تغريدات حمزة: الكتابة الإبداعية تحتَ المقصلة

الكاتب:

24 فبراير, 2012 لاتوجد تعليقات

الهوية والكتابة الإبداعية:

(السمةُ المباشرة في الأعمال الإبداعية الكبرى هي شكلها المختلف. ولا يختلف الشكلُ إلا إذا كان ينقلُ معنى مختلِفًا. لا شكلَ إذن إلا بالخروجِ من المعنى المُسبَّق. ويفترضُ هذا الخروجُ تغييرًا للعلاقاتِ بين الكلماتِ والأشياء المحسوسة أو المشخّصات، وتغييرًا في الوقت نفسه للعلاقات بين الكلمات والأشياء غير المحسوسة، أو المجرّدات. إنه تغيير لعلاقة الإنسان بالعالم على مستوى اللسان، وعلى مستوى الكِيان.

لا تعودُ الكتابة نقلا، وإنما تصبح بحثًا. تُصبح، تبعا لذلك، مجالَ احتمالٍ، وساحةَ صراعٍ. هكذا تتجاوَز المسبّقات كلَّها، وتتجاوز البُنَى الفنيّة والثقافيّة المرتبطة بها. لا يعود المعنى يُنتِج الكتابة، بل تُصبح الكتابةُ، على العكس، هي التي تُنتِج المعنى.
خروجُ الكتابةِ من اليقينيّة والعقلنةِ والوضوح، إنما هو دخولٌ في انقلابٍ معرفيّ لا يعودُ فيه المعنى موجودا في الخارج وثقافته السائدة، بل في النص ذاته.

الكتابةُ في هذا المستوى استقصاءٌ لإعادةِ تكوين العالم. وفي هذا ما قد يُوضّح كيف أنَّ الكتابةَ في المجتمع العربيّ تمتزجُ بالهُويَّةِ على نحوٍ يستدعي دراسة ملحّة لمستوى العلاقةِ في هذا المجتمع، بين الإنسان والوجود، وبين العقل والوجود.)

– أدونيس، (موسيقى الحوت الأزرق: الهوية، والكتابة، والعنف) ، ص26.

الاعتداءُ على السياقِ بتحريفِه: ما الذي كتبهُ حمزة

تحدُث حملةَ التشهير والتهييج الجماهيري ويختفي القاضي والمدعي وكل من في المحكمة ولا يخرجُ للناسِ إلا الحُكُم (شتم النبي) والمُدان (حمزة). أما دليلُ الإدانةِ (التغريدات) فلا تأتي إلا في السياق الذي وُضِعَت فيهِ (فيُقال: كان يقصد بها التطاول على النبي). لأن الحركة الجماهيريّة عمياء غير عقلانيّة؛ فلا بدَّ أن يكونَ دليلُ الإدانةِ مُتطرّفًا جدًّا وإقصائيًّا جدًّا ولا يُعطي أي فرصة للتشكيكِ به. ولكي يحصُل هذا لا بُدَّ أن يُعزَل الكلام عن سياقِه الأصلي ويُوضَع في السياق الذي يُراد لهذهِ الجماهير أن تسيرَ فيهِ. فتخرجُ تلكَ التغريدات من سياق نصّها الأصلي إلى ما أُريدَ لها أن تكون.

هذهِ هي التغريدات التي اُستُغِلت في التهييج؛ الذي بدأ من الساعة 9 مساء السبت 4/2/2012مـ ؛ رغم أن هذه التغريدات كُتِبَت قبلها بحوالي 24 ساعة:

( في يوم مولدك سأقول أنني أحببتُ الثائرَ فيك، لطالما كان مُلهِما لي، وأنني لم أحب هالات القداسة، لن أصلي عليك )
( في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول أنني أحببت أشياء فيك، وكرهت أشياء، ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى! )
( في يوم مولدك، لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وابتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب .. ليس أكثر )

ولكي نحكمَ على هذهِ التغريدات وننظرُ في السياقِ الذي كُتِبَت فيه، فينبغي أن نُلاحِظ أولا أنها مُقتبسةٌ -ومُعدَّلٌ عليها- من خاطرةٍ كتبها حمزة في يوم المولد من السنة الماضية، نشرها على الفيسبوك؛ وأعاد نشرها على مدوّنته قبلَ حوالي أربعة شهور. وهذهِ من عادة الكاتب وأسلوبه -لمن كان يتابعه- في إعادة نشر كتاباته وأشعاره على تويتر على شكل تغريدات مقسّمة.

نقرأ هنا كاملَ النصِّ الذي كتبهُ حمزة:

– حوارٌ خارج الزمن ..!
( مهما ابتعدت عنك أعود إليك .. و تقف في وجهي في يوم مولدك، و تمدّ يميناً كريمة .. مصافحة الندِّ للند !
و ترضى بألا أقبل يديك، و ألا أنحني لك، و أن أمدّ يداً كريمةَ أيضاً، فتبتسم و ابتسم ..
و أقول لك أني ابتعدت .. فتقول لي أنك لا تزال تحبني .. و أكثر منهم جميعاً !
ستقول لي أنني أحسنت فهمك .. و سأقول لك أنني حرصت على ذلك .. لأجلي قبل أن يكون من أجلك ..!
سيصرخ أحدهم من خلفي: إنه ليس من أتباعك .. و ستبسم بهدوء، و تقول بهدوء: مُنذ متى كنت أبحث عن الأتباع ؟
و سأقول مسرعاً: لم أكن تابعاً لأحد أصلاً .. و ستربت على كتفي و أنت تقول: أفهم ذلك .. أفهم ذلك !
سيستغربون من وقوفنا معاً، و من حديثنا الطويل معاً، و سيلمزنوني على الخصوص .. أولئك الحسَّاد !
و لكنك ستعرف ذلك في وجوههم – كأن الله يلهمك فعلاً – و ستقف فيهم خطيباً: ” يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه بعد .. إن كل من عمل الصالحات أخٌ لنا، و إن كل من أحب الناس و أحب الخير للناس أحببناه .. “
و ستتمعر وجوهٌ و تسود وجوه، و ستهمس في أذني: لهذا أحبك أكثر من سواك !
و سأحاول أن أقف خطيباً في أتباعك، لكنك ستمنعني من ذلك شفقة علي: إن هذا لن يجدي يا حمزة ! لن يجدي ! إنهم لن يقبلوك هكذا .. لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم !
– و لا المسلمين ؟
-و لا المسلمين ..
سأصافحك حين تغرب شمس يوم مولدك .. و ستشد على يدي بقوة، و أنت تقول: كُن في قومك كما كنت في قومي ..
لن أعدك، لكنني سأعدك أن تظل عندي رمزاً و قدوةَ أولى دائماً .. دائماً .. ستغرب الشمس .. ستلوح لي عند الأفق .. و سترحل ..! )

كلمةٌ لا بدَّ منها بعدَ قراءةِ النص:

وقبلَ الولوجُ إلى القراءةِ الأدبيَّةِ نسألُ من يقرأ النّصَّ كاملا: هل هذا سياقُ كاتبٍ يكره النبي أم يحبه؟ ربما ستقول أنه يحبّه لكنَّ محبّتَهُ لا تشفعُ لهُ؛ لاحتوائه على مُخالفاتٍ شرعية؛ موجودة في هذا النص وفي التغريدات المُعدَّلة منهُ، لكنَّكَ في أسوأ الأحوال قد تتّهمه بخللٍ عقديٍّ يتعلَّق بإنكارِ العصمةِ للأنبياء، أو شيءٍ من هذا القبيل. لا يتعلَّقُ بشخصِ النبيِّ ولا ذاته ولا يُمكِنُ بحالٍ من الأحوالِ أن يكونَ مقصودا بهِ كراهية أو بُغضا أو عداء؛ فضلا عن الاتهامات الشنيعة بمشابهة سلمان رشدي؛ وتعمد الاستفزاز (رغم أن الكاتبَ حذفَ التغريدات مباشرة حينَ أحسَّ أن الناس فهمَت منها الإساءة والاستفزاز).

البحثُ عن السياق في النص الأصلي:

 

لا ينطلقُ النصُّ الأدبيُّ إلا في سياقٍ يحده ويمثّل له مرجعيّتُه وحالةَ إدراكِه وانتمائه. السياقُ مساحةٌ مرجعيّةٌ خلفيّةٌ يتأرجحُ فيها وجود النصِّ بكل معانيه؛ وإلى هذا السياق تحتكمُ كل المعاني للنص. بهذهِ القراءة فالسّياق الذي تستحضرهُ من قراءة كامل النصّ –بعيدًا عن الاجتزاء المُحرِّف والعابث- ليسَ أنه سياق مدح فحسب، بل سياق تعظيمٍ وتفخيمٍ وإجلالٍ متناهٍ جدًّا. سياقٌ يبتدأُ بامتداحِ النبي بحاجة الكاتب إليه وقلة استغناء حياته عنه والعودة إليهِ دائما ( مهما ابتعدتُ عنكَ أعودُ إليكَ ). وينتهي بتصويرِ مشهدِ غروبِ الشمس ونطقَ الوصيّة الأخيرة من النبيّ (كُن في قومك كما كنتُ في قومي) و( سأعدك أن تظل عندي رمزا وقدوة أولى دائما).
مناخُ هذا النَّص يدورُ حولَ صناعةِ موقفٍ أدبي يستحضِرُ نموذجا إنسانيًّا بشريًّا، ويجعل منهُ مُحاوِرًا ويتحدَّث له وعلى لسانِه. ولهذا (الموقف الأدبي) تماثُل موجود ومتكرّر خاصّةً في تلكَ التهويمات الصوفيّة العالية؛ انظُر مثلا (المواقف والمُخاطبات) للنفري وأسلوب النُّطق على لسانِ الحضرةِ الإلهيَّة. أو انظُر الموالِد المحمّديّة أو قصائد مدح النبي التي تُركِّز في استنطاق الموقف المهيب وتصوير مشهد (المُخاطبة في الإسراء والمعراج) بكلماتٍ ذوقيّة عالية؛ ومن هذا قولَ شوقي مثلاً في بردتِه:
 وقيلَ كلّ نبيٍّ عندَ رُتبتِه .. ويا مُحمَّدُ هذا العرشُ فاستلِمِ !

يقول الناقد الأدبي الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه (الموقف الأدبي) ص110:
( للموقف الأدبي جانبٌ إنسانيٌّ في تعبيرِ الكاتِبِ عن المشاعر، وتصويره للأفكارِ التي يُجابهُ بها الواقع، سواء كان واقعيا ذاتيا أم اجتماعيا، ثم جانب فني عام يتعلّق بطبيعةِ الموقف تبعا للقواعدِ الفنية التي يحتّمها التصوير الأدبي ما دامت طبيعةُ الأدبِ تستلزمُ التجسيمَ للأفكارِ بالطُّرُقِ الفنية، لا التجريد، ثم فني خاص تبعا للأجناسِ الأدبية التي تتغيَّرُ فيها طبيعة الشخصيّاتِ المصوّرة على حسب ما يفرضهُ كل قالَب فني منها. وتتغيَّرُ الاعتباراتُ الإنسانيَّةُ والفنية للموقف من مذهب أدبي إلى مذهب أدبي آخر، تبعا لتخصيصِه أو تعميمِه، وتبعا لفلسفةِ كل مذهب من هذهِ المذاهِب، وجمهورها الذي تتوجه إليه).

الذي يُمكِنُ لنا أن نستشفه ونقرأهُ جيدا في نصّ الكاتب حمزة؛ تعبيرا عن إجلالٍ وتوقيرٍ خاص جداً لشخصِ النبي محمد -عليه السلام-، وشعور بالشكوى له، واللواذُ بهِ، واللجوء إليه، وإحساس بالغربةِ عن قومِه وعنف بعض المُنتسبينَ لدينِه عليه. ويُصوّرُ الكاتبُ نفسَهُ في هذا النّص تصويرَ المُتفهِّم للنبيّ فهما مُميّزا يُعاديهِ الناسُ لأجلِه ( ستقول لي أنني أحسنت فهمك .. فتقول لي أنكَ لا تزال تحبني).
يشتملُ النص على كل هذهِ المعاني وأكثَر، ونظريّات (النص المفتوح) تضعُ مفتاح الفهم بيدِ (القارئ) لينتقلَ الكاتبُ/ المُبدِعُ إلى صفِّ القارئ؛ مُستَلهِما من النصّ معانيَ أدبيَّة أكثر رقيا وجمالا، لا تخرج عن هذا السياقِ الذي حُفَّت كل كلمة فيهِ بإجلالِ النبي -عليه الصلاة والسلام- ومحبّته وتوقيرِه واتخاذِه قدوةً.

إما التبرير أو التكفير:

 

جرِّب أن تستحضر في ذهنك أن هذه الكلمات كُتِبت في سياقٍ يُعظِّمُ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام-، ويمتدحهُ، وجنِّب كلَّ سوءِ ظنٍّ يفترضُ بالكاتبِ إرادتَهُ الاستفزاز أو التنقّص. (في يوم مولدك سأقول أنني أحببتُ الثائرَ فيك، لطالما كان مُلهِما لي، وأنني لم أحب هالات القداسة، لن أصلي عليك ..) ( في يوم مولدك، لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب .. ليس أكثر ) (في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول أنني أحببت أشياء فيك، وكرهت أشياء، ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى! ) لأنَّ الموقف موقف حوار، والحديثَ حديثَ مُحب لحبيبه، صديق لصديقِه، هذه (الندّية) المقصودة هنا ليسَت ندّية (الرسالة والنبوة والمقام)، ندّية الرسالة لا يُقال بعدها: أبتسمُ لكَ كما تبتسمُ لي. بل هيَ الندّيةُ التي تُخبرُ بها من تحدثهُ بمدى شعور الارتياح الكامل في الحديث وعمقه، وانسياب الكَلمات وجريها تلقائيا وعفويا كما تبث أسرارَك لأقرب صديقٍ لكَ؛ ولو كانَ هذا الصديقُ عظيما ومُوقّرا عندَك وعندَ الناسِ ومحفوفا بهالات القداسة؛ لكنّ الموقف موقف ارتياح يزيلُ كلَّ الطبقات والحواجِز.

وتبقى بعد هذهِ القراءة عبارتان مُشكِلة ( لن أصلي عليكَ )، والذي يهمّه أن يستقرئ قبل أن يحكم، سيجد أنَّ الكاتب -في كتاباتٍ أخرى له- يصلّي على النبيّ عندَ ذكرِه، ومعروفة محبَّة النبيِّ لديهِ، فلا نفهم هذا الامتناع عن الصلاة إلا بمعنى: الآن سأتحدَّث إليكَ بكلّ عفويةٍ وصدقٍ وارتياحٍ؛ بصفتِك حبيبا وصديقا لا بصفتكَ نبيا واجبة الصلاة عليه عند ذكره. هكذا يُمكنك أن تفهمها؛ رغم أنك قد تتحفَّظ حتى على هذا المعنى.

و العبارة المشكلة الأخرى قول الكاتب ( أحببتُ أشياء فيك، وكرهتُ أشياء، ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى!)، رغم أنك قد تستطيع أن تفهم أن هذهِ الأشياء (المحبوبة) و(المكروهة) و(غير المفهومة) أشياء متعلّقة بالشريعة وببعض الأحكام الفقهية المنقولة عن النبي بواسطة الفقهاء والرواة؛ لا بذات النبي -عليه الصلاة والسلام-، على أنَّنا لو افترضناها على ظاهرها، أليسَ السياق سياق مُكاشفة؟ ومحبّة؟ وصدق؟ واستفهام؟ ألا يُعطينا سياق النصّ أي فرصة على أن نفهمَ منهُ أن هذهِ الكلمات في هذا الموقفِ العالي؛ موقف مخاطبة النبي ومكاشفته بكل هذا الحب؛ سيكون جوابه: توضيح لهذه الأشياءِ المُشكِلَة التي “كرهها” الكاتب، أو لم يفهمها.

إنَّ الهجمة التكفيريَّة التي وُجِّهَت للكاتب، كانت تجاهُلا تاما لأبسط قواعد اللغة والشريعة. قواعد اللغة التي تفتح المجازَ على أبوابِه خاصّةً في النصوصِ الأدبيَّةِ وتُعطي الكلمة أكثر من معنى يُفهَم في أكثر من سياق، وتجعلُ الاحتمالَ سيّد الموقِف، ولا يُحكَمُ بكُفرٍ على كاتبٍ باحتمالٍ. وقواعد الشريعة المتأنّية التي تؤخذُ بالنيّاتِ لا بالأعمالِ، وتدرأُ الحدودَ بالشُّبهاتِ لا تُقيمها بها، وتصف الخطأَ بتوصيفِه الصحيح؛ فالكلام الذي يحتمل مجرد إنكار العصمة عن النبوة تصفه بأنه كذلك، والكلام الذي يحتمل البُغض والتنقُّص تصفهُ بأنه كذلك.

و حتما ستجد في الناس من يقولون: (لكنّهُ كتبَها علنا؛ وخطؤه هو أنه استخدمَ المجاز وكتبَ عباراتٍ فيها احتمال بغير مُرادِه في كتابةٍ مُعلَنة). رغمَ أن الكاتبَ حمزة -كغيرِه من الكُتّاب والشعراء- نشرَ كثيرا من أشعارِه وكتابتِه المُحتملة أصناف المجاز والمعاني المُختلفة على تويتر، وطبيعةُ (تويتر) تُفسِح المجالَ لكتابةٍ أدبيَّةٍ حرَّةٍ تسبحُ فيها المعاني. لكنَّ طبيعة (تويتر) -قبل الهشتقة- مختلفة عن طبيعة (المُحاكمة الشعبية) التي تحول إليها و(الهيجان) و(الحملة التكفيرية) التي حصلت. فلا يسَعُكَ وأنتَ في هذا الموقِف أن توضِّحَ أن قصدَك كان غيرَ ما فُهِم. لقد اعتذرَ حمزة عن (خطئه في التعبير) لأنه أرادَ كتابتها كما يكتبُ غيرَها من التغريدات، لكنَّ الموقف لا يحتمل هذهِ اللغة عندما اتّخذَ الناسُ منهُ موقف (الغاضب المُحاسِب على كلامِه) فاضطرَّ سريعا أن يحذفها ويعتذر فهوَ كتبها بغرضِ المديحِ ولم يخطُر على بالِه استفزاز النّاس أو الإساءة لأي أحد.

الحرية.. كنا نُريدها على السطح والآن نكتبها على الهامش:

هل هناكَ أي فرصة لأن نقولَ قبل هذا كلّه: مهلا، حمزة لم يطرْح كلامَهُ على أنه (رأيٌ) و(اعتقادٌ) يُصادِم به المجتمع بقدرِ ما كان يطرحُه على أنه (تعبيرٌ) و(خاطرة) تشرَحُ بعضَ ما في نفسِه. وفي كلّ الأحوال، هناكَ كثيرونٌ ممّن قد يُريدونَ أن يكتبوا مثلما كتبَ حمزة؛ الذي قد يمنعهم الآن ليس القناعة، ولا الحصول على الجواب، ولا الحوار الفكري الناضج مع من يحرصون على أن يُجيبوا عن الأسئلة وواثقين كل الثقة أن الدّين أكبر من أن يقمع بعض الأسئلة ويخاف منها. سيمتنع هؤلاء عن الكتابة نفاقا وخوفا من مجتمع لا يُجيب بل يُحاكِم. ومن هنا أتذكّر مقولة الأسباني خوسيه لويس سامبريرو: (المطالبة بحرية التعبير في بيئة لا تؤمن بحرية الفكر أصلا، ضربٌ من العبث!) فأشعرُ بكثيرٍ من الإحباط والخيبة. كنّا نظنُّ أنَّ أحداثَ الربيعِ العربيِّ تفتحُ كثيرًا من آفاقِ الوعيِ نحوَ قُدسيّة الحريّة وأثرَها في استقلالِ الفردِ وفسحِ المجالات له ولاختياراتِه. لكنَّ تبعاتَ القضيَّةِ كانت كلها سلبيِّة؛ بدءًا من التهييج الشعبي من قبل بعض المشايخ؛ مرورا بأسلوب الدفاع عن حمزة وتوبته؛ انتهاءً بأثر القضية على وعي المجتمع واستغلالها. وهذا ما أودُّ الحديث عنهُ في وقتٍ آخَر بإذن الله.

خاص بموقع “المقال”.

 

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق