خيام خاصة.. وحين تجاوز امتداد خيام الاعتصام الكيلومتر الأول، قام شباب الثورة برفع لوحة كبيرة في نهاية هذا الكيلومتر، وكتبوا عليها: (مرحباً بكم في أول كيلومتر كرامة).

اليوم يتجاوز امتداد خيام الاعتصام الأربعة كيلومترات (وفي نهاية كل كيلومتر هناك لوحة مكتوب عليها: أهلاً بك في ثاني كيلومتر كرامة.. وهكذا).. ولم تكتفِ المعارضة بنصب الخيام فقط على امتداد الشارع الدائري، بل وامتدت الخيام على طول مئات الأمتار في خمسة طرق رئيسية تتقاطع مع الشارع الدائري، هي: شارع القاهرة، وشارع الحرية، وشارع العدل، وشارع الرباط، وشارع العشرين.. واتفقت المعارضة منذ بداية الثورة أن تُطلِق على كل منطقة الاعتصام اسم (ساحة التغيير).

حين تتجول في ساحة التغيير.. ترى في الشارع الدائري ثلاثة صفوف من الخيام الكبيرة والمُتراصة على امتداد الشارع.. وفي أحد التقاطعات الواسعة بين الشارع الدائري وأحد الشوارع الأخرى بقرب بوابة جامعة صنعاء، تم وضع منصّة خشبية كبيرة لتكون الموقع الرئيسي للكلمات والخطابات السياسية.. والجيد أنه في كل ساحة التغيير لا يوجد سوى منصّة واحدة.. بخلاف ما هو موجود مثلاً في ميدان التحرير المصري، حيث هناك أكثر من ست منصات تتوزع على أطراف الميدان، وتمثل كل منصة اتجاه فكري وسياسي، وكثيراً ما كان هذا التنوّع في المنصات سبباً في تأجيج الخصومات السياسية وتضارب الخطابات.

أمام المنصة الرئيسية في الساحة

ومع تنامي الاعتصام، وازدياد عدد القوى المشاركة في الثورة.. باتت ساحة التغيير مكاناً للصهر الاجتماعي والسياسي.. ففي جنباتها التقى المختلفون الذين لم يلتقوا سابقاً.. فتجد خيام الإسلاميين بجوار خيام الاشتراكيين.. وخيام مجموعاتٍ من السلفيين بجوار خيامٍ للحوثيين.. واللقاءات والحوارات المتبادلة بين الأطراف لا تكاد تتوقف.. حتى نشأت بين كثير من أفراد القوى التي كانت متصارعة روابط اجتماعية وثيقة.

ورغم المضمون السياسي لساحة التغيير.. إلا أنها غدت أشبه بجمهورية مثالية.. ففي ثنايا الساحة تجد خياماً خاصة بالنساء.. وملاعب للأطفال.. وأسواقاً شعبية.. وباعةً متجولين.. ومطاعم.. ومراكز رياضية.. وخياماً كبيرة للندوات والمحاضرات.. ومسارح.. وفنّانين تشكيليين متجولين.. وأمسياتٍ شعرية.

كما أقيمت في الساحة عدة فعاليات ثقافية ورياضية.. فأقيمت مسابقة غِنائية كبيرة باسم (فنّان الثورة) شارك بها أكثر من مِئتي متسابق.. وأقيمت مسابقة أخرى باسم (شاعر الثورة) شارك بها العشرات.. وأقيمت عدة دوريات رياضية بين فِرق متنوعة تشكلت من شباب الساحة.. كما تمّ تأسيس مسرح كبير أسموه (مسرح الثورة) قدم فيه الشباب كثيراً من العروض المسرحية.. وأيضاً نشطت القوى السياسية وشباب الثورة في كتابة وإخراج وطباعة نشرات وصحف بسيطة ومتنوعة توزّع فقط في ساحة التغيير، وتحتوي على الأخبار، والمقالات، والتعليقات الطريفة، والرسوم الكاريكاتيرية الساخرة، وبعض الأخبار والشؤون الداخلية للساحة.

وعلى خيام الاعتصام تجد كثيراً من اللوحات المُعلّقة.. بعضها يتضمن تعريفاً باتجاه سياسي يُقيم في هذه الخيام.. وبعضها لوحاتٍ عليها عددٌ من الشعارات المُطالبة بالحريّة وبإسقاط النظام.. وأخرى تحمل صوراً لشهداء الثورة.. ورسوم كاريكاتيرية تسخر من الرئيس صالح ومن الرؤساء الذين أسقطتهم الثورات العربية.. وصور لشخصيات وطنية سياسية وثقافية تمثّل رمزاً لوحدة اليمن ونضاله ضد الاستبداد.

فنان تشكيلي وسط ساحة التغيير

 

ألعاب ترفيهية للأطفال

واحدة من اللوحات الرمزية الساخرة

باعة متجولون

وعلى بُعد مئات الأمتار من المنصة الرئيسيّة، وفي أحد أطراف جامعة صنعاء، تم تحويل جامع (الجامعة الجديدة) إلى مستشفى ميداني.. بحيث تم إفراغ الجامع من السجّاد، ووضع عشرات الأسرّة لاستقبال المصابين على شكل صفوف داخل المسجد.. وفي الباحة الخارجية للجامع هناك بعض العيادات، وصيدلية، ومخزن للأدوية وبعض اللوازم الطبيّة.. وفي أحد أطراف هذا المستشفى الميداني بُنيت عشرات دورات المياه لخدمة المعتصمين.

وأثناء جولتي في ساحة التغيير بصحبة الصديق شوقي القاضي، بدا لي بوضوح أن شوقي شخصية معروفة بين الشباب والناشطين السياسيين في الساحة.. فكل قليلٍ يأتي أحدهم ليسلم عليه ويتحدث معه أو ليسأله عن بعض الشؤون والأخبار التي تخص الثورة.. ورغم أن الاعتصام قد مضى عليه (لحظة زيارتي في منتصف يوليو / شعبان) أكثر من خمسة أشهر.. إلا أن الحماس والإصرار على البقاء حتى اكتمال الثورة يكاد يكون السمة البارزة عند الشباب.

وفي وسط جولتنا سألت شوقي مستغرباً عن كون الطرقات والشوارع في ساحة التغيير المكتظة بخيام الاعتصام تبدو نظيفة، بخلاف شوارع صنعاء المُمتلئة بأكوام القمامة.. فقال لي إن هناك عشراتٍ من شباب الثورة يتطوعون يومياً لتنظيف الساحة، وإن هناك العديد من اللجان التي تشكلت للقيام بأي مستلزمات خَدَمية يستوجبها الاعتصام.. لذلك فالشباب هنا مُستعدون للبقاء حتى لو طال بهم الأمد.

استطاع شباب الثورة في اليمن أن يجعلوا (ساحة التغيير) من مكان خاص بالاعتصام السياسي.. إلى بُقعة تتمازج في أروقتها جميع الفروق الاجتماعية والثقافية.. وتتضاءل تحت ظلِّ خيامها كل الخلافات الفكرية والسياسية.. وينحت فيها الشباب مستقبل وطنهم بسطورٍ ممهورةٍ بلون الأمل، والدم، والثورة.

*    *    *    *

المكونات السياسية للثورة ..

من يقترب من أجواء الثورة اليمنية، وساحة التغيير، وخطابات الرئيس التي هاجم بها الثورة، واجتماعات المعارضة، لابد أن يتردد على مسمعه كثيراً اسم (اللقاء المشترك).

اللقاء المشترك هو تجمّع لأحزاب المعارضة اليمنية، تأسس في فبراير 2003م.. وشكل جبهة سياسية موحدة للمعارضة.. وعمل بدرجة عالية من التحالف والتنسيق في مواجهة السلطة اليمنية.. ولهذا اللقاء الدور الأبرز في تنسيق عمل الثورة وإدارتها.. ويضم اللقاء المشترك سبعة أحزاب، سأذكرها بحسب ترتيب حجمها وشعبيتها:

1-  التجمع اليمني للإصلاح / وهو تجمّع إسلامي سني، تشكل في عام 1990م بعد الوحدة مع اليمن الجنوبي.. ويمثل في غالبه مدرسة الإخوان المسلمين، مع وجود مجموعات صغيرة سلفية ومستقلة منضمّة إلى هذا التجمّع.

2- الحزب الاشتراكي اليمني / وهو من الأحزاب اليمنيّة القديمة التي ساهمت في حرب تحرير اليمن الجنوبي من الاستعمار البريطاني حتى الاستقلال 1967م.. وحكم هذا الحزب اليمن الجنوبي من بداية الاستقلال وحتى الوحدة مع الشطر الشمالي عام 1990م.. وحتى الآن للحزب الاشتراكي حضور واسع في الشطر الجنوبي لليمن، مع حضورٍ معقول في الشطر الشمالي.. تبنّى الحزب لفترة الأيديولوجيا الشيوعية، ثم عَدِل عنها وصار اشتراكياً بالمعنى العام.

3-  التنظيم الوحدوي الناصري / وهو حزب قومي يُمثل امتداداً للتيار الناصري.

4- حزب الحق / وهو حزب إسلامي زيدي.. تأسس في عام 1990م.. وقادهُ في بداياته عدد من العلماء لا السياسيين.. يرى البعض أنهم كانوا يفتقرون للثقافة السياسيّة.. وهو ما أدى لحدوث بعض الانقسامات داخله.. وأحد هذه الانقسامات كان انفصال الحوثيين عن الحزب.

5- اتحاد القوى الشعبية / وهو أيضاً حزب إسلامي زيدي.. تشكل بعد انفصال مجموعة من أعضائه عن حزب الحق، لكونهم يمثلون اتجاهاً فكرياً أكثر انفتاحاً.

6-  حزب البعث السوري / انضم إلى اللقاء المشترك قبل الثورة بعدة أشهر.

7-  التجمع الوحدوي اليمني / انضم إلى اللقاء المشترك في بدايات الثورة.

اشتراكيون على الطريقة اليمنيّة

وفي مواجهة (اللقاء المشترك) عمدت السلطة إلى تكوين تكتل من الأحزاب الموالية لها تحت اسم (مجلس التحالف الوطني).. ضم في مقدمته (حزب المؤتمر الشعبي) وهو الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس علي عبدالله صالح.. و(حزب البعث العراقي).. و(الحزب الناصري الديمقراطي) المنشق عن التنظيم الوحدوي الناصري.. و(حزب التصحيح الناصري) وهو أيضاً انشقاق آخر عن التنظيم الوحدوي الناصري.

وبدا واضحاً أن غالبية الأحزاب المنضوية تحت لافتة (مجلس التحالف الوطني) هي أحزاب شكلية لا وجود حقيقياً لها على الأرض.. وغالبها تشكّل نتاج سعي حزب المؤتمر الشعبي لعمل انشقاقات في أحزاب اللقاء المشترك.. بحيث يقوم المؤتمر الشعبي بعد ذلك بضم الأحزاب الجديدة الناتجة عن هذه الانشقاقات إلى مجلس التحالف الوطني.

ورغم أن (اللقاء المشترك) يُمثل أكبر كتلة معارِضة للنظام.. إلى أن الثورة اليمنية تضم أطيافاً أخرى لا علاقة لها باللقاء المشترك.. وسأحاول فيما يلي أن أذكر أبرز المكونات السياسيّة المُشاركة في الثورة اليمنية، والمتواجدة في ساحات الاعتصام:

1-   اللقاء المشترك / وهو الكتلة الأكبر والأكثر تنظيماً.. ويمثل تقريباً ٦٠٪ من مجموع المُشاركين في الثورة.

2- الشباب المستقلّون / وهم مجموعات شبابية مُستقلة ومتنوعة الانتماءات (إسلاميين، يساريين، قوميين).. كان بعضهم أول من بدأ الثورة في مدينة تعز.. وبعد الاعتصام تشكلت مجموعات شبابية عديدة في ساحة التغيير وبقيّة ساحات الاعتصام في المدن اليمنية.. من مثل: التحالف المدني للثورة الشبابية، اتحاد شباب الثورة، ائتلاف ثورة التغيير السلمي، شباب التنمية والتجديد، والعديد من التشكيلات الشبابية الأخرى.. ثم تشكلت (جبهة شبابية) تمثل أكبر تكتّل تنسيقي لحركات الشباب في خيم الاعتصام، اسمها (المنسقيّة العليا للثورة اليمنية).

3- القبائل / هناك العديد من المشاركين في الثورة لا ينتمون لاتجاهات سياسية، وإنما يمثلون قبائل.. حيث أعلنت عدد من القبائل انضمامها للثورة.. وشاركت بخيام خاصة بها في ساحات الاعتصام.

4- الحراك الجنوبي / وهو وصفٌ للحراك الذي بدأ عام 2007م في بعض مدن اليمن الجنوبي، اعتراضاً على التهميش المعيشي وعدم مساواتهم بالشطر الشمالي.. وقد توسعت الاحتجاجات وخرجت المُظاهرات في مُدن الشطر الجنوبي خلال الأعوام 2009م و2010م الذي شهد أيضاً انضمام عدد من القيادات السياسية لهذا الحراك.. وقد عَلَت مطالبات البعض بالانفصال عن الشمال.. وتمّ تشكيل إطار سياسي للحراك الجنوبي، وأصبح عبدالله حسن الناخبي هو أمينه العام.. وبعد بدء الثورة، أعلن الحراك الجنوبي إيقاف المُطالبة بالانفصال عن الشمال، والانضمام إلى الثورة السلميّة الساعية لإسقاط النظام.

5- الحوثيون / وهم جماعة زيديّة تنتمي إلى الفِرقة الجاروديّة القريبة من الإماميّة الاثني عشريّة.. أسسها بدر الدين الحوثي الذي كان مُعارضاً للنظام، وأقام في طهران عدة أعوام، ثم قُتل على يد القوات اليمنيّة في أول مواجهات عسكرية جرت بينهما عام 2004م.. ثم قاد ابناه (عبدالملك ويحيى) الجماعة من بعده.. ويتخذ الحوثيون من محافظة (صعدة) شمال صنعاء والقريبة من الحدود السعودية مقراً لهم.. وقد دخلوا منذ العام 2004م وحتى نهاية العام 2009م في ست مواجهات عسكرية مع النظام، سقط خلالها الكثير من القتلى.. وبعد بدء الثورة قرر الحوثيون الانضمام إليها.

6- الموالون للواء علي محسن الأحمر / وهو قائد الفِرقة الأولى في الجيش اليمني، وهي أكبر فِرقة عسكرية في الجيش، والمسؤولة عن حِماية صنعاء وشمال اليمن.. وهي الفرقة التي دخلت في مواجهات عسكرية مع الحوثيين.. انفصل اللواء علي محسن الأحمر عن السلطة في اليمن، وأعلن ولاءه للثوار بعد شهر وبضعة أيام من بداية الثورة.. والآن تقوم الفِرقة الأولى بحماية ساحة التغيير.. وهناك عدد من العسكريين والمدنيين الموالين لعلي محسن الأحمر يشاركون في الاعتصام بساحة التغيير.

7- المُعارضة في الخارج / بعد العام 2007م قام مجموعة من السياسيين والمثقفين اليمنيين المقيمين في الخارج _ غالبهم من اليمن الجنوبي _ بالإعلان عن تشكيلات سياسية مُعارضة للنظام تتخذ من عواصم أجنبية أو عربية مقراً لها.. وعقد هؤلاء المعارضون عدة اجتماعات تنسيقيّة جرت في لندن والقاهرة وسواهما.. وبعد بدء الثورة اليمنيّة أعلنت المُعارضة في الخارج انضمامها للثورة.. وقامت مجموعات شعبية محدودة موالية لهذه المُعارضة بالمشاركة في ساحة الاعتصام.

*    *    *    *

بعد ساعتين من التجوال في ساحة التغيير.. أخبرني الصديق شوقي القاضي بأننا على موعد مع الدكتور عبدالملك المتوكل، أحد القيادات السياسية في المُعارضة.

الدكتور المتوكل حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسيّة.. وهو من أبرز قيادات حزب (اتحاد القوى الشعبية) المُنفصل عن (حزب الحق).. وقد قاد المتوكل لعدة أشهر تكتل اللقاء المشترك _ قيادة اللقاء المشترك تكون عادة بشكلٍ دوري بين الأحزاب المُشاركة _ ويُعتبر من الشخصيات المرموقة سياسياً وثقافياً.. ويُصنف باعتباره من الإسلاميين المُستنيرين في الوسط الزيدي.

في منزل د.عبدالملك المتوكل

اتجهت برفقة شوقي إلى منزل الدكتور المتوكل الذي استقبلنا بكل لُطف، وشاركنا اللقاء بعض قيادات اتحاد القوى الشعبيّة.. ودار حديثٌ طويل عن مستقبل الثورة، والسيناروهات المتوقعة، وعن الموقف السعودي والخليجي والأمريكي مما يجري.. وبدوري سألته عما أدهش كثيراً من المُراقبين للثورة اليمنية، هو مِقدار السلميّة التي التزمت بها الثورة، رغم توفر السلاح من جهة، وعُنف السلطة من جهة أخرى؟!

فأجابني د.المتوكل بأن المُعارضة كانت دائماً حريصة على ضبط النفس، وعدم الاستجابة لاستفزاز السلطة واللجوء إلى السلاح، رغم أن السلطة كانت تتمنى أن تلجأ المُعارضة إلى السلاح، كي يُصبح الموضوع أشبه بحربٍ أهليّة، بدل أن يكون ثورة شعبيّة سلميّة لإسقاط النظام.. ومع ذلك فإن استعداد الشباب لضبط النفس كان عالياً بشكل فاجأ حتى القيادات الحزبية، رغم أن الشعب اليمني يملك أكثر من ستين مليون قطعة سلاح.. وبالطبع فإن ما حصل في تونس ثم مصر كان له دور كبير في إصرار الشباب على سلميّة الثورة.

وعن الشكل السياسي الذي يعتقد أنه أنسب لشكل السلطة في اليمن، قال المتوكل أن الحل هو امتلاك اليمن لجيش وطني قوي ومُحترف ولا يتدخل بالسياسة، وذلك من أجل أن تكون الدولة قادرة على فرض النظام، وإبقاء السيادة للشعب عبر صناديق الانتخاب.

بعد قرابة الساعة من الحوار حول كثيرٍ من تفاصيل المشهد السياسي اليمني.. وقبيل المغرب.. استأذنا الدكتور عبدالملك المتوكل بالانصراف.. فودعنا بعد أن أهدانا مشكوراً بعضاً من كتبه.

خرجنا من المنزل.. واتجهنا مرة أخرى إلى ساحة التغيير.

*    *    *    *

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق