يوم المواطن قبل يوم الوطن!

الكاتب:

14 أكتوبر, 2011 لاتوجد تعليقات

كثيراً ما نستمع للخطب والديباجات الخاصة بالمناسبات والأعياد والأحداث التي تمر من حولنا، ولكن قليلا ما نرى احتفاء خاصا بالإنسان والذي يتمثل في حالتنا المحلية بالمواطن السعودي. إننا نسمع الإشادة حول الوطن والأرض والتاريخ والعروبة وما شابه ذلك من مفاهيم ومسميات عمومية ولكن قلما نرى حديثا عن الإنسان السعودي، هذا الإنسان الذي يفترض فيه أن يكون الوحدة الأساسية في تمثل هذه المفاهيم ومن دونه لا يبقى لهذه الألفاظ أي معنى!

قبل أسابيع شهدت المملكة العربية السعودية احتفالا بالعيد الوطني ومن أجله وضعت الإجازة الخاصة كيوم احتفالي تم تخصيصه لأجل هذه المناسبة، والاحتفال بهذا اليوم هو أمر إيجابي من ناحية المبدأ، إذ يفترض أنه من خلال هذه المناسبة يتم غرس مفهوم المواطنة والانتماء والشعور بالأخوة مع بقية المواطنين من كافة المناطق والشرائح الاجتماعية المختلفة. ولكن السؤال: هل مثل هذا اليوم يتضمن الإشارة ولو من بعيد، إلى حقوق المواطن وتدعيم وجودها أو الاحتفاء بها؟ أم أن الأمر لا يعدو عن كونه احتفالا لمجموعات المراهقين الذين يتزلجون بسياراتهم في الشوارع ( يفحطون يعني ).

إنه لمن الواضح غياب مثل هذا الأمر عن أذهان الكثير ممن يحرصون على مثل هذه المناسبات ونجدهم عن حسن نية قد فخموا وضخموا مفهوم الوطن وكأنه مفهوم يبتلع المواطن، فنجد أن الوطن هنا أضحى حالة مستقلة ومنفصلة عن المواطن، وصار شيئا مجردا وبعيدا عن المواطن، وصار المواطن بمثابة القربان للوطن بينما الحالة الصحية والحقيقية هي أن الوطن وجد للمواطن.. وأن الوطن بلا مواطن لا يساوي شيئا.

وهذا السوء في الفهم، لا ينطبق على مفهوم الوطن لوحده بل نجد أن كثيرا من المتعصبين والمتطرفين قد انطلقوا من سوء فهم وتأويل للكثير من الألفاظ والمسميات الكبرى والمجردة: فالوطن يهضم المواطن، والقبيلة تهضم أفرادها، والثقافة تبتلع المنتمين إليها، والبيروقراطية تدهس من يقف أمامها، والعمل يطوي أجساد الموظفين، والشركة تنهي آجال العاملين!

إن كل هذه المفاهيم تنتصر ولكن الإنسان هو الذي يخسر.. ولا يهم وقتها أن يموت الإنسان أو يضمحل أو يتوارى خلف هذه المسميات ولكن ما يهم المتطرفين والمتعصبين هو أن تنتصر رؤاهم وأفكارهم المجردة ولو على حساب الإنسان المسكين.

وعلى هذا المنوال حدث كما شئت، فالجميع – كأفراد – يتم تجاهلهم وسحقهم، فيصبحون بمثابة الزيت المصبوب في الماكينة، فلا يلبث أن يحترق ويتبخر في سبيل أن تتحرك تروس هذه المكينة حتى يتلاشى وقودها وهو الإنسان في هذه الحالة، الإنسان بوصفه وقودا يتبخر بسرعة، وليس أن يكون إنسانا قد وضعت لأجله كل المكائن والألفاظ والمفاهيم والأفكار والأعمال.

ومثل هذه الأمور باتت تستولي على عقول الناس وإن بطريقة لا شعورية: فنلاحظ أن العصبيات تنتشر من أجل أن تحرق الإنسان وتجعله رمادا متطايرا في الريح. فالتعصب للوطن ينسي الجميع حقوق المواطن. والتعصب للدين ينسي الجميع حقوق الإنسان وإن كان غير متدين. والتعصب للإقليم ينسي الجميع حقوق الأقاليم الأخرى. والتعصب لقضية من القضايا يجعل الجميع على غفلة من أهمية القضايا الأخرى التي قد لا تقل أهمية ومصيرية عن القضية المُتعصب لها!

إن سيطرة هذه المفاهيم المجردة والضخمة على عقل الإنسان البسيط والبدائي قد أودته في مهاوي الجهل وفي بؤر الأمراض النفسية فنلاحظ أن الاحتفال باليوم الوطني ينسي كثيرا من الناس أهمية التنويه بحقوق المواطن وأنه وحده – دون غيره – من يحمل هم الوطن وينهض بتراب هذه الأرض ويشيد به العمران والبلدان، فنجد أن الأعلام ترفرف والحناجر تصدح والميكرفونات تخطب والألسنة تلهج، ولكن ماذا عن المواطن؟

لماذا يكون المواطن هو المبادر بكل هذه السلوكيات دون أن نجد، بالمقابل، سلوكيات أخرى تحاول رد الاعتبار له ومحاولة حمايته من توغل هذه المفاهيم في حياته وسيطرتها المطلقة عليه؟ وأن ينفعل بها دون أن يفعل، وأن ينجذب خلفها دون أن يجذبها هو له؟

إن هذا المفهوم الضخم والكبير، وأعني به مفهوم الوطن، لا يمكن له أن تقوم له أية قائمة دون أن يتم تفعيل دور المواطن فيه  ليكون السيد وليس المسود، القائد لا المقود، هذا من أجل إثبات أن مثل هذه الشعارات والمسميات ليست جوفاء وإنما تدل على فعل حقيقي.. ومثل هذه الملاحظة هي بديهة من بديهيات الحياة الحديثة التي جعلت من المواطن جوهراً رئيساً تلتف من حوله كافة الألفاظ والمسميات والمعاني، أي بالضبط على العكس من حالتنا المحلية حيث تصبح لجميع الأشياء قيمة باستثناء الإنسان نفسه، التائه وسط ضجيج الشعارات وزعيق الهتافات ونفير الحشود.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

عن طريف السليطي

كاتب في جريدة المدينة باحث في الفكر والفلسفة
زيارة صفحة الكاتب على تويتر

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق