سبب إهمال العرب العلومَ السياسية

الكاتب:

14 أبريل, 2012 لاتوجد تعليقات

يعاني قسم  العلوم السياسية  في العالم العربي  من الإهمال وضعف المُخرجات وإن كان ذلك يتفاوت  من دولة لأخرى.

و الوضع الأسوأ هو في المملكة العربية السعودية؛ حيث ضعف الجانب الأكاديمي في  الدراسات السياسية التي  تفتقد الربط بين الظاهرة السياسية والظواهر الاقتصادية والاجتماعية الأخرى, وضعف المراجع وكتب التاريخ السياسي وإن وجدت فهي موافقة للرواية الرسمية ولا يُسمح بأي رؤية مخالفة.

وقد كتب موقع (الجزيرة نت) حول هذا الموضوع؛ أن الدليل على ضعف الجانب الأكاديمي وقصور منتجاته هو أن من يدير أقسام الشؤون السياسية في الإعلام السعودي هم من الصحافيين العرب.

وإذا نظرنا بشكل  أقرب لمناهج العلوم السياسية للطالب السعودي وجدنا أنها عبارة عن سرد تاريخ المملكة ونظام الحكم في الإسلام و نظريات ميكافيللي  وغيره. نظريات دون أي تطبيق ويُفرد مساحة كبيرة لمناقشة مواضيع بعيدة عن الشأن الداخلي!

وفي مادة حقوق الإنسان في الإسلام في قسم العلوم الإدارية يُحذف فصل الحقوق السياسية كاملا من المنهج .ويُمنع في كلية اللغات والترجمة ترجمة أي كتاب سياسي، هذا غير أن قسم العلوم السياسية غير متاح  للبنات.

وكثير ممن كتب عن تاريخ المملكة  وتعاملها مع الأزمات يؤكد أن السعودية تكرر أخطاءَها دائماً؛ لأنها لا تدرس تاريخها بشكل واضح وصريح مثل حادثة جهيمان ورفاقه التي تكتمت الدولة على كثير من تفاصيلها ومُسبباتها  تكررت تقريباً بشكل متطابق مع بن لادن  بعد ثلاثة عقود .

للخوف من العلوم السياسية  تاريخ قديم عند العرب كما يقول “مراد هوفمان” في  كتاب ( نظام الحكم الإسلامي في العصر الحديث ): منذ أن أملى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المعاهدة الدنيوية للجمهورية الفيدرالية في المدينة المنورة, نادراً ما حاول المسلمون بذل أي جهد فكري للتعامل مع مسألة الدولة والحكم ومن الأمثلة على ذلك الماوردي في نظام الحكم”.

ويُفصل علي عبد الرازق في كتابه ( الإسلام و أصول الحكم ) أسباب إهمال العرب العلوم السياسية؛ فيقول: حظ العلوم السياسية مقارنة بالعلوم الأخرى هو الأسوأ فلم نعرف للمسلمين في تاريخ الحركة العلمية مؤلفا ولا مترجما في السياسة, ومع أن العربَ مولعون بما عند اليونان من علم إلا أنهم أهملوا النظر في كتاب الجمهورية لأفلاطون وكتاب السياسة لأرسطو مع إعجابهم به وتسميته بالمعلم الأول، ولم يترك علماؤنا الاهتمام بالعلوم السياسية غفلة منهم ولكن لسبب وهو أنه مع كون الخلافة عند المسلمين ترتكز على رغبة أهل الحل والعقد إلا أن الواقع يقول إن الخلافة في تاريخ الإسلام تقوم على أساس القوة الرهيبة فمنذ علي ومعاوية -رضي الله عنهما- لم يسود عرش الخلافة إلا تحت ظلال السيف. ويضرب عبد الرازق الأمثلة  الكثيرة على الاستبداد بالحكم بالقوة وعدم ترك مجال للاختيار؛ ومن هذه الأمثلة ما قام به أحد الدعاة  في البيعة ليزيد  عندما قال ” أمير المؤمنين هذا ” وأشار لمعاوية  ” فإن هلك فهذا ” وأشار ليزيد ” فمن أبى فهذا” و أشار إلى سيفه. ولهذا فإن ما أخذ بالغُلب والقوة يكون عزيزا على النفس ولا يهون التنازل عنه, ومن الغيرة على هذا الملك وصيانة عرشه نشأ الضغط الملوكي على حرية العلم. ولا شك أن علم السياسة هو من أخطر العلوم على المُلك بما يكشف من أنواع الحكم وخصائصه وأنظمته.

ويختم عبد الرازق هذا المبحث  بأنه إذا كان الهدف من الخلافة كما يراه الفقهاء هو إقامة الشعائر الدينية وصلاح الرعية فإن هذين الهدفين يمكن  تحقيقهما عن طريق حكومة في أي صورة كانت سواء مطلقة أو مقيدة أو جمهورية أو دستورية أو ديمقراطية، وإن مظاهر دين الله لا تتوقف على نوع الحكومة الذي يسميه الفقهاء الخلافة.

ويقول عبد الرازق  سقطت  الخلافة في منتصف القرن الثالث الهجري في البلاد الإسلامية وقامت الدول المستقلة مع بقاء الخلافة في بغداد  فلا كانت شعائر الدين في بغداد أظهر ولا كانت أحوال الرعية أصلح.

وبعد تفسير عبد الرازق للخوف التاريخي من العلوم السياسية  يُسقط هذه  المخاوف من تدارس أنواع الحكومات وإقامتها إذا لم ينتفِ أساس إقامة شعائر الدين وصلاح أحوال الرعية.

واقع ضعف قسم العلوم السياسية وتراكُمات أسبابه لابد يُطرح في هذا الوقت بالذات بعد قيام الثورات وعودة الإيمان بإمكانية التغيير للأفضل لدى الشعوب، فكما يقول أحد أدباء أوربا بعد ثورة الباستيل جمعنا والدي وقال “إذا فشلتم بعد اليوم فلا تلوموا إلا أنفسكم”.

وبما أن الحكومات غيرت من بعض سياساتها  بعد الحادي عشر من سبتمبر فالأولى أن  تعد هذا الربيع العربي حدثًا مفصليًّا وتعيد النظر في بعض الأمور وخاصة في وضع العلوم السياسية وممارستها على الأقل في نطاق ضيق بدايةً مثل السماح بتشكيل اللجان الطلابية، وإتاحة الفرصة لتفعيل منتجات هذا العلم وتوظيفه لفهم  الواقع، والتعامل  معه كأداة تحسين وتطوير والكف  عن نظرة التوجس منه، ونزع هالة القداسة عن انتقاد الدولة فكونها قامت على أساس ديني ودعوة دينية لا يعطيها حصانة من النقد مع المحافظة على الثوابت.

واللوم لا يقع على الحكومات فقط  فعلى الفرد بعد انفتاح الإعلام وسقوط نظريات حارس البوابة  وعدم وجود احتكار للمعلومة أن  يزيد من ثقافته السياسية وبناء تحليل الأحداث على أسس علمية  وعدم الاتكال على ما يُعطى له من معلومات ومعطيات.

خاص بموقع ” المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق