تعليقاً على عبدالله المالكي ومُحاوريه: حديثٌ عن سيادة الأمة ومرجعية الشريعة

الكاتب:

15 نوفمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

صحيح أنني شعرتُ ببعض التردد في العودة مجدداً للحوار بشأن فكري نظري يدور في فضائنا المحلي، وسط عالمٍ عربي مشغولٍ بالفعل وتحقيق الحرية والكرامة.. إلا أن بشاعة بعض الردود على مقال الباحث الشرعي عبدالله المالكي (سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة).. حفزتني للمشاركة بشكل مُقتضب في هذا النقاش.. علماً أن هناك تعليقات اعترضت على مقال المالكي وكانت تحمل كثيراً من الأدب واللياقة، وهو أمرٌ يستحق الإشادة والشكر.

المشكلة أن هناك من لا يزال يظنّ أن التخويف عبر التشويه، والإساءة، والطعن في النوايا، والتلويح بالتكفير، والتضليل، والاتهام بالعلمانية، سيُجدي نفعاً في ردع الباحث الشرعي عن طرح أفكاره.. وهو أمرٌ كنا نظن أن الزمن قد تجاوزه.. وأن أصحاب هذا السلوك قد اكتشفوا أن ممارساتهم تلك لا تعود سوى عليهم بالتشويه والإساءة.

 *    *    *    *

ما مُلخص فكرة عبدالله المالكي في مقاله بإيجاز شديد؟.. وما هي مساحة الخلاف؟.. عبدالله المالكي ذكر التالي:

1. أن المُسلم غير مُخيّر في موضوع التزامه بالشريعة.. بل هو مأمورٌ بذلك قطعاً.. وأن نصوصاً قطعيةً كثيرة وردت في ذلك.

2. أن هناك فرقاً بين الالتزام الواجب للمسلم بالشريعة.. وبين فرض تطبيق الشريعة على (أمّة) رفضتها.. (لاحظ أن الحديث هنا عن “أمة”.. والمقصود بذلك هم “الغالبية الساحقة من الناس في وطن” وليس مجرد أشخاص أو أقليات فكرية في مجتمع مسلم ينصّ دستوره على الالتزام بالشريعة.. لأن هؤلاء لابد من التزامهم بأحكام الشريعة الظاهرة التي نص عليها الدستور).

ولتوضيح أكثر للمسألة.. أذكر المثال التالي.. وهو تحديدٌ لمناط الخِلاف والنقاش:

لنفترض أن هناك بلداً مُسلماً، قام 90% من الناس فيه باختيار دستور يتضمّن مُخالفاتٍ لقطعيات شرعية.. أو أنهم رفضوا الشريعة بالكلية.

السؤال هنا: ماذا يعتبر فعلهم هذا شرعاً؟

الجواب الذي يقوله عبدالله المالكي، وأقوله، ويقوله قبلنا من همّ أجلُّ قدراً وأعظم منزلة _ سأذكرهم لاحقاً _:

أن هذا الرفض لبعض الشريعة أو جميعها يُعتبر حِياداً عن الدين، وضلالاً عن سبيل الله.. وفي ذلك تفصيل شرعي في كتب العقائد يذكر فيه أهل العلم أن حال من يجحد ويُنكر الشريعة، وانطبقت عليه الشروط، انتفت فيه الموانع، قد يصل به الحال إلى الكفر.

السؤال الآن: هل المطلوب من الأقلية المُلتزمة بالشريعة التي تُشكل 10% من سكان هذا البلد أن (تُجبر بالقوة في حال الاستطاعة) تلك الأغلبية التي حادت عن الشريعة على التزامها؟

الجواب عن هذا السؤال هو موطن الخلاف.. وفيه رأيان:

الأول: يرى بوجوب أن تقوم (الـ 10% الملتزمة بالشريعة) على إجبار (الـ 90% غير الملتزمة بالشريعة) بالقوة والقسر على تطبيق الشريعة، في حال توافرت لديهم الاستطاعة بالطبع.

والثاني: يرى أنه يجب على (الـ 10% المُلتزمين بالشريعة) عدم إجبار وقسر الناس على تطبيق بالشريعة.. بل المطلوب منهم أن:

أ. تُعلن هذه الأقلية مُخالفتها لقرار الأغلبية، وتكون بذلك في صف (المُعارضة).

ب. أن تسعى هذه الأقلية لتغيير هذا القرار بـ (الدعوة) وبكل الوسائل السلمية –دون إجبارٍ بالقوة– حتى يعود المجتمع المسلم إلى الالتزام بالشريعة.

في رأيي المتواضع هذا المثال يُشخِّص موطن الخلاف الذي يدور على فكرة: وجوب إلزام (أمة رفضت الشريعة) على الالتزام بها قسراً، من عدم وجوب ذلك.

وهذا الموضوع هو من صميم الفكرة الديمقراطية التي يدور هذا النقاش حول أحد تفصيلاتها.

حسناً.. ماذا تضمّنت غالبية الردود التي نُشرت على مقال عبدالله المالكي؟

تضمّنت التأكيد على مسألة هي ليست (منطقة خِلاف)، بل (منطقة اتفاق).. ألا وهي مسألة: أن المُسلم بنفسه ليس مُخيراً في مسألة التزامه بالشريعة، بل هو مأمورٌ بالتزامها _وهو أمر كرره وأكده عبدالله المالكي مرات عديدة_ .. وعلى هذا وردت النصوص الشرعية التي أوردها المعترضون، من مثل قوله تعالي: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول).. وقوله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).. وقوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم).. وسوى ذلك من نصوصٍ شرعيّة تدلّ على وجوب التزام المسلم بالشريعة وبحكم الله عز وجل.

إذاً كانت هذه البرهنة على مسألة هي خارج منطقة الخلاف.

وتحدث بعضهم عن شرعيّة الإلزام استشهاداً بما فعله الخليفة أبو بكرٍ الصديق في قتاله للمرتدين.. وقد أُجيب عن ذلك بأن المُرتدين كانوا قد انفصلوا عن جسم الدولة المُسلمة، وظهر عند كثيرٍ من الأقوام مُدعي النبوة (كما عند أقوامِ مُسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح التميميّة، وطليحة الأسدي).. إضافة إلى أنه بإجماع المسلمين أن (من منع تقديم الزكاة إلى الحاكم وقرر صرفها بنفسه) أنه لا يكفر.. وبذلك فليس كلُ من قاتلهم أبو بكر كانوا كفاراً.. وهذا يُعطي اعتباراً إلى أن الانفصال السياسي عن جسم الدولة المُسلمة كان من ضمن مُبررات القتال.. إضافة إلى ما أشار إليه البعض من خصوصية الجزيرة العربية.

المُهم أن منطقة الخِلاف في الحوار القائم الآن تتركز في السؤال التالي: هل المُسلم مأمورٌ بفرض تطبيق الشريعة على أمةٍ رفضتها؟

ورغم أنني لستُ في وارد النقاش العلمي للمسألة.. ولكن أود فقط الإشارة إلى بعض النصوص التي يستشهد بها من (لا يرى) فرض تطبيق الشريعة على أمة رفضتها.. من مثل:

1. كل النصوص الشرعيّة التي وردت بأنه لا إجبار على الدين: كقوله تعالي (لا إكراه في الدين)، وقوله عز وجل: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقوله: (لست عليهم بمُصيطر)، إضافة للآيات العديدة التي تؤكد أن على الرسول البلاغ: (فإنما عليك البلاغ)، (فان توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين)، (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)، (وما على الرسول إلا البلاغ المبين).. وسوى ذلك من آيات.

2. أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام.. حيث أقام دولة المدينة ببيعة تراضٍ (عقد اجتماعي) مع أهلها، مُسلمهم وكافرهم، كما ورد في صحيفة المدينة، ودون إجبار وقسر.. وكما عقد الرسول عليه الصلاة والسلام بيعة الرضوان بالتراضي والقبول.. إضافة إلى شواهد عديدة من تعامله عليه الصلاة والسلام مع غير المسلمين، كما في قصة إرساله للصحابي الجليل مُعاذ بن جبل إلى اليمن، عندما أمره كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك …الخ).. فمدار قيام الدين على الطاعة بالرضا لا الإجبار.

3. موقف الشريعة من الدول الكافرة في مرحلة الفتوح الإسلامية.. حيث نص الرسول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (فسلهم الجزية.. فإن هم أجابوك، فاقبل منهم وكف عنهم).. إذاً فالإسلام سمح بأن تبقى هذه الدول على شريعتها ودينها رغم توفر (الاستطاعة) للسيطرة بالقوة وحُكم البلاد بالإسلام.. وقد قال الشيخ محمد الحسن الددو _في برنامج مفاهيم_ عن دور الجهاد: (الإسلام ما جاء بالإكراه، ولا انتشر بالسيف، وإنما أصلُ مشروعية الجهاد إنما هي لأن يُحرَرَ الناس ليختاروا الدين الذي رضوا به، ومن أراد الحيلولة بينهم وبين ذلك لا بد أن يُقاتل).

4. أن النجاشي كان مسلماً، وكان ملكاً على الحبشة، وبيده السلطة والقوة، ومع ذلك لم يُحاول أن يفرض تطبيق الشريعة بالإجبار على قومٍ لا يؤمنون بها، وقد أقرّه الرسول عليه الصلاة والسلام على ذلك.. وقد قال في ذلك الشيخ الأصولي د.أحمد الريسوني في كتابه “الأمة هي الأصل”: (لقد عاش المسلمون في الحبشة ولم يطالبوا النجاشي بأن يطبق الإسلام ويحكم بالإسلام بالرغم من أنه أسلم وكان في إسلامه نوع من الخفاء ولم يعلنه صراحة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن مات النجاشي، فيمكن أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطبق الإسلام في مكة، لأنه لم تكن لديه القدرة المادية.. لكن النجاشي كان صاحب سلطة، ولكن أغلبية الناس ليسوا على الإسلام، فكيف يطبقه عليهم وهم لا يؤمنون به؟.. وأي شيء أفسد للإسلام وأكثر تشويهاً له من أن يُلزم أناسٌ بتطبيقه وهم لا يؤمنون به؟).

وكما ذكرت سابقاً.. لستُ هنا في وارد ذكر كل الأدلة والشواهد في هذا الموضوع، بقدر ما أن القصد هو الإشارة إلى بعض الشواهد والأدلة في الموضوع.

والآن لننتقل إلى جزئية أخرى.. ولنستحضر أولاً شيئاً من الأوصاف التي أطلقها بعض الشيوخ _ في ردهم على مقال عبدالله المالكي _ على الأشخاص المؤمنين بشرعية عدم الإجبار بالقوة لتطبيق الشريعة على أمةٍ ترفضها:

_ حيث أشار أحدهم إلى أن عبدالله المالكي يرى جواز التحاكم إلى غير ما أنزل الله!!.. وأن هذا القول كفرٌ أكبر.

_ وأيضاً تم وصف هذا الرأي بأنه (علمانية صريحة).. وأنه (روغانٌ عن شريعة الإسلام).. وأنه (وثنيّة).. وأنه (نفاقٌ قديم وتلفيق مكشوف بين حكم الشرع والطاغوت).. وأنه (تأليه للإرادة الشعبيّة) …الخ

وبعد كل هذه الأوصاف التي لم تُبقِ شيئاً في دين المُسلمِ.. دعونا نستعرض الآن بعضاً ممن يؤمنون بفكرة (أننا غير مأمورين بفرض تطبيق الشريعة بالقوة عند أمة رفضتها).. وسأستعرض بعض فئاتهم بشكلٍ مُختصر:

1. تؤمن بهذه الفكرة الغالبية الساحقة من الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي (كجماعات الإخوان المسلمين، التي حسمت هذه القضية بوضوح في الوثيقة التي أصدرتها عام 1994م.. وكحزب العدالة والتنمية المغربي.. وحزب النهضة التونسي.. وحزب الإصلاح الإسلامي في الجزائر…الخ).. وقد وصلت تلك الجماعات الإسلامية إلى هذه القناعة الشرعية بناءً على تأصيلٍ شرعيٍ لعُلماءٍ مُعتبرين عند هذه الجماعات والأحزاب.. وقد أكدت هذه الجماعات مراراً على إيمانها الكامل بشرعيّة النظام الديمقراطي، وتداول السلطة، واحترام نتائج صناديق الاقتراع أياً كانت.

2. إنه رأيٌ لعددٍ من كبار العلماء المُتفق على رسوخهم الشرعي واستقلالهم السياسي.. من أمثال:

أ. الشيخ د.يوسف القرضاوي.. الذي أكد في عدة مواضع أن الحُرية قبل تطبيق الشريعة، وأنه لا إجبار بالقوة على تطبيق الشريعة.

ب. الشيخ الأصولي د.أحمد الريسوني.. الذي أكد ذلك في عدة مواضع، كما في كتبه (الأمة هي الأصل)، و(حكم الأغلبية في الإسلام)، و(الشورى في معركة البناء).. وأنقل هنا أحد هذه المواضع.. حيث قال د.الريسوني في كتابه “الشورى في معركة البناء” في سياق حديثه عن احتماليّة اختيار الشعب في بلدٍ مُسلم لغير الشريعة عبر النظام الديمقراطي: (لنفترض فرضاً أن شيئاً من هذه المخاوف قد وقع، وظهر _ بديمقراطية حقيقيّة _ أن غالبية المسلمين في قُطر من الأقطار، قد اختاروا ما يتنافى مع الإسلام، وما يُعدُّ خروجاً عن الإسلام، فهل العيب في الديمقراطية أم العيب في الواقع القائم؟!.. فليست الديمقراطية هي من أتتنا بهذا العيب، وإنما الديمقراطية كشفت لنا هذا العيب.. فهذا سببٌ لشكر الديمقراطية والتمسك بها، وليس سبباً لرفضها والقدح فيها واتهامها.

فإتاحة الفرصة للناس، ليعبروا تعبيراً حُراً عمّا في نفوسهم وعمّا في عقولهم، سواءٌ سُمي ديمقراطية أو سمي بأي اسم آخر، إنما يكشف لنا الحقيقة، ويُتيح لنا معرفة الحقيقة.. فهل هناك أحدٌ ضد كشف الحقيقة وضد معرفة الحقيقة؟

أما مُعالجة هذا الواقع المؤسف _ إن وقع _ فلا تكون بتجاهل الحقيقة ولا بالهروب منها، كما لا يكون بإصدار قوانين أو إلغاء قوانين، بل تكون بالدعوة والبيان، وتكون بالتوعية والتربية، وتكون بالتعليم والتثقيف، وتكون بالحوار والإقناع.. فالعلاج في الدعوة والإقناع لا في المنع والإكراه.. أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟!.. أم أنت تُقنع الناس حتى يكونوا مؤمنين؟

ليس من الإسلام، ولا في مصلحة الإسلام، ولا في مصلحة المسلمين، أن تُقيم على الناس دولة إسلامية ليست نابعة من قلوبهم، وأن تُنفذ عليهم قوانين هم لها كارهون.

وأنا هنا لا أتحدث عن قلة من الناس، أو الشواذ من الناس، وإنما أتحدث عن عمومهم وعن جمهورهم).

ج. الشيخ محمد الحسن الددو.. الذي أكد ذلك في عدة مواضع، كما في حلقاته الأربع عن الديمقراطية في برنامج (مفاهيم)، وخصوصاً في الحلقتين الثانية والثالثة.

د. الشيخ السلفي عبدالرحمن عبدالخالق.. الذي أكد في حوارٍ له نُشر على حلقتين في جريدة الوطن الكويتية، احترامه لنتائج صناديق الاقتراع.. حيث قال في سياق حديثه عن الثورة المصرية: (إن الذين سيتولون مهمة التشريع للأمة في البرلمان سيحددهم صندوق الانتخابات الذي سيُعبّر جموع الشعب المصري عن أنفسهم من خلاله).. وحين سُئل فيما لو أتت الانتخابات برئيسٍ علماني أو ليبرالي، قال: (لابد أن نقبل به، فنحن قبلنا بالنظام ولابد أن نرضى بنتائجه، ولتعزز صناديق الانتخابات من تفرزه، فالانتخابات عقدٌ وعهدٌ وينبغي أن نفي بهذه العهود والعقود، لكن على الأغلبية ألا تلغي الأقلية).. وحين سُئل عن فهمه للمواطنة، قال: (المواطنة هي الاحتكام لرأي الشعب بكل عناصره عبر صناديق الانتخابات، ويقوم المجلس التشريعي المنتخب بالنظر في القوانين والتشريعات، وإذا انتخب الشعب قبطياً أو علمانياً أو ليبرالياً بالأغلبية لمنصب ما، فعلينا أن نحترم اختيار الشعب).

هـ. وحتى داخل السعودية.. أكد ذلك بوضوح الشيخ د.عوض القرني في برنامج له بقناة الرسالة (وحديثه عن هذه الجزئية في البرنامج موجودٌ في اليوتيوب بعنوان “الشيخ الدكتور عوض القرني يتحدث عن الديمقراطية”)، حيثُ قال: (أنا أقول وإن خالفني العديد من الإسلاميين، وقد يثيرهم هذا، أقول إذا لم يكن خيار الشعب هو الإسلام، لا يُفرض عليهم الإسلام، بل يجب أن يكون دور الإسلاميين حينئذٍ هو دعوة الناس للإسلام، وتربيتهم على الإسلام، وإقناعهم بالإسلام).. وكذلك أستاذ أصول الفقه الشيخ د.مسفر القحطاني أكد على موافقته على هذه الفكرة في تعليقه على مقال الأستاذ عبدالله المالكي بموقع (المقال).. إضافة إلى موافقة بعضٍ من كبار العلماء والدعاة داخل السعودية على هذه الفكرة.. ولولا أنهم نقلوا تأييدهم لها عن طريق التواصل المباشر، لذكرتُ أسماءهم.

3. قرر هذا المبدأ واحدٌ من أكبر وأهم المجامع الشرعيّة في العالم الإسلامي.. وهو الأزهر الشريف، الذي يضمّ عشرات الفقهاء والأصوليين.. حيث أصدر قبل أسابيع وثيقة شهيرة أُطلق عليها اسم (وثيقة الأزهر)، وقد نصّت على: (تعتمدُ شرعية السُّلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِيٍّ يَتمُّ في نزاهة وشفافية ديمقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة، وطبقًا لتطوُّر نُظُم الحكْم وإجراءاته في الدّولة الحديثة والمعاصرة).

4. حاول أحد المُعلقين المُعترضين ربط فكرة (سيادة الأمة وعدم إجبارها على تطبيق الشريعة بالقوة) بالمفكر العربي رضوان السيد.. وكأنما كل الجماعات الإسلامية وهؤلاء العلماء قد التقطوا هذه الفكرة من رضوان السيد!!.. وحتى لا أسهب في نقاش ضعف هذا الاستدلال.. أذكر هنا نصاً لواحدٍ من أكبر العلماء السلفيين في زمانه، ومُحقق مُسند الإمام أحمد، ألا وهو الشيخ أحمد شاكر، الذي توفي في عام 1958م (أي قبل قرابة الثلاثين عاماً من صدور كتاب رضوان السيد “الأمة والجماعة والسلطة”).. حيث ذكر الشيخ أحمد شاكر في كتابٍ له بعنوان: (الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين) الذي صدر عن مكتبة السنة في القاهرة، قوله التالي: (وإذ ذاك سيكون السبيل إلى ما ينبغي من نصر الشريعة السبيل الدستوري السليم: أن نبث في الأمة دعوتنا، ونجاهد فيها، ونجاهد بها، ثم نصاولكم عليها في الانتخابات، ونحتكم فيها إلى الأمة، ولئن فشلنا مرة فسنفوز مراراً، بل سنجعل من إخفاقنا _ إن أخفقنا في أول أمرنا _ مقدمة لنجاحنا بما سيحفز من الهمم، ويوقظ من العزم، وبأنه سيكون مبصر لنا مواقع خطونا، ومواضع خطئنا، وبأن عملنا سيكون خالصا لله، وفي سبيل الله

فإذا وثقت الأمة بنا، ورضيت عن دعوتنا، واختارت أن تحكم بشريعتها طاعة لربها، وأرسلت منا نوابها إلى البرلمان فسيكون سبيلنا وإياكم أن نرضى بما يقضي به الدستور، فتلقوا إلينا مقاليد الحكم كما تفعل كل الأحزاب إذا فاز أحدها في الانتخاب، ثم نفي لقومنا إن شاء الله بما وعدنا من جعل القوانين كلها مستمدة من الكتاب والسنة).

 *    *    *    *

وبعد هذا الاستعراض السريع لبعضٍ ممن يؤمنون بعدم إجبار أمةٍ رفضت الشريعة على تطبيقها.. أرجوا أن يُدرك الإخوة الذين وصفوا هذا القول بالعلمانية، والكفر، والوثنية، والنفاق، أنهم بذلك يتهمون غالبية الحركات الإسلامية المعاصرة، وكثيرٍ من العلماء المعاصرين _ وربما غالبهم _ بهذه الأوصاف البشعة.. وهو أمرٌ أقل ما يوصف به أنه غلوٌ في الدين، وقلةٌ في الفقه والورع، لا يليق بصغارِ طلبة العلم، فضلاً عن العلماء.

أتمنى بحق أن تفتح هذه الأفعال المشينة في الخلاف الفكري بمجتمعنا باب التأكيد على أهمية ضخ القيم والأخلاق والتورّع عن استخدام الأوصاف الشرعية (كالتكفير، والتضليل، والتبديع، والاتهام بالنفاق) كممارسة سجاليّة _ غير علمية _ تهدفُ إلى التشنيع والتخويف والتخطير على المُخالف.. ففي ذلك انتقاصٌ من قيمة العلم، وابتذالٌ لهذه المفاهيم الشرعية حينما تكون بين يدي البعض مجرد ورقةٍ يستخدمها لإدانة المُخالفين.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق