الرهان العربي الجديد

الكاتب:

23 ديسمبر, 2013 لاتوجد تعليقات

في كل المراحل السياسية التي مرت بها المنطقة العربية، ثمة قوى سياسية رئيسية، تراهن دائما على القرار والجهد الأمريكيين، لأنه في نظر هذه القوى أن الولايات المتحدة الأمريكية، تمسك بكل خيوط اللعبة، وإنه لا يمكن تجاوز الرغبة والإرادة الأمريكية، وإن القوى السياسية العربية الذكية، هي التي تعرف تجاه الريح الأمريكي، وتعمل من أجل أن تكيف سياساتها ومعطياتها الاستراتيجية مع السياسة الأمريكية.

ودون ذلك ستصبح هذه القوى السياسية العربية أو تلك خارج سياق اللعبة السياسية والإقليمية، وهذا مما يفقدها الكثير من الأوراق والآفاق والممكنات السياسية والأمنية.

ويبدو أن حالة الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية لمعالجة كل ملفات ومآزق المنطقة مستمرة، مع كل الإخفاقات والشواهد التي تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة دولية كبرى، هي قوة برغماتية لا تستند في سياساتها وخياراتها الأمنية والإستراتيجية على صديق أو قوة محلية واحدة.

ونحن هنا بطبيعة الحال، لا نقلل من حجم وموقع الولايات المتحدة الأمريكية ودورها في كل الملفات الإقليمية والدولية، فهي على رأس القوى الدولية، التي لا زالت تمتلك فعالية سياسية وأمنية واستراتيجية ولا يمكن التغافل عن هذه الحقيقة، ولكن ووفق المعطيات السياسية  والإستراتيجية الراهنة، إن عدم التغافل عن موقع الولايات المتحدة الأمريكية في الخريطة الدولية، لا يعني الرهان الدائم عليها أو التعامل معها بوصفها القوة الوحيدة التي تمتلك الإمكانية الفعلية لمعالجة كل مآزق وملفات المنطقة، وإذا امتلكت هذه القدرة والفعالية على المعالجة، هذا لا يعني أن المنظور الأمريكي لمعالجة هذه المآزق والملفات، سيكون منسجما والرؤية أو المصلحة العربية، فالولايات المتحدة الأمريكية، كأي دولة في العالم، ليست جمعية خيرية أو قوة للإيجار، وإنما لها أجندتها الخاصة ومشروعاتها الاستراتيجية التي تسعى إلى إنجازها، بصرف النظر عن مدى تقاطع هذه  المشروعات الاستراتيجية مع مصالح قوى دولية أو إقليمية أخرى.

فالرهان الدائم على الولايات المتحدة الأمريكية، هو في حقيقته لا يعكس قوة أمريكا الكبرى والعظمى وإنما يعكس ضعف وعجز هذه القوى العربية، التي لا تتمكن من معالجة أزمات ومشاكل واقعها ومحيطها، فتلجأ إلى الرهان على القوى الأجنبية.

أسوق كل هذا الكلام من أجل القول: أن الولايات المتحدة الأمريكية، وأي قوة دولية أخرى، تخضع لمقتضيات القوة المنافسة أو الصديقة، وتعاني من مشكلات أمنية أو اقتصادية أو إستراتيجية ، تحول دون القدرة على تنفيذ أجندتها .. وإن هناك في العالم قوى عديدة ، صحيح أنها لا تمتلك القدرة على مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكنها تملك القدرة على عرقلة مشروعات هذه الدولة الكبرى في العالم ، وهذه القوى القادرة على العرقلة والتعويق لها من الفاعلية والأسباب الكثيرة التي تجعلها تستميت في مشروع عرقلة طموحات ومشروعات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، إضافة إلى أن الطبيعة البرغماتية للإدارات الأمريكية المتعاقبة ، تجعل الحليف الحقيقي الوحيد لها في المنطقة هو الكيان الصهيوني ، بوصفه عاملا أو حاجة داخلية أمريكية، أما بقية القوى والأطراف التي تعتبر نفسها صديقة للولايات المتحدة الأمريكية ، فإنها صداقة غير دائمة وغير مستقرة ، وبإمكان الإدارة الأمريكية في لحظة سياسية أو إستراتيجية أن تتخلى عن هذه الصداقة أو تبيعها لصالح قوة جديدة صاعدة.

وكل التجارب السياسية تثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية وبحسها النفعي والبرغماتي ، تتخلى عن حلفائها وتخضع بسرعة لمقتضيات رؤيتها ومصلحتها، لهذا فإننا نعتقد أن الرهان الدائم على الولايات المتحدة الأمريكية على معالجة مآزق وأزمات المنطقة ، هو رهان خاسر وغير واقعي ، ولا ينسجم وطبيعة التجربة الأمريكية في المنطقة.

وهذا بطبيعة الحال لا يعني أن تقاطع الدول العربية الولايات المتحدة الأمريكية ، لأن في هذه المقاطعة أضرار كبرى على كل الصعد والمستويات، بل إننا نعتقد أن المصالح العربية تقتضي تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن تطوير العلاقات شيء وله أجندته وأولوياته، والرهان على أمريكا شيء آخر.

إننا نعتقد أن الرهان العربي على الولايات المتحدة الأمريكية ، سيكون مكلفا لجميع الدول العربية ، وسيستنزف إمكاناتها وقدراتها دون الحصول على نتائج فعالة على صعيد معالجة أمريكا لمآزق وأزمات المنطقة، وإن استمرار حالة الرهان العربي ، يعني على المستوى العملي والسياسي ، المزيد من تفاقم الأزمات وغياب القدرة العربية على معالجتها، لهذا فإننا نرى أهمية أن تتصحح النظرة العربية لهذا الأمر ، وتعاود جميع الدول العربية النظر لهذه المسألة من زاوية أخرى ، مرتكزها الأساسي هو الرهان على الذات العربية وقدراتها في معالجة المشاكل والأزمات، وفي سياق تأكيد هذا الرهان العربي على الذات الجمعية وآفاقها نذكر النقاط التالية:

1-ضرورة أن تسعى كل دولة عربية لمعالجة مشاكلها الداخلية سواء كانت أمنية أم سياسية أم اقتصادية ، لأن معالجة المشاكل الداخلية ، سيوفر لكل دولة عربية هامشا كبيرا لحرية الحركة باتجاه المشاركة الفعالة في معالجة أزمات المنطقة.

وهذا يتطلب إرادة سياسية لدى كل دولة عربية ، باتجاه العمل المستديم لتفكيك كل عقد الداخل وأزماته ، لأن استمرارها سيرهق الدول العربية على كل صعيد ، ويضعف من إمكانية أن تلعب هذه الدول دورها المأمول على الصعيدين الإقليمي والدولي.

2-إن المنطقة العربية كفضاء استراتيجي ، يمتلك الكثير من المؤهلات والإمكانات التي تؤهله للعب دور مركزي وحيوي في قضايا المنطقة والعالم.

ولكن هذا يتطلب أن تسعى كل الدول العربية ، لتنظيم وتطوير علاقاتها البينية على كل الصعد والمستويات ، وزيادة وتيرة التنسيق والتعاون بين جميع الدول في كل المحافل الإقليمية والدولية.

لأن أي فضاء استراتيجي – إقليمي ، لا يمكنه أن يقوم بدوره المأمول ، إذا لم يفعل حالة التضامن والتعاون بين أطرافه ومكوناته، من هنا فإن الدول العربية بأسرها ، معنية للاهتمام الاستراتيجي بهذا الأمر ، حتى يتسنى للعرب جميعا من ملء الفراغ الاستراتيجي الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط من جراء التحولات الكبرى التي تجري فيه.

3-لا شك أن المؤسسات القومية العربية ، تتحمل مسؤولية كبرى في هذه الفترة ، فهي معنية بصياغة مشروعات عربية متكاملة تتجه صوب معالجة أزمات المنطقة ، والمساهمة في سد الثغرات ونقاط الضعف التي تعاني منها البلدان العربية.

وإن ترهل أو تراجع دور هذه المؤسسات ، يساهم في تراجع موقع العالم العربي في السياسات الإقليمية والدولية، وإنه لا يمكن أن تعود لدول المنطقة العربية حيويتها وفعاليتها السياسية ، بدون إعادة الروح إلى المؤسسات القومية العربية التي تحتضن جميع الدول العربية.

وخلاصة القول: إننا نرى أهمية أن تتجه جميع الدول العربية إلى نسج علاقات سياسية واقتصادية متميزة مع القوى المؤثرة في العالم، ولكننا في ذات الوقت نرى خطأ أن تراهن أي دولة عربية على دولة دولية كبرى في معالجة أزماتها ومشاكلها، فالرهان يبقى دائما على الذات وإمكاناتها ، دون التورط في خصومة سياسية – عبثية مع أحد الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة والأساسية.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق