جامعة الملك خالد وكوميديا طويل العمر

الكاتب:

17 مارس, 2012 لاتوجد تعليقات

هل يمكن أن يتحول صناع القرار إلى ضحايا لممارسات خاطئة يرتكبها موظفوهم الأدنى؟
تلك كوميديا سوداء، إلا أنها أمر واقع للأسف. بالمناسبة، توصيف الأحداث هنا بالكوميديا ليس من عندي، بل هو نص ما نسبته صحفنا المحلية لأمير عسير فيصل بن خالد، الذي وصف اتهامات إدارة جامعة الملك خالد في أبها لطالباتها المعتصمات يومي السابع والثامن من فبراير بمخالفة الأنظمة، بالقول “إن ما عرض لي في كليتي التربية والآداب من السلاسل وغيرها، كان مسلسلا كوميديا من قبل من قام به…” الوطن 13 مارس، ولو وضعنا ما سبق بجانب تصريحات مدير الجامعة التي أشار فيها إلى وجود أيادٍ خفية ومخططات مسبقة وتحريض ضد الجامعة لاكتملت الصورة. حقيقة ما أراد الأمير أن يقوله بلباقة هنا هو أنه كان في لحظة من اللحظات ضحية لخداع مسؤولي الجامعة.

هناك إذن “مسلسلات كوميدية” تعرض على المسؤولين وصناع القرار في البلد. في جامعة الملك خالد صور مسؤولو الجامعة زورا الطالبات المعتصمات – باعتراف الأمير- باعتبارهن عديمي الوطنية، منحرفات وخارجات على القانون!، ولذلك عمد في لقائه بالطالبات إلى “تبرئتهن” من تهم التشكيك بوطنيتهن، وفقا للصحيفة. لنا أن نسجل هنا اعترافا نادرا لمسؤول بأنه وقع ضمنيا ضحية لما وصفها هو نفسه بكوميديا ارتكبها موظفون أدنى مرتبة.

ليس لدى أجهزتنا الحكومية “ترف” الاعتراف بالخطأ. ولذلك يأتي السؤال الجوهري هنا؛ كم من المسلسلات الكوميدية التي أخذت طريقها سابقا للمسؤولين وصناع القرار؟. ومن يتحمل مسؤولية هذه الممارسة الفاضحة، المسؤول نفسه أم موظفوه؟ حقيقة الأمر، وحفاظا على لقمة عيشهم، يستسهل الموظفون الصغار الذين هم على تماس مباشر بالأحداث عرض وجهة نظرهم للوقائع بطريقة تجعلهم هم في موقع المحق والمنصف والملتزم بالقانون، في مقابل تصوير الأطراف الأخرى المطالبة بحقوقها/الضحايا في موقع المجرم والمخطئ والمنتهك للأنظمة والقوانين. هكذا ببساطة تحور الوقائع وتصور الأمور مقلوبة رأسا على عقب في كثير من التقارير السوداء. وإذا علمنا بأن “النتيجة تتبع أخس المقدمات” فسنعرف حينها من أين تأتي القرارات المتخبطة التي لا تساهم سوى في تعقيد الأزمات عوضا عن حلها!

حقيقة الأمر، “الكبار” وحدهم هم من يتحمل المسئولية الفعلية عن هذه “الكوميديا” الجارية في مختلف الأجهزة الحكومية المدنية منها والأمنية. فحين يفضل المسئول العيش في الأبراج العاجية في انفصال تام عن الواقع، سيتحول تلقائيا إلى ضحية للتقارير السوداء التي أضحى يتعامل معها بتسليم مطلق دون أدنى اعتبار للحقائق على الأرض ولوجهات النظر المقابلة. وتبلغ درجة الكوميديا السوداء مداها عندما تُحْبَك بطريقة موائمة لمتطلبات التوتر المحلي والاقليمي، والأسوأ حين تأتي موافقة للهوى الشخصي، والصور النمطية المطبوعة مسبقا في ذهنية “طويل العمر” نفسه.

ثمة سلسلة من الوقائع والملفات الكبيرة في البلد يحتاج “طوال العمر” إلى إعادة تقويمها حتى لا يقعوا ضحية “المسلسلات الكوميدية” إياها. ولعل أبرز هذه الملفات هو ملف الإصلاح السياسي الذي يحلو “للصغار” تصوير كل من يطالب بتحريكه ويدعو إليه على أنه فاسد ومخرب وامتداد لأذرع خارجية، وينسحب ذات الأمر على ملف السجناء السياسيين، الذين يؤخذون بجريرة “الإرهاب” القديم والجديد!، كما ينطبق الأمر ذاته على ملف إصلاح أوضاع المرأة السعودية وتأهيلها إلى المستوى المقبول آدميا، والذي ما يزال يصر البعض على تصويره باعتباره محاولة لإفساد المجتمع واستجابة لاطروحات غربية! ناهيك عن ملفات أوضاع حقوق الإنسان، والأقليات، والبطالة، والفساد والاستيلاء على المال العام وتبديد موارد الوطن. ينبغي إعادة تقويم مجمل هذه الملفات والوقوف على حقيقتها عوضا عن استمراء الصور النمطية الباهتة التي يرفعها المصفقون وأرباب المصالح، حتى لا يذهب الوطن كله ضحية الكوميديا يا طويل العمر!

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق