“حسم” في عامها الرابع

الكاتب:

12 أكتوبر, 2013 لاتوجد تعليقات

في اليوم الوطني الأخير، كنت قد وصلت المنطقة الشرقية، وفي الطريق للسكن، ووسط زحمة مرورية خانقة، شاهدت شباباً يحملون أعلاماً خضراء يسيرون بها وملامح الفرح بادية على وجوههم، وآخرون يحملون صوراً للقيادة، المتمثلة في الملك وولي العهد والنائب الثاني، وكل هذه المشاهد تبدو للوهلة الأولى طبيعية، وهي تعبر عن حقيقة تمازج الوطن والحكومة، بالرغم من بعض المحاولات القائمة إعلاميًا في الفصل ما بين “الوطن” و “الحكومة” في الحالة السعودية التي لا يمكن الفصل فيها، إلا وتعطي ناتجاً يجرّد الوطن من مفهومه الحديث ككيان سياسي، يعبر عن أمة ذات هوية مشتركة ومؤسسات ترعى المواطنة، وهذا ما ليس موجودا في الحالة السعودية بطبيعة الحال، ما يقود الحديث إلى: وطن من كثبان رملية وأودية وقصيدة!

لكن ومع محاولة تركيز بسيطة في لحظات الاحتفال هذه، يحمل شباب صورة للأمير محمد بن نايف، وهو يؤدي التحية العسكرية، وقد كُتب عليها: وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه، وصورة أخرى له كشخصية رابعة مع “القيادة”، في مشهد ملفت للانتباه. إن استحضاراً كهذا “لوزير” من بين بقية الوزراء، وزير الداخلية تحديدًا، في اليوم الوطني، وإن كان معتاداً عند من يحملون الصور، ولا يعلمون لماذا يحملونها، وعند كثير ممن يشاهدونها، في حال انتبهوا لها بالطبع، ليس شيئا طبيعياً وبديهياً، لماذا هذا الوزير تحديدًا؟ لماذا لم يكن وزير الدفاع –مثلًا-؟ ألا تبدو فكرة “حماية الوطن” مع العبارة الواردة في الصورة، منطقية ومتسقة مع وزارة الدفاع من حيث استشعار خطر خارجي يهدد الوطن؟.

 المارق

شبح يطارد أوروبا الشرقية، وهذا الشبح يدعى في الغرب “المنشق”. وهذا الشبح، لم يظهر فجأة من الهواء، بل إنه نتيجة طبيعية لا مفر منها للفترة التاريخية الحالية للنظام الذي يقوم بمطاردته. فهو قد ولد في وقت أضحى فيه هذا النظام، لأكثر من ألف سبب، لا يستطيع أن يستمر في تثبيت نفسه على التطبيق المحض العشوائي والوحشي للقوة. فاتسلاف هافل – سلطة من لا سلطة لهم

نلحظ جيدًا في الخطابات الرسمية ضد الإصلاحيين، وفي عرائض الاتهام الموجهة ضدهم في القضاء، عبارات مثل تفتيت الوحدة الوطنية وإشاعة الفوضى والإخلال بالأمن والطمأنينة العامة في المملكة. وهذه العبارات مهما بدت غريبة ومضحكة للبعض حين يحاولون تفسيرها، فإنها لم تظهر بهذا الشكل اعتباطاً ودون أي اعتبار، فالملاحظ فيها أنها لا تختص بالدولة ذاتها فقط، كما في عبارات أخرى مثل “الخروج على ولاة الأمر”، وإنما تشمل نظاماً اجتماعياً وطريقة حياة أوجدتها الدولة، ربطت الشعب بها، وبغض النظر هنا عن طريقة الحياة هذه، وعن مدى صلاحيتها لتحقيق مصالح الشعب، فإن الناس أصبحوا مرتبطين تمامًا بالدولة، وتكون المحافظة على هذا “التناغم” و “المعتاد” من طريقة حياة، ليس وظيفة الدولة وحسب، كجزء مهم من شرعيتها، وإنما أيضًا من خلال ذلك الشاب الذي يحمل صورة وزير الداخلية، ويرفعها عاليًا وبما توحي به العبارة الواردة فيها: حماية الوطن من “الخارج” و “المارق”، فالفاسد من يعارض سياسات الدولة الخاطئة، والمارق من يطالب بالإصلاح وإحقاق الحقوق. إنها لحظة رهيبة تتبدل بها المعاني واللغة. ومن خلال فهمنا لأصل الحالة ومنطلقها، نجد الشاب حامل الصورة، خائفاً ومرتعباً من المطالبات الإصلاحية المطالبة بالحقوق، ليس لأنه فاسد بالضرورة، بل لأن النظام الإجتماعي وطريقة الحياة التي أوجدتها الدولة في شكلها الحالي الذي يعزز هيمنتها الشاملة على مناحي الحياة يجعل الشاب مدافعاً عن وجود، عن وظيفة ومصلحة، عن تكيف مع وضع قائم، وحالة اعتياد تمثلها عبارة مزيفة.

سهمٌ يخترق جسد المعتاد

في صباح الثاني عشر من أكتوبر، تكمل جمعية “حسم” عامها الرابع على إعلان تأسيسها. عامٌ جديدًا على المزيد من الصمود والتضحيات العظيمة، لأبرز مؤسسيها، الدكتورين، عبدالله الحامد ومحمد القحطاني، ومحمد البجادي وعبدالكريم الخضر وسليمان الرشودي وعمر السعيد وصالح العشوان، الذين سينتهي بهم مساء نفس اليوم وهم خلف القضبان، وذلك لأنهم حاولوا إعادة تحرير المعاني في حياتنا ومجتمعنا، وقاموا بإعادة اللغة والعبارات في مكانها الصحيح، وتفسيرها بدقة: “الخارجي” هو من لا يضبطه قانون وإنما مزاجه الشخصي، و”المارق” من ينسل عن إحقاق حقوق الناس لمصالح خاصة وضيقة، والظالم هو من يهدد الوحدة الوطنية ويفتتها، والمتجبر يخل بالأمن ويشيع الفوضى. العودة إلى المعنى الصحيح تعني أننا نتجه لبناء وطن حقيقي يمكنه بالفعل أن يستحق وجودنا وعيشنا فيه، واختراق ما اعتادته الأذهان وما بنته سنوات الخوف والتضليل يعيد صوغ المعادلات في مجتمعنا، ويفتح الطريق ليكون للوطنية معنى يختلف عن الاحتفال الكرنفالي المفرغ من المعنى في شوارعنا، ليكون لنا وطن نحتفل بمواطنتنا فيه.

وتبقى العبارة، ولكن دون تزييف ومواربة، تسير نحو عقول الناس وقلوبهم مع جهود حسم وتضحيات رجالها:

وطن لا نحميه من الخارجي المنفلت من سيادة القانون، ومن المارق عن حقوق الناس، والظالم الذي يفتت الوحدة الوطنية، لا نستحق العيش فيه.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق