خواطر عن قضية المحامي أحمد الجيزاوي

الكاتب:

5 مايو, 2012 لاتوجد تعليقات

بداية:

لم تهدأ عاصفة “أحمد الجيزاوي” بعد  هنالك كثير من الغبار يحجب الرؤية الصحيحة إلى الموضوع والأصوات المحتقنة تمنع السماع بوضوح إلى أطراف القضية, والتمييز بين الأخبار الصحيحة والمزورة، ما زال صعبا في خضم هذه المعمعة المؤسفة, لكن سنحاول بقدر المستطاع أن نبحث عن الحقيقة خلف كل هذه المعارك السخيفة, أحمد الجيزاوي محامٍ مصري يُقبض عليه في السعودية حينما كان آتيا لأداء العمرة، هكذا بدأت القضية لنقرأ بعدها السبب عن الاعتقال في صحيفة إلكترونية أنه بتهمة سب “الذات الملكية” وأن هنالك حكم غيابي ضد الجيزاوي، و تتوالى ردات الفعل على هذا الخبر الذي لم يكلف أحدا التأكد من مصدره حتى عائلة المتهم أنفسهم يقولون قرأنها مثل البقية في الصحافة, ليأتي بعدها السفير السعودي ويقول إن القبض على المتهم كان بسبب قيامه بتهريب حبوب مخدرة وأن المتهم أقر واعترف بذلك، لكن النشطاء المصريين لم يصدقوا هذه الرواية وذهبوا واحتجوا أمام السفارة السعودية في مصر ولم تعد القضية تعني أحمد الجيزاوي بل صارت هنالك مطالبات بمحاكمة أو إطلاق سراح عدد من المعتقلين المصريين في السعودية، هذا ملخص سريع لما حدث والآن لنحاول النظر إلى جذور الموضوع فإن قضية الجيزاوي هي أحد التجليات لمشكلة عميقة نواجهها جميعا وإنها كانت مجرد شرارة لاشتعال هذه الحرائق.

البحث عن جذور القضية:

دعونا نتساءل أولا هل لو كان القبض على الجيزاوي في قطر أو تونس أو ليبيا أو حتى فرنسا هل كانت ستكون ردة الفعل الشعبية المصرية بهذه الحدة؟ أكاد أجزم بأن لا، وليس هذا لأن “جدار” الدولة قصير كما يحاول أن يصور البعض وليس لأنه ليس هنالك تقدير لمصالح البلدين فقطعا المصالح الاقتصادية بين مصر والسعودية أكثر بكثير منها بين مصر وتونس أو مصر و فرنسا، لكن هنالك حرقة قديمة في قلوب كثير من أفراد الشعب المصري, وجع يرجع إلى أيام ثورة 25 يناير حيث كان الجميع يعلم أن قرار دعم حسني مبارك إلى آخر لحظة قرار خاسر وأن عرض 4 مليارات بدل المليار والنصف الذي تعطيه الولايات المتحدة الأمريكية للنظام السابق مستفز لكلا الشعبين وأن فتوى المفتي السعودي بعدم جواز المظاهرات في مصر في حين كانت الثورة قائمة أورثت كثيرًا من الخيبة لدى المصريين, للأسف هذا الموقف قلل من رصيد الود للمملكة ومع محاولات السفير السعودي أحمد القطان لرأب الصدع  طوال الأشهر الماضية وخروجه في برامج عديدة لكن بقى الجرح مفتوحا ولم نستطع خياطته, ولعل هذه القضية تكون دافعا للمملكة للتخلي عن نهج السياسة الخارجية الأمريكية وأن المملكة عليها أن تعيد صياغة علاقتها مع الدول الأخرى بما يوافق إرادة الشعوب لا الأنظمة فقط، إذ رغم الرصيد الهائل لـ “الود” بين المملكة والنظام السابق لم يتسلل إلى الشعوب بل على العكس استخدم ضد المملكة.

الأمر الآخر الذي حدث هو أنه أصبح علينا الاعتراف بأن النشطاء المصريين نشأت لديهم “عقدة الحقوقيين” فنتيجة لطوال السنوات الماضية حيث يُلقى القبض على أي مدافع عن الحريات والعدالة ويُلقى به في السجن وتلفق له التهمة وهذا نهج مارسه النظام السابق وما زال بقايا النظام يمارسه فأصبح هنالك قاعدة في سيكولوجية النشطاء تقول “كل حقوقي مقبوض عليه مظلوم، وكل الأدلة حتى وإن كانت اعترافًا أو أشرطة فيديو أو شهودا فهي إما ملفقة أو مزورة أو أجبر عليها”، حتى أصبحت فكرة أن الشخص يمتهن الجريمة ويبرز نفسه عن طريق “الحقوق” ليجد من يدافع عنه ليست سيئة أبدا, وليست المشكلة هنا فقط بل حتى أحمد الجيزاوي في الحقيقة لم يكن معروفا في الوسط الحقوقي وهنالك من الوجوه المصرية التي تنتقد المملكة بشراسة ومعروفة للجميع لكن لم يصدر ضدها حكم غيابي وبعضهم يأتي للعمرة ولا يواجه مشاكل “استثنائية”، وهنا أتذكر مقولة لغازي القصيبي رحمه الله  “الإنسان عدو ما يجهل، وصديق ما يعرف” ويجب أن نأخذ هذه المعادلة بشكل جدي، فغازي كان يقول وزير الصحة لو كان طبيبا سيكون مدافعا عن الأطباء بحكم أنه يعرف ما يقاسونه من التعب والألم، وربما يبالغ في هذه المشاعر ولا يصدر حكما موضوعيا وهذا ما يجري في قضية الجيزاوي فلأنه أبرز نفسه “حقوقيا” و “ناشط في مجال حقوق الإنسان والعدالة” وجد كثيرا من المصريين أنفسهم مدفوعين للدفاع عنه.

التعاطي الخاطئ مع القضية:

والخطأ الآخر الذي وقع فيه النشطاء المصريون أنهم لم  يحسنوا عرض قضيتهم فلم تكن القضية بالنسبة لهم أن هنالك مصريا أو مصريين معتقلين في السعودية بل تجاوز الأمر هذا الحد ليتهم المملكة في مواقفها الخارجية ووضع صورها بجانب صور إسرائيل بل بعضهم دعا بسذاجة إلى تحرير الحرمين وهذا كلام لم يخدم القضية بل جعل النشطاء يخسرون تعاطف شريحة واسعة من السعوديين, فالشعب السعودي كالشعب المصري وككل الشعوب المحترمة يرفض أن يقع على أرضه ظلم لأي إنسان سواء أ سعوديا كان أم لم يكن، لكن أن يصل الموضوع إلى تلك النقطة المحرمة فهنا من حق الشعب السعودي أن يحس بالخطر وأن يشك في براءة هذه المظاهرات التي حدثت أمام السفارة السعودية, لو تُحدِّث فقط عن قضية الاعتقال والتشكيك في التهمة التي وجهت إلى الجيزاوي لربما كان الوضع أفضل بكثير.

على الصعيد الآخر السعودية كان موقفها الرسمي متماسكا وقويا، وكان أحمد القطان هو البطل في هذه العاصفة وهو الوحيد الذي خرج منتصرا بحديثه الدبلوماسي وخروجه المتكرر في عدة برامج مصرية لتبيين الحقائق وحتى خروجه من برنامج “داود الشريان” _حتى وإن ادعى البعض أن لديه موعدا فلا يمكن أن يخرج دون أن يودعه داود الشريان قبل الفاصل_  على أي حال لم تكن ردة فعل الشعب السعودي متميزة مثل السفير فبينما كان جزء من الشعب مشغولا بتلفيق التصريحات على لسان سعود الفيصل كان الخطاب الصحفي يطرح تلميحات عديدة مخجلة بأن المصريين هم من يحتاجون إلينا لا نحن من نحتاج إليهم _وهذا كلام فارغ فإن حاجة السعودية الجيوسياسية لمصر تعادل حاجة الأخيرة الاقتصادية للسعودية _  والتلويح بقضية المساعدات المالية والبعض استخدم عبارات أخجل من ذكرها.

حتى  نفهم الشعارات المصرية :

 المشكلة الحقيقية التي واجهها الشعب السعودي مع الشعارات المصرية أنه لم يتفهم الدرجة العالية التي يملكها المصريون في حرية التعبير عن الرأي ..فالشعب المصري حتى حينما كان مبارك رئيسا لمصر كان يملك صحفي مثل حمدي قنديل أن يكتب في الصحافة “عار على مصر أن يحكمها شخص مثل مبارك” ويمشي في شوارع القاهرة بدون أن يتعرض له أحد ,  كلنا يتذكر العبارات التي كان يستخدمها المصريون ضد مبارك وأسرته حتى قبل 25 يناير , فالشعب المصري الذي يملك الحرية لأن يقول عن رئيسها هذه العبارات ليس من المنطقي أبدا منعه على أن يستخدمها رئيس دولة أخرى وهو استخدم عبارات لاذعة ضد “أوباما” وعن “هيلاري كلينتون” ولم يشعر الأمريكيون بالإهانة الشخصية لأجل ذلك , فعندما يريد السعوديون على أن يحكموا على الشعارات المصرية التي اُطـْلقت عليهم أن يعلموا طبيعة حرية التعبير التي ينطلق منها الشعب المصري ومن الحرج أن نطالب النظام المصري بإيقاف هذه العبارات لأنها لا تناسبنا بينما هي في نفس الوقت تُستخدم ضد هذا النظام المصري أيضا .

الخلاصة: القضية لم تكن لتفجر كل هذه الأحداث لو لم يكن هنالك احتقان سابق ضد المملكة, وانشغل البعض في البحث عن منطق في قضية خالية من المنطق فليس من المنطقي أن يأتي محامٍ لديه مشاكله ضد النظام السعودي بـ 21 ألف حبة “زناكس” وليس من المنطقي أيضا أن يقوم الادعاء السعودي بتلفيق هذه التهمة عليه فإن كانت المملكة لا تريده فلا تصدر له تأشيرة دخول كالعشرات غيره لماذا توقع نفسها في هذا الحرج وحتى إن كانت القضية ملفقة لماذا يُوضَع 21 ألف حبة “زناكس” في محاكمة قد تصل إلى السجن عشرات السنوات أو الاعدام لماذا لم يكتف بوضع علبة واحدة وتكون التهمة امتلاك مخدرات للاستخدام الشخصي وليس للمتاجرة حتى يسجن عدة أيام ثم يـُرحل, كما قلنا البحث عن منطق في قضية بلا منطق متعب ولن يخرج لنا بفائدة, الآن مهمة الشعبين كبيرى، وموقف وائل غنيم مشرف وليس غريبا عليه ويجب أن يـُرأب الصدع بين الشعبين فلا مكان للبغضاء والفتنة بعد الربيع العربي الذي جعل الشعوب العربية تشعر أنها شعبٌ واحدٌ في آلامها و أفراحها وفي خيباتها، وآمالها ذلك الزمان ولى والآن أتى زمن الوحدة _على غرار الاتحاد الأوربي وليس وجود دولة واحدة _ ولعلنا نخرج بعلاقات أقوى بين البلدين بعد هذه الأزمة القصيرة وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق