جدلية المركز والهامش في السعودية

الكاتب:

24 فبراير, 2012 لاتوجد تعليقات

نستعير في هذا المقال مفهومًا يستعمل في السياسة المعاصرة لتوصيف بعض أشكال الصراع الاجتماعي ألا وهو مفهوم المركز والهامش. يعني هذا المفهوم أنه في مجتمع معين ذي مجموعات متعددة الثقافة والأعراق، تشكل إحدى هذه المجموعات مركزا يمارس سلطة ثقافية وسياسية واجتماعية على باقي المجموعات التي تلعب دور الهامش. 

تكرس مجموعة المركز السلطة في يدها وتطرح نفسها بوصفها معبرا وحيدًا عن المجتمع المعين، نافية أي تعددية فيه، فهي الأصالة وهي النقاء، وما عداها أجنبي غريب، ويستعمل المركز خطابا استعلائيًّا عنصريا في وجه مجموعات الهامش، التي لا سبيل أمامها إلا الإذعان، فتحاول التماهي ما استطاعت مع ثقافة المركز، ساعية إلى تفادي الاصطدام المحتوم في ظل غياب آليات ديمقراطية لحسم الصراع وإدارته بطريقة حضارية.

إن الناظر إلى الواقع السعودي اليوم يجد -ولا شك- هذه المقاربة واقعية إلى حد كبير، فهناك مركز يتبنى خطابا قوامه الاستعلاء القبائلي والمناطقي، عاداته وتقاليده هي حصرا العادات السعودية، وما عداها فهو دخيل ومستورد، ثم إن هذا المركز صاحب رؤية دينية أحادية، ومرة أخرى هذه الرؤية هي عين الإسلام وما عداها فهو بدعة وانحراف!

يقابل المركز أي تململ في الهامش بخشونة منقطعة النظير، تبدأ ولا تنتهي، بتذكير متمردي الهامش بعدم أصالتهم، ووجودهم الطارئ، وأنهم اقل سعودية من غيرهم، وكم رأينا من خلافات فكرية في الشبكة العنكبية تنتهي بتذكير الكاتب بأصله أنه ليس (سعوديا).

كما تتعدد الآليات التي يُحكِم بها المركز سيطرته على الهامش، فهناك الأدوات الاقتصادية متمثلة في التنمية غير المتوازنة والفرص المتفاوتة بين المناطق المحسوبة على المركز، وتلك المنتمية إلى الهامش. وهناك الأدوات الأيديولوجية المتمثلة في قراءة وحيدة للدين، كثيرا ما تطوع لخدمة أهداف سياسية واجتماعية أو لتأديب الخارجين أو المتمردين على سلطان المركز.

تعكس هذه الظواهر ضعفا في مفهوم المواطنة، وتتطلب عقدا اجتماعيا لا بين الحاكم والمحكوم، بل بين المحكومين أنفسهم، عقدا يقر الطبيعة التعددية للمجتمع، ويتعايش مع اختلاف الثقافات داخله ويقبل أن لا سيادة لثقافة على أخرى، وأن السبيل لبناء المجتمع هو الشراكة الحقيقية لا سيطرة طرف على آخر. إن أي سبيل غير هذا فيه خطر على المركز ذاته، لأن الحفاظ على تماسك الدولة في  ظل غياب الشراكة هو أمر غير ممكن مع الوعي المتزايد للشعوب حول العالم بحقوقها، ورغبتها في أن يكون لها كلمة في واقعها ومستقبلها، وأن يعطى لها نصيب في خيرات أرضها وثرواتها.

إن الشعب السعودي من أكثر الشعوب العربية تجانسًا إلا أن هذا لا يلغي حقيقة وجود تعددية ثقافية وطائفية ومناطقية فيه. فينبغي توظيف هذه التعددية بصفتها مصدر إثراء وقوة للبلاد، وأن تبنى دولة المواطنة الحقة والمساواة، دولة الكل لا دولة البعض.
إن إنكار الحالة التعددية السعودية بأي دعوى كانت ستبقي المجتمع حبيس جدلية معيقة ومُقعِدة: جدلية المركز والهامش.

خاص بموقع ” المقال ” .

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق