الشعب يريد الإصلاح، في قطر أيضا

الكاتب:

4 نوفمبر, 2012 لاتوجد تعليقات

قد تبدو قطر للوهلة الأولى بعيدة تماما عن المنعطفات التاريخية التي يمر فيها الوطن العربي حاليا. لم تشهد قطر أي احتجاجات أو مظاهرات تذكر على مدى السنتين الماضيتين، ولم يسمع عن أي سجناء سياسيين، وهي بذلك تكون فريدة بين دول مجلس التعاون، حيث شهدت كل الدول الأخرى إما مظاهرات أو عرائض أو نشطاء اعتقلوا بناء على آرائهم السياسية.

في المقابل شاركت قطر بفاعلية في التطورات خارج حدودها في باقي العالم العربي، أكان ذلك في مصر أو تونس عبر قناة الجزيرة أو في ليبيا  وسوريا وحتى في فلسطين عبر دعمها المادي للفصائل والنشطاء فيها.  هذا بالإضافة إلى التركيز على الاستثمارات الضخمة التي ذاع صيتها عالميا، كشرائها متجر هارودز البريطاني وأعلى برج في اوروبا “The Shard” وفريق باريس سانت جيرمان الفرنسي لكرة القدم.

تعد قطر أغنى دولة في العالم من ناحية مدخول الفرد نظرا لعوائدها الهائلة من الغاز والنفط قياسا على عدد مواطنيها القليل نسبيا. قد يكون النمو العالي والرخاء المادي عاملين فاعلين في قطر أديا الى مرحلة من الركود في  الحراك السياسي المحلي، ولكن ذلك لا يعني أن مطالب الاصلاح اختفت نهائيا، ولا يعني أن قطر ليست بحاجة الى إصلاح جذري. بل الأمر هو عكس ذلك تماما، حيث تتجذر فيها أوجه خلل مزمنة تحتاج إلى التدارك والتطرق إليها سريعا، كما يسرد لنا كتاب “الشعب يريد الإصلاح في قطر… أيضا”.

يشكل كتاب  “الشعب يريد الإصلاح”  خير دليل على أهمية التطرق إلى أوجه الخلل المزمنة في قطر. الكتاب هو نتاج لقاءات شهرية نظمها عدد من القطريين المهتمين بإصلاح أمور بلادهم بين عامي 2011 و2012 تحت عنوان “لقاء الإثنين”. مستضيف “لقاء الإثنين” ومنسق الكتاب هو د. علي خليفة الكواري. يعد د. الكواري من أعمدة الحركة المطالبة بالإصلاح في قطر منذ أكثر من خمسين عاما، وأدت مواقفه إلى منعه من السفر في التسعينيات حوالي أربع سنوات. للدكتور الكواري إنتاج فكري عميق، فله عشرات من الكتب المؤلفة والمحررة، وهو يعد من أشهر الباحثين في شبه الجزية العربية وأكثرها عطاء، خاصة في مجال تخصصه في الاقتصاد السياسي والديمقراطية.

استطاع الكواري أن يضم بين طيات كتابه الأخير مشاركات لخبراء ومهتمين بالشأن القطري امتد نطاق مواضيعها من حالة الهوية واللغة العربية في قطر، مرورا برؤية قطر 2030 التنموية، وصولا إلى دستورها الذي صدر في عام 2004. وفي رأيي المتواضع بصفتي متابعا للتطورات في الجارة قطر فإن قراءة فصول هذا الكتاب الأحد عشر هو خير مدخل لمن أراد التعرف على أهم المواضيع والتحديات التي تواجه المجتمع القطري.

فحين نتكلم عن أوجه الخلل المزمنة الأربعة في قطر فإننا نجد من الصعب تصديق الوضع القائم حاليا، فالأرقام حقا تقترب من الخيال العلمي. كمثال من ناحية الوضع السكاني، يُخمن عدد المواطنين القطريين بحوالي 250 ألف نسمة من عدد السكان البالغ 1.64 مليون نسمه عام 2010،  حيث تشكل نسبتهم من إجمالي السكان 12% فقط. كما أن إجمالي قوة العمل التي تصاعدت من 320 ألف عام 2001 إلى 1.3 مليون عام 2009، تدنت نسبة مُساهمة المواطنين فيها في نفس الفترة من 14% إلى 6% فقط. وكل هذه الأرقام ليست برسمية، فكما يبين الكتاب، فحكومة قطر لا تفصح عن توجهاتها من ناحية السياسة السكانية, ولا تنشر إحصاءات حول عدد المواطنين ولا تركيبتهم ولا توقعات تغير نسبتهم في إجمالي السكان.

ويتضح حجب المعلومات أيضا فيما يتعلق بالخلل الاقتصادي المتمثل في الاعتمادية الاقتصادية المطلقة على عوائد النفط الناضبة. فالميزانية العامة التقديرية للدولة لا تنشر كاملة، أما الحساب الختامي للميزانية العامة فإنه سر من الأسرار لا يجوز الاطلاع عليه. و كذلك كل ما يتعلق بحسابات الاحتياطي العام للدولة وأوجه استثماراته ونتائج أعماله. و إنما يسمع المواطنون عن الصفقات العالمية الضخمة لقطر ولا يعرفون إن كانت لصالح المال العام أو هي استثمارات خاصة, وأيضا لا ينشر ولا يعرف حجم الدين العام وحجم الديون المضمونة وتركيبها من قبل الدولة والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

من الناحية السياسية، فقطر حالها حال باقي دول الخليج (فيما عدى الكويت نسبيا) تعتمد على الحُكم المُطلق، حيث يبين الكتاب أن نظام الحُكم في قطر لم ينتقل بعد إلى الديمقراطية وليس من الممكن أن ينتقل إليها وفقا لدستور قطر لعام 2004، حيث يهيمن متخذو القرار من السلطة التنفيذية على أغلب مفاصل الدولة الحيوية، في ظل غياب محكمة دستورية ومجلس تشريعي منتخب له صلاحيات حقيقية.

الإجابة التي يحملها كتاب ” الشعب يريد الإصلاح في قطر… أيضا”, تفيد بأن قطر “بكل تأكيد تحتاج إلى إصلاح جذري وشامل يطمح إليه شعبها, شأنها شأن جميع الدول والشعوب العربية وربما أكثر من معظمها”, لما يهدد وجود المجتمع وهويته ومستقبله من أوجه خلل مزمنة وأخرى طارئة. ولعل الأوراق التي يضمها هذا الكتاب، إضافة إلى هموم المثقفين القطرين ومقالاتهم وشكوى المواطنين ومشاركات الشباب وأحاديثهم، تشير إلى الحاجة الملحة والعاجلة للإصلاح في قطر، حالها حال باقي دول الخليج والوطن العربي.

ينشر في “المقال” بالتزامن مع صحف أخرى

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق