إلى التاء المربوطة: تمارين لفكّ العُقدة

الكاتب:

11 أبريل, 2012 لاتوجد تعليقات

مبتدأةً؛ أحبّ أن أدعوكِ أن تعرفي قيمتكِ، قيمة أنكِ أنثى، في وسطٍ لا يعوّل كثيرا على إناثه، و”كل ما لا يؤنث لا يعول عليه” – يقول ابن عربي، نحو جمالك، الجمال الغريزي، هذه الرهافة والإحساس المسبوغة نحو العالم، هذا الحنان والأمومة والتبني ليُتْم العالم، صحيح أن لم يعول عليها الكثير، ولم يُهتم بها، أنها مصدر نكات، وحكايات ذكورية، شأنها الحط منك وعقلك. أحيانا يلزمك العودة للأساطير، لتعرفي كيف اعتقد البشر القدامى أنك آلهة صغيرة، لها قداسة العبادة، لقد عجب الإنسانُ القديم كيف تتشابهين مع الأرض في العطاء والخلق، فشيّد المعبد لكِ. كانت فترة قليلة هذه وانطمرت. ليست هذه محاولة بعثٍ شركية، الحسرة الآن في الانقلاب اللاحق: إلحاقك بالشياطين والخطايا الجهنمية.

تحتاجين عزيزتي المرأة إلى الكثير، الكثير جدا، من إيقاظ نفسك، والانتباه لك، حين لا تعولين على كثير منك، لماذا؟، لأنك أنثى، حين تصفقين يديك دائما أوقات الأحلام والمتع: “لو كنت ولدا”، حين تكرهين جنسك لكمية الانغلاق المفروض عليه، ونسج صورة ذكرية لك، في حياة متخيلة، حين كثير من التلال والسهول والقمم، ليس بمستطاعك عبورها، لأن شيئا لعينا، تكوّن دون اختيار منك، وجدته فجأة داخلك، في سنٍّ ما، وهو أنكِ أنثى، انتهي من هذا اللحظة، اسحقيه داخلك، استأصليه من داخلك بمقص كبير، وها أنت بقدمك تدهسينه، إلى حاوية الاحتقار لاحقا. أن تُشهري نحو العالم أنوثتك، لا يعني الإسفاف الرخيص، لا يعني ما يذكرك به غلاف مجلة ساقطة، لا يعني ما قرأته عن تسليع المرأة، وأنها في الحضارة الكافرة، محض منتج يخضع لرغبات السوق، وأرباح الإعلان، الأمر أعمق من هذا بكثير، أنوثتك شيء خلقه الرب وزينه بك، ولا مفر منه. النسيم وهو هابا، يعرف أن اصطدم بعهر، أو جمال مغروز.

أن تطالبي بكِ، ليس ما يعنيه الحزبية وضيقها، ليس ما يعنيه من لا يمسون ولا يصبحون إلا بك، لا أصحاب موسوعة الفتاوى – أنتِ مأزقها – ومن لا شر إلا شر وجودك وعيانك، مَن فردهم إذا تدين ابتدأ بنسائه قبل نفسه، ولا أصحاب الهوس بك، وأنك غير ظاهرة ومهيئة دواما، وأن التخلف الجاثم أنت رأس أسبابه. أن تطالبي بكِ، ليس بطاقة دعوة لحرق حجاب، وليس أن تزعقي أنّ وليا أدرى بأمرك، هو ربما لا يدري عن أمره كفاية – حقيقةً ومجازا -. أن تطالبي بكِ، ليس أن تصلِي إلى الشورى، ولا أن تشاركي في الأولمبياد، في النهاية؛ هذه أمور صفوة، هذه زبرقة، لعشرة، عشرين. أن تطالبي بكِ، هو أن تطالبي بحقك المعصوف به، في كل ميدان، تحت أي ظرف ووقت، المتطاير بين ألسنتهم وهواهم هنا وهناك، أن تطالبي بك، أن تدفعي كل ما ينجم من ضيم وتطفيف، في سطر قانون، أو داخل دهليز رأس، ليس لسبب، سوى أنك كنت أنثى من البداية.

دائما وأبدا، حاولي استشعار أين يكمن القيد وخوف نزعه، تلمّحي مواضع التهشم داخلك، لأجل هذا الجهد يلزمك الكثير، إنك بهذا، ترفعين قليلا، تزيحين وئيدا، أرطال ثقافة ناشبة وأحمالها عبر قرون وقرون من التخلف والهزيمة والتأخر، لا تنتظري أن يلقمك أحد حريتك بالأناة والحنان، إذا لم تلتهميها أنتِ، لن يتصدق بها عليك أحد، تذكّري إن أول حكمة يرددها الذكور المنتظمون في سلك الثقافة حديثا أنّ: “الحقوق تنتزع ولا توهب”، كرريها كثيرا، شاهديها في كل لبسة قرط وانتزاعه. علقي كرامتك دوما، كما تعلقين ثمينة على نحرك، اختياراتك فاخرة ومن صميم ذاتك، كما طقما أنيقا تزدهين به. التصفيق بعد كل حفلة مزيفة تنالين فيها حقا متواضعا، شيء كريه فعلا، ولا يجدر بمحاربة – بكسر الراء وفتحها على السواء.

تعلمي أن لا تقدمي كشف حسابي لأفعالك، إنك غير ملزمة بالتبرير دوما، لأن هذا المُطالب بصيانتك – لأنه على وشك الشكّ دوما – لا يلزمه أحد أن يفعل ربع ذلك: قد يرعد، قد يزبد، عند أول محاولة للسؤال، لا المساءلة. للتعرف، لا الاعتراف. لأن “كيدك عظيم” راوغي قليلا، امكري، لكن لا تخدعي، أخفي بعض الحقيقة، لكن لا تكذبي. كوني المثال الأخلاقي الذي تريدين، علميهم أنك أنت والله وحدكما، من تتفاصلان في موضوع آثامك، لأن محاسبكِ الجبان، لا يُدخل أحد معه أثناء التحاسب، وأنتِ إنسان، إنسان!، كما تنسين أنت، ولا يتذكر هو. علميهم، أنكِ أنت ويا للأسف، قد ترتكبين معصية، مثلك مثل بقية خلق الله الآخرين، أن المعصية شأن بينك وبين الرب الرحيم، وحدك من تتوجهين إليه بالتوبة والإنابة، دائما راقبي في جنانك من يطل عليك أكثر محذرا، الله؟، أم وجه مزمجر لذكر ما؟، وردّة فعله العنيفة. وحين تنثنين، وحين تقدرين، في هذه المراقبة، تعرفين كمية الزيف المفعول بكِ.

حجابك، مأساة أن تتخفّي تحت أسترٍ أنتِ غير مقتنعة بها، أنْ فجأة، بعد زواجكِ، تصبحين كومة سواد لا يُرى منك شيئا، أن تتركي العباءة المزينة، وما تهفّ عليه نفسك، لأن مصيبةً بانتظارك حين رؤيتك بها، أن تشعري بالأسف، وأنت ماشية بالسوق، لأنك لا ترين، ولا تتحركين براحة، حضرة الذكر، مالك عبادتك وكيفية تأديتها نحو حدها الأقصى، لا يوافق على اختياراتك، لأجل ذاك، وبتهور أقول لك، ينبغي إثارة “تتش” متكرر. حين تودّين أن تكوني منافقة – وهي حالة تنتاب المسلم في أوضاع كثيرة للأسف – فكوني منافقة من دواعي ذاتك، لا فرضا من أحد، كيلا يتعتع الزيف داخلك. في الآخرة ستطير حسنات لم تؤديها بالنية، وستضاف ذنوب لأنك أردتها بحسرة، ولم تستطيعيها، عند ذلك؛ لا دنيا استمتعتِ – متعة فانية طبعا -، ولا آخرة ربحتِ – متعة خالدة قطعا-. كنصيحة، في المكان الذي يغيب ذكرك تخلصي منه، أخرجي بعبعه الذي بداخلك، لأنه يهلعك كثيرا، ولا تأمنين غضبته، تظلين بنفس قواعده الصارمة التي يفصّلها عليك، على إرادتك الحرة، وتظلين تنسجين قصصا لو رأتك هنا من عرفتك، وانتشر الأمر، فتظلين بقلق لا فكاك منه. عيشي حرية غياب الرقابة، هزجةً بلحظاتها النادرة.

اخرجي من التنميط ونصائح الفتاة الصالحة. وجودك ليس دائما حكاية فتاة الرواية الراصعة الجمال، لستِ رمزا شعريا فحسب، كوني أنتِ تماما، توقفي عن اصطناعات تصيد الفارس على الفرس الأبيض، في هذا الزمان والأوان توقف الفرسان عن القدوم بهذه الصورة الحالمة، يأتون ناشفين الآن، ومن حجرة مقفل عليك فيها، انتظرته فيها كثيرا، إلى حجرة أخرى مساوية بالقفل، ومعاكسة بالمسؤولية. لا تستهلكي حياتك، رضًا لعيون رجل ما، يحدث دون قصد منك، أن تتوقفي عنكِ، لتكوني هوَ – قولي له هذه في رسالة عن حبكِ له – لكنها المؤسي أن تكون متن يومك، بينما حياتك تتردى في الهامش، ثم بعد ذلك؛ لا ضمانات نهائية عن الخيبة والخيانة. أن تحبي، أن تقترني، فلأجل شيء بهيٍّ كالحب اكتمل، شيء إنسانيّ كالتفاهم انوجد. ذكور الحيوانات تتساوى عندها إناث الحيوانات، لا يحصل عند الإنسان المتحضر ذلك، يا لخيبة الخَطاّبات المُحرِّجات عليكِ.

الرجل الذي يريدك لموضوع أنك حلوة و”يا لبيه” فحسب، واقترن بك – أو أقرنته أمه وأخته – لهذه الأسباب، ستكونين إنسانا برتبة سرير لديه. في يوم ما سيصدم  لحقيقة أن لك عقلا، وقد يخفف هذا العضو الممل من جاذبيتك، أنت المفترض أن تكوني حَلوى دائما من أجله. كوني شابورة عزيزتي، وفق ما تهوين، لا تهربي من شيء، خوف أن يهز أنثويتك، وأن يعيرك المجتمع المتخلف بذبولها عندك، هم الذين الأنوثة وفق تصورهم كومة من أغاليط.

ستواجهين المتاعب نحو حريتك؛ نحوكِ. ربما لن يقف أحد معك، ربما أول من يقف ضدك امرأة، هذا واقع، هذا الأسف، هناك ألف ملمح سيعبس، وحاجب سيقطب لابد تتذكرين في خيالك الآن، سيقف لك بالمرصاد، لكن تذكّري أن الحرية ثمرة لا نجدها تحت وسائدنا أول اليوم.

اعرفي بعمق، أن هذه القوة والاستزلام عليك، نتيجة القهر والاستبداد، هذا المطارَد في منشآته ورواتبه ونظامه ووجوده، يفرغ أزماته فيك، مقلدا ما حوله عليك، هذه حالة عند دارسي “سيكولوجية الإنسان المقهور”، يعرفون هذا، يتحدثون عنه باستفاضة. نحن الدرجة التالية من القهر، والأعمق، حيث لا درجة نصب عليها جام قهرنا، سوى المجالي والأسطح الوسخة والخادمات والنسوة الأخريات، السيئات.

تحت قشرة هذا المجتمع، يعشعش هناك البؤس النسوي، لنسوة مذلات، لم ينصفهن أحد، حشوة دسمة لاذعة بالألم، تتكرر ربما في مجتمعات أخرى، لكن حتما ليس لأسبابنا، لا قانون، لا سلطة سارية تخيف من يفكر بأذيتك، ظلمك ومنعك، فتنحنينَ كثيرا، ترضخين حدّ الركوع، تتراجعين حدّ الانكفاء، طاردة أفكارك وميولك وأحلامك، لواقع أولئك؛ جوقة الجبابرة المحيطين.

على قشرة هذا المجتمع؛ ستلحظين بثور النسوة المُنسلِبات، من لا تعرف من هي، خارج بمن تلتحق وتُسمى. ستسمعين كثيرا أن أشياء بسيطة لن تفعلها لأنّ علّانها لا يوافق، عند ذلك؛ علميها دائما تحطيم صنم علانها هذا، إن لم؛ فبسحب القاعدة التي يقوم عليها، بأوهامٍ من رأسها، بقوةٍ من عجزها، حَجرةً حَجرة. أتدخل للنصح من جديد: البساطة البريئة الممنوعة منها، ببساطة أخرى تثأرين لها: جلالة عينيك مثلا، إنّ نظرة ازدراء واحدة، عقب استقواء همجي من لدنه، قد تصنع، قد تخلخل السنين العجاف، التي أسنها عليك. أيضا؛ الملسنة، وسيلة رائعة جدا، تعلمي الردود الحارقة، التي تسمعين شطيطها في الملامح، رشي الفلفل في حديثك، الحِكم والمأثورات والأشطر الرنانة فداءً لك. لسانك حسامك، بما أننا ويا للأسف عند أول دفعة بقبضة، يكون انهيارنا.

مرتين عليكِ المحاربة في هذا العالم، مرة نحو ظلامه وظلمه المكشوف، ومرة نحو ظلامه وظلمه عليك المتخفي. الإجحاف قديم نحوكِ، مجرى الدم في العادات والثقافة والتفكير والدين، الدين الذي يخيل لهم، لا الذي الرب الحكيم اختاره من السماء.

ربما فيما قلت كثيرًا من التجرؤ والهراء، لكننا نتمرن، نفتش عن الحرية، الداخلية والخارجية، نحن نحاول تهذيب الشوارب المفتولة علينا، الملتفّة بنا. يقولون دوما، بتكرار رتيب: “إن الماء يشكّل الحجر، ليس لقوته، لكن بتوالي السقوط”، آه يا حلوتي، ليس مثلك قطرة ماء عذبة، وليس مثلهم صخور الوادي القاسية.

منتهيةً؛ أنتِ بالتأكيد لا تودين أن تجلسي على مقعد ملّ منكِ، في خريف العمر، وتنظري إلى شريط حياتك المنحدر خلفك برتابة واستقامة، وأنّ هذه الحياة المِنحة، أعاشوكِ إياها الآخرون العديدون. أن دورك لم تمضي فيه بعزيمتك، بل كانت محض صدف وترتيبات قررها الآخرون، لحظة تعكر مزاج، أو لحظة ارتشاف شاي.

 خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق