أحمد عدنان: الشعاراتية الليبرالية

الكاتب:

20 مايو, 2014 لاتوجد تعليقات

يهوى كثير من الليبراليين السعوديين ترديد مجموعة من الشعارات التي يغيب فيها المعنى والمضمون، ويحبذون ترديد نوع من النقد للتيارات العروبية والإسلامية يستخدمون فيه عبارات من نوع: التخلف والتقوقع والتعصب والإقصاء..إلخ.

ينطلق هؤلاء عادةً في نقدهم من عقد النقص تجاه الغرب التي تُتَرجم خطاباً استشراقياً تجاه بني جلدتهم، وهم يظنون أن الانتقال إلى “المستقبل” يقتضي مسح التراث، وتقليد الغرب للنهوض، طبعاً دون أن يفهموا السياقات التاريخية لنشوء الحداثة الغربية، ولا أوضاع الغرب الحالية والنقد الموجه للحداثة هناك، وطبيعة التغييرات التي حدثت لبعض المصطلحات والمفاهيم من خلال النقاش الفكري.

يحب هؤلاء ترديد شعارات من نوع “نماذج المستقبل” و “نحب الحياة” و “فلننفتح على الآخر” و “هيا بنا نستنشق الأكسجين” وغيرها، وهي مجرد شعارات تنتمي إلى ثقافة “الفاست فود” وتعبر عن خطاب بلاستيكي لا يمكنه أن يصنع حداثة أو تقدماً، لأنه لا يستند إلى أسس متينة.

مقال أحمد عدنان عن سلفية القوميين العرب يقدم نموذجاً لهذه الشعاراتية، إذ إن النقد المقدم في المقال خالٍ من النقد، لكنه لا يخلو من رمي الاتهامات المعلبة تجاه القوميين مثل الماضوية والتخلف والسلفية، أو من ترديد شعارات فارغة مثل “نماذج المستقبل”، وهذا الشعار يبدو متأثراً بسلسلة أفلام حرب النجوم الهوليوودية، أو بفيلم Gravity من بطولة جورج كلوني وساندرا بولوك، فالقارئ يشعر لأول وهلة أن الحديث هو عن الذهاب إلى الفضاء، وزيارة زُحَل.

يؤكد أحمد عدنان أن “الأمم تنهض وتتقدم بنماذج المستقبل لا الماضي”، لكنه فيما يبدو غير مطلع على التجارب التاريخية لنشوء الأمم وقيامها، فكل أمة تستدعي الماضي وتصنع سرديتها الخاصة عن مجد الأجداد الذي كوّن الأمة، وتجعل من هذه الرواية التاريخية مكوناً أساسياً للوجدان العام والانتماء للأمة، وتتخذه طريقاً للنهوض للمستقبل. إنها السردية الأساسية للأمم الحديثة، لكن أحمد عدنان يعتقد أن إلغاء الماضي هو طريق المستقبل، وهذا جزء من الشعاراتية الليبرالية التي لا معنى لها.

بيد أن الهوس الليبرالي برفض الماضي والانحياز “للمستقبل” يبدو منطلقاً عند كثير من الليبراليين من حالة انفعالية تعبر عن ردة فعل تجاه الأفكار السائدة اجتماعياً، وتعتقد أن التمرد على كل ما يعتقد به المجتمع هو نوع من التقدم، ورفض للتخلف والماضوية، وهذا دليل مراهقة فكرية لا حالة تقدمية، وهو ليس تعبيراً عن عقلية نقدية وحالة مساءلة للسائد (نراها ضرورية ومهمة)، لكنها محاولة بائسة للتقدم عبر تنميط المجتمعات العربية وكل الأفكار السائدة فيها، واعتبارها حالة متخلفة تستدعي معاكستها.

أحمد عدنان يرمي الاتهامات بالماضوية والتخلف على العروبيين بسبب موقفهم من التطبيع مع العدو الصهيوني، فما الذي يزعج أحمد عدنان في رفض التطبيع؟.

العدو ليس عدواً

لم تكن الحملة على دار مدارك من قبل العروبيين تستهدف أشخاصاً (يستخدم أحمد عدنان ومن معه نظرية المؤامرة التي يسخرون منها ليل نهار)، لكنها كانت تعبيراً عن رفض التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني، كجزء من قناعة العروبيين بوجوب عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال، وأهمية تفعيل المقاطعة بأنواعها الاقتصادية والثقافية والرياضية، وإقناع الأصدقاء في العالم بالانضمام إلى هذه المقاطعة، كمساهمة في عزل إسرائيل وحصارها.

المسألة هي في عدم الاعتراف بشرعية هذا الكيان وشرعية التعامل معه، وبالتالي رفض تطبيع العلاقة مع مؤلفيه وناشريه، ورفض الترجمة الاحتفالية بكتاب إسرائيلي يدعو للتطبيع، وهذا لا علاقة له بمعرفة العدو، أو بقراءة الصحف الاسرائيلية دون الدخول في علاقة مباشرة معها، فمعرفة العدو لا تستدعي تطبيع العلاقة معه بحيث لا يصبح عدواً.

اعتراض أحمد عدنان على الحملة ليس دفاعاً عن حرية التعبير والنشر (مع الأخذ بالاعتبار أن التباكي على حرية التعبير في غير محله)، لكنه اعتراض نابع من كون عدنان أحد دعاة التطبيع مع إسرائيل. لا يخفي أحمد عدنان إيمانه العميق بعملية السلام، وبذلك يكون مبدئياً مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل وإخراجها من خانة العداوة، وهو لا ينتظر حلول السلام وتوقيع اتفاق نهائي مع الفلسطينيين ليروج لكونها لم تعد عدواً، إذ إنه يساند بوضوح دعوات التطبيع التي تبدأ بالتعاقد مع كاتب إسرائيلي والنشر له، ولا تنتهي بالدعوة إلى زيارة القدس تحت الاحتلال.

رَفْع أحمد عدنان لشعار “اعرف عدوك” تضليل صريح، فلا يمكن لشخص يؤكد ضرورة تواصل دول الخليج مع إسرائيل لإقناعها بقبول إسقاط الأسد أن يدَّعي بأن إسرائيل عدو بالنسبة له، فهو يدعو لنوع من التنسيق مع هذا “العدو” لحل قضايا عربية، وهو يرى أن المشاكل الداخلية العربية يمكن حلها بالتفاهم مع إسرائيل، وأياً كان المبرر الذي يسوقه عدنان لهذا الكلام، فإنه لا يجد غضاضة في التعاطي مع إسرائيل كحالة طبيعية في المنطقة، وتنسيق الدول العربية معها.

إن شعارات “الانفتاح على الآخر” وغيرها تظهر هنا، لتبرر التطبيع مع العدو الصهيوني، مغلفة بشعارات الواقعية السياسية، التي لا تستخدم لقراءة الواقع بشكل جيد بل للاستسلام له، وهي تنبع من حالة انهزامية يراد تعميمها عربياً.

إنه أحد “نماذج المستقبل” التي يقدمها لنا أحمد عدنان: التطبيع مع العدو والتفاهم معه، وهو ما يجعل رفضه للحملة على مدارك جزءاً من رفضه “للتخلف والماضوية” التي لا تعترف بتفوق إسرائيل كأمر واقع، وهو التفوق الأسطوري الذي يبنيه دعاة الواقعية السياسية على هزيمة 1967، وهي التي لم تتكرر لاحقاً طوال تاريخ الصراع العربي- الاسرائيلي، بل إن إسرائيل مُنِيَت بهزيمة في لبنان وانسحب منه عام 2000، وفشلت أمام حركات المقاومة التي قدمت نموذجاً “للواقعية” في التعامل مع العدو، وهزمته (باعترافه وإن كره المطبعون) في 2006 في لبنان، وأفشلت عدوانه على غزة في 2008 و 2012. بينما لم تحقق عملية التسوية غير المزيد من الاستيطان وابتلاع الأراضي العربية، وتقديم التنازلات للعدو الذي لا يرضى.

التطبيع مع إسرائيل أحد نماذج المستقبل التي يبشرنا بها أحمد عدنان، فماذا عن النماذج الأخرى؟.

ملوك الطوائف

يزهو أحمد عدنان باندفاعه في تأييد فريق 14 آذار في لبنان، وهو فريق يتكون من مجموعة من زعماء الطوائف، بعضهم مشهور بالفساد المالي مثل عائلة الحريري، والبعض الآخر مشهور بالإجرام مثل صديق أحمد عدنان الدكتور سمير جعجع، وجعجع تحديداً لا يتصف فقط بكونه أحد أمراء الحرب مثل نبيه بري ووليد جنبلاط وسواهما من زعماء الحارات والزواريب اللبنانية، بل يتجاوزهم إلى كونه يملك تاريخاً مهماً في التعامل مع العدو الصهيوني، إذ كان جزءاً من ميليشيا القوات اللبنانية (ثم أصبح قائداً لها في 1986) التي تعاملت مع إسرائيل بشكل مباشر من خلال قائدها بشير الجميل، وكان الإسرائيليون يمدون القوات اللبنانية بالأسلحة والتدريب، وعلى سبيل المثال لا الحصر يؤكد الكاتب الفرنسي ريتشارد لابيفيير في كتابه “اهدن..لعنة المسيحيين العرب” أن الموساد الإسرائيلي اختار جعجع لتنفيذ مجزرة اهدن في شمال لبنان التي راح ضحيتها طوني فرنجية وعائلته.

في الوقت الذي يؤيد فيه أحمد عدنان نظام المحاصصة الطائفي في لبنان بتأييده زعماء الطوائف وسياساتهم، إضافة إلى تأييده لرموز 14 آذار من أدوات المشاريع الأمريكية في المنطقة ( وقد كان جزء منهم  – وبخاصة عائلة الحريري – من المستفيدين من الوصاية السورية في لبنان التي انتفضوا ضدها في 14 آذار)، يعيب على العروبيين موقفهم من حزب الله، لكنه ربما لم يطلع على نقد العروبيين لحزب الله تحديداً بسبب تركيبته المذهبية، وقبوله بنظام المحاصصة الطائفي في لبنان، وتمثيله للطائفة الشيعية ضمن هذه المحاصصة.

العروبيون يؤيدون حزب الله كحركة مقاومة ضد العدو الصهيوني، وبالتأكيد سيكونون مع خيار المقاومة في لبنان ضد الراغبين بتصفيته لمصلحة الغرب وإسرائيل، لكنهم ليسوا مع نظام المحاصصة الطائفي، ولا يخجلون من توجيه النقد لحزب الله وغيره في هذا الإطار، ورفض أمراء الحرب من طرفي الصراع في لبنان.

يعتبر العروبيون نظام المحاصصة مفجراً للأزمات والصراعات الأهلية، ونموذجهم للمستقبل يتركز حول وجود جماعات وطنية موحدة في الدول العربية تجمع أفرادها هوية وطنية جامعة في قلبها العروبة، باعتبارها انتماءً جامعاً لأغلب المواطنين في المنطقة العربية، ويتركز جزء أساسي من طرحهم على رفض الطائفية السياسية، واعتبارها معضلة تفتت الوحدة الاجتماعية في المجتمعات العربية.

نموذج المستقبل الذي يطرحه أحمد عدنان فيه مجموعة ممن أسهموا في تخريب الماضي بجرائمهم وتخريب الحاضر بفسادهم وطائفيتهم، فأي مستقبل يُرجى منهم؟.

الكاوبوي المخلّص

أحد نماذج المستقبل المهمة التي يقدمها أحمد عدنان هو نموذج جورج بوش الصغير والمحافظين الجدد، فأحمد عدنان لا مشكلة لديه مع الاستعمار والاحتلال المباشر (ربما هذا يفسر عدم وجود مشكلة عنده مع الاحتلال الصهيوني)، بل إنه يرى فيه مخلصاً وجالباً للخير كله، لأنه يعتقد أننا نحتاج “الكاوبوي” المتحضر ليخلصنا من تخلفنا وجهلنا، ويعتقد أن الاستعمار جمعية خيرية، فعلاً!.

النموذج العراقي هو الذي يدعونا إليه أحمد عدنان، وقد رأينا ويلاته وما فعلته القوات الأميركية من “جرائم متحضرة”. لا يلقي أحمد عدنان بالاً للسيادة الوطنية لمناقشته في إطارها، لكن حتى بالحسابات المصلحية لم نجد مصلحة من مشروع بوش الصغير الذي يؤيده، بل وجدنا الدمار والمحاصصة الطائفية التي أرسى قواعدها بول بريمر مع الزعماء الطائفيين الشيعة والسنة من جماعة الاحتلال، وتكريساً لفشل مشروع التغيير الديمقراطي بالبوارج والطائرات الحربية.

إن ما يختلف فيه أحمد عدنان عن غيره من الليبراليين هو انتماؤه الواضح إلى فكر المحافظين الجدد، وتأييده لسياساتهم في المنطقة. يوجد ليبراليون لا يؤيدون هذه السياسات ويستشعرون خطرها ( ولابد من التأكيد على عدم وضع الليبراليين جميعاً في سلة واحدة كما يفعل هو مع العروبيين والإسلاميين)، لكن أحمد عدنان ينتمي إلى الليبراليين الذين يتبنون “أيديولوجيا المحافظين الجدد”.

العروبيون مع التغيير الديمقراطي، لكنهم لا يفرطون بالسيادة الوطنية، ولا يرون التغيير الديمقراطي إلا كنتاج حراك مجتمعي داخلي، لا من خلال الغزو الخارجي، وقد عبر مجموعة من العروبيين السعوديين عن هذه الأفكار بشكل مفصل في كتابهم “في معنى العروبة”، والذي سيستفيد أحمد عدنان ومن معه من الليبراليين المؤيدين للاستعمار والمحافظين الجدد من قراءته، خاصة أنه يجهل التطور الحاصل في الفكر القومي العربي، كما يشير إلى ذلك مقاله.

سلفية علمانية..إقصاء ليبرالي

لقد قام مركز دراسات الوحدة العربية على سبيل المثال بطباعة عشرات الكتب وإقامة عشرات الندوات التي تراجع التجربة القومية العربية، وتنقدها وتخلص إلى استنتاجات مهمة على إثرها تبنى كثير من العروبيين مفاهيم الديمقراطية والمواطنة، لكن أحمد عدنان لا يطلع على كل هذا، فيتحدث عن عدم وجود نقد ذاتي أو دراسة جادة عند العروبيين، ولو كلف نفسه بالسؤال أو الذهاب إلى أي مكتبة وقراءة ملخص أي كتاب من كتب مركز الوحدة مثلاً، لما أوقع نفسه في هذا الحرج.

يتهم أحمد عدنان العروبيين بالاستبداد والرغبة في فرض آرائهم، لكن عند التدقيق في نموذج المستقبل الديمقراطي الذي يتبناه، نجد أنه يقوم على إقصاء حركات الإسلام السياسي من المجال العام والفعل السياسي، ويرفض التعددية السياسية التي تشمل الإسلاميين، ويرغب في إلغاء وجودهم السياسي بكل وضوح.

يقول أحمد عدنان في أحد حواراته: هنا يحلو لي أن أؤكد أنني أتحدث عن جميع فصائل الإسلام السياسي، سُنة وشيعة، فأنا أُعادي القاعدة، وطالبان، والسرورية، والسلفية، والإخوان، والنصرة، وداعش، وحماس، كما أبغض حزب الله، ونظام الملالي في إيران. وأنا ضد وصول هذه الفصائل إلى الحكم، ولو عبر صناديق الاقتراع؛ لأنني أعتقد أن وجود الأحزاب الدينية مناقض لروح الدولة، وصميم العمل الديمقراطي”.

بالإضافة إلى عدم قدرته على التفريق بين الإسلاميين على اختلافاتهم في قضايا الديمقراطية وشكل نظام الحكم، ووضعه جميع الإسلاميين في سلة واحدة ضمن خطاب دوغمائي، يرغب أحمد عدنان بإقصاء شرائح واسعة من المجتمعات العربية، وهو يرفض التعددية السياسية والخيارات الشعبية التي تأتي بالإسلاميين.

يؤكد أحمد عدنان على طروحات ماضوية، و”سلفية علمانية”، يقتدي فيها بالسلف من العلمانيين المتشددين مثل شيخه أوغست كونت (ربما لا يعرفه ولا يدري أنه شيخه)، وكونت هو عالم اجتماع فرنسي شهير برز في القرن التاسع عشر، وكان يؤكد على انتقالنا إلى “المرحلة الوضعية” التي يسود فيها العلم ويتحرر فيها الإنسان من الجهل والأسطورة، وأن العلم سيحتل المساحات التي سيتركها تلاشي الدين واختفاؤه. هذا الفكر العلماني المتشدد ركز على العلمانية باعتبارها أيديولوجيا يتم تربية الناس عليها لخلق حياة اجتماعية وفق منهج يفسر كل الظواهر انطلاقاً من رؤية علمية، وقد قاد هذا الفكر حملة على وجود الدين في المجال العام.

لكن مفهوم العلمانية خضع لنقاشات نظرية كثيرة في الفلسفة السياسية، وظهرت نظريات حديثة تقر بوجود الدين في المجال العام في المجتمعات العلمانية على خلاف نظرية كونت، كما أن طروحات “ما بعد العلمانية” تتجاوز العلمانية المحاربة لوجود الدين في المجال العام، آخذة في الاعتبار الحيوية المتجددة للدين، وقدرته على اجتذاب قطاعات من الجماهير، حتى في الغرب الذي “تَعَلْمَن”. يؤكد الفيلسوف الألماني يورغان هابرماس مثلاً أنه لا يمكن للهوية الجماعية الليبرالية أن تبقى بعيدة عن تأثير التفاعل السياسي بين المتديّن وغير المتديّن، شريطة أن يعترف كل منهما بالآخر بوصفه عضواً مساوياً في الجماعة الديموقراطية نفسها، كما أن المواطنين أحرار بنظره في تقرير إن كانوا يرغبون في استخدام لغة دينية في المجال العام أم لا. كذلك يؤكد الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور أن ” الديموقراطية المتنوعة بحق لا تستطيع أن ترتدّ إلى دين مدني، أو إلى معاداة الدين، مهما بدا ذلك أمراً مريحاً، دون أن تخون مبادئها نفسها”.

 غير أن أحمد عدنان لم يطلع عليها فيما يبدو، وهو متمسك بسلفيته، وبعلمانية القرن التاسع عشر، ولم يطلع على تطور النقاش النظري حول العلمانية، ويرغب في الاستمرار على فكرة إقصاء المتدينين من المجال العام ورفض عملهم السياسي.

لم يكتب العروبيون في السعودية مقالاً ولم يصرحوا في حوار بأنهم مع إقصاء تيارات الإسلام السياسي، وهم مع وجود الأحزاب الدينية طالما هي تحت سقف هوية الدولة ولا تناقضها، وطالما هي ملتزمة بمبادئ اللعبة الديمقراطية وتحترم التعددية السياسية، بل إن العروبيين في السعودية انتقدوا عروبيي مصر مثلاً على تأييدهم للانقلاب العسكري وإقصاء الإخوان من المشهد، فيما يؤكد أحمد عدنان على إقصاء شريحة واسعة تحوز الأغلبية في كثير من البلدان العربية.

الإسلام السياسي عدو لابد من إقصائه بالنسبة لأحمد عدنان، ولا يصح رفع شعارات “الانفتاح على الآخر” معه، بينما إسرائيل يمكن التفاهم معها والانفتاح عليها، وهذا المنطق ينبئ عن اختلال في مفاهيم العداوة والصداقة، فأعداؤه داخل مجتمعاتنا العربية، ما يخلق صراعات أهلية متعددة، وعدو الأمة يمكن أن يطبع العلاقات معه، فيكرس حالة الذل والهوان.

يرفض أحمد عدنان الإسلام السياسي ويعاديه، لكنه لا يرفض “المارونية السياسية” ولا “السنية السياسية” ما دام زعماؤها من “العلمانيين”، وإن كانوا فاسدين مجرمين!.

العروبيون ينتصرون للديمقراطية من خلال الانتصار للتعددية السياسية، فيما أحمد عدنان يرغب في فرض ثقافة علمانية بأدوات الدولة من خلال إقصاء الإسلاميين والمحافظين، معبراً عن فكر علماني ماضوي تجاوزه الزمن.

مآلات البلاستيك

إلى أين تذهب بنا نماذج المستقبل التي يبشر بها صديقنا أحمد عدنان؟..إلى الخراب والفوضى الناتجة عن الانقسامات الطائفية والتدخلات الخارجية، والإقصاء ورفض التعددية السياسية في مجتمعاتنا.

إن ترديد الكليشيهات حول “المستقبل” لا ينفع وحده، فلابد من فحص دقيق لنماذج هذا المستقبل، أما ترديد الشعارات والاتهامات المُعَلَّبة، فلا تنطلي إلا على أصحاب الفكر المُعَلَّب.

خاص بموقع”المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق