السلفيون / الليبراليون السعوديّون

الكاتب:

2 أبريل, 2012 لاتوجد تعليقات

في كل مرّة يُهيَّج الرأي العام من قبل قطبي التيارات الفكرية السعودية (وصفٌ متجاوز وإلا فلا يصحّ تسميتها بتيّارات فكرية أصلا) السلفي بالشق الصحوي والسروري والليبرالي، في كل مرة يظهر عوار الساحة الفكرية السعودية الخالية من ركوزاتٍ يمكن التعويل عليها في بناء وعي شعبوي، والخالية من نمط فكري رصين يمكن التنبؤ من خلاله ما الذي يمكن أن تقدمه هذه التيارات للإنسان السعودي المتطلّع.

صراع الدين والحرية:

يمكن النظر إلى هذه الساحة -الأشبه بحلبة إسبانية لمصارعة الثيران، تقوم فيها السلطة برمي قطعة قماش حمراء بين فترة وأخرى ليتم صراع العميان حولها- من زاويتين: الزواية الجماعية (التيّارية)، والزاوية الشخوصية المستقلة (رموز كل تيّار) وإذ أذكر الاستقلال فهو منحصر بالاستقلال الافتراضي عن التيّار لا عن السلطة، وهذا ما يلزم استصحابه عند قراءة أي موقف فكري يرزح تحت ظل حكومة غير ديموقراطيّة إذ ينبغي دائمًا اعتبار عدم استقلالها عن السلطة جزءا مؤثرا في قراءة الموقف ومعياريًّا في تقييمه.
سنجد حينها أن الزاوية التيّارية لهذه الساحة تتخذ شكل الأمواج الهادرة المستعدة لإغراق المُخالف، التي تهدرُ إثر كل قضية مُثارة وهي التي تُشكَّل من قبل زاوية الشخوص على أنها مصارعة حول الدين والحرية، وهذا هو العنوان الأكثر سخرية في الصراعات السعودية، فلا المؤسسات الدينية فيها بأعلى تشكلاتها مستقلة عن الحكومة (مثل: هيئة كبار العلماء، رئاسة شؤون الحرمين… ) حتى يتجلّى لنا (دين) يمكن التصارع حوله ولا أبسط مبادئ الحُرية متجلية في أذهان الليبراليين وممارساتهم كي توجد لدينا (حريّة) يمكن التنازع حولها… الصراع بين الدين والحرية في السعودية هو الطُرفة الباردة التي يصعب حتى الضحك عليها.

إن كلّ الذي يحدث هو تركيب قناعٍ فوق قناع، يتحالف جماعات لديها مشتركات تتقاطع في أمور ثلاث:

١- المشترك القبلي.
2-المشترك الفقهي.
3- مع مشترك الخضوع للسلطة، يُعلَن هذا التحالف على أنه تحالف ديني (تيّار ديني) لأن هذا هو المرتكز الأضمن في السعودية.

من جهة أخرى يتم تحالف جماعات ثائرة على: الصوت القبلي، الفقهي الأحادي مع اشتراكها في الخضوع للسلطة، ويُصوَّر هذا التحالف على أنه (تيّار ليبرالي) يحاول إعادة تركيب مفاهيم الحُرية لتمثّل مشتركاته الخاصة، لذلك تنتج قضايا قبلية وفقهية هامشية يتم (كل الصراع) حولها فحسب. حتى تلك القضايا التي تقترب من المساس بالسلطة (كقضايا المعتقلين) يقوم غالبا شخوص التيارات ورموزها بإرجاع القضية إلى تصنيفها الأولي: القبلي، أو الفقهي كأساس لدعم القضية، وهنا أشير أن هذا التصنيف الأولي للقضايا المتعالية حقوقيا يتجلى بالنظر إلى زاوية الشخوص في التيارات السعودية، أما زاوية الجموع الهادرة فهي غارقة تماما في فكرة الصراع بين الدين والحرية.

النسخة التوافقية :

نشرت صحيفة الوطن بتاريخ الرابع والعشرين من مارس الجاري ٢٠١٢ دراسة قامت بها “وكالة الإعلام العربي” بناء على طلب جهة رسمية سعودية غير معلنة، كانت تهدف الدراسة إلى قياس آراء الشباب حول عدد من قضايا الشأن العام وهو ما يشير إلى توجهاتهم الفكرية، الدراسة التي لم يُعلن عن معاييرها استطلعت ٧٠٠ ألف شاب من جميع مناطق المملكة، من قِبل ٨٠ باحثا، التي استمرت نحو ١٠ أشهر منذ أبريل العام الماضي أكد فيها ٩٧،٨ من المجموع أنهم لا يعدون أنفسهم مؤدلجين فكريا أي لم تتشكّل لديهم مواقف فكرية بعد، وقال ٩٥٪ منهم أنهم متذمرون مما يطرحه ٢،٢٪ في شبكات التواصل الاجتماعي والذين يُصنّفون بوصفهم مؤدلجين ومتطرفين دينيين وليبراليين.

وبغض النظر عن دقّة هذه الدراسة فإن انغماس الجماهير في صورية الصراع بين الدين والحرية (وهما فكرتان عموميتان يجعلها تقف من القضايا التي تمس السلطة ( الاعتقال، الاحتجاجات في الجامعات، البطالة، الفقر) بتعالٍ على شخوص التيارات وبتعالٍ على الأفكار الخصوصية ( المشتركات الثلاث لكل تيّار) بشكل مثير للإعجاب والعَجب، إما من منطلقها الديني، أو منطلق إيمانها بالحرية ( وهذا موقفٌ متشكّل، وإن لم يُوعَ به بعد) وهذه هي النقطة الإيجابية الوحيدة في تقنيع الصراعات الجوفاء، وللأسف أنها رغم إيجابيتها تبدو “رمية من غير رامٍ”، لذلك حُق لنا أن نستغرب أنه رغم كل هامشية النشاط التيّاري الذي يتزعمه السلفيون والليبراليون منذ أجيال وحاولوا تصديره لأجيال لاحقة إلا أننا نشهد جيلا يتمسك بدينه الحنيف (دون تبطينه بمشترك قبلي أو فقهي أحادي) ويتبنى الحُرية في صورتها الحقوقية والمدنية (المؤسسات) دون أن يبطّن هذا التمسك بصراع مع الدين بل يتفهمه إن لم يتبنه! وعليه فإن هذه النسخة التيارية التوافقية بين أتباع كلا التيارين رغم تولّدها من نسخة مشوّهة للغاية إلا أنها كإخراج الحي من الميت، وهي الأكثر تأهيلا لتحقيق استقلال معقول عن السلطة، سيتجلى في استقلال الرأي – مبدئيا- واتخاذ جانب الرفض العلني، حتى وإن لم يستقل بمؤسسات مدنية وأحزاب (كالمطالبات بإقالة رؤساء جامعات ووزراء داخليا، والمطالبات بمواقف سياسية خارجية مُحددة تجاه اليمن و سوريا مثلا) هذه المطالبات تؤكد بدء استقلال الرأي الشعبي عن رأي السلطة، فلم يعد هذا الجيل مستعدًّا لتبني رأي السلطة بشكل مطلق، بل هو مستعد لرفضه علنا.

مع / ضد بيان الشباب السعودي:

إن القطاع العريض مما يمكن تسميته بالنسخة التوافقية (على مستوى التيار) أو النسخة التنويرية (على مستوى النشاط الفكري) كان متطلعا إلى ضرورة تمايزه عن النُسخ التي ولّدته أو التي حاولت جهدها استقطابه ووضعه تحت عباءتها الدينية/الليبرالية المقنعة، يمكن القول إن أوج هذا التطلع تمثّل في “بيان الشباب السعودي”  الذي أصدر في الثلاثين من مارس ٢٠١٢ ، البيان الذي أزاح القناع عن صورية الصراع حول الدين المسيّس والحُرية “الموشومة!” و بدا مؤكدا على انتمائه الإسلامي وفي نفس الوقت مؤكدا على تبنيه لقضايا الحُريات، مع إضافة نقطة “أدب الاختلاف” والتي تؤكد أن هذا الجيل لم يكتفِ بتوافقه وإنما يتخذ دور المُرشد الأخلاقي المُستحق للذين حاولوا حقنه بصراعات الثمانينات وأخلاقياتها الإقصائية التي استنفدت أدواتها وتساقطت رموزها – كما سيأتي في مقالٍ تالٍ – البيان الذي حاز على توقيعات تأييده متزايدة في غضون ساعات قليلة، عُورِض في تويتر عبر هاشتاغ “ضد بيان الشباب السعودي” ورغم أن أهم نقاط المعارضين تلخّصت حول نقطة تأكيد “إسلامية” البيان إلا أنها عكست بشكل حقيقي الفارق بين وعي الرموز ووعي الجموع، ففي حين أن الرموز التي تنتمي للتيار الديني المقنّع ادعت أن البيان يقلل من اعتماده على الإسلام لعدم ذكره لآية أو حديث – رغم نصّه على الهوية الإسلامية ومراعاة المقاصد الشرعية!!- كما ادّعت أنه بيان يمثّل المُجنّسين! إلا أنها بقولها هذا كشفت القناع الذي ترتديه والذي تؤمن تحته أن الدين ما هو إلا رأيها الأحادي ومُشتركها القَـبَلي، على أن وعي الجموع/الجماهير كان مناقضا تماما ومُفاجئا فمنها من رفض “إسلامية” الخطاب لأنها ترى أن هذا يُقلّص من أحد أركان الحرية التي تبناها الخطاب وهي حرية الاعتقاد، ولنا في هذا الفارق أن نتأمل الكثير!

إن هذا البيان لا يمكن أن يُعدالتشكّل الخالص لهذا الجيل فيُحكم عليه من خلاله وهو إنما يعيش مراحله الانتقالية، التي أرجو أن تُقاد بهذا البيان نحو مشاريع مدنية حاضنة لهذه القيم، وناقدة ومُطوّرة لها فمن المهم ألا يتم إغفال التفسير والنقد.

” …إن التفسير من دون قصد التغيير لهو تفسير فارغ، وإن تغييراً من دون تفسير لهو تغييرٌ أعمى ” – إيريك فروم.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق