مقابلة السناني: الدولة تلفظ أبنائها

الكاتب:

2 ديسمبر, 2013 لاتوجد تعليقات

غاص الاعلامي داوؤد الشريان في كهوف السجون السعودية ليخرج لنا بمقابلة مع الشيخ المتطرف وليد السناني. كان وليد المعتقل منذ عشرين عام يتحدث بلغة الدرر السُنيّة، مستعيداً بعضاً من أصول النصوص الوهابية الأصلية. استهدف برنامج الثامنة تبرير الاعتقالات الطويلة بلا محاكمة، وتشويه المطالب الحقوقية باللإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتبرئة الدولة من الفكر الوهابي المتطرف وتظهيرها بمظهر الضحية له، لكن مُخرج الحلقة رسب في الامتحان المهني الأهم و الأصعب.

كان وليد السناني فطرياً وصريحاً للحد الذي يستحيل استنساخه وإسقاط نموذجه على بقية معتقلين الرأي في المملكة، واتضح للرأي العام بأن الشيخ يمثل شريحة ضيقة جداً في هذا العالم و الذي نام عنه وليد في الزنزانة لعقدين، فلم يعد لهذه الأطروحات معجبين كُثر حتى في أوساط السلفيين، خصوصاً بعد أن انبجست السلفية لسلفيات متنوعة، وأحياناً متناقضة، بل إن ما كُشف في هذا اللقاء هو قرب نهاية تزاوج الدعوة والأمارة لصالح الأخيرة، فالحاجة للدعوة الوهابية كمصدر للشرعية السياسية استنفذ مهمته (تأسيس الدولة) فيما نحن نعيش عصر انتظار البديل الغائب.

رفعت الحلقة الغطاء عن سؤال جوهري دار معظم النقاش حوله ولو لم يكن بطريقة مباشرة، وقد ترك بلا إجابة حاسمة: هل الدولة السعودية دولة دينية أم دولة علمانية؟ أو يمكن اختصار المقابلة في سؤال: أيّ مملكة نريد؟. فشكل النظام الحالي لا هو بالإسلامي التام ولا هو بالعلماني الكامل. إن شئت أيضاً قل هو خليط من هذا وذاك، حيث يبدو أن النخبة السياسية تستخدم مع الوهابية سياسة القضم، و إنها تسعى لكسب المزيد من الوقت قبل إلتهام الدولة لأبنتها (الوهابية) البارة، وهذا بالمناسبة خيار نهائي تستشعره القوى السلفية بمختلف توجهاتها لكنه ليس خياراً سهلاً فهو يستبطن في طياته سؤال شرعية الدولة.

من الواضح بأن خيار العلمنة هو الخيار الأنسب للدولة إذا ما أرادت النخبة تطوير مصادر الشرعية وكذلك ضمان فعالية النظام مستقبلاً، خصوصاً وهي تتحسس خطراً داهماً، وهي فعلاً قد بدأت فيه منذ وقت طويل، وهو ما تنبه له السناني باكراً و أشار إليه في معرض حديثه عن الفارق الكبير بين الدولة السعودية الأولى حيث الشراكة الحقيقية بين الشيخ والإمام في تسيير شؤونها والدولة السعودية الثالثة حيث السيطرة المطلقة للإمام على المؤسسات السياسية والمشيخية.

هكذا نخرت النخبة السياسية منسأة السلطة الدينية حتى جعلتها تحت سيطرتها المطلقة، فانتقلت بذلك النخبة الدينية من شريك في الحكم إلى مؤسسة من المؤسسات الإيديولوجية لحكم الدولة، حيث تم تفتيت مركزة السلطة الدينية وتوزيعها على أكثر من قوة بعد أن كانت في يد الشيخ. تلا ذلك تجاهلات ومخالفات بالجملة لرأي العلماء؛ أُعلن عن تدريس المرأة ثم عملها وجرى التعامل مع البنوك “الربوية” وأدخلت القوات الأجنبية “لجزيرة العرب” وكلها شواهد حية على المسار العلماني الذي قررت النخبة الحاكمة المُضي فيه. لكن مع كل هذا التقدم في هذا الجانب لم تُفرّط بالعنصر الديني كمصدر للشرعية وكسيف مسلول في وجه الخروج على (ولي الأمر) السلطة كما لم تفكر النخبة السياسية في تحول كامل نحو علمنة الدولة وتحديثها بما يفضي في نهاية المطاف لتطوير مؤسسات الحكم واشراك الشعب في الإدارة.

لقد أخفق الشريان في تبرئة الدولة من أبوة الوهابية حيث سعت السلطة من خلال الحلقة للفظ أبنائها الوهابيين الأوائل ومساواتهم بالحقوقيين الحركيين. كما أخفقت السلطة قبل ذلك في مزاوجة الدين بالسياسة، فالمستقبل في المملكة هو لدولة علمانية ديمقراطية تتحرر فيه المؤسسة الدينية من قبضة الدولة وتحرر الدولة من عبء الوهابية، وهذا تدركه النخبة السياسية جيداً لكن تفكيرها المُضمر هو في الثمن الواجب دفعه.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق