مُوجز ضجَر وطنيّ

الكاتب:

20 يناير, 2013 لاتوجد تعليقات

أمَّ سالم، هاجر ذو الرمّة بعيدًا، فمن لعينيك الساحرتَين الآن. لمْ يجد غيلان آثارك، لقد وجد “الحاير” متسلطًا بدياره، وما بقي من الصحراء؛ شبّكها مِشعل. أمّ سالم، ادخلي بيتك، مسعورو الكبت يتربّصونكِ عند الزاوية. البسي عباءة كالحزن، للرجال الثياب البيضاء، كقلبكِ آن التأثّر. أمّ سالم، لا تتكحّلي أبدا، غيلان راح، غيلان المنذور للشجى والنسيب والرحيل راح، وجد البلاد أقفر مما يستطيع أن يَجهشهُ شاعر، بقايا أطلالكِ التي اعتاد؛ هشّه من عندها “جمس” الهيئة.

– ليس ثمّة وطن، ثمة سيول من الهراء. مللتُ من التجديف، أود الجلوس على الصخرة، للإفساد، لا الفساد. خربَت كلمة الفساد، بعد أن جعلوا لها هيئة، تزور مشعل، وتضع رقما للتبليغ عن الفساد، مَن يبلغ عمَّن، نحتاج إلى الاتصال بالله ليرسل صاعقة عاجلة لهذا الزيف. “هيئة مكافحة الفساد”، هه، لقد عشنا حتى الزمن الذي توزع به العاهرة منشورات: “حجابك دليل عفافك”. يستيقظ الشيخ ويكتب: “صباحكم ابتسامة”، كنتُ أنتظر صورة لطفل مثلا، لقد وضع الشيخ نفسه مبتسما، لقد اكتأبت، فهمتُ لماذا يُلحد الآخرون. الصحيفة التي يكتب بها أناس، الله حسيبهم أنهم جيدون، رئيس تحريرهم شبيح، شبيح حقيقي، يهدد بالدم وحده بالوادي. لا تذكّرني الآن بلماذا ولماذا ولماذا كان العنوان طويلا، غير مهني، غير جميل، يجرح المسمى المعروف لمفردة: “عنوان”. لماذا كان يكتب ويدور بذهنه أن صحيفته منشأة “CIA”. عامل النظافة “بالغارديان” يعرف الآن أنه وضع عنوانا سطحيا من 17 كلمة، عيب والله.

– الوطنية الآن أن تحرس مستنقعك، أن تزايد على بهاء البعوض، وأن تمجّد التماسيح الدائخة داخله. الوطنية أن تتكلس، أن تتجنّد، أن تحفظ قاموسا من الدم والتهديد وتهاجم. الوطنية أن تقول: مكتسبات التنمية. الوطنية السعودية عارضتُها سلطان الجوفي، يعجبك تلبس مثله؟ الأمر يفدح حين يختلط هذا الهراء الوطني، بعبادة ولي الأمر، وطائفية حالمة بالسفك. أعطني تأمينا غاليا لأرضنا، أن العشرات الذين يعلقون “حنّا لولاة الأمر ودونهم دمنا”، والداعية الذي تمنى تعليق لسان تركي الحمد بأشهر شوارع الرياض، والذين يتنهدون لرغبة تسوية بلدان الشيعة عاليها بسافلها، أنهم لن يكونوا سفاكين بالأفعال، حالهم بالأماني. بسوريا المرحومة، من كان يتنبأ بالإجرام هذا، الحلبي الذي يطلق النكات على الحمصي، أصبح يصوب المدافع ويقذف القنابل عليه. كان هناك جارٌّ يثرثر عادة مع جاره حول الطقس وسعر البطاطا، الآن يسحق رأسه بكتلة إسمنتية، يلقيها ضاحكا، ويذهب بعدها لفرك الملح في ظهر نازف بالسياط، كانا الاثنين من قبل يتعصبان لفريق واحد، ولا يعبآن بأي نقاش جديّ محيط. فوران العقائد، انمحاء الإنسان الكامن في كل منّا.

– لقد وقع في الفخ أهالي المعتقلين، لقد أثموا بالانتشاء للاعتقال في مضارب الآخرين، الضابط الذي وطأ أعناق زوجاتهم أثناء مسيرة سلمية، نفسه الذي سحب تركي الحمد للزنزانة، هو نفسه الذي اقتاد يوسف الأحمد لها بلا مبرر. لا يجب أن يكون المعتقل ضمن عقائدك ومزاجك حتى ترتجّ له. لم يجئ مُحمّد بالحبس أيها المطوع، يا سمو الشوكاني. ولا مبرر للتوقيف بالسنين أيها الليبرالي، وإن كان في عقل المعتقل قنبلة ومجلد فتوى لتكفيرك، يا جُون أنت. لا رموز ولا ترميز، الزنزانة خطر الجميع، ها البيض ينعتنا بالدجاج ويكركر، سقف الحرية منخفس بنا جميعا. البلد الذي لا يتكأ على الروايات الأدبية طويلا، لا يفهم أنك إذا جعلت شخصية تنطق بألفاظ غير مهذبة، فكان هناك سياق معين للشخصية لتنطق بقلة الأدب هذه. يحدث في مزاج الكاتب أن هناك شخصًا ملحدًا، يتفوه بكلام ساقط عن الله، لأنه في الحياة الواقعية هناك أشخاص يشبهونه، ولا يتبناه المؤلف إطلاقا. أشاوسة المطاوعة بحاجة لتزجية أوقاتهم بالحلال، بديستوفسكي مثلا. صديقي اسكت، لا وقت لذكر طبقات الروائيين الآن. غير مجدية حروب التيارات، بين أن أجلس في المدرج، أو أصير حكَما، أختار التجشّأ في دورة المياه.

– اسألني: عرفي دولتك، وسأقول لك إنها حقبة نفطية، حالفتها صدفة الطبيعة لتكبر وتستكبر، وستنتهي ككارثة.  ليس المدى غربة ومطر، يا أيها “الثبيتي”، المدى زيت وأرامكو. المنحة الكثيفة هذه، من ستة عقود وهي تعامل بطريقة فلاحية رعوية يومية، الأمر لا يدور بطريقة تشبه أن هناك  شعبًا واحتياجًا وأمانًا وأجيالًا ومستقبلا. هناك ثريّ يسكب النقود على ابنه بلا حساب، في كلنا مقدار من ذلك الصبي الطائش، إنما الاسترذال احتواء دبَقه بالجملة، والفخر به وتقديسه. اقتصادك وقتيّ، وتنميتك ليست منّة، ما حدث أقل مما يجب بمآسي. لا مجد لأحد، المجد لله أن أعطانا هذا، ويمهل للعب به، والله لا يحب المسرفين. سينضب الذي لم يُؤخذ حتى كأمنية دنيوية، وعدا عليه أن ينضب، لنا فحسب التتبع، بإشخاصة المتخوّف، ماذا تتوقع مراكز الأبحاث البعيدة لنا، متى سنصبح لنكتشف أننا لم نكن أبدًا سوى القاع. من يقنع وقتها “خريبط” أن نفاده يعني نفاده، أن الأمر ليس وفدا نحو المصفاة ليبحث عن الفجوة الأرضية التي تطل على البحر الذهبي، ليتأكد أنه خلص. من يقول وقتها ل”خزعل” أن الذهب الأسود كان أكثر من سالفة تجميع “قراج” سيارات فارهة. أخلاق النفط – الكتاب لم يُكتب بعد -، انجُ منها، والزيف الذي نشره النفط، وكل ما يدور وينتفخ ويتبجّح لأن براميل النفط تدير الدماء في بدنه جيدا. هناك أفكار سيئة لأنها سيئة، وهناك أفكار سيئة لأنها تدور بعقل منشأة تكرير نفطية. النفط في التدين، النفط في السياسة، النفط في الثقافة. النفط في كل شيء، انجُ من أخلاقه. عاهد الله أن لا تقبل عليه وفيك من أخلاق قينان وعضوان وطراد – أنواع غاز طبيعي.

– نحن عشرون مليونا لا نشكل تهديدا لإسرائيل، لهذا؛ كل صباح هناك مستوطِنة لعينة تشرب القهوة بأمان، أمام أصيص الورد. نحن الذين توحدنا صفا واحدا قويا، لأجل اللبن، وتفرقنا شذر مذر بعد أن كسرنا أنف الريالين. خاننا كل شيء، من الشجر الذي ينبت فارعا في تل أبيب، حتى الشمس التي تصهر مسنا تحت منزل صفيح بأقصى الشمال، ولا تفعل بمساواة مع قصر أمير لا يعرف بمقدار ماذا تتعذب البلاد بالشمس، وبه. نحن ملايين تضحك لأموالنا المتدفقة بالخارج، وقبل أن تنام تتعذب بحسابات القروض التي تقرضها. خاننا الشيخ، لإيماننا جمَعنا بالملايين نحو لحيته، تركنا الآن، في مقصورة بقصره ينتقي ما يزيده نجومية فحسب ليتحدث عنه، صبيانيًّا عاد، له مشاجراته الخاصة، ويحترف تجييش الصبيان الآخرين نحوها، كقضايا آخرويّة. خاننا الكاتب، منذ عقدين وهو مُصرّ أن الحفرية التي يتعثر بها، وهو عائدا من عمله، الموضوع الأكثر ثورية لحياتنا البائسة الخاملة. خاننا المطربون، لم يعودوا يعرفوننا، حيث الفن صفقة بينهم وبين أشواق طويل العمر المنتحَلة. صدى الخيانة يفوح من كل شيء، العاشقة بلا كرامة، كريهة فعلا، لحبيبها خيانتها مع عشر أخريات.

– خربانة يابوي، تعال نعدمها، تعال نشرب الكولا كل يوم، ونتوقف عن قراءة مجلة الغذاء، لأن خطفهم الوحشي نحو الزنزانة، سيدمر كل آمال بشرتك بصناديق التفاح التي أكلتها، ويوم يركلك الجندي بقسوة، لتعترف بما لا تعرف، سيكسّر كل صباحات الحليب الدافئ. حتى إذا فعلوها، واكتشف الجندي طراوتك من الركلة الأولى، تهتف أنت: “مكسور يابويا أنا من زمان”. ولن تتألم، لأن ليس هناك ما يؤلم، “والهاشتاق” الذي يصطخب عنك، لن تشعر به كثيرا في العتمة. لا تصلح، لا تسمع كلام الشيخ، الأمير الصغير يصوّر مسكراته بمنزله بكاليفورنيا، ويجيؤن لبراءتك أنت بالخبر، ولفّاتك يائسا للبحث عن “مول” يدخلك. لا تصلح ولا تصالح. ليصلحوا هم أولا، ليكفّوا عن هذا الفجور، ثم سنتلو سورة التوبة. خرابنا لم يؤذِ نملة، وخرابهم يغتصب البلاد ليل نهار. الذي يقولون لك عن المواطنة الجيدة والفاعلة والمأجورة والمقبولة عند الله، ألقه بسلة نفايات غير قابلة للتدوير. لا تصلح أبدا، اِخربْ، وكلّ خرابك علقه على الحكومة، كيف تكون صالحا، ناجحا وأنت محاطا بالخراب اليومي هذا، بالمهزلة والقهر في آن، حيث ضحكك ونكاتك، تعرف أنت، خيط حارق، يتدلى بين الفينة وزفرتها. جهّزْ مرافعة خرابك لربّك، هو وحده يعرف لماذا تخرّبت أجوافك، عفّرْ أنف من يطلب صكّ صلاحك. اخربْ، الزنزانة تلوح، وتعرف من يذهب إليها، سعود الهاشمي لسنة سادسة فيها، يقول إنه فخورٌ ولن يتراجع، هل تعرف صلاحا مرهقا كهذا؟، والبجادي استحال شبحا حرًّا من الجوع، والجنود الغلاظ يجبرونه لشبك المغذي، هل رأيت فسادا أقسى من هذا؟، هل تعرف خمّارة أكثر انحطاطا من جدار زنزانة ملطوخة بدماء مُعذّب قديم؟، اخربْ، في الحفلة الجماعية الماجنة، المنزوون أولئك بأوّل الردهة، هم الصالحون وحدهم بخرابهم وإفسادهم ذاك – الذي تعرفه.

أم سالم، وربكِ وأنت في فستانكِ الوردي، والجنّة تتعرّش في ابتسامة سالم جواركِ، أن ذا الرمة سيعود، عزيزًا له الآماد والقوافي، أنهم سيذهبون كلهم، سيذهب النفط وأخلاقه، وكل المشالح المذهبة، سيذهب كتاب الحكومة، ستذهب سذاجاتهم، سيذهب أدعياء التدين، ستقشعهم الريح والحقيقة، سنبقى نحن، وطحين أجدادنا المطمور، ستبقى كل أهازيجنا وآثارنا، لن تكون الدرعية أهم من آثار شريفة يفتتها “دركتر” الحكومة بالمدينة النبوية. سيبقى عبدالرحمن منيف، ستبقى حسم، سيبقى الربيع، ستبقى المكتبة، سيبقى “سلومي” آمنا، أقصد سالما. سيبقى المجد، لكلّ الذين لا يسلمون الأرض مبكرًا. و.. ألا أيُّهذَا الوطن الدّارسِ اسلَمِ.

خاص بموقع المقال

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق