مقاومة المشاركة السياسية بحجة وجود الباب المفتوح

الكاتب:

16 يناير, 2012 لاتوجد تعليقات

حين يطرح موضوع المشاركة السياسية في السعودية فمن الشائع بمكان أن تجد مَنْ يبرر لك غياب المشاركة وآلياتها؛ بحجة وجود سياسة “الباب المفتوح”. فهل هذه السياسة موجودة فعلا، وهل هي كافية؟

لو دققنا النظر لوجدنا مواصفات معينة تتسم بها المجالس المفتوحة، منها على سبيل المثال انحصار جمهور هذه المجالس في تقسيمات معنية، فهم غالبًا: ذكور، ومن فئات عمرية كبيرة، وذوو طلبات شخصية لا مطالب وطنية. وهنا يتجلى لنا أن قدرة هذه المجالس على تمثيل الشارع ضعيفة جدًّا، فكون أغلب -أو جميع- الحاضرين ذكورًا يعني أن نصف الشعب لا يمكنه استعمال سياسة الباب المفتوح، وكون أغلب الحضور ليسوا من الشباب يعني أن معظم الشعب لا يشارك في هذه اللقاءات.

علمًا بأن الالتقاء بكبار المسؤولين في الرياض يعني حرمان باقي المدن والمناطق من لقاءات مهمة في سياسة الباب المفتوح، خصوصًا مع صعوبة سفر البعض؛ لأسباب مادية أو صحية مثلا، ناهيك عن عدم معرفة سواد الناس بمواعيد اللقاءات المفتوحة أو أماكنها، أفي الرياض تقام أم في غيرها!.
كما أنه من المعلوم أن قدرة الحاضر على الانتقاد غير ميسرة في مثل هذه المجالس، بل يمكن أن نقول أن الانتقاد غير وارد أصلا.

وصحيح أن هناك مسؤولين في عدة قطاعات وفي مختلف المناطق يفتحون أبوابهم للقاء الجمهور ويطبقون هذه السياسية، ولكن ماذا لو كان المسؤول غير قادر على اللقاء لأسباب خارجة عن إرادته؟ هل ستتعطل مصالح الناس؟ بل ماذا لو تولى منصب المسؤولية من لا يحب مثل هذه اللقاءات؟ هل يمكن محاسبته لأنه لم يلتق بالناس؟ إذن، كيف نبني المشاركة السياسية في البلد على إجراء غير ملزم!.

والمشكلة ليست منحصرة في هذه الجوانب. تخيل معي لو أن السلبيات السابقة غير موجودة، وأن سياسية الباب المفتوح تطبق بشكل واسع وحقيقي في كل القطاعات الحكومية ثم لنتساءل: ألا تشكل هذه السياسة دليلا على ضعف القوانين المعمول بها حاليًّا؟ أليست عامل إضعاف لأنظمة الدولة وقوانينها؟
حيث أن مَنْ يذهب للقاء المسؤول سيكون له طلب إما بأن يحصل على حق من حقوقه، أو أن يحصل على شيء فوق حقوقه؛ كأن يحصل على استثناء من قانون معين أو إعفاء من جزاء ما، ففي الحالة الأولى تصبح سياسة الباب المفتوح دليلا على أن الأنظمة والقوانين غير كافية في هذه البلد كي ينال صاحب الحق حقه، أو أن الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون غير ناجحة في أداء مهامها، لأنه لو كانت القوانين قوية وعادلة والتطبيق ناجح ما احتاج الإنسان أن يطلب لقاءً شخصيًّا مع المسؤول. وفي الأخرى تصبح سياسة الباب المفتوح دليلا على كونها قد تستعمل بصفتها وسيلة للالتفاف على أنظمة الدولة، وخلق طرق بديلة عن الإجراءات الرسمية، الشيء الذي يضعف من قوة الأنظمة المعمول بها وهيبتها.

بل علاوة على ذلك فإن كثرة اتّباع هذا الأسلوب قد يفضي بصاحب الحق لأن يتمسكن حين يطلب حقه وكأنه يطلب من المسؤول أن يتفضل عليه! وفي نفس الوقت كلما زاد الرجوع الشخصي للمسؤول بهذه الطريقة وفَّرنا بيئة خصبة له كي يستبد ويتعسف، إذ جعلناه حينئذ مرجعًا أعلى من القانون.
وهناك ضرر آخر خطير على المنظومة السياسية والإدارية في البلد، إذ سياسة الباب المفتوح لا تعطي صورة صادقة عن اتجاهات المجتمع وحقيقة تنوع الآراء فيه. ففي غياب التمثيل الحقيقي والعادل وفي غياب طرح القضايا الوطنية وفي غياب الجرأة في النقد بلا خوف من المعاقبة وفي غياب قدرة أصحاب المطالب على التكتل لإبراز قضاياهم سنجد أن المحصلة هي وصول صورة غير دقيقة لصاحب القرار عن المجتمع واتجاهاته، مما يعني بالتالي أن الضرر سيشمل القرارات ومدى مواءمتها لتطلعات الشعب.

كل هذا الذي سبق ليس مطالبة بإلغاء سياسة الباب المفتوح وإنما بتقنينها أولا وبعدم الاكتفاء بها ثانيًّا، لأنه لا توجد مشاركة سياسية حقيقية إذا لم تكن هناك آليات وقنوات واضحة ومحددة للمواطن كي يشارك عبرها برأيه في القضايا الوطنية.

لم يكن غريبا أن تُقيّم السعودية مؤخرًا على كونها أسوأ دولة عربية في الديموقراطية، وخامس أسوأ دولة -مكرر- في العالم، وذلك في التقييم السنوي للإيكونومست. ففي هذه الظروف نحن نتمتع – بلا مبالغة – بنسبة 0% من المشاركة السياسية الحقيقية عبر الآليات المعروفة للمشاركة في صنع القرار.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق