النكبة الفلسطينية والمزاعم الصهيونية

الكاتب:

15 مايو, 2014 لاتوجد تعليقات

يقوم الاحتلال الصهيوني على أسس ومبادئ تاريخية باطلة يستخدمها ليبرر ويشرع احتلاله. هذه الأكاذيب تحولت لحقائق ومسلمات لكثرة تداولها في الإعلام، لهذا يجب علينا فضح هذه الأكاذيب وكشف زيفها. وهذا ما حاولت القيام به في ورقة البحث التي نشرت في كتاب” في معنى العروبة”،  حيث يتمحور البحث حول نفي أحقية اليهود اليوم في أرض فلسطين من خلال أربعة محاور أساسية وهي مزاعم اليهود القومية والتاريخية والجغرافية والدينية.

يدعي الصهاينة اليوم أنهم أمة واحدة تجمعها قومية واحدة. وقد بدأت حملات القومية اليهودية منذ أواخر القرن التاسع عشر مع دعوات ثيودور هيرتزل لضرورة وجود وطن قومي يجمع يهود الشتات. وكانت الصهيونية هي الحركة القومية التي أسست دولة إسرائيل وعلى مبادئها تقوم مزاعم القومية،  حيث يبني الصهاينة شرعية دولتهم على تقسيم جائر للتاريخ اليهودي لثلاث فترات منفصلة وهي: العصر اليهودي الذهبي – ويمتد من ابراهيم عليه السلام وحتى الخروج من مصر- ، وعصر المنفى أو الشتات- وتبدأ هذه الفترة من بداية تشتت اليهود عبر الأمم- ، والفترة الأخيرة هي فترة العودة. ويشكل العصر الذهبي الفترة القومية الأولى، بينما تشكل فترة العودة الفترة القومية الثانية، وبهذا تقوم الصهيونية بخلق رابط مزيف وغريب يجعل اليهود اليوم أقرب للعبرانين القدامى منهم إلى يهود المنفى. هذا الخطاب التي تبني عليه الصهيونية شرعيتها القومية مليء بالمغالطات التاريخية والتحريف الصريح للتاريخ المثبت، بدءاً من تقسيمهم للتاريخ اليهودي وحتى تناقض مزاعمهم مع جميع النظريات القومية المعترف بها، فتقسيم التاريخ اليهودي الممتد لثلاثة آلاف عام لفترتين فقط يسهل عملية تحريف التاريخ وتعميم أي حقيقة تاريخية محددة على الحقبة بكاملها.

أما المزعم الصهيوني القومي الأخر فهو ادعاء وجود رابط قومي بين اليهود اليوم وبين أرض فلسطين على أساس أنها وطنهم الأم، وهذا ادعاء لا يستند إلى دليل علمي موثوق، بل هو إدعاء باطل ومزيف حيث لا يوجد أي رابط عرقي أو جغرافي أو تاريخي لليهود اليوم بأرض فلسطين. ولو افترضنا جدلاً أن فلسطين هي أرض إسرائيل التاريخية فالارتباط الوحيد لليهود اليوم بها سيكون رابط ديني فقط، وهذا الرابط لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشرع احتلالهم لأرض فلسطين.

يزعم اليهود أن أرض فلسطين هي الأرض المباركة التي وعدوا بها، لذا فهي حق لهم، ويصورون احتلالهم لفلسطين بأنه عودة لوطنهم الأم، ولكن عندما نبحث في تاريخ الأرض وتاريخ السكان الأصليين لهذه الأرض نجد أن اليهود لم يكونوا من سكانها الأصليين، وأن فلسطين لم يسبق أن كانت الأرض الأم لليهود، ففلسطين كانت منذ بدايتها أرضاً عربية وسكانها الأصليين كانوا عرباً، حيث كانت تعرف فلسطين تاريخياً باسم أرض كنعان نسبة لقبائل الكنعانيين العرب الذي استوطنتها، والكنعانيون هم قبائل عربية هاجرت من جنوب الجزيرة العربية في أواخر القرن السادس عشر قبل الميلاد، وهم أول من استوطن أرض كنعان. وذُكِر الكنعانيون في التوراة بوصفهم السكان الأصليين لأرض فلسطين، كما أثبتت الدراسات الأنثروبولوجية والأركيولوجية لأرض فلسطين أن الكنعانيين هم سكانها الأصليين.

أما بالنسبة لوجود اليهود في فلسطين- إن صح ذلك- فوجودهم الأول يبدأ بهجرة إبراهيم عليه السلام لفلسطين، حيث انجب هناك اسحاق ومن بعد اسحاق يعقوب عليه السلام، ويبدأ مصطلح بني إسرائيل بالظهور بعد أن تكثر ذرية نبي الله يعقوب عليه السلام (إسرائيل) وأبنائه الاثني عشر، وينتهي هذا الوجود الأول بهجرة يعقوب وبنيه من فلسطين إلى مصر بعد أن أصبح يوسف عليه السلام عزيز مصر. أما وجود اليهود الثاني في فلسطين فيبدأ بعد خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام هرباً من فرعون وقومه.

هذا بالنسبة لتاريخ بني إسرائيل ووجودهم التاريخي على أرض فلسطين، أما تاريخ اليهود اليوم فلا يمت بصلة إلى فلسطين ولا بني إسرائيل مطلقاً، حيث ينقسم اليهود اليوم ليهود خزر وهم يهود أوروبا الشرقية ويشكلون ٨٠٪ من تعداد اليهود حول العالم حسب الموسوعة اليهودية، ويهود مزراحيين وهم اليهود العرب ويهود فلاشا (اليهود المنحدرين من أثيوبيا)، وتاريخ هذه الجماعات يدل على أنها جميعا اعتنقت الديانة اليهودية خلال فترة من فترات تاريخه.ا وبهذا نرى أن اليهود لم يكونوا يوماً من السكان الأصليين لأرض فلسطين، فعلى أي أساس يدعون وجود حق تاريخي لهم بالأرض؟ وإن افترضنا جدلاً بوجود اليهود التاريخي في فلسطين فهذا لا يعطيهم الحق في اغتصاب الأرض وتشريد الشعب وتزييف تاريخه، فالعرب والمسلمون اليوم مثلاً لا يحق لهم العودة لاحتلال اسبانيا على أساس وجودهم التاريخي فيها.

أحد أهم المسلمات التي تشربتها عقولنا والتي لا يجرؤ أحد على التشكيك فيها هي وجود اليهود الجغرافي في فلسطين، حيث يربطون هذا الوجود بأهم حدث في التاريخ اليهودي وهي حادثة الخروج من مصر، وعليها يبني اليهود مزاعم حقهم الجغرافي في فلسطين، فيدَّعون أن فلسطين هي الأرض المباركة التي وعدهم الله بها، لذا فإن تحديد هذه الأرض المباركة التي خرج إليها بني إسرائيل يشكل أمراً مركزياً في القضية الفلسطينية. ولهذا من المهم أن نحدد الموقع الجغرافي للرواية التوراتية.

 المُسَلَّمة التي تشربتها عقولنا تقول بأن الأرض التي خرج منها بني إسرائيل هي مصر، وذلك لأن لفظة مصر ذكرت صريحة في القرآن الكريم، ولكن مصر القرآن لا يقصد بها جمهورية مصر العربية بل يقصد منها منطقة جغرافية معينة، فمصر موسى هي أحد الأمصار التي حدثت فيها الرواية التوراتية ولا يقصد منها جمهورية مصر العربية التي نعرفها اليوم.

خلال بحثي وجدت ثلاث نظريات تتنبأ بالموقع الجغرافي للأحداث التوراتية: النظرية الأولى -وهي الأكثر شيوعاً وتعد من المُسَلَّمات – تزعم أن الأحداث وقعت في مصر وأن اليهود هم من بنى الأهرامات، وأنهم عبروا البحر الأحمر من مصر باتجاه فلسطين، ولكن عدم وجود أي دليل أركيولوجي يثبت صحة هذه النظرية دعا كثيراً من العلماء إلى إنكار حدوث الروايات التوراتية ووصفوها بأنها مجرد أساطير

النظرية الثانية، والتي تعرف بنظرية نويبع، تقول بأن بني إسرائيل خرجوا من مصر وعبروا خليج العقبة باتجاه مدين شمال غرب المملكة العربية السعودية. والذي توصل لهذه النظرية باحث تاريخي اسمه رون وايت. وجد وايت آثاراً لعربات فرعونية  في خليج العقبة ووجد نقوشاً لعجل في مدين، ولكن بعد دراسة هذه الاكتشافات اتضح أنها آثار مزيفة وأن هذه النظرية لا أساس لها من الصحة.

يستبعد العديد من العلماء أن تكون مصر هي مسرح الرواية التاريخية، وذلك لأنه وعلى الرغم من العدد الضخم من البحوث والرحلات الاستكشافية لم تنجح أي منها في تقديم دليل حقيقي يؤكد وجود بني إسرائيل في مصر، وهذا يقودنا للنظرية الثالثة التي تقترح موقعاً جغرافياً مختلفاً تماماً، ألا وهو جنوب الجزيرة العربية، وتحديداً اليمن. رواد هذه النظرية هم كمال صليبي وفاضل الربيعي، اللذان استندا في دراستهما على تطابق المسميات التوراتية وتطابق الوصف التوراتي للمواقع التاريخية في اليمن، ولكن هذا التطابق لا يعد دليلاً أركيولوجياً ثابتاً. ما يهمنا في هذا المبحث ليس إثبات وجود بني إسرائيل في بقعة جغرافية معينة، إنما ما يعنينا هو نفي وجودهم في فلسطين أو مصر، حيث لم يستطع الصهاينة وحتى يومنا هذا تقديم دليل أركيولوجي يثبت بشكل قاطع وجودهم في فلسطين، فكل الأدلة الموجودة تثبت بعد دراستها من قبل جهات علمية محايدة أنها نسبت لبني إسرائيل زوراً، وبهذا نجد بأن اليهود اليوم لا يملكون أي حق جغرافي في أرض فلسطين.

أما حق اليهود الديني في فلسطين فيمكن نقضه من عدة أوجه، أولها أنه وإن افترضنا أن لليهود حق ديني في فلسطين فحقهم لا يتعدى مدينة القدس والتي يشاركهم فيه المسيحيين والمسلمين، بالإضافة إلى أن حقهم الديني هذا لا يمكن القبول به كمشرع للاحتلال، وثانيها أنه يُعرف عن الصهيونية كونها حركة قومية علمانية فصلت التاريخ الديني اليهودي عن اليهود وشكلت لنفسها سياقاً تاريخياً خاصاً. فكيف يشرعون احتلالهم القائم على أسس علمانية من خلال حق ديني؟.

وثالثها، تعارض الديانة اليهودية الحركة الصهيونية في عديد من النقاط، بل إنه يوجد الكثير من اليهود اليوم الذين يرفضون الصهيونية ويرون أنها عدو لليهودية، فبنظرهم تخالف الصهيونية التعاليم اليهودية الصريحة التي تحرم دخول اليهود الأرض المباركة قبل خروج مسيحهم المنتظر >

بعد استطلاعنا للأدلة والبحوث المتعلقة بتاريخ الأرض والشعب، نستطيع أن نرى كمية الكذب والتزييف الممنهج للتاريخ والحقائق فيما يخص القضية الفلسطينية. ما تفعله البروباغاندا الصهيونية يُعد عملية ممنهجة لتغيير التاريخ وسلب أمة من تاريخها وهويتها وحقها، هذا يجعل من واجبنا فضح أكاذيبهم وكشف زيفها.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق