مبررات الخطاب القومي والإسلامي في القضية الفلسطينية

الكاتب:

22 يناير, 2013 لاتوجد تعليقات

إن الصراعات في العالم اليوم دائمًا ما تقوم من أجل استغلال ثروات أو توسيع سلطات. والعامل المشترك في كل هذه الصراعات والحروب حول العالم أن الضحايا كلهم يشتركون في الحقيقة الوحيدة بأنهم بشر, ولأن الصراعات بالأساس تحمل أشكال مختلفة من الهويات لتبرير مفهوم الجريمة بحق الإنسان فإن ردة الفعل غالبًا ما تتلبس ذات التبريرات لتقاوم ذات الفعل. فمن كان يعتدي على الآخر وفقًا لمبررات الهوية أو العرقية فإن الضحية دائما ما ينسى أنه بالأصل إنسان فإنه يأخذ مبررات مشابهة عرقية أو ثقافية أو دينية لمقاومة الفعل.

لنفترض مثال : لو أن هناك قبيلة سين وتسكن في وادي معين يسمى باسمها كون أغلب من يعيش في هذا الوادي ينتمي للقبيلة سين, وفي إحدى المرات غارت عليها قبيلة أخرى تزعم بأن لها حقًّا تاريخيًّا في تلك المنطقة, وأثناء عملية الإغارة والاستحواذ ارتكبت جرائم فظيعة من قتل وتدمير وتشتيت وإحلال سكان جدد في أملاك السكان الأصليين بالقوة.

فهل إذا أردنا نحن بصفتنا طرفًا ثالثًا أن ندعم حق المقاومة وأن نحل قضية الاعتداء على أنه اعتداء على التراث القبلي لسين؟ أم لأنه اعتداء على أبرياء ومسالمين وبشر يعيشون في تلك المنطقة؟

هذا بالضبط ما يحاول فعله القوميون. هم يريدون أن يصوروا بأن الصراع الفلسطيني أو العربي الإسرائيلي هو صراع من أجل الهوية بالأساس وليس من أجل الإنسان.

هذي الرؤية تحول القضية الإنسانية من اعتداء إنساني على حقوق ناس أبرياء إلى صراع هويات وقوميات. إن كل خطاب قومي موجه لحل القضية العربية الإسرائيلية يتجاهل الأساس الإنساني الذي يشترك فيه كل البشر ويحاولون تحويله لقضية قومية وصراعات ثقافية.

الهويات القومية والدينية على سبيل المثال لا يُمكن أن ترتقي لأن تكون حقوق إنسانية بذاتها, هي تكتسب شرعيتها كونها أحد تطبيقات حقوق الإنسان في التعبير والعيش. بمعنى أن حقوق الإنسان لا تشمل الهوية الفردية أو الهويات الجمعية في ذاتها ولكنها تندرج تحت تطبيقات حرية التعبير والعيش والممارسة. وبناء عليه فإن تحويل أي قضية فيها اعتداء على حق الإنسان في العيش والحياة وتحديد المصير وحرية التعبير إلى اعتداء على قومية أو عرقية أو دينية هو تقليل من الجرم نفسه .

حينما يعتدي مجرم على شخص آخر بقتله أو بتعذيبه أو سرقته لا يحاسب القاضي المجرم بناء على هوية الضحية أو قوميته أو دينه, إنما يكون حسابه بناء على أن جريمته وقعت على إنسان آخر بغض النظر عن اعتباراته الشخصية. وبناء عليه فإنه من الرجعية الثقافية أن تُصوَّر المقاومة ضد الاحتلال على أنه مشروع قومي أو ديني لأن القيمة المعنوية للهوية لا تزيد قيمة إضافية للإنسان في نظر القانون أو العدالة.

الخطاب القومي ضروري للحشد من أجل القضية الفلسطينية

إحدى الأفكار الرائجة لتحويل القضية الفلسطينية من قضية إنسانية لقضية قومية هو من أجل الإبقاء على أهميتها في سلم الأولويات. هذا المنطلق يقوم على أساس براغماتي تماماً. كونه يبرر الوسيلة بالغاية وبنفس المنطق البراغماتي لماذا لا تُحوَّل القضية من قومية لدينية؟ إذا عددنا القضية إسلامية فسنحصل على حشد أكبر وأقوى. وإذا قيل بأن ليس كل الفلسطينين مسلمين وأن هناك مسيحين فكذلك ليس كل الفلسطينين عربًا فهناك عرقيات يهودية أخرى تسكن نفس المنطقة. وإذا قيل الثقافة السائدة هي العربية فإن الثقافة الإسلامية والدين الإسلامي هو السائد أيضًا!

أما إذا قيل بأن الوجدان والشعور القومي أعمق في التضامن فإن هذا الادعاء يسقط إذا رأينا مدى حماسة الشعب التركي والماليزي والإندونيسي مع القضية الفلسطينية بدرجة لا تقل أبدًا عن تفاعل المغاربة بل حتى الخليجيين.

وبنفس المبدأ لماذا لا تكون القضية الفلسطينية قضية إنسانية وعليه نجمع تعاطف العالم كله مع القضية بدل تحويلها لقضية قومية تستفيد إسرائيل من تصويرها للعالم بأن العرب تهمهم الهوية أكثر من القيمة الإنسانية ذاتها. وتصوير كل عمليات المقاومة هو اعتداء من إرهابيين تهمهم هويتهم أكثر من حياة البشر الآخرين ؟

ومن زاوية أخرى للإنسان غيرالعربي ولا المسلم ما الذي يجعله يتعاطف مع قضية قومية أو دينية ؟ ما المشترك الوجداني بينه وبين الفلسطيني ؟ أليست الإنسانية كافية بأن يتعاطف معها الصيني والكوري والروسي؟  أكثر المتعاطفين مع القضية الفلسطينية من الجنسيات الأخرى غير الإسلامية أو غير العربية هم نشطاء السلام أو مناهضين الرأسمالية الأمريكية. كانت ستكون دائرة المتعاطفين والمناهضين للسياسات الإسرائيلية أكبر إذا صُوِّرت القضية بكونها إنسانية بدل تحويلها لقضية قومية أو دينية رغم أن لها أبعادًا دينية وقومية ولكن القيمة الأساسية ليست مشكلة هوية بقدر ما هي مشكلة تهجير وقتل واعتداء على البشر.

أحد أسباب تقوية حجة أن القضية الفلسطينية هي قضية إسلامية أكثر من كونها قضية قومية هو بسبب أنه لم توجد دولة قومية للعرب يومًا من الأيام. كانت الدولة العثمانية أو الخلافة العثمانية إمبراطورية دينية تسبقها دول دينية أخرى مثل العباسية والأموية. ولكل دولة دينية عمق تاريخي أكبر بكثير من أي تصور قومي يمكن أن يوجد. ولهذا حجة القومية العربية أضعف من حجة الأممية الإسلامية.

الخطاب القومي بصفته قضية بنيوية

إن بنية الخطاب القومي لا تختلف كثيرًا عن الخطاب الأممي الديني من حيث الهيكل. فالخطاب الأممي الديني يحول الدين جزءًا من الممارسة الفردية إلى هوية تؤسس لسلطة سياسية. فالإسلاميون مثلا  يعتقدون بأن ما يوجد في الدين من تشريعات نصت عليها النصوص الدينية لهو سبب كافٍ لتشريعات تأخذ طابعًا سياسيًّا وكذلك القومية فهي تحول الهوية الثقافية لمجتمع ما إلى أساس تشريعي لتكوين السُلطة. فكما في الدين هناك محرمات كبرى يجب على الدولة أن تحمي المجتمع منها فإن الخطاب القومي إذا كان مؤسسا لسلطة فإن كل القضايا القومية تتحول لمحرمات يجب على الدولة حماية المجتمع من المساس بها أو التشكيك بها. وكما أن الخطاب الديني يرجع هذه الممارسة إلى أنه قرار الأغلبية فإن القوميين كذلك يرجعون ذلك إلى أنه قرار الأغلبية العربية.

بل حتى في الممارسة الدستورية لدى الدول التي لديها مستوى من العلمانية مثل مصر أو تونس , نجد كما أن المادة الأولى أو الثانية في الدساتير تنص على أن الإسلام هو المصدر الأساس للتشريع فإن المادة الرئيسة في الدساتير القومية هي أن الأمة التي يمثلها هذا الدستور هي أمة عربية ويجب على الدولة أن تحمي الهوية العربية والثقافة العربية.

الكارثة التي تقع فيها الخطابات القومية والأممية الدينية تتشارك بنسبة كبيرة حتى مع الخطابات الوطنية. رغم أن الخطاب القومي قد يكون علماني الممارسة فإنه حتى الخطاب الديني قد يكون أكثر علمانية من القومي والوطني في الممارسة. فإسلاميون تركيا مثلا أكثر علمانية ممارسة من الخطابات القومية العربية السابقة, على الرغم من أن الخطاب القومي العربي ذو طابع علماني ولكن فهمهم العلمانية لا يتجاوز المفهوم الكلاسيكي للعلمانية وهو فصل الدين عن الدولة وعليه فلا يرون مشكلة في أن الممارسات السياسية ذات الطابع القومي تتعارض مع العلمانية الحديثة.

في كثير من الأحيان تستطيع بكل بساطة أن تستبدل بكلمة القومية العربية في أي خطاب قومي كلمة الأممية الإسلامية وتبقى بنية الخطاب كما هي. ولا تتأثر بأي مشكلة بنيوية. وهنا عملت تجربة طريفة على أحد الخطابات القومية واستبدلتُ بمصطلح القومية العربية مصطلح الأممية الإسلامية. وعملت بعض التعديلات الطفيفة جدا غالبًا هي تعديلات نحوية حتى تنسجم العبارات أكثر. والمضحك أن بنية الخطاب لم تتغير وطابقت تلك الحجج القومية نفس المنطلق الأممي الديني. فعلى سبيل المثال: نشر الصديق سلطان العامر في إحدى مقالاته في جريدة الحياة مقالا بعنوان “ماذا يعني أن تكون عروبيًّا”  منشور في الثلاثاء ١٥ يناير ٢٠١٣ ، وقمت بتطبيق التجربة على مقاله واستبدلت بلفظ ” القومية العربية” لفظ ” الأممية الإسلامية” مع بعض التعديلات النحوية الطفيفة وبعض العبارات المتعلقة التي لا تؤثر في بنية المقال أبدًا، وستجد عزيزي القارئ نفس الحجج التي تُساق لتبرير القومية هي نفسها قد تُساق لتبرير الأممية الإسلامية.

 خاص بموقع المقال

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق