روزا باركس ومنال الشريف ليستا مجرد نساء بسيطات

الكاتب:

13 أكتوبر, 2011 لاتوجد تعليقات

كتب الكثير ومازال عن حركة المطالبة بقيادة السعوديات للسيارات وعن اعتقال منال الشريف إحدى منظمات حملة الفيسبوك الشهيرة.  بعد خروج الشريف من سجن الدمام العام الذي دام عشرة أيام وكان حديث الصحافة العالمية امتنعت عن التحدث لوسائل الإعلام لفترة لا بأس بها ومن ثم توالت لقاءاتها وتصريحات. لليوم لم أقرأ لقاءاً واحداً مع الشريف يشرح لنا الظروف والكيفية التي تحولت فيها موظفة أرامكو المتفوقة في عملها والأم العازباء لطفل إلى ناشطة نسوية جريئة تسجل فيديو بصورتها وتبثه على اليوتيوب مرتين وحصل على عدد مهول من المشاهدات حينها لتصبح بين يوم وليلة أكثر السعوديات شهرة وشعبية بين عامة السعوديات من مختلف الطبقات.

إطلالة الشريف على الكاميرا في يوتيوب كما نعرف الآن لم تكن الأولى، فقد قامت بالظهور في أكثر من وسيلة إعلامية قبل أعوام قليلة للحديث عن فوزها بجائزة عالمية فيما يسمى بالاختراق الأخلاقي. يظهر لنا في تلك اللقاءات التلفزيونية أنها متحدثة لبقة، سريعة البديهة وأيضاً رصينة لكنها لم تشر في أي من لقاءاتها عن المتاعب التي تواجهها المرأة السعودية القادمة من الطبقة المتوسطة عند سعيها لتحقيق أحلامها.  دائماً ما يشدني السر في اللحظات الحاسمة في حياة الناشطين الذين انخرطوا بلا مقدمات واضحة في النضال الحقوقي كما أن أكثر ما يثير اهتمامي في قصة منال الشريف هي الشعبية العارمة التي أحاطتها.

في غياب التغطية المتعمقة لحركة قيادة السيارات النسائية في السعودية، لأسباب متنوعة، دائماً ما أفضل أن أرجع للتاريخ فهو أنجع وسيلة لقراءة الحاضر. وأرجع تحديداً لشخصية نسائية حقوقية شهيرة اختارت صفحة كلنا منال الشريف في نسختها الإنجليزية بمقارنتها معها ألا وهي الأمريكية السوداء روزا باركس.

رفض روزا باركس للتخلي عن مقعدها في الباص لشخص أبيض بدا مقارنة عادلة للمسؤولات عن صفحة منال الشريف حيث تم الجمع بينهما في بوستر جمع صورة الاثنتين وتم تعريفهما بـ “شخص واحد يستطيع تغيير العالم.” أحببت أن أبحث أكثر في المقارنة التي بدت ثورية للبعض حينها بما أن باركس كانت الشرارة التي بدأت حركة السود في المقاطعة الشهيرة للحافلات التي استمرت ٣٦١ يوماً، ودفعت بمارتين لوثر كينج إلى الأضواء وانتهت إلى نقض المحكمة العليا الأمريكية التاريخي لقانون ألاباما العنصري والذي أنهى التمييز العنصري في وسائل النقل العامة. اكتشفت عند تنقيبي في التاريخ حقائق مهمة في شخص باركس التي أصبحت أيقونة في تاريخ الحركة المدنية الأمريكية ليس فقط بسبب مبادرتها الشجاعة؛ ولكن لأن الصحافة اختارت أن تعرف بها   “العاملة الكادحة، الخياطة البسيطة التي تعبت من الوقوف في مؤخرة الحافلة،” الوصف الذي جعلها أكثر شعبية واقتراباً من غالبية السود حينها وشجع الكثيرين ليحذو حذوها، ولكنه كان بعيداً جداً عن هوية باركس الحقيقية.

القليلون فقط خارج مونتغومري في ألاباما كانوا يعرفون بأن باركس كانت سكرتيرة الجمعية الوطنية لتقدم الملونين  NAACP الواعية سياساً وأنها وزوجها كانا ناشطين لسنوات عديدة في مجال العدالة الاجتماعية قبل ذلك اليوم الشهير. فما بين العامين1954-1955 قامت باركس بحضور ورشات عمل لإنهاء سياسة الفصل العنصري ممولة من مدرسة هيلاندر فولك الراديكالية في ولاية تنيسي ضمن برنامج تعليمي حكومي أثار الجدل وقتها وانتقده بحدة سناتور ولاية مسيسيبي جايمس إيستلاند واصفاً إياه “جبهة للتآمر للانقلاب على هذه البلاد.”

لم يدون التاريخ نشاط ثلاث نساء أخريات من مونتغومري،  قمن بنفس فعل باركس قبلها ورفضن التخلي عن مقاعدهن. حقيقة مفاجئة للكثيرين، صحيح؟ سبب اختيار باركس شرحه سنوات بعد ذلك رئيس الجمعية الوطنية لتقدم حقوق الملونين NAACP إي. دي. نيكسون في شهادته التالية:

“حسناً، في قضية لويس سميث، وجدت والدها أمام منزله حافي القدمين سكراناً. كان دائماً في حالة سُكر. لم أستطع استخدامها. كانت القضية الثانية في تلك السنة لفتاة ذكية للغاية لكن كان لديها طفل غير شرعي. لم أستطع استخدامها. القضية الأخيرة قبل روزا كانت لفتاة ابنة قس كان يرأس لسنوات مدرسة ريفورم (نوع من المدراس الدينية التي تتبع المذهب البروتستانتي) خلال مقابلتي لها اقتنعت أنها لن تقو التعامل مع الضغط المترتب على نشر قصتها. لقد كانت خائفة حتى مني أنا. عندما تم اعتقال روزا باركس، قلت لنفسي “هذه هي!” لأنها نظيفة أخلاقياً، شخصية مسؤولة، لم يكن لأحد عليها شيء و كانت لديها الشجاعة التي تنبع من معتقداتها.”

صرحت باركس لاحقاِ بأن سمعتها الحسنة وتهذيبها ساهما لحد كبير في تبرير تمردها وتحقيق التعاطف مع القضية. إحدى صديقات باركس تصفها بأنها “كانت بالغة اللطف بحيث أنها لم تقو علي قول “اللعنة” في لحظة غضب.”

لا أقول هنا ولا ألمح أبداً بضرورة وجود ماضي سياسي حقوقي مخفي في حياة منال الشريف ولكني أجزم أن رغبتها في الاشتراك الفاعل في أحد أكثر قضايا المرأة السعودية المثيرة للجدل لم ينبع من فراغ ولم يكن دافعه الوحيد الحادثة التي ذكرتها في فيديو اليوتيوب بأنها وجدت نفسها عاجزة عن التحرك والرجوع لمنزلها وحيدة في الشارع تبكي كالأطفال. هناك تفاصيل أخرى حتماً لن نعرفها إلا عندما تسمح الشريف بذلك أو عندما تواجه صحافة لا تهتم بالعناوين الرنانة الخالية من الحقائق. بحثي عن الأسباب ليس عبثياً بل محاولة فهم شاملة لتأريخ تطور الحركة النسوية السعودية وحملة القيادة علىِ الفيسبوك والتي أخرجت حملة المطالبة بالمساواة في الحقوق من حلقة الأكاديميات والكاتبات في بداية التسعينات لدائرة أوسع وشريحة متنوعة من النساء السعوديات واللواتي يرين في منال الشريف مثالاً أقرب لهن فهي الموظفة التي ملت من الانتظار ورفضت ترك مقعد القيادة للسائق.

لا أعرف إن كان هناك شخص خلف حملة القيادة يتمتع بحكمة رئيس الجمعية الوطنية لتقدم حقوق الملونين NAACP إي. دي. نيكسون الذي انتظر وانتقى شخص باركس ليقدمها للصحافة وينشر قصتها حتى تحظى بانتباه أمريكا ومن ثمة العالم برمته ولكن اختيار منال الشريف لتكون وجه الحملة كان موفقاً وذكياً للغاية فهي تمثل، إلى الآن علي الأقل، الوجه الغير المؤدلج للحركة النسوية السعودية. قصة حياتها الشخصية الطموحة والأقرب للمثالية كما وصلت لنا ساهم بشكل محوري مثل باركس في نجاح الحملة وتزايد شعبيتها بين النساء والرجال أيضاً.

من أجل كل ذلك أجدني سعيدة ومتفائلة للغاية بأن تسنح لي الفرصة بالوقوف على أكثر أوقات الحركة النسوية السعودية ازدهاراً وتنظيماً وأكثرها استمالة وقرباً من الجيل الأصغر من السعوديات والسعوديين الذي أعقد آملاً عظيمة عليهم. فروزا باركس ومتال الشريف ليستا مجرد نساء بسيطات رغم أنف الصحافة التي تصر على أن تصور النساء المناضلات كما لو أنهن بطلات طارئات اندفعن للنضال من باب الصدفة لا التخطيط كأقرانهن الأبطال، باركس والشريف مناضلات اكتسبن الوعي والشجاعة للمضي قدماً في قضيتيهما، نجاحهما في تحدي الظلم والعنصرية ألهم ولازال الكثيرين والكثيرات ولازال فالطريق لازالت طويلة وكما قال مارتن لوثر كينج في خطابه الشهير يبدأ بحلم.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق