قضية كاشغري: في بلد المليون حقوقي!

الكاتب:

22 فبراير, 2012 لاتوجد تعليقات

 (1)

شكَّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان علامة فارقة في تاريخ البشرية؛ بسبب حرصه على جعل كرامة الإنسان أولا، وتحويل حقوقه الدينية والثقافية والفكرية والسلوكية إلى خط أحمر لا يصح القفز عليها دون وجه حق. ولكي يكون هذا الإعلان سلاحا قويا بيد كل من يقع عليه الظلم ويلحقه الضرر بسببه

وتأتي حرية الرأي والتعبير لتلخص بشكل موجز أبرز الأهداف والنقاط التي يتكئ عليها واضعو الإعلان، إيمانا منهم بأن حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع، بغض النظر عن الدين والفكر واللون والعرق والطائفة والانتماء السياسي. وهذا الإعلان أعطى فرصة ذهبية لأن تحمي المجتمعات نفسها من نفسها. بحيث، لم يعد بمقدور أي من كائنأن يمارس رغبته في تكميم أفواه من يختلف معهم، وفي الوقت نفسه أتاح هذا الإعلان فرصة ذهبية ليعرف المجتمع أفكاره في الهواء الطلق، مهما كان تطرفها، ويمارس حقه في الرد عليها ضمن الوسائل السلمية المتاحة.

ويظل القضاء المظلة التي يستظل بها المتخاصمون، بصفته سلطة مستقلة، ويقوم بعملية تكاملية بجوار السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية. وهذا ما شجع دولا كثيرة على المبادرة للتوقيع على هذا الإعلان، وسن التشريعات القانونية في الدساتير التي تساهم في حماية حقوق الإنسان وحرياته، وكرامته، وتضمن حالة من التعددية التي تراعي سيادة القانون، محققة بذلك المدنية التي تقوم عليها فكرة الدول الحضارية.

السعودية، لم ترغب أن تنحى منحا شاذا عن الحالة النهضوية التي يعيشها العالم في محاولة جعل الإنسان أولا، والعنصر الأساسي الذي تبني عليه الدول جميع مؤسساتها ومشاريعها وخططها. لذلك قامت بالتوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ورغم هذه الخطوة التقدمية التي قامت بها هذه الدولة النفطية الغنية، إلا أنها نسيت أن ذلك سيتطلب منها الكشف عن هويتها الفعلية والعملية، فهل هي دولة دينية أم دولة حضارية؟

وتعاقب الزمن، وجاءت الأحداث الواحدة تلو الأخرى، لتكشف أن هناك خللا يكمن في غياب البنية النظامية والتنظيمية للدولة، فدولة من دون دستور مكتوب، وبلا برلمان منتخب يمتلك صلاحيات تشريعية، وبلا قضاء مستقل يقوم على أنظمة وقوانين مكتوبة، وبلا مؤسسات مجتمع مدني، وغيرها من الأسس. وذلك أوجد حالة من ضياع الهوية الوطنية وسط فراغ كبير في حسم جدليات السلطة، والفكر، والعدل، والحقوق، والواجبات. وحل بدلا عنها هلامية ضخمة تسببت في إحداث فوضى عززت من شيخوخة البلد وترهل مفاصلها، ووضع علاقات افتراضية مطاطة، لا علاقة لها بأي فعل قانوني. ولكن مسميات وهيئات تؤدي أدوارا حسب حاجة ورغبة السياسي المتفرد بالسلطة، مما أدخلها في صدام بين بعضها مع بعض، وتسبب في تعميق الفوهة، وسحق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان!

هذه التراكمات أفرزت علاقة بين المواطن والسياسي بدلا من أن تكون علاقة تكاملية توافقية، تقوم على حقوق وواجبات، إلى علاقة تقوم على توافق تام، في ظل استخدام ترهيب السلطة الدينية المقدسة، والتعزيز البرغماتي لرؤوس الأموال المستفيدة من هذا الوضع، وكذلك القبضة الأمنية المشددة. هذه العناصر، وغيرها، خلقت ثقافة فريدة وجديدة بين عموم المجتمع، أنتجت قوالب مجهزة لاحتواء أي أمر قد يحدث، وتقوم بتفسيره وفق هذا النطاق.

 وأبرز ملامح هذه الثقافة إفراز خطاب يقوم على: الاختزال، والنعت، والنبذ/الحدة/التصفية، والازدواجية/الكذب. وهذا الخطاب هو من خلق أزمة الرأي الواحد والفكر الواحد، ومن يخالف ذلك فهو إما فعل ذلك لأمر ما دون شيء أخر سواه، وذلك سببه بكل تأكيد أنه منتم لهؤلاء أو هؤلاء، لذلك الأفضل التخلص منه، وبأشد العقوبة، ولكن قد يقع الاستثناء بأن نعرف من يكون، فقد تغرق حسناته في بحر سيئاته، ونتجاوز عن زلته لمصلحة يراها أهل الحل والعقد!

عند قراءة المشهد وفق هذه الخريطة الذهنية الخالقة للهندسة الفكرية في العقلية الجمعية، سنجد أن تحليل قضية حمزة كشغري سيكون سهلا وواضحا، لا لبس فيه.

(2)

لو أردت أن أتحدث عن حمزة الإنسان لن يروق ذلك لمخالفيه، إضافة إلى أنه سيحيد بنا عن وجهة التدوينة الأساسية. ولكن لا ضير أن أقول إنني وجدت فيه حياء وخجلا، وعلما وأدبا، وشهامة وموقفا، لم أجدها في كثير ممن نبتت لهم الآن رؤوسٌ وصاروا يلوحون بها، بعدما كانت مدفونة في التراب، ولا تعرف إلا رائحة الطين وطعم الماء العكر!

ومع ذلك ستجد نفسك تختلف مع حمزة، كما تختلف مع غيره، كونها سنة فطرية في التكوين البشري الطبيعي. لأنك تؤمن في نهاية الأمر أن كل ما يدور هي وجهات نظر، وآراء متباينة تارة، ومتطابقة تارة أخرى. هذا التكوين الذي يحرص الإنسان على أن يربي نفسه عليه، سيجعله أكثر أريحية، وقابلية للحوار والنقاش مع كل من يختلف معه، وفي أي موضوع كان. مما يكسبه شجاعة لا تتوارى خلف الكواليس، أو الأسماء المستعارة، أو المصالح والعلاقات الشخصية، أو الإيمان بشريعة الغاب!

لذلك عندما قرأت ما كتبه الصديق حمزة لم يرق لي، ورفضته، كحق طبيعي لي لا يجادلني فيه أحد. ولكني آمنت أن ما قام به يندرج تحت مبدأ حرية الرأي والتعبير.

ولأن كثيرًا من المتلقين لما كتبه حمزة، مغيبين عن مفاهيم  الحريات والحقوق ومصطلحاتها، وكيفية التعاطي معها، واقتصار تلقيهم على الطرح الديني المحلي الذي لم يكن شموليا ويقدم مادته بوصفه أسلوب حياة منفتحة قادرة على البناء، بقدر ما قدم نفسه بوصفه خط دفاع متقوقع ويصور الآخرين بصورة سيئة، مع تنمية وسائله في نبذ الآخرين والانفراد في الساحة وحدَه. مما تسبب في وقوع حوادث كشفت أن هذا الطرح ساهم في خلق ازدواجية بين أفراد المجتمع، تتنافى مع روح الدين الإسلامي وتشريعاته. وهذا يجعلنا نفهم لماذا لم يُختلَف مع حمزة إلا وفق النظرة الدينية، واستجلاب معه شروط الخطاب التي سبق الحديث عنها في الفقرة السابقة.

بحيث تحول الأمر سريعا إلى الخطة الذهنية واحدة: ما قام به سببه ناقص في الإيمان (اختزال) ولا ينطق بذلك الكلام إلا ملحد (نعت) ويجب أن نهاجمه ونشنع عليه (حدة) وأن نطالب بقتله ليكون عبرة لغيره وألا تعلن هذه الأفكار ثانية (التصفية).

وتلاحظ في هذه الذهنية غياب مساحتين رئيستين، وهما: الحوار، وفقه الاختلاف. فلم تُفتَح وسيلة اتصال يُتحاور من خلالها مع من تختلف معه، فقد تقنعه وقد يقنعك، بغض النظر عن موضوع بعينه. كما نجد أن جعل القتل الوسيلة الوحيدة لردع  من نختلف معه، معتقدين أن ذلك سيكون صمام أمان لعدم تكرر هذه الحادثة. أي أن تبقى الأفكار حبيسة العقول والصدور، وتنتشر وتسري بالجسد دون أن يعلم بها أحد.

وحتى نضرب مثالا آخر خلاف قضية حمزة، دعونا نسأل سؤالا مهما: لماذا نشأ لدينا ظاهرة التفجير والتكفير؟.، لم تكن تلك الأفكار غريبة، ولكن كانت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، في ساحات الجهاد الأفغاني، وانتقال بذورها عبر بعض حلقات العلم الشرعي، ومكتبات المساجد والمدارس والجامعات. وكان السلطات، ورجال الدين، يعلمان بما يحدث هناك ومع ذلك ظل الجميع يمارس تعتيما على هذا الأمر حتى فجع المجتمع بمناظر الدم وتدمير الممتلكات الوطنية. هنا بادر الجميع إلى فتح قنوات التواصل والرد والمحاجة مع هؤلاء المتطرفين بقصد إقناعهم، والرد على الشبهة التي كان يقولونها. أي بعد وقوع الفأس بالرأس!

إذن، لنجعل الأفكار تحلق في السماء، حتى نعرفها، ثم نفهمها، ونحاورها، ونؤمن قبل كل شيء أنها حرية رأي وتعبير، والقضاء وحده، رغم سوء وضعه الحالي، وغياب التقنين والاحتكام لمزاجية القضاة، ومع ذلك هو من يفصل ويحسم الأمور، وليست الفتاوى أو العنتريات أو المزايدات أو التأليب.

(3)

برزت في المرحلة الماضية المطالب الحقوقية في المجتمع السعودي، وتحديدا في شبكات التواصل الاجتماعي، كـ فيس بوك وتويتر ويوتيوب. وجميعهم شهدوا طفرة عالية جعلتهم يعلنون أن حرية الرأي والتعبير لديهم مقدمة على كل شيء. وهنا تنبأ المراقبون بنشأة جيل واع بحقوقه وحرياته.

لكن هذا التيار الحقوقي لم يتعرض لامتحان مفصلي، يُفرَز فيه الصف، ويُميز فيه بين الحقوقي الواعي بمفاهيم الحقوق وشروطها، وبين الحقوقي المزيف الذي لديه خلط والتباس، ولكن راقت له الموجة، فركبها!

وكانت قضية حمزة هي الضارة النافعة التي كشفت أمورا كثيرا، ومنها حقيقة بعض المنتسبين للحقوقيين والحقوقيات. حيث سقطت الأقنعة بشكل فج، وقُدِّمت الآراء الشخصية على المبدأ العام، وهو حرية الرأي والتعبير.

وقسم التيار إلى ثلاثة أقسام عند تعاطيه مع هذه القضية:

1 – حقوقيون كانت علاقتهم مع قضايا حقوق الإنسان منصبة على قضية واحدة، كقضية المعتقلين مثلا، وحصروا أنفسهم فيها، دون جعل مفاهيم الحقوق منهج تفكير وحياة. لذلك لم يبالوا بالقضية أصلا.

2- حقوقيون مارسوا حقهم في رفض ما لا يؤمنون به، ولكن عجزوا عن التصريح أن ما قيل يندرج تحت حرية الرأي والتعبير، والقضاء يفصل به. ولكن هول الهجمة حجم روح الحقوقي المناضل فيهم لتطغى عليها الروح الجمعية التي تخاف المواجهة، وتفضل السلامة دائما.

3- حقوقيون شدهم الموقف فتحولوا إلى مكفرين وعنيفين، ولم يعودوا يؤمنوا بالحوار والمبادئ القانونية، ليمارسوا أشد أنواع الإقصاء التي كانوا يتباكون على وضعهم في خانتها فيما سبق.

4- حقوقيون بينوا موقفهم مما قاله حمزة بناء على ما يؤمنون به، وفي نفس الوقت أعلنوا موقفهم من أن ما حدث مندرج تحت مبدأ حرية الرأي والتعبير. وهم قلة قليلة جدا.

ومما تقدم، نجد أن من كان يمارس نقده في السابق للوضع الحقوقي، وكيف أنه يعاني من خلل في أسسه وتركيبته مما سيجعل إنتاجه هشا وضعيفا، كان ينبذ من التيار وينعت بالبيض (أي جهاز المراقبة الأمني: المباحث) وتُغلَق الأذن من الاستماع إليه، ومحاولة تشويه صورته عبر نشر الأخبار وتلفيقها عليه. الآن، نجد أن هؤلاء كشفوا أن حقوقيتهم لا تعدو قضية واحدة، أو أن شجاعتهم ناقصة، أو أن مفاهيم الحقوق بالنسبة إليهم ناقصة وهزيلة، وكل ذلك يرجح القول بأن بعض حقوقي السعودية لا يعدو أن يكونوا خرجوا من رحم الخطاب الديني المحلي، وحملوا معهم كل عقده، محولين حقوق الإنسان لقالب آخر يعتمد أيضا على الفرز الأيديولوجي!

وهناك قضايا أخرى، وإن لم تكن مفصلية كهذه القضية، ولكن كانت تعطي بوادر وإشارات على حقيقة هذا الأمر. فقضية قيادة المرأة للسيارة، ينطبق عليها التقسيم الموجود في الأعلى. فهناك من أدار ظهره ولم يبال. وهناك من تحرج من التصريح من أن حق التنقل مكفول للجنسين تخوفا من الهجوم، وطرف ثالث حن لأصوله الفكرية، وهم الأغلب، وقرروا رفض القضية بسبب أنها تخالف العرف والتقاليد، وفتوى هيئة كبار العلماء، وغم خلو النظام/القانون من فقرة تنص على منع المرأة من القيادة!

نعود مره أخرى لقضية حمزة، ونلاحظ أن من كان يفترض بهم التصدر للمشهد وتسيير القضية لوجهتها الصحيحة، قد تقاعسوا عن أداء دورهم ومهمتهم التي ألبسوا أنفسهم لباسها. حتى وصل الأمر إلى تجنب التعليق على فحوى الكلام نفسه وأنه لم يكن سبا وشتما كما روج له عن قصد وعمد، ولكن استنقاصا من مقام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسبب الحرص على تبيان هذا الأمر أن ما سيترتب على كلا الأمرين سيكون مختلفا. ناهيك أن الحقيقة واضحة وضوح الشمس، فالشتم كقولنا: يا حقير، يا سافل. أو التشبيه بأحد الحيوانات. علما، أن تغريدات حمزة لم ترد فيها هذه المفردات بتاتا.

كما صمت البعض عن السؤال المنطقي حول النص الديني، من الكتاب والسنة، الذي يستوجب قتل من يستنقص من مقام النبوة بعد توبته؟ خاصة أن قضاءَنا يعتمد مثل هذه الحجج والبراهين والأدلة. لكن الصدمة أن طار بعضهم بأقوال البشر، والتغني بإجماعهم، دون إيراد دليل واحد. مما يجعل الأمر جهل حقوقي، وعلمي في نفس الوقت، وأن العاطفة غالبة دائما!

صحيح أن حالة الاحتقان كانت عاصفة، بسبب أن من أُسيء إليه هو مقام النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكن هذه المواقف هي من تمحص الحقوقي؛ لنعرف اليوم، الصادق من الكاذب!

(4)

إن ما حدث لحمزة بعد تغريداته، من كشف خصوصياته، عبر الإشارة إلى منزله ورقم هاتفه ورقم سيارته، إضافة للتعريض بأهله، وأصله وفصله، بعبارات بغيضة. ولا ننسى الألفاظ البذيئة التي خرجت بحقه، وتطعن بعرضه بأقذع الألفاظ.

كل ذلك، ومع توقعي له، إلا أنه يجب أن نشير إليه بوصفة التصوير الحقيقي لحال المجتمع الذي يطلق عليه أنه مجتمع متدين وثار نصرة لنبيه!، فما حدث وقيل، وسيظل يحدث ويقال في مواقف كثيرة ومختلفة، معطيا دلالات على أن المحصلة التي أفرزها الخطاب الديني المحلي هو: تدين هجين، ظهرت عليه سمات بارزة كالعنصرية والفوضوية وضعف عمق الدين في النفوس مما لم يجعله ينعكس على الأفكار والممارسات والسلوك.

كما أن ما جرته هذه التغريدات من انطلاق محاكم التفتيش تجوب المواقع الإلكترونية، والكتب، والشوارع والبيوت، بحثا عن ملحد!، وهذه المحاكم الفاشية، تريد الآن أن تقتنص الفرصة حتى تصفي جميع خصومها، حتى من تختلف معه، ليس في العقيدة، كما يدعون، ولكن حتى من يختلفون معه برأي، أو كان فقط متعاطفا مع توبة حمزة!

وبكل تأكيد أن هذه المحاكم التي تمارس دورها الآن ليست كما ينشر ويحاول إيهام الناس به، من أنها حركة لا إرادية من قبل البعض، ولكن ما يحدث هو عمل منظم يوحي به حجم الحشد الذي نراه في مدة زمنية قصيرة، والدراسات والأرقام التي تسرد على المريدين في الدروس والمحاضرات، مما يصعب تصنيفه بأنه عمل فردي!، ومما يلفت الانتباه في عملية الاستنفار على من أطلقوا عليه شاتم الرسول، لم نجد مقابله إلا تراخيا فظيعا ولا يقارن بتاتا بما يحدث الآن، وذلك عندما سجن الواعظ خالد الراشد بسبب هجومه على الحملة الغربية ضد الرسول، وتحويلها من قالبها الديني إلى قالبها السياسي. وكذلك التهاون مع الدكتور طارق الحبيب الذي أول شخصية الرسول بأنها ناقصة. وهاتان الحادثتان تكشف في الأولى، أن فكرة الهجوم بدلا من الدفاع، وتصعيد المواقف للفعل السياسي عبر المطالبة بطرد سفراء تلك البلدان، استحالة أن تجد تفاعلا جمعيا مؤيدا حتى الرمق الأخير من قبل هذه الفئة تحديدا، بسبب اعتيادها على المنهج المتقوقع الذي يجد الدفاع وينأى بنفسه من مخالفة أي شيء لا يجد دعما دينيا أو سلطويا، حتى لو لم يكن موافقا عليه. أما الأخرى، فتكشف حالة الازدواجية في التجاوز عمن نريد؛ لأنه في المجمل محسوب علينا فكريا، وليس ممن نصب لنا العداء أو انشق عن صفنا!

إن حادثة حمزة تحولت لنقطة تفتيش يمارس من خلالها هؤلاء تفجير شحناتهم النفسية، وفشلهم وانتكاسهم. بحيث بات أي نقاش حول حرية الرأي والتعبير تتصدره عبارة: إلا المقدسات، إلا المقدسات!، وحينما تبسط معه الآمر وتقول له: ألا يجب أن يكون لدينا نظامٌ مكتوبٌ ملزم للجميع، وضابط للوضع برمته، حتى القضاء منه، مما يجعلنا نبدي آراءَنا ونضمن أن هناك من سينصفنا. فيأتيك الرد: إلا المقدسات، إلا المقدسات!، لتعلم أن هذه العقلية لا علاقة لها بالقوانين ولكن بالقوالب المجهزة والمعطلة في الآن نفسه. وأن مفهوم حرية الرأي والتعبير لدينا في أزمة!

بل تحولت مثل هذه الحوارات إلى بروتوكول يُتعاطى فيه مع كل من كان قريبا من حمزة وله صلة به، فتُطالب حتى تبرأ ذمتك أن تشاركهم في رفع قضية عليه وإلا فإن ذمتك لم تبرأ!، وكأنهم من خلق هذه الذمة ويعلم ما بها وما ليس بها. ولا تعجب يا من تعرف حمزة أن يتصل بك أحدهم بعد قطيعة لسنوات، ليسألك: ما عقيدتك في الرسول؟!

وهذه الحالة كانت مساحة للمزايدات لجعل هذه القضية فرصة لتلميع النفس أمام الآخرين، فلا تستغرب أن ترى ملحدا حقيقيا يخفي إلحاده، ويرفع شعار “إلا رسول الله..!”، وهذا الفعل عندما نقوم بقراءته مرتبطا بالحالة المحلية بجميع أطرافها وتفاصيلها وإفرازاتها سترى أن ذلك، مع الأسف، طبيعي جدا!

(5)

صديقي حمزة كشغري: آمل أن تكون بخير، وأن نجتمع ذات يوم كما اجتمعنا من قبل، وأعدك أننا سنختلف وبشدة، وسنتفق أيضا بشدة، وسنضحك كثيرا. لقد اشتقت لحديثك يا رجل، أريد أن أستمع لقصيدة منك، وأعدك بأني سأصفق لك هذه المرة وبحرارة، فلن أشاكسك كما كنت أفعل. ليحفظك الله.

خاص بموقع ” المقال”.

 

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق