النزعة الاشتراكية في المواطن السعودي الحديث

الكاتب:

8 يونيو, 2012 لاتوجد تعليقات

خلافًا لما تتنبأ به النظريات التاريخية والاجتماعية عادة عن المخرجات المتوقعة لعصور الترف والرفاهية، وعكس ما يرسمه الجميع عن صورة المواطن الناشئ في بلد تثني ركبها أمام أعظم مصادر الطاقة في هذا القرن، والقرن الماضي. غالبًا ما تجنح البيئة بهذه الشخصية نحو التعقيد البرجوازي bourgeois  ذي النظرة المادية، إلا أنها في الواقع تتجه تماما –وبطريقة غير مفهومة- نحو بساطة إنسان البروليتاريا Proletariat الذي لا يبحث عن الكثير.

وبمجرد وصولك إلى مطار العاصمة –الرياض- يلفت انتباهك –كأول ما يفعل- المعاملة الخالية من الطبقية –والبسيطة في آن واحد- التي يظهرها موظف الجوازات، إذ تحصل جميع هذه الأجساد المتراصة على مستوى واحد من المعاملة. وتزداد دهشتك حين تستمع إلى صوته وهو يهتف عاليًّا –موظف الجوازات-: “رفيق جيب جواز”، مستخدمًا اللفظ “رفيق”  comrade التي درجت الأحزاب الشيوعية communist parties استخدامه لقبًا خاليا من التسلسلات الهرمية بين أعضائها.

تتابع طريقك في هذا المطار ذي الهيئة الكلاسيكية، الذي يبدو أنه بُنيَ في أواخر الحقبة السوفييتية Soviet Era كأقرب تقدير، وتستمر هذه المناظر حتى تصل إلى صالة القادمين لتلاحقك همسات مجموعة من الرفاق المواطنين بزيهم المدني، الذين تبدو مهمتهم الرئيسة نقل الزوار مجانا إلى داخل المدينة: “مشوار يا الحبيب؟” .. “مشوار؟؟”، وبمناسبة الحديث عن الزي المدني هناك، من الواجب ذكر طبيعة الملابس التي تستخدم، وتدل –كما تفعل بقية الملامح في البلد- على الجذور الاشتراكية الضارب أثرها في جميع مناحي الحياة. قطعة بيضاء متصلة تلتف حول الجسم تُدعى الثوب Thob  وعلى الرأس قطعة قماش حمراء يطلق عليها الشماغ  Keffiyeh. يتساوى في هذه الملابس التي لا تحمل نفس الماركات الإمبريالية الجميع هُناك.

تعبر إلى المدينة وتسجل ملاحظة أُخرى لا يمكن التغاضي عنها، مساحات شاسعة من الأراضي الجرداء داخل نطاق العمران السكني، التي يبدو أنها أحد سياسات الاستحواذ للملكيات العامة الحكومية، وعند سؤال البعض أفادنا بالتعبير المحلي المستخدم للدلالة عليها: التشبيك Networking –لم يتم التأكد من دقة الترجمة-.

حان وقت الغداء، واتجهنا إلى أحد المطاعم القريبة من مكان تواجدنا. كان مطعما يقدم أطباق من الرز يدعي “البخاري”، قد لا يكون الأمر ملفتا، لكن الملفت هو طريقة الطلب. يأتي ثلاثة أشخاص –أصدقاء على ما يبدو- ويطلبون وجبة غداءهم –جميعا- بالطريقة التالية: “نفر شواية مع الرز وكثر الشطة”، “نفر” التي تستخدم مرادفا لكلمة فرد individual، تستخدم هنا بوصفها وحدة كمية تكفي مجموعة من عدة أشخاص.

كذلك عند توقفك أمام أحد أجهزة الصرف الآلي ATM لا يمكن لنظرك تجاهل عشرات الملصقات الموضوعة بطريقة عشوائية لم يسبق لنا رؤيتها: “أبوعادل لتسديد القروض المتعثرة” “أبوخالد” “أبوسعد” وسلسة طويلة لا تنتهي من هذه الإعلانات التي يبدو أنها لأشخاص خيرين يحاولون إنقاذ أولئك الذين سارت على أجسادهم عجلة الرأسمالية Capitalism بطريقة شرسة عجزوا معها عن سداد قروضهم، التي سيساعدهم هؤلاء في دفعها، وأؤكد لكم أنه لم يسبق لي رؤية مثل هذا المستوى من الإيمان التام بالمثل الاشتراكية في أي دولة من دول العالم، حتى تلك التي ظلت تحت نظام حكم اشتراكي لعقود طويلة.

مستوى الانخراط السياسي في البلاد يشمل جميع الأعمار دون استثناء، ويبدو أن الحرب التنافسية تجاوزت القاعات المكيفة لتصل إلى الشباب البسيط في الشوارع، التي تظهر كتاباتهم ورسوماتهم منتشرة على الجدران، واللوحات والجسور في المدينة. “متيم، الجوكر، الزعيم، جبرني الوقت” وغيرهم، والتي يظهر بأنها أسماء مرشحي البرلمان في الدولة ذي الشعبية الجارفة بين الشباب.

وفيما يبدو أنه طريقة اعتراض أقل ما يقال عنه أنه يتم بطريقة مجنونة!، يحتج مجموعة من الشباب المتطرف على عدم مشاركة الحزب الاشتراكي الياباني في الحكومة بالقيام بحركات مميتة ومتهورة باستخدام سيارات من نوع كامري، التي تصنعها شركة تويوتا Toyota اليابانية.

كذلك وعلى المستوى الاستهلاكي وكمحاولة لدعم الحكومات الشيوعية تهيمن صناعات الصين الشيوعية على معظم السوق التجاري، وفي جميع أنواع البضائع الاستهلاكية من الملابس وحتى ألعاب الأطفال. وكذلك طريقة للانحياز إلى الدول الصغيرة النامية تحتشد مئات السيارات نهاية كل أسبوع أمام الجسر المؤدي إلى دولة البحرين –التي تقع في الشرق- لدعم الاقتصاد والتنمية هناك في خطوة نبيلة.

أمر آخر، طريقة التربية الدقيقة لا تمتلك إلا أن ترفع القبعة إجلالا لها وأنت تجد علب آيس كريم تحتوي على خمس قطع يدعى: “أسكريم أبوخمسة” بسعر ريال واحد –العملة الرسمية في البلد- والهدف منه وضع الطفل في المواجهة مع معضلة تمكنه من إصدار قرار ذي روح اشتراكية دون تدخل خارجي: إما أن يأكل واحدا، ويذوب البقية أثناء ذلك، أو يقوم بتوزيع القطع على أفراد آخرين!

ونحن نصل إلى النهاية، وقرص الشمس يتمايل غربا إيذانا منه بنفاد النهار، ونحن في طريقنا إلى المطار –مطار العاصمة إياه- تظهر لوحة كبيرة يظهر فيها رجل ضخم يبدو أنه يحتاج إلى السفر، كُتب فيها: “على وين يا عيوني؟ كيف تسافر بدوني؟”. وبالتأكيد لن ينتظر طويلا في هذه البلد الكريمة، وسيرد إليه اتصال –في أقرب وقت- يطلب منه حزم حقائبه.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق