خالد العصيمي: السلفية في مواجهة الأسئلة

الكاتب:

3 أكتوبر, 2011 لاتوجد تعليقات


قبل الدخول في الموضوع المطروح ينبغي تحرير المصطلح الوارد في العنوان وإيضاحه حتى يظهر المقصد من ورائه ، والمصطلح هنا هو السلفية ، هذا المصطلح أرهِقَ واختُزِل وتباينت الآراء حوله ، فهو ينطلق من مرحلة لها احترامها الكبير فيختزلها  بصورة معينة يطرحها ويدعيها ، ويُحارب بها الآخرين ويُنكر عليهم ، ويُلبس هذه الصورة بقدسية تأتي من احترام الناس لتلك المرحلة وأولئك الأخيار (السلف الصالح).

ويتضح التباين عندما تتجاوز التعريف العام والذي لا يمثل تعريفاً واضحاً (السلفية هي اتباع السلف) فتكاد لا تجد قولاً وتعريفاً يجمع التفصيلات بشكل واضح وجلي ، وحتى عند تجاوز التفاصيل تجد أن التعريف يكاد لا يُطبَّق إلا بحسب منهجية أخرى غير التي تذكر كمنهجية سلفية, بمعنى أن التعريف الذي يُذكَر بتفصيل معين نجده يطبق بصوره غير مكتملة الجوانب حسب التعريف العام (وهو اتباع السلف) وسوف يتضح الأمر فيما سيذكر لاحقاً.

نشأت السلفية كمنهج اعتقادي وأغلب الظن أنها نشأت على يد الإمام أحمد كلفظٍ دارجٍ على فتاواه وحياته وليس كمنهجٍ محدد المعالم والرؤى ، وزاد وضوح المنهج مع الإمام ابن تيمية كاستخدام في الأمور الاعتقادية ضد التوجهات الاعتقادية الأخرى ، ثم كثر الاستخدام بعد ذلك لانه دخل في صراعات عقائدية ، وقد يكون الاسم استخدم وظهر بشكل واضح بعد ابن تيمية أما قبله فقد يكون لفظ أهل الحديث أكثر شهرة.

حالياً يظهر هذا التيار بقوة في المجتمع ويمد مجتمعات أخرى ببعض الأفكار والمفردات العقائدية ، ولنا أن نتساءل بشكل واضح ودقيق عن صحة تعريف السلفية باعتبارها اتباعاً لمنهج السلف ، فهذه العبارة تصبغها العمومية ، ولنتجاوز هذه العمومية علينا أن نسأل بعد ذلك: من هم السلف؟ ، ويكون الجواب غالباً أنهم أهل  القرون الثلاثة الأولى ، فيحضر السؤال حول  جوانب ومعالم وضوابط هذا الاتباع لأهل تلك القرون ، وهنا يكمن النقاش في موضوع اتباع السلف ، ولمزيد من الإيضاح نحتاج أن نتتبع بعض الأسئلة التي هي محور طرحنا هنا ، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

 – هل حدد السلف هذه المعالم لمنهجهم؟ أم هي استنباطات المتأخرين؟

– هل المنهجية مرتبطة بالعقائد أم بالتشريع أم بأمور الدين كاملة والحياة من بعد ذلك (المقصود طريقة عيشهم)؟

– هل السلف متفقون على منهجية معينة؟

– هل يمكن حصر منهج  السلف؟وهل هناك دراسات توضح هذا الأمر؟

– هل معالم تلك المنهج مأخوذة من كلام السلف وأفعالهم ؟وهل تركهم لأمر يعتبر منهجية بالضرورة؟

– هل هناك اتفاق على منهجية معينة من التابعين لهم  باعتبارها منهجية السلف؟

الأسئلة كثيرة والاختصار فيها وفي جوابها مطلوب ، والإجابة المطلوبة ليست مني بل هي مطروحة على  أصحاب التخصص ، غير أني أكمل هنا لتوضيح افتراضات على أجوبة للأسئلة السابقة.

هل حدد السلف هذه المعالم لمنهجهم؟أم هي استنباطات المتأخرين؟

إذا كان السلف قد حددوا منهجية معينة فهي مبنية على فهم الكتاب والسنة ، وفهم البشر مهما بلغ هو تنزيل بشري يبقى اجتهادياً في المسائل التي لم يكن فيها النص صريحاً وصحيحاً (وهذا لا يلغي ما لهذا الفهم من قيمة تراثية كبيرة لكنه لا يبلغ منزلة الأدلة من كتاب وسنة) ، ويستثنى مما يمكن أن يعتبر اجتهاداً ما اتُّفِق وأُجمِعَ عليه.

ولنا أن نسأل هنا: هل الجميع ملزمون بهذه المنهجية البشرية؟

في دين الإسلام لا يوجد بشر يلزمون الناس برأيهم وخصوصاً العلماء فيما بينهم ، بل لهم الاجتهاد كلٌّ بحسب طاقته في مراتب الاجتهاد.

وإذا لم يحدد السلف منهجية معينة بل هي اجتهاد أفرزته حياتهم العلمية والعملية فهنا من باب أولى نجد رفض الإلزام بفهم متأخرين في استنباطهم لاجتهاد بشر هم من أفضل البشر لكن العصمة منزوعة عنهم ، وهنا يبدو وكأننا في سلسلة على الشكل التالي: السلف اجتهدوا اجتهاداً بشرياً فأتى بعدهم آخرون ليجتهدوا في معرفة منهج السلف في الاجتهاد ، فنحن حقيقة بين مرحلتين متتابعتين من الاجتهاد البشري.

لكن تبقى مسألة مهمة وهي فيما اتفق عليه الصحابة وهذه مسألة استثنائية تنزل منزلة الدليل على العمل بها.

هل المنهجية مرتبطة بالعقائد أم بالتشريع أم بأمور الدين كاملة والحياة من بعد ذلك ؟

وسؤال ارتباط المنهجية بالعقائد ضروري لأن أمور العقائد تختلف عن الأمور الأخرى في عدة جوانب من ناحية ثباتها وعدم تغيرها مع الزمن ووضوح أدلتها التي تصل الى يقينية الثبوت والدلالة.

ومن الخطأ انزال منهجية السلف في أمور مقررة بصراحة وثبوت على أمور لا تأخذ مثل هذا الوضع(أمور الفقه) لذلك يبقى السؤال: هل منهجية السلف مرتبطه بالعقيدة أم بالتشريع؟

العقيدة لا مراء في وضوحها لكن أمور الفقه عند حصر الكثير منها نجدها قابلة للاجتهاد والسلف اجتهدوا فيها ولم يكن لهم رأي واحد في أغلبها. إذاً كيف يمكن أن تصاغ منهجية واحدة من آراء مختلفة ومتعددة؟!. هنا نتجاوز أوضح معلم من معالم حياتهم العلمية والعملية  وهو قبولهم للاجتهاد وعدم اعترافهم بالتبعية في الآراء لمن يستطيع الاجتهاد.

هل السلف متفقون على منهجية معينة؟ وهل يمكن حصر منهج  السلف؟وهل هناك  دراسات توضح هذا الأمر؟

 

إذا كانوا متفقين فيلزم أن اتفاقهم مبني على أمور صريحة وصحيحة وهذه لا يختلف في طرحها أحد ، أما إن لم يكونوا متفقين على منهجية واحدة فما هو الضابط الذي أعطى الأحقية لإنسانٍ في الاجتهاد لاختيار منهج محدد من مناهجهم المختلفة ثم يعممه على أنه النهج الوحيد الذي يجمع آراءهم وأنه الضابط لها وهو الذي ينبغي علينا اتباعه؟!

إن حصر منهج السلف مسألة كبيرة جداً ومعقدة ، وتتبع آرائهم في كل مسألة هو مما يصعب الإلمام به كما أعتقد ، بل إن كل مسألة يستلزم بحثها رسالةً خاصةً لوحدها.

وإذا كان منهج السلف غير محصى ومحصور في أطر محددة فبعد هذا هل يُطالب الإنسان ويُلزم باتباع منهج غير محصور يكون الاعتماد فيه على جزء من الصورة يتم تقديمها على أنها منهج السلف الذي هو في الأساس غير متفق عليه والذي هو إسقاط اعتقادي أكثر مما هو إسقاط في الفقه.

هل معالم تلك المنهج مأخوذة من كلام السلف وأفعالهم ؟وهل تركهم لأمر يعتبر منهجية بالضرورة؟

والسؤال هنا يشير الى مسألة الوقت ، فمنهج السلف مأخوذ من فترة حياة تخصهم لها جوانبها المختلفة عن وقتنا الحاضر ، فأفعالهم وأقوالهم وتركهم لأمور هي مناسبة في بعضها لحياتهم لا لنصوص شرعية واضحة الدلالة والثبوت بل يرجع أغلبها لنصوص ظنية في ثبوتها أو في دلالتها ، والاستناد إلى تلك الأفعال والأقوال والترك حتى في أمور تتغير مع الوقت لاستنباط منهجيةٍ للسلف هو مجازفة بخلود وعالمية وديمومة الإسلام.

هل هناك اتفاق على منهجية معينة عند أتباع السلفية باعتبارها منهجية السلف؟

والسؤال هنا حول اجتهادات التالين لهم ، فهل هناك اتفاق من المتأخرين (الحاليين) على منهجية معينة باعتبارها منهجية للسلف؟. أكاد لا أجد مثل هذا الاتفاق ، بل تجد بين أتباع المنهج السلفي من يرد على الآخر الذي يورد أمراً ما باعتباره من منهجية السلف بالقول أن هذا الأمر خارجٌ عن منهجية السلف ، والكل يستدل بأقوال وحوادث سلفية تدعم رأيه.

إذاً نحن بين سلفيات متنازعة ولكل منها أدلة ، وبالتالي نحن أمام مصطلح لا ينضبط البتة بمثل هذا الطرح السلفي الحالي ، والمضحك المبكي أن المنهجية تتبع في أمور خلافية تتفاوت فيها أقوال السلف ، وتكوين منهجية لهم بوجود هذا الاختلاف في جزئيات طرحهم هو ضرب من تجشم الصعاب بل المستحيلات.

وفي الحقيقة ليست القضية مطروحة كمنهجية وإن كان كل ما يطرح هو تجاوز في اللفظ , فما يطرح حقيقة هو رأي له جذر في قول أو فعل بعض السلف يذيل بعبارة (هذا هو منهج السلف).

لقد حُوِّل منهج السلف الى فزاعة للآخرين المختلفين وإلى ادعاءات حزبية تُدخل من تشاء في منهج السلف الذي هو تراث للجميع ومرجعية تراثية غير ملزمة لكنها مساعدة في استنباط الأحكام.

وتحولت السلفية بالتفاف على اللفظ وما يحويه من احترام لدى المسلمين  تجاه السلف الصالح الى أداة للضغط على الناس في قبول الآراء والاجتهادات فقط لأنها مُذيَّلة بجملة (هذا هو منهج السلف).

والأدهى أن من يتملص من هذا الفخ يقع في ظنه في نزاع مع هؤلاء السلف رضوان الله عليهم لأنه يرى من يدعي أنهم يمثلون منهج السلف بمثل هذه المنهجية المتشددة ومن ثم يزعم هؤلاء السلفيون أن هذا هو الإسلام ،  فكأننا نضع هذا الذي يتملص من ذلك الفخ في وجه الإسلام ،  وهذا أمر خطير فالإسلام أوسع من ادعاءات أي إنسان يريد حصره.

المنهج السلفي ما زال عائما وما زال يتكئ على جزء من الصورة في حياة السلف رضوان الله عليهم ولم يعتمد على استقراءٍ شامل ، وهو منهج وضعه وادَّعاه مجتهدون اختاروا من اجتهادات السلف ما يرونه مناسباً ومن ثم أسسوا منهجاً باسم السلف بينما هو في الحقيقة اختيارات من اجتهادات السلف رضوان الله عليهم ،  وقد مال بعضهم في اختياراتهم السلفية إلى اختيارات متشددة أعطت انطباع التشدد عن السلف وحاشاهم رضوان الله عليهم ، بل هم رجال اجتهدوا وسمحوا لمن بعدهم بالاجتهاد ، ولا يضر أنه كان لهم أخطاء ، وللأسف بعض من اختاروا من اجتهاداتهم أخذوا بهذه الأخطاء وأقحموها فيما سموه “منهج السلف” ، ومع ذلك الخلل الذي ارتكبته مرجعيات سلفية زادت المشكلة بالتعصب الذي أصاب أتباع هذه المنهجيات ولوث الصورة بالكامل وصار هم المراجع العلمية السلفية التدليل على ما يملكون من منهجية مرجعيتهم فكانت المؤلفات في تفاصيل التفاصيل التي تنبئ عن التشدد والتعصب.

إن الإشكال الذي يوقعنا فيه لفظ منهجية السلف أننا نتوقع أن السلف كانوا كذلك (بمثل ما يطرح السلفيون) والأمر غير ذلك تماماً فهم (أدعياء المنهج السلفي) اختاروا منهجية معينة لا يستطيعون التدليل على اتفاق السلف عليها بل تمت باستقراء لم يكن شاملاً لأوضاع السلف باجتهاد شرعي لا يلام أصحابه فيه ولكن يلامون حينما يجعلون اجتهادهم هذا قاطعاً للجدل حول الاجتهاد في منهج السلف.

ويبقى التعظيم والتقديس للمشايخ عند السلفية معضلة كبيرة ،  فتجد الهيبة من نقد آرائهم أو حتى التفكير فيها عند البعض ،  وهناك مقولة مشهورة تتردد عند بعض السلفيين: “ليس صحيحاً أن نقول أن السلف رجال ونحن رجال بل نحن أقل منهم” ، وهذا الأمر موهن للعقلية الاجتهادية وبالتالي يصبح من الطبيعي عدم مساسهم بآراء علماءهم ، فيما تكمن المفارقة في  اختفاء هذه الهيبة عند الحديث عن علماءٍ لا يعتبرون بمثل هذه المنهجية التي تدعي السلفية لها وحدها!!.

الجميع يسلم باهتمام السلفية بالعبادات الظاهرة على مستوى متفوق لكن ما يفوتهم هو اهتمامهم بنفس المستوى بالعبادات القلبية وبتنمية الفكر بطريقه حرة تصنع عقليات تتفاعل مع تعاليم الاسلام بروح الواقع الذي لا يصادم القطعيات الدينية ولكنه يجتهد في كسب مصالح دنيوية وحياتية فيما دون القطعيات.

إن السلفية أمام التحدي ، وهي طاقه فاعلة في المجتمع إذا اجتهدت وجددت في فهم أتباعها سوف تكون داعمة ولا شك لمسيرة تطوير الدولة والمجتمع.

أكاد اجزم أننا سوف نقطع أميال التقدم عند انعتاق السلفية من سلبياتها ولكننا سوف نتأخر إن لم تتم مراجعة شاملة وحقيقية لهذه السلبيات.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق