عمامتك تحجب الرؤية عني

الكاتب:

26 نوفمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

(1)

“وأوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت”

*سفر التكوين – الإصحاح الثاني.

-أعني من ذلك الذي لا يرغب بوطن قوي؟ وطن تنبعث من ذكره روح الاستقلالية، والإحساس التام بالأمان؟ هل تعتقد أن أولئك الذين تتسلل إلى وعيهم صورة “شارع مملوء بالحفر، أو شروط الهجرة إلى فرنسا” سعداء بذلك؟.

لم يروي التاريخ طوال فترة سيرة قصة يفتخر فيها مواطن إحدى الدول، على مواطن آخر بأن دولته تمتلك علاقة جيدة مع دولة قوية، أو بأن اقتصاده مرتبط بشكل وثيق بعملة دولة ذات اقتصاد متين. في الحقيقة أن عجلة التاريخ لا تسير بالقرب من دولهم، وحتى لو سارت لن تجري هناك مثل هذه الحوارات، فمواطني هذه الدول في العادة لا يشعرون بالفخر في معظم الوقت.

ويتوجه هيجل بالحديث في “أصول فلسفة الحق” لمن يرون عكس ذلك قائلاً: “إن أولئك الذين يتحدثون عن الأماني في أن تؤلف جماعة من الناس دولة لها مركزها الخاص وتتمتع باستقلال ذاتي، إن قليلاً أو كثيراً، ويتحدثون عن الأماني في طرح هذا المركز وهذا الاستقلال الذاتي لكي تتحد مع غيرها من الدول الأخرى في كل جديد، ليس لديهم سوى معلومات بالغة الضآلة عن طبيعة الجماعة، أو عن طبيعة الشعور بالشخصية الذي تشعر به الأمة في حالة استقلالها”.

هيجل، وعلى الرغم من مئات الإجابات الصحيحة التي قدمها، إلا أن القصور لازم فلسفته المثالية المتعلقة بالسياسة، فمنذ وفاة هيجل وحتى هذه اللحظة لم يتوقف العالم عن النزاع، ولم يشهد أي فترة تتوقف فيها آلة الحرب لبعض الوقت.

-في العام 1948م نشر هانز مورجانتو كتابه “السياسة بين الأمم” والذي حاول فيه تطوير نظرية شاملة  للسياسة العالمية، تبنى فيها الفلسفة الواقعية.

وبشكل مغاير للأسس التي قامت عليها المثالية السياسية قدم هانز واقعيته السياسية والتي تفترض أن العالم مكون من مصالح متضادة، وصراع حتمي بينها لا يمكن اجتنابه. ويقدم مورجانتو تفسيراته من منطلق القوة كبديل لنظرة القيم الأخلاقية.

ويرى كذلك أنه وعلى الرغم من كافة الايدولوجيات التي قد يجبر الممثل في المسرح السياسي على ارتدائها كي يخفي الهدف المباشر لأفعاله، والذي يكون دائماً نيل السلطة.

ظل كتاب هانز ولعقود طويلة الأكثر استخداماً في جامعات الولايات المتحدة في المجال السياسي. ولا يزال مورجانتو يصنف كواحد من قادة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في القرن العشرين.

وهذا ما تستند عليه السياسة اليوم والتي ترى في التهديد أمراً دائماً، عدا عن كونه حالة وقتية. وأن النزعة إلى العدوان بحثاً عن السلطة هو الأقرب إلى الحدوث من حالة السلم.

(2)

“العبيد لا ينتصرون”

*أرسطو

-نشرت صحيفة الأهرام المصرية قبل حرب النكسة في 67 قصيدة للشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، حملت العنوان: “نحن غزاة مدينتنا” تقول:

“وتساءلنا

أي غزاة جاءوا في منتصف الليل

رجعوا بالأشجار بعيداً عن مجرى النهر

هدموا أعمدة الضوء

رحلوا بالأزهار إلى مقبرة وحشية

وضعوا سيفاً بين شفاه تدنو من عنقود القبلات

داسوا بالخيل جبين المعبد

طردوا منه الصلوات

صرخوا في الفجر

ماتت زهرات الحلم على شفة الماء

ماذا؟ هل كان الجدول مسموماً؟

هل كان القمر صديقاً للأشباح؟

من أوقف زحف الوردة نحو النجم؟

من دس الخنجر بين غشاء القلب

من علق أجراس الرعب

فوق صدور الأطفال؟

حين فقدنا صدق القلب

حين تعلمنا أن نتقن أدوار عدة

في فصل واحد حين أقمنا من أنفسنا آلهة أخرى

وعبدنا آلهة شوهاء

حين أجبنا الغرقى بالضحكات

حين جلسنا نصخب في أعراس الجن

حين أجاب الواحد منا:

“ما دمت بخير

فليغرق هذا العالم طوفان”

كنا نحن الأعداء

كنا غزاة مدينتنا”

هل تنفع الكلمة؟ هل سيهز طهران صراخي حين أخرج للشارع وأصيح بأعلى صوت: محمود أحمدي نجاد ليس “كول”؟. لو كانت الكتابة تنفع لطمست أصفهان من على الخارطة قبل نهاية المساء. لكن أياً من هذا لا يحدث، ومحاولة تنميق الكلمات لشجب الأيادي الإيرانية يبدو أنها لا تستحق العناء، ومحاولات تصوير الخطر الذي سيأتي من وراءها ممارسة قدرها الفشل.

هذه الأيادي الخارجية مشغولة بالعمل، وقطعت طريقاً طويلاً في برنامجها النووي، هل تعي حجم التنمية التي يجب عليك القيام بها قبل أن تنتهي إلى هذه المغامرة الجريئة؟ هل تعي حجم العمل والبيئة والعقول التي يجب توافرها قبل أن تحلم بامتلاك مفاعل نووي؟.

(3)

“كان بالإمكان أن أضع اسم ستالين على كشف المكافآت لو تصورت أن ذلك سيساعدنا على هزيمة هتلر”

وليم دونوفان – رئيس المخابرات الأمريكية السابق.

-واليسار حول العالم يستيقظ من سباته بشكل جامح، ويبدأ وبسرعة كبيرة بالمنافسة على المقاعد البرلمانية في عدة دول، ويجهز نفسه للانقضاض في دول أخرى، أمر يجعل من كافة العهود والمواثيق السياسية التي قُطعت في الفترة الماضية لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به.

العالم اليوم يعاني من الصداع كما لم يفعل من قبل، ويبدو من مظهر وجهه العابس أنه مستعد لتناول أي شيء دون أن يتساءل عن العواقب كما كان يفعل من قبل.

حتى المشهد الأمريكي كان بتحركه المتناغم مع موجة الربيع العربي صدمة عنيفة للجميع، ورسالة واضحة لم تجد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أي حرج من التعبير عنها صراحة عندما ذكرت أن في تخليهم عن النظام المصري والذي كان خادماً مخلصاً طوال سنوات هو درس يجب أن يفهمه الجميع.

حتى في خسارة اليمين المحافظ الأمريكي للشعبية هناك –والذي طالما كان حليفاً جيداً للأنظمة القمعية- ، لدرجة خرجت فيها عروض كوميدية أمريكية تلقي النكات على مواقف اليمين، وطريقة تفكيره، مؤشر آخر عن أمريكا جديدة، ستحل في الأسواق قريباً.

(4)

 “أولاً: كل من يمشي على رجلين اثنتين إنما هو من الأعداء”

*مزرعة الحيوانات – جورج أورويل.

-أثناء الحرب الباردة، وبعدما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية بالخطر الشيوعي المرتقب من الإتحاد السوفيتي. بدأت بحملة فيدرالية يحركها الخطر الشيوعي، مست جميع أرجاء الحياة فيها.

مشروع شبكة الطرق السريعة التي تربط كافة الولايات الأمريكية، التمويل الحكومي للأبحاث الجامعية، بالإضافة إلى زيادة النفقات على التعليم. كما أن الحرب الثقافية كانت سمة بارزة في ذلك الوقت، فما أن تعلن موسكو عن افتتاح شبكة ثقافية، حتى تسارع واشنطن بالرد بمشروع ثقافي أكثر ضخامة.

والبرامج الفضائية شهدت أوجها في تلك أيام، والجميع يتذكر ذلك السباق المحموم بين الغريمين على: من أول من يمس سطح القمر.

لكن أياً من ذلك لم يعرف طريقه إلى الخليج، على الرغم من أن الخطر الإيراني أصبح جزء من الثقافة اليومية: “يوجد خطر إيراني – التدخل الإيراني ليس من صالح الجميع – على إيران أن إلى آخره – عمامتك تحجب الرؤية عني”.

ويتم تداول هذه الأحاديث يومياً دون تبني أي واحدة من دول المنطقة مشروعاً حقيقاً تحاول فيه منافسة الروح الفارسية الواثبة نحو المجد والقوة.

بعض الدول لم تحاول تحسين أوضاعها الحالية، لا زال التخلف السياسي علامة بارزة، والبعض الآخر لم يقم بتحسين أوضاع مواطنيه، ويجر خلفه فواتير طويلة من مشاكل السكن، والتعليم، والصحة وغيرها.

بل الأخطر من ذلك كله محاولات بعض دول المنطقة بعرقلة المشاريع الإصلاحية وقمع مواطنيها بحجة الخطر الخارجي الأمر الذي قد ينسف الطريق كاملاً نحو مستقبل حقيقي في هذه الدول.

وربما ينتهي بترديد الشعوب الخليجية ما قاله الشاعر المصري أمل دنقل على لسان عنترة في قصيدة “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة:

“أيتها النبية المقدسة

لا تسكتي .. فقد سكت سنة فسنة

لكي أنال فضلة الأمان

قيل لي “اخرس”

فخرست .. وعميت .. وائتممت بالخصيان!

ظللت في عبيد “عبس” أحرس القطعان

أجتز صوفها

أرد نوقها

أنام في حظائر النسيان

طعامي الكسرة والماء وبعض الثمرات اليابسة

وها أنا في ساعة الطعان

ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان

دعيت للميدان!

أنا الذي ما ذقت لحم الضأن

أنا الذي لا حول لي أو شأن

أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان

أدعى إلى الموت .. ولم أدع إلى المجالسة!!.”

هذه الشعوب التي لم تدع إلى المجالسة في أي يوم، ولم يذق معظمهم لحم الضأن! هل ستستجيب حين تُدعى إلى الموت؟ هل ستعمل سيوفهم العربية التي قد نسيت سنوات الشموخ؟ ولم تعد تصلح سوى للرقص في المناسبات الرسمية؟.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق