على هامش “الشغب” الأثيوبي

الكاتب:

8 ديسمبر, 2013 لاتوجد تعليقات

أثناء متابعتي للجدل الذي دار حول ما حصل في منفوحة من “شغب” بعض العمّال الأثيوبيين، لاحظت ردود فعل عجيبة من بعض السعوديين على تويتر. فكما أن بعض المناسبات تتيح المجال للبعض للتعبير عمّا بنفوسهم من استحقار للسعوديين و تقديس للرجل الأبيض، فيبدو أن هذه كانت مناسبة لتضخيم الذات على حساب هذا “الآخر” الوضيع. و أقصد بلفظ “الآخر” هنا “othering” و هو المفهوم الفلسفي الذي استخدمه ادوارد سعيد في كتاب “الاستشراق”، و المقصود به: التركيز على عيوب مزعومة في فئة مهمشة أو أقلية من أجل التأكيد على السمو المزعوم للفئة القوية.  فأي هوية، سواء كانت هوية فردية أو جماعية، تحتاج إلى “آخر” من أجل تعريف نفسها. و لعل حادثة “الأثيوبيين” توضح أن حمّى الهوية الوطنية السعودية تكون في أوج تأججها حين يتم خلق “آخر” من أي فئات العمّال الأجنبية (نرى نفس الحمّى الوطنية حين نناقش “البنغالي” بدل “الأثيوبي” على سبيل المثال).

المشكلة التي نواجهها حين نخلق “نحن” فكرة “الآخر” بهذا المعنى أننا حتماً سوف نلغي إنسانية هذا الآخر و نتعامل معه على أنه “غريب” و “خطر” و أن دوافعه غامضة لا يمكن فهمها. هذا المنظور سوف يعطّل أي تحليل موضوعي لحدث ما. فعلى سبيل المثال، خلق الكثيرون من الذين حاولوا تحليل أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ في الإعلام الأمريكي “آخر” هو “المسلم”، و قاموا بتفسير أحداث تفجير أبراج مبنى التجارة على أنها تجليات لسلوك هذا “الآخر” الغريب الذي يصعب فهم دوافعه الغامضة. النظر لأحداث ١١ سبتمبر، و للإرهاب عموما، على أنه مجرد “سلوك إسلامي”–أي أنه سلوك يمكن تفسيره باللجوء للثقافة فحسب– يلغي السياقات التاريخية و السياسية التي أنتجت هذا الحدث، و حينها لا يلجأ المحلل إلى تحليل الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط و علاقة الحكومة الأمريكية بهذه الأوضاع و سياساتها الخارجية، بل يكتفي المحلل بالبحث في القرآن أو الأحاديث أو بعض الفتاوي ما يُمَكّن المحلل من تفسير الإرهاب على أنه مجرد منتج ثقافي يبعث على العنف العشوائي.

الكثير من ردود الفعل التي قرأتها تتبع نفس المنطق، فتنظر إلى “الأثيوبيين” على أنهم كتلة من “الآخرين” الذين يمارسون الشغب لأنهم مختلفين عنّا فحسب. حتى اللغة المستخدمة لا تصف هؤلاء على أنهم “عُمّال” أو ما إلى ذلك، بل يتم توظيف التوصيف العرقي الذي يسهّل عملية خلق “الآخر”. و حتى حين يتجاوز البعض التوصيف العرقي فالألفاظ المستخدمة معبّرة. الأثيوبون “متخلفون”… و صحيح أن المراد أنهم تخلفوا في البلاد بعد انتهاء الفترة المحددة لإقامتهم، إلا أن لفظ “متخلفين” يحمل في طياته من المعاني ما يساهم في خلق “الآخر”، فيصبح هذا الأثيوبي “متخلف” من جميع النواحي: نظامياً و ثقافياً بل و عقلياً، كل هذا يجعله مختلفاً عنا “نحن”.

تابعت ردود الفعل، فكان من الصعب عليّ أن أجد من يتجاوز سردية “الأخر” الأثيوبي الذي يجب علينا “نحن” أبناء الوطن أن نوقفه عند حده ليسود الأمن و الأمان هذا البلد المعطاء. حتى وقعت على مقابلة في صحيفة سبق مع فهد السبيعي، و هو عضو المجلس البلدي في الرياض. فرغم عدم اتفاقي مع كل آراء و تحليلات السبيعي، فالرجل –على أقل تقدير– يحاول تجاوز السردية البسيطة الساذجة التي وصفتها من قبل. فحين سئل عن أسباب الشغب، أشار السبيعي لشركات كبيرة تستفيد من هذه العمالة رخيصة التكلفة، و أن الكثير من هؤلاء العمال تم أكل حقوقهم من قِبل الشركات و الأفراد دون أن يكون لديهم آلية لاسترداد حقوقهم المسلوبة، و أن قوانين وزارة العمل مستفزة للعمالة عموماً. بل و أن المواطنين السعوديين هم الذين اعتدوا على الأثيوبيين، و ليس العكس.

أي حدث مثير للجدل سينتج محاولات لتفسير الحدث و البحث عن مسبباته و دوافع المشاركين فيه. سيكون هناك دوماً من يتجه سريعاً إلى تفسيرات “ثقافية” ساذجة لتفسير تلك الأحداث. إلا أن مجرد محاولة وضع الحدث في سياقه يعد الخطوة الأولى لفهم الحدث بشكل صحيح. و حتى لو لم نصل للموضوعية الكاملة، فمحاولة وضع أي حدث في سياقه السياسي أو التاريخي أو الاجتماعي خير من اللجوء إلى عنصرية رعناء مغلفة بطبقة من الوطنية الهشة.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق