المحكمة الجزائية المتخصصة والعدالة العوراء

الكاتب:

6 يونيو, 2012 لاتوجد تعليقات

الذي يكتب بحبر ليس كالذي يكتب عن ظلم والذي يكتب للأدب ليس كالذي يكتب للعدل وإن كان القانون مجموعة حروف لا تنطق فإن روح القانون وتفسيره تتنفس بالمصلحة وللعدل، فأي محكمة توجد لصالح فئة قليلة هي ليست محكمة! وأي قوانين تسن لفئة قليلة على حساب الصالح العام هي ليست قوانين بمعييار الشرع، فكيف إذا وجد بعض النصوص القانونية التي تخدم الحق والعدل وتُتَجاهَل جهلا أو تجهيلا، فكيف إذا كانت هذه القوانين مرجعها للشريعة الحقة التي تقطر عدلا ورحمة.

تأسست المحكمة بقرار لم يستطع المختصون الاطلاع عليه، وكان سبب إنشائها أنه أُحيلت القضايا “الأمنية” للمحاكم الجزئية والعامة كل حسب اختصاصه وحُكِم فيها بشكل موضوعي بناء على معطيات القوانين السارية وبناء على فهم القضاة لها، لم تعجب الأحكام كائنًا من كان! فصدر الأمر بإنشاء المحكمة الجزائية المتخصصة في عام 1430 وأُلغيت كافة الأحكام التي صدرت من المحاكم قبل إنشائها في القضايا الأمنية ذات العلاقة. كيف تلغي أحكاما نهائية؛ هذا راجع لمشكلة استقلالية القضاء وتداخل السلطات.

 أما اختصاصها فلا يعرف إلى الآن لدى المختصين، فبمجرد أن تُكَيَّف القضية على أنها قضية “أمنية” من جهة مجهولة فتعد كافة الاختصاصات منعقدة لها، اعترض أحد المحامين على كون قضية ما من اختصاص جهة قضائية أخرى بناء على نص قانوني صادر بموجب مرسوم ملكي فقال له القاضي “نحن مختصون بها، واختصاصاتنا تشمل كل شيء واسعة”!

تحظى المحكمة بحراسة أمنية إذا رأيتها من بعيد تهيئ لك أنك لست مقدما على دار عدالة وإنما دار أمن عربية!

قبل تأسيس المحكمة صدرت عدة قوانين هدفها التجريم أكثر من حماية المجتمع فارتفع الوهم الأمني فيها على الحق العدلي، يعد أخطرها على العدل هو نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية حيث حوى بعض النصوص القانونية التي يمكن تفسيرها بشكل واسع للتجريم لأي شخص يراد تجريمه، فتصبح السلطة تبحث عن شخص ما وثَمَّ تجرمه، وليس الكشف عن جريمة وثَمَّ المعاقبة عليها، مثال لو أن أحدهم أرسل لآخر كتابًا إلكترونيًّا ” ممنوعا” يحكم عليه بموجب النظام لكونه أرسل مادة حاسوبية، بناء على  تفسير أن هذا الكتاب يعد “إخلالا بالنظام العام” فيصل الحكم إلى خمس سنوات في السجن على ذلك.

الغالبية العظمى من المتهمين في القضايا المعروضة على المحكمة حُقِّق معهم من قبل المباحث العامة وليس من قبل هيئة التحقيق والادعاء العام بدعوى “التدرج في تطبيق الأنظمة” وهي دعوى حق لو كان التدرج في سنة أو سنتين أما أن يصدر نظام الإجراءات الجزائية في عام 1422هـ وما زال التدرج ساريا إلى وقت قريب فهذا خلل يجب محاسبة المقصر عليه.

عديد من الانتهاكات حصلت لعرض العدالة أهمها كون جهة التحقيق غير مختصة ولم يمكن المتهمين من الاستعانة بمحامٍ، بل معظهم تؤخذ اعترافاتهم عنوة تحت الترهيب أو الترغيب. وهذه الإقرارات هي الدليل الوحيد ضدهم في المحكمة. والأعظم من ذلك بقاءهم في السجن لسنين دون محاكمات من غير مراعاة شرع أو قانون، كيف يسمح بقاؤهم ليوم دون سبب فما بالك بسنين كسنين يوسف، إنها عدالة عجيبة.

مصيبة المصائب أن يستخدم الشرع كتمرير للظلم فهذا ظلم للشرع، فيقال صُدِّقت اعترافاتهم شرعا! يقصد بهذا، التصديق أمام قاض غير ناظر القضية وفي بعض الحالات يكون التصديق بعد منتصف الليل، ويكون دور القاضي (صاحب العدالة والشرع) هو سؤال المتهم هل هذه اعترافاتك إجمالا فيجيب بنعم خوفا من العودة للترهيب فيصدق اتهاماته. بأي حق يقوم القاضي بذلك والقانون على خلاف ذلك، حيث نصت المادة 104 من نظام المرافعات الشرعية على عكس ذلك ” إقرار الخصم عند الاستجواب أو دون استجوابه حجة قاصرة عليه، ويجب أن يكون الإقرار حاصلا أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المقر بها”.  فهذه الإقرارت باطلة بناء على المادة 188 من نظام الإجراءات الجزائية حيث نصت “كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلا”.

بل كيف تقبل إقرارات جاءت عن طريق الإكراه؟ وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من أُكره على الإقرار فإقراره باطل لا يترتب عليه أي أثر، يقول شريح القاضي “القيد كره، والسجن كره، والوعيد والضرب كره” فكيف إذا قامت السلطة بها جميعا. ويقول ابن حزم “لا يحل الامتحان في شيء من الأشياء بضرب ولا بسجن ولا بتهديد، لأنه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ثابتة ولا إجماع”.

المضحك هو طلب المحكمة من الدفاع إثبات دعوى الإكراه والمتهم قد قضى ما يقارب السنة في الانفرادي وأكثر من خمس سنوات في السجن قبل عرضه على المحكمة، فأي أثار تعذيب إن وجدت تكون ذهبت، والطبيب الوحيد الذي يعرض عليه هو طبيب الخصم! فبعد هذا هل يحق لنا أن نصلي على العدالة!!

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق