رداً على المحمود: المقاومة ليست إرهاباً

الكاتب:

2 سبتمبر, 2014 لاتوجد تعليقات

في ظل الأحداث الحاصلة في غزة، تعلو الموجة التي تحمل معها كتاب عرب ومثقفين يحمّلون المقاومة وحدها المسؤولية في مايحصل من تدمير وقتل ومجازر، ويصفونها بالإرهاب وبأنها شريكة للعدو الصهيوني في نتائج هذه الحرب وفي دم هؤلاء الأبرياء من الشعب الفلسطيني ويسعون بكل السُبل لتظهر المقاومة كشر يجب الخلاص منه.

في ٢٦ يوليو نشرت صحيفة الرياض مقالة للأستاذ محمد بن علي المحمود، ينتقد فيها المقاومة ويبرر انتقاده لها من خلال عدة نقاط، أهمها:

١/ يتهم المحمود المقاومة بأنها وبسبب عدم التكافؤ على المستوى القتالي هي شريك في مايحصل في غزة.

٢/ يقول أن المقاومة وقرارها “الأحمق” كما يصفه نتاج إملاءات تأتيها من الخارج ويشكك في ولاءاتها.

٣/ يستغرب الكاتب رغبة المقاومة في أن تكون مواقف الأنظمة العربية معها وهي تفكر خارج نطاق القانون الدولي، ويراها موقف بدائي لا يراعي مصالح الأوطان وهي الأولى بالاعتبار.

٤/ يؤكد أن المواقف السياسية يجب أن تتجاوز المبحث الأخلاقي لأنه يقع خارج نطاق الواقعة السياسية وأن هذه القرارات أي القرارات السياسية  يجب أن تكون نتاج الواقع بخياراته المتاحة وطبيعة تفاعل الفاعل السياسي مع هذه الخيارات وبناء التقييم السياسي على ضوئها.

٥/ يرى المحمود أن خيار المواجهة ليس الخيار الصائب لأن الفوارق ليست كمية بل هي أكبر من ذلك ويذكر إرادة المجتمع الدولي التي تقلص من الخيارات وتحد منها وأن الوضع الراهن له خصوصيته التي يجب الخضوع لها.

بدايةً وقبل التطرق لكل النقاط التي أوردها الكاتب، هناك خلط واضح بين مفهوم الإرهاب ومفهوم المقاومة الذي تمثله حركات التحرر الوطني، وعليه فيجب تحديد معنى الإرهاب وتحديد معنى المقاومة.

الإرهاب والمقاومة

اختلف الباحثون في تعريف واحد ومحدد، نظراً لاختلاف المعايير واختلاف الرؤى في تفسير ظاهرة الإرهاب،  واختلاف مصالح الدول في تفسيرها له فما يعد ارهاباً في نظر أحدهم يعتبر مقاومة من طرف آخر.

غير أنه وبالرغم من كثرة الاتفاقات الدولية المتعلقة بالإرهاب، إلا أنها حرصت على الحديث عن سبل مكافحة الإرهاب وأولتها أهمية أكثر من تحديد مفهومه.

ومن وثيقة مفهوم الارهاب والمقاومة رؤية عربية إسلامية الموقعة من كتاب ومثقفين عرب في 2003 يتم تعريف الإرهاب بأنه: استخدام غير مشروع للعنف أو تهديد باستخدامه ببواعث غير مشروعة، يهدف أساساً إلى بث الرعب بين الناس، ويعرض حياة الأبرياء للخطر، سواء أقامت به دولة أم مجموعة أم فرد، وذلك لتحقيق مصالح غير مشروعة، وهو بذلك يختلف كلياً عن حالات اللجوء إلى القوة المسلحة في إطار المقاومة المشروعة.

هذا تعريف من عدة تعريفات ومحاولات لتحديد مفهوم للإرهاب، مايحدد ما هو إرهاب وما هو ليس بإرهاب هو الدوافع له وخصائصه المختلفة ، فهي تؤثر في الحكم عليه وتجعل عملية تحديده بمفهوم نهائي صعبة نوعاً ما، فهو مفهوم فضفاض، ولكن هذا التعريف يوضح أهم مايتصف به وأهمها أستخدام العنف بشكل غير مشروع ضد أبرياء، وبلا دوافع مشروعة، ومع ذلك، فإن تحديد الدوافع المشروعة وغير المشروعة هو أيضاً مسألة بلا معايير واضحة ومتفق عليها، لذلك استخدام كلمة الإرهاب في وصف عملٍ ما هي عملية شيطنة باستخدام مفهوم فضفاض، وغالباً ما يكون هذا التوصيف جزءاً من أجندة سياسية محددة، كما هو حال المحمود في تناغمه مع الأجندة السياسية الغربية في توصيف كل عمل يتعارض مع مصالح الغرب بالإرهاب.

مع ذلك من الضروري تذكير المحمود وغيره ممن يتحدثون بكثرة عن “المجتمع الدولي” بأنه في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1970 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها المرقم (2672) والذي شجب إنكار حق تقرير المصير، وقد تضمن هذا القرار لأول مرة احترام شرعية كفاح الشعوب الرازحة تحت الهيمنة الأجنبية، والمعترف بحقها في تقرير المصير لاسترداد هذا الحق بأي وسيلة في حوزتها.

وكذلك أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (3246) الصادر في 14/12/1974 على حق تقرير المصير وشرعية الكفاح المسلح في سبيل التحرر حيث ذكرت “أن أي محاولة لقمع الكفاح المسلح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.

فالمقاومة هي استخدامٌ مشروع لكل الوسائل بما فيها السلاح لرفع الاحتلال وإنهاء الاستعمار ودرء وضع غير مقبول فرض على شعب بعينه، وهذه المقاومة مشروعة  لتحقيق الاستقلال. والمقاومة حق لتقرر الشعوب مصيرها وتتحرر من هيمنة الاستعمار وتطرد الاحتلال من أراضيها وترفع الظلم عنها، سواء من جيش منظم من الدوله المُحتلة، أم من حركات تحرر وطني تسعى لتطبيق إرادة الشعب.

هذا ما تؤكد عليه القوانين والأعراف الدولية التي يخشى المحمود من مناقضتها، لكن الحقيقة هي أن المحمود يخشى من مناقضة الولايات المتحدة راعية “المجتمع الدولي”، ومن التناقض مع أجندتها المعادية للمقاومة والتي تصف حركاتها بالإرهاب، لأن المحمود مثل غيره من المغرمين بالغرب ومنجزاته الحضارية، يرى مخالفة الغرب ومناقضته سياسياً عملاً غير حضاري، يبعدنا عن الارتقاء في سلم الحضارة، والذي يقتضي منا التسليم بالهيمنة الغربية، وتقليد الغرب في كل شيء. ومحاولة مقاومة الهيمنة الغربية والاحتلال الصهيوني هو دليل بالنسبة للمحمود على ممانعة للتقدم والتطور الحضاري، وهذا الأمر يدل على احتقار الذات كما يدل على هشاشة فهم التحضر وصناعة النهضة.

هدف المقاومة وإمكانياتها

يبرر المحمود رفض المقاومة بقوة العدو، ولأنها لا توازيه في القوة فإن وجودها يجعلها هي من يتحمل مسؤولية القتل والتدمير الاسرائيلي، لأنها تخوض معركة غير متكافئة. ليس مطلوباً من أي مقاومة أن تمتلك القوة المساوية للعدو كي ترفض وجوده، فلو كانت تمتلك هذه القوة لن تتوانى عن طرده والخلاص منه، ولكن جوهر المقاومة هو الرفض، رفض الاحتلال وعدم القبول به، ورفض التسليم به واقعاً والخضوع له، ورفع السلاح في وجهه لترتفع كلفة الاحتلال ويُمنع المحتلون من الاستقرار، ولتشكل له تهديداً مستمراً ولا تستسلم وتقبل بوجوده. لو سلمنا بطرح المحمود فلابد من أن نلغي حركات المقاومة كلها عبر التاريخ، وأن نمسح من ذاكرتنا انتصارها على محتلها وطردها له رغم تفاوت الإمكانيات وعدم تكافؤ القوة بينهما.

أما في تشكيكه في علاقات المقاومة الخارجية وكونها تتبع إملاءات تأتيها من الخارج وتلميحه للدور الإيراني فالمقاومة الفلسطينية بفصائلها المختلفة من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها تصرح بموقف إيران الداعم لها بالسلاح والمال وهذا الدعم تشكر عليه إيران،

والتقصير فيه من الدول العربية، فواجبها تجاه المقاومة دعمها بكافة الأشكال، لكن هذا الدعم لا يعني الاستسلام للإملاءات الإيرانية، ففي المواقف السياسية لم نشهد أن تسير وفق الرؤية الإيرانية في كل قضايا المنطقة، فنرى اختلاف حماس في الموقف السياسي مع إيران الداعمة لها في سوريا، والتحالف لم يفرض عليها التبعية.

يذكر المحمود مستغرباً كيف للمقاومة أن تظن أن الدول العربية ستقف معها وهي تعمل خارج نطاق القانون الدولي، وغير أن هذا الأمر تم الرد عليه في السطور السابقة، فإن المحمود يستغفل القارئ في طرحه هنا، ويمرر تقديساً غير مفهوم للمجتمع الدولي الذي لم يعرف عنه الحياد، فكأن هذا المجتمع الدولي الذي يحتج به لم يسلم فلسطين للكيان الصهيوني ويدعم بصمته المجازر الحاصلة فيها، وهذا المجتمع الدولي نفسه وعلى رأسه أمريكا هي من يمول ويدعم العدو ويبرر الإرهاب الذي يرتكبه بحق فلسطين وشعبها، فيكيل بمكيالين ليتغاضى عن ذلك ويدين المقاومة بقوانين لم تطبق إلا لمصلحة الدول التي تمتلك القوة، وشرائعه المكتوبة لا تتطابق مع قراراته الصادرة عن مجلس الأمن، حيث تتحكم مصالح الدول الكبرى، فأي قوانين يتحدث عنها الكاتب ويجعلها مبرراً لصمت وخذلان الدول العربية عن واجبها تجاه فلسطين!.

دوران الكاتب في فلك الحديث عن الواقع والواقعية، وسرده للفوراق الكمية والنوعية بين الطرفين، يجعلني أنصحه بالعودة للتاريخ القريب وبواقع يحمل نفس التجربة وذات الخصوصية ونفس العدو، فتجربة أسطورة الجيش الذي لايقهر في جنوب لبنان وطرد المقاومة له وتحرير الأراضي اللبنانية هي خير برهان أن ما يقوله الكاتب من مبررات تجاه المقاومة والفوارق “الكمية” وإرادة المجتمع الدولي، كسرتها المقاومة في لبنان وأثبتت أن الحق لا يسترد إلا بالقوة وبعدم الرضوخ والاستسلام للواقع الذي يفرض الاحتلال ويشرعنه ويجرم الرد عليه ومقاومته، ويصفها بالإرهاب ويتهمها بالاشتراك بالجريمة مع هذا العدو المحتل ليزور الحقائق .

إن الكيان الصهيوني قام على حساب أرض وشعب فلسطين فهجر وقتل واعتقل وارتكب المجازر في الأطفال والشيوخ ولم يفرق بين مدني وعسكري فالقتل والتدمير هو غايته وهو الإرهاب المنظم بأوضح صورة، وخيار المقاومة لهذا الشعب هو ردة فعل لهذا الاحتلال فهو حق مشروع له ليقرر مصيره ويسترجع أرضه، وواجب كل نظام عربي هو الوقوف معه ودعمه بالمال والسلاح والتخلي عن هذا الواجب هو خيانة وخذلان له، ومن ينحاز للحق العربي ولفكرة العدالة، من الطبيعي أن يقف مع المقاومة، ويرفض الوقوف في صف العدو وتزوير التاريخ والمساواة بين المحتل والمقاوم.

                                                                                           خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق