بعث القضية الفلسطينية ومرحلة ما بعد حرب غزة 2014

الكاتب:

22 أغسطس, 2014 لاتوجد تعليقات

لقد تم إرسال هذا المقال إلى صحيفة الحياة لنشره ، وقد اعتذرت هيئة التحرير عن النشر . و إجابة على رفضهم أرسلت لهم الخطاب التالي :

الأخت الكريمة نبيها مجذوب

إدارة التحرير. جريدة الحياة

تحية طيبة

أرجو إبلاغ الأخ الكريم غسان شربل رئيس التحرير عدم استغرابي لقرار عدم نشر مقالي بعنوان بعث القضية الفلسطينية ومرحلة ما بعد حرب غزة ٢٠١٤ لأنه لابد لقراركم أن يكون منسجما مع الأسف مع حرية الصحافة التي تتمتع بها الصحف السعودية أو حتى بنات عمها مثل صحيفة الحياة وإن نشرتم تعليقي هذا أكون لكم من الشاكرين .

مع خالص التحية

د عبد العزيز الدخيل

 

مسيرة السلام الفلسطينية مرحلة: ما قبل حرب غزة 2014

لقد أصبح واضحاً لكل ذي بصيرة وقارئ لمسيرة السلام الإسرائيلية الفلسطينية أن إسرائيل لا تريد سلاماً مع الفلسطينيين بل تريد استسلاماً تملي شروطه بقوة السلاح.منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام الإسرائيلية المصرية عام 1979 هرول العرب بزعامة مصر إلى الاستسلام بحثاً عن السلام مع إسرائيل ودفعوا معهم منظمة التحرير الفلسطينية لتوقيع معاهدة أوسلو1993 والقبول بدولة إسرائيل قانونياً وسياسياً وبعد عام جاءت اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية 1994.

لقد أدت معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية إلى تحول جذري ومفصلي في القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، خرجت مصر من الإجماع العربي الرسمي على اعتبار إسرائيل عدواً وفتحت  الباب لإظهار ما كان باطناً من سياسات بعض الحكومات العربية المتصالحة مع إسرائيل سراً.كما أدت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية إلى معاهدة أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل التي أسقطت المقاومة الفلسطينية وأدت إلى شرخ قوي في الموقف الفلسطيني تجاه إسرائيل.المعاهدة الفلسطينية الإسرائيلية ولدت تحت مظلة  السلام العربي الإسرائيلية وبرعاية أمريكية آمن العرب والفلسطينيون أنها قادرة على ضمان قيام إسرائيل بتنفيذ ما التزمت به في المعاهدة وصولاً إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

ألقت جانباً منظمة التحرير الفلسطينية بكل  ما لديها من وسائل ضاغطة على إسرائيل من مقاومة وغيرها، واعترفت  بدولة إسرائيل قبل أن تقبض من إسرائيل شيئاً على أرض الواقع إلا حبراً على ورق ووعوداً أمريكية وعربية واهية. مرت السنين والفلسطينيون يركضون وراء سراب ووهم السلام، لم يتحسن حالهم في أي مجال من مجالات الحياة السياسية أو الاقتصادية بل ازداد وضعهم سوءاً وزادت المستوطنات الإسرائيلية وتوارت القضية عن الأنظار عربياً وعالمياً. حوصر الفلسطينيون في مدنهم وقراهم في الضفة وفي القطاع، زادت أعداد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وقام شقاق فلسطيني مدمر بين أصحاب القضية الواحدة بين حماس ومجموعة من الفصائل المعارضة لاتفاقية السلام من جهة، وبين منظمة التحرير التي قبلت بالمعاهدة. باختصار كسبت إسرائيل السلام بثمن بخس وتركت للفلسطينيين القهر والظلم والدمار والشقاق وضياع الأوطان.

أمريكا لم تكن راعياً أمينا للسلام.من يعرف عمق التأثير الصهيوني على المؤسسات البرلمانية والحزبية  والحكومية والمدنية والإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية لن يفاجأ بالمواقف الأمريكية الداعمة والمساندة لإسرائيل مالياً وعسكرياً والمدافعة عنها دولياً وبعدم قدرتها على إرغام إسرائيل على ما وقعت عليه والتزمت به برعاية أمريكية.

خلاصة القول إن السلام مع إسرائيل على النهج الذي سار عليه العرب والفلسطينيون ظناً منهم أن إسرائيل تريد سلاماً مع الفلسطينيين  ينتهي بقيام دويلة فلسطينية حرة مستقلة على حدود 1967 وشيء من القدس عاصمة لها، كان خطاءً فادحاً وقراءة غبية متجاهلة وجاهلة بأمرين أساسيين أولهما العقيدة والسلوك الاحتلالي والاستيطاني التاريخي الذي قامت وبنيت عليه الدولة الصهيونية قبل ومنذ إنشائها عام 1948 والثاني هو تجاهل التأثير الصهيوني القوي على مصادر القرار الأمريكي بشكل خاص وعلى الشعب الأمريكي بشكل عام الذي يجعل الولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة وبالتالي غير كافية لإرغام إسرائيل على تنفيذ بنود معاهدة السلام دون التفاف وتعطيل لبنودها.

نعم أخطأ العرب كثيراً،تقاتلوا وتفرقوا،وأخطأ الفلسطينيون أيضاً، تقاتلوا وانقسموا لكن كل هذه الأخطاء والخطايا العربية والفلسطينية هي صغائر أمام خطأين إستراتيجيين ارتكبتهما القيادات العربية والفلسطينية :

أولاً: إنهاء المقاومة المسلحة والشعبية والاعتراف بدولة إسرائيل واعتبارها عدواً، دون ربط  كل ذلك وبشكل منهجي وتدريجي بسلام واضح  كامل محدد المعالم مضمون من مجلس الأمن ودول العالم الكبرى يتحقق علي أرض الواقع ويؤسس لقيام الدولة الفلسطينية. لقد أعطى الفلسطينيون مدفوعين بدعاة ورعاة السلام وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية أهم ما لديهم  قبل أن يقبضوا شيئاً إلا وعوداً كانت إسرائيل قد بيتت وعقدت النية على عدم تنفيذها فناورت وأخرت وكذبت. ورغم أن الصورة قد بانت معالمها منذ زمن وأصبح واضحاً أن إسرائيل لا تريد  تطبيق بنود المعاهدة التي تلزمها بتسليم الأراضي للفلسطينيين والرحيل عن مدنهم وقراهم وأن الولايات المتحدة عاجزة على إلزامها بتنفيذ ما وقعت عليه، إلا أنه بسبب  ما أحدثته سيكولوجية السلام من وهن في العزائم وما صاحب ذلك من انخراط في الحياة المادية الاستهلاكية والتجارية غير المتوائمة مع روح وسلوك وحياة المقاومة، ضعفت الهمم ، وبدت العودة إلى المقاومة أمرا صعبا واستسهلت القيادة الفلسطينية السير في طريق الاستسلام آملة أن تجد في نهاية الطريق السلام الذي يريده الفلسطينيون،فكانت كمن يسير وراء السراب فإذا جاءه لم يجد عنده ماءً بل وجد المستوطنات تحيط به من كل جانب. إلى جانب سيكولوجية السلام (الوهمي) وأثرها السلبي ماديا وسلوكيا على القيادة الفلسطينية فإن الخوف السياسي من إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية من قبل منظمة التحرير والدول العربية الراعية للسلام سراً أو علانية كان مانعاً من رفع الرأس ورفع الصوت وتجميد المعاهدة والعودة إلى المقاومة. الخوف من إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية أمر يعتبره الحكام العرب خطاً أحمر في إستراتيجياتهم السياسية ولو كان ذلك على حساب كرامتهم وكرامة شعوبهم وقضاياهم القطرية والقومية.

ثانياً: الخطأ الإستراتيجي الثاني في مسيرة السلام الفلسطينية الإسرائيلية هو الوثوق في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية الراعية لمعاهدة السلام على إلزام إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها في معاهدة السلام. هل تذكرون موقف الرؤساء الأمريكيين من الاستيطان وآخرهم أوباما، وكيف وقفوا عاجزين بل صاغرين أمام رعونة وتصلب الموقف الإسرائيلي؟ أي ضامن هذا وكيف يمكن الاعتماد على قدرته بالوفاء فيما ضمن ففاقد الشيء لا يعطيه. لكنه الغباء السياسي العربي والإيمان المطلق بالقوة والقدرة الأمريكية دون العلم أن إسرائيل استثناء لا يقوى عليه حتى الرئيس الأمريكي.

ومن أجل الإنصاف فإنه لابد من القول أن بعض الفصائل الفلسطينية وأغلبها فصائل إسلامية قد عارضت اتفاق أوسلو للسلام الفلسطيني الإسرائيلي لكنها مع شديد الأسف أخطأت في أسلوب تعديل المسار الفلسطيني من الاستسلام إلى المقاومة فشقت الصف الفلسطيني وانقلبت على السلطة الوطنية وأسست لها حكومة مستقلة في غزة. فبدلاً من الإصلاح زادت الطين بلة،وهذا يضيف خطأً إستراتيجياً ثالثاً في مسيرة السلام  الفلسطينية الإسرائيلية, لكنه خطأ فلسطيني فلسطيني.

مراوغات إسرائيل ومماطلتها في تطبيق ما اتفق عليه من المعاهدات في إطار الاتفاق على السلام  بل واستمرارها في بناء المستوطنات إضافة إلى الحصار الذي تفرضه على أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وفي بقية مدن وقرى الضفة كلها يشير إلى حقيقة واحدة هي أن إسرائيل لا تريد الوصول إلى سلام نهائي مع الفلسطينيين  يفضي إلى قيام  دولة فلسطينية  تتمتع بكامل حقوق الدولة المستقلة إلى جانب دولة إسرائيل كما نصت المواثيق والمعاهدات سواء الثنائية بين الطرفين أو الأممية الداعمة لاتفاق السلام.

إسرائيل تتنصل من المعاهدات وتفرض الواقع الذي تريده بناء على منهجية تقوم علي ركيزتين أساسيتين:

الأولي :اعتماد إسرائيل بشكل أساسي على قوة الردع  لدى  جيش الدفاع الإسرائيلي الذي أسس على عقيدة عسكرية صهيونية وهي ضرب العرب والفلسطينيين  كلما تحركوا وأينما تحركوا بكل شدة وقسوة بصرف النظر عن أي قوانين دولية تتعلق بعمليات القتال أو حماية المدنين، فالعرب حسب العقيدة الإسرائيلية لا يعرفون إلا لغة القوة ولا يجب التعامل معهم إلا من خلال القوة والبطش والسيطرة.وإن كان هناك سلام مع العرب والفلسطينيين فلن يكون إلا بعد أن يحقق جيش الدفاع الإسرائيلي نصراً ساحقاً عليهم يقوم بعده الساسة الإسرائيليون بفرض شروطهم للهدنة أو عملية السلام.

الثانية:اعتماد إسرائيل الكبير على الدعم السياسي والمالي والعسكري الأمريكي. فالولايات المتحدة الأمريكية تزود إسرائيل بجميع أنواع الأسلحة المتطورة وقد أبرمت معاهدات والتزامات رئاسية أمريكية تجعلها ضامنة لأمن إسرائيل. أما من الناحية المالية فإلى جانب الهبات والتبرعات المؤسسية والفردية تقوم الحكومة الأمريكية من خلال مؤسساتها المالية بضمان سندات الدين الإسرائيلية في سوق نيويورك المالي على سبيل المثال كما تقدم الحكومة الأمريكية إعانات وهبات مالية سخية لإسرائيل. أما في الجانب السياسي فحدث ولا حرج وليس أفضل من سجلات مجلس الأمن وقرارات الفيتو الأمريكي الحامي لإسرائيل والمدافع عن مواقفها وأعمالها الإجرامية ضد الفلسطينيين دليل على ذلك.

حرب غزة  2014 منعطف إستراتيجي في  القضية الفلسطينية:

الانتصار الفلسطيني:

حرب غزة دارت رحاها بين جيش الدفاع الإسرائيلي بكل فروعه العسكرية الجوية والبحرية والأرضية المجهزة بأحدث الأسلحة الأمريكية وبين فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام والجهاد الإسلامي وآخرون، المسلحة بصواريخ معظمها من صناعة محلية أولية وشيء من الرشاشات والبنادق. الفارق الجوهري بين القوتين هو الفرد العسكري على الأرض الذي كما يعرف العسكريون لا يحسم المعركة إلا هو. الجندي الإسرائيلي مرتزق مستوطن جاء محتلاً لأرض غير أرضه التي نشأ فيها هو أو والديه ، أما الجندي الفلسطيني المقاوم فهو يقاتل دفاعاً عن أرض ترابها من رفات أجداد أجداده يدافع عن  كرامته وتاريخه وهويته،إنها مسألة وجود بالنسبة للفلسطيني لكنها مسألة استيطان بالنسبة للإسرائيلي والفرق بين الأمرين شاسع لذلك كان أداء المقاتل الفلسطيني بطولياً يتحاشى الجيش الإسرائيلي مواجهته بجنوده فيستخدم بكثافة طائراته وصواريخه. وفي ذلك درس وعبرة خصوصاً للقائلين بعدم جدوى المقاومة المسلحة بحجة التفوق النوعي والعددي في السلاح لدى الجيش الإسرائيلي، فروح القتال والفداء لدى المقاوم الفلسطيني الذي عانى من الظلم والبطش والاحتلال الإسرائيلي ما عانى هي السلاح الأمضى والأقوى وهي التي تحسم المعارك وتهزم الجيوش النظامية،هذه دروس من التاريخ  والواقع المعاش الحديث والبعيد وليست أوهام وأحلام وأيدلوجيات ، فيتنام، والجزائر، وأيرلندا، وغزة وغيرها, أمثلة واقعية على ذلك  والسر والسبب الرئيسي واحد، ليس جودة السلاح ولكن بطولة المقاوم ونزوعه إلى الفداء والتضحية.والأمر لا يحتاج إلى القول أن الكفاءة في استخدام وتعظيم هذه الميزة الذاتية للمقاوم مرتبطة بجودة التنظيم والوحدة بين فصائل المقاومة وعناصرها والمعرفة بتكتيك وخطط وأساليب المقاومة المسلحة.

صمدت المقاومة المسلحة الفلسطينية أمام قنابل الجيش الإسرائيلي من الجو والبر والبحر ولم تتوقف صواريخ المقاومة الفلسطينية ولم يتوقف الاشتباك مع بعض وحدات من الجنود الإسرائيليين الذين اقتربوا من غزة أو الذين تم الالتفاف عليهم من خلال الأنفاق الممتدة إلى إسرائيل. نعم كانت الأرواح الطاهرة من الأطفال والنساء والمدنيين التي قضت وصلت إلى حدود الألفين قتيل وزاد عدد الجرحى على ستة آلاف جريح. أما ما دمر من بيوت ومدارس ومستشفيات ومقار حكومية ومحطات كهرباء ومياه فكثير جداً.رغم كل هذه الخسائر في الأرواح والمباني  فإنه بمنطق المقاوم الذي يهدف إلى تحرير الوطن والأهل من نير مستعمر تجبر وطغى فإن المقاومة الفلسطينية التي لم تتوقف وتقبل بهدنة لا تشترك بشكل فاعل وأساسي في إملاء شروطها قد انتصرت وأدمت كبرياء الجيش الإسرائيلي الذي يعد الشعب الإسرائيلي بأنه في كل حرب ستكون له اليد الطولي والقول الفصل.

أبطل أبطال المقاومة العقيدة العسكرية الصهيونية وأصروا بفعل مقاومتهم على الأرض ألا تكون الكلمة الأخيرة في المعاهدة لإسرائيل لوحدها وإنما للحكومة الفلسطينية مدعومة بالمقاومة قول ورأي وشرط يمثل الطرف المقابل لإسرائيل في أي معاهدة سلام أو هدنة مع إسرائيل وهذا انتصار للمقاومة والشعب الفلسطيني.

الوساطة العربية:

جمهورية مصر العربية ومن ورائها المملكة العربية السعودية تتصدران المساعي العربية لوضع ترتيب يؤدي إلى اتفاق هدنة بين الفلسطينيين وإسرائيل في حرب إسرائيل على غزة 2014 مع وجود وسطاء آخرون مثل قطر وتركيا.

بصرف النظر عن من يقود الدور العربي في المحادثات الجارية بين إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى فإن هذا الدور العربي يجب ألا يلبس ثوب الوساطة لأن الوساطة تحمل في طياتها معنى المساواة بين الطرفين أمام الوسيط .

لا مجال لأي حكومة عربية أن تلبس ثوب الوساطة أو الحياد وأحد أطراف القضية معتد على دولة عربية محتل لأرضها ومحاصر لشعبها في مدنه وقراه ، فالدول العربية خصم لإسرائيل ما دامت محتلة لوطن عربي باطشة بأهله قاتلة لأطفاله، ولا يمكن لأي حكومة عربية إن أرادت أن تستمع لصوت الضمير الإنساني والعربي أن تكون علي الحياد بحكم ما فعلت وتفعل إسرائيل بالشعب العربي الفلسطيني وهذه إرادة الشعوب ممثلة في رفضها كل محاولات التطبيع مع إسرائيل رغم السنين التي مرت والجهود التي بُذلت.

الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الحكومات الغربية لم تخف انحيازها المعلن والمكشوف إلى جانب الدفاع عن أمن إسرائيل وأراضيها على الرغم من أنها أراض ومستوطنات محتلة.

من يقف إلى جانب الفلسطينيين ومن يعينهم على قيام الدولة الفلسطينية إذا لم تقف معهم الدول العربية الشقيقة؟ هل نتركهم لقنابل الجيش الإسرائيلي ودباباته ومدافعه ونقف على الحياد؟ هل نتركهم للانحياز والدعم الأمريكي لإسرائيل وجيشها وقببها الحديدية؟ هل ننسى كل الظلم والقمع والاضطهاد والحصار المفروض علي غزه منذ ثمان سنوات وعلى الشعب الفلسطيني منذ ستين عاماً ثم نلبس ثوب الوساطة بعد مجزرة غزة على يد الإسرائيليين. الشعب العربي أيها الوسطاء منحاز كل الانحياز إلى الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في حياة حرة كريمة ودولة آمنة مستقرة كتلك التي ينعم بها الإسرائيليون المستوطنون على أرض فلسطين . فكوا القيد عن شعوبكم واسألوها عن موقفها تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني ستجدون دون أدنى شك أن الغالبية  العظمى من الشعوب العربية تريد الوقوف بكل ما أوتيت من قوة إلى جانب الحق الفلسطيني. فلسطين والفلسطينيون قضية وطنية تغوص في أعماق الوجدان والضمير العربي والإنساني، قضية حق وقضية وطن وقضية هوية وتراث عربي، قضية لا يمكن اختصارها في حماس أو في غزة.

المقاومة الفلسطينية في حرب غزة 2014 بعثت الروح والحياة في القضية الفلسطينية ووضعتها على الطريق المؤدي إلى سلام حقيقي مع عدو لا يعرف إلا لغة المقاومة، سلام يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية.

القضية الفلسطينية ومرحلة ما بعد غزة 2014:

ثلاث جبهات تلعب الدور الأساسي والمحرك الأقوى لمسار القضية الفلسطينية المستقبلي أوردها حسب أهميتها في المسار الذي يجب أن تسير عليه القضية كما أرى وليس كما كان التاريخ  عليه سائراً قبل حرب غزة.

1-  المقاومة الفلسطينية:

المقاومة بكل أنواعها المدنية والمسلحة من قبل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وتنظيماته السياسية والحزبية والمدنية يجب أن تكون عقيدة فلسطينية تقود مرحلة التحرير وبناء الدولة الفلسطينية وتصبح بذلك  مكون هام وأساسي في أي معاهدة أو هدنة للسلام  يجري نقاشها مع الطرف الإسرائيلي أو أي  وسيط عربي أو إقليمي أو دولي. المقاومة المسلحة ضد أي محتل خصوصاً إذا كان ذلك المحتل لا يؤمن إلا بلغة القوة والعنف مثل إسرائيل هو عمل وفعل مشروع وضروري جداً ولم يخبرنا التاريخ بصفحاته القديمة أو الحديثة أن محتلا أهدى الحرية للشعب المحتل كرماً منه ومراعاة للمبادئ الأخلاقية الأممية بل أن التاريخ يؤكد أن حرية الأوطان من المحتل تؤخذ ولا تعطي وإن أخذت على طاولة المحادثات فإن صلابة المقاومة وقوة إرادتها وتضحياتها هي اليد الخفية التي دفعت بالمحتل إلى القبول بالسلام لأنه وجد أن لا سبيل إلى السلم والراحة له ولشعبه إلا بإعطاء المقاومين حقوقهم.

المفاوض الفلسطيني يجب أن يكون في يده اليمنى سلاح المقاومة وفي اليسرى مشروع سياسي متكامل للسلام.المقاومة ليست من فصيل أو حزب،إنها من كل الشعب الفلسطيني وكل مكوناته كل حسب إمكاناته وقدراته: صاحب القلم مقاوم وحامل السلاح مقاوم والمرأة مقاومة والرجل مقاوم والشباب مقاوم. الكل مقاوم لكن ضمن مشروع وإستراتيجية فلسطينية للمقاومة يقرها كمبدأ وعقيدة الشعب الفلسطيني ويلتزم بها حتى التحرير.

المقاومة جزء أساسي من العمل السياسي من أجل التحرير ويجب أن تخضع كل فصائل المقاومة وهيئاتها المسلحة وغير المسلحة للسلطة السياسية العليا التي يختارها الشعب الفلسطيني لقيادة وإدارة مرحلة التحرير، هذه المرحلة المفصلية والتأسيسية في استعادة جزء من الوطن الفلسطيني الذي احتله ومزقه أوصالاً المستعمر الإسرائيلي الذي يريد القضاء علي شعبه أو تهجيره ليقيم دولته اليهودية على كامل التراب الفلسطيني.

بناء الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة لن يتم إلا على يد أبنائها رجالاً ونساء شباباً وشيوخاً،مقاتلين ومساندين، سياسيين وفنانين،أدباء وشعراء الكل ينصهر في بوتقة التحرير والمقاومة كل من الموقع المعظم لعطائه من أجل تحرير وبناء الوطن الفلسطيني تحت قيادة سياسية يقبل بها الشعب تعمل بكل كفاءة وجد علي تحقيق آماله في وطن حر مستقل  يؤمن للإنسان  كرامة العيش والعمل والحرية وطن تنعم به الأجيال الحاضرة والقادمة كما هي حال معظم البشر وما يجب أن يكون عليه حال كل البشر.

أمور جوهرية وضرورية لا بد أن تكون أساساً في البناء إن كان لهذا النموذج والنهج الفلسطيني المقاوم  من أجل سلام حقيقي أن يكون فاعلاً مجدياً:

* التخلص من الترهلات الفردية والمؤسسية المادية والسلوكية التي أوجدها السلام الوهم مع إسرائيل من فساد وتطبيع للحياة وتعاون أمني  مع المحتل ، واعتماد المقاومة طريقاً ومنهجاً لتحيق السلام الحقيقي.

* اعتبار تحرير الوطن وقيام الدولة الفلسطينية هدفاً وطنياً أسمى يعلو فوق كل الأيدلوجيات السياسية والطائفية والعقائدية لجميع مكونات الشعب الفلسطيني من فصائل وأحزاب وأفراد. تحرير الوطن بالمقاومة والنضال المسلح وغير المسلح  يجب أن يكون هدف تطفأ من أجله في هذه المرحلة  كل الشموع  ليظل شعلة متقدة مضيئة موحدة لكل الفلسطينيين تحت نورها وحرارتها. إنني مؤمن أن نهج المقاومة الهادف إلى تحقيق السلام  لن يختلف عليه  فلسطيني فقد وطنه والعدو ماض في إلغاء الوطن والهوية.

* توحيد كل القوى والفصائل الفلسطينية على أرضية وعقيدة وطنية أساسها أن المحتل الإسرائيلي لن يقبل بقيام الدولة الفلسطينية التي قبل بها على الورق إلا بعد إرغامه على ذلك من خلال المقاومة المسلحة والمدنية في إطار ثورة فلسطينية لا تنتهي حتى يتحقق السلام بقيام  دولة فلسطينية مستقلة حرة كاملة مترابطة الأطراف وعاصمتها القدس الشرقية.

* من المهم جداً أن يقود مرحلة التحرير قيادة سياسية فلسطينية شابة يختارها الشعب الفلسطيني من خلال مؤسساته الدستورية، مؤمنة بنهج المقاومة،عالمة وعارفة بالشئون الفلسطينية والعربية والدولية، تدير بكل كفاءة وإخلاص واحتراف الجبهة السياسية الداعمة لشرعية المقاومة والموجهة لخطوطها الرئيسية ومساراتها العامة لكي يتواءم ويتكامل الجهد المقاوم مع الجهد السياسي في الوصول إلى الهدف الأسمى، تحرير الوطن من المحتل وقيام الدولة الفلسطينية.

2- الحكومات العربية:

الحكومات العربية إيمانها والتزامها بالقضية الفلسطينية كقضية عربية مرتبطة بوجدان ومشاعر الفرد العربي وتاريخه الحضاري وأمنه القومي لا يرقى إلى مستوى إيمان الشعوب العربية بهذه القضية. لكن الحكومات العربية هي الحاكمة والمسيطرة على مقدرات هذه الشعوب وقراراتها سيطرة لا تعتمد التفويض والإجازة وإنما تقوم علي دكتاتورية السلطة والتفرد بالقرار بأشكال وأوجه مختلفة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. لذا فإن الخطاب هنا موجه للحكومات صاحبة القرار حتى يكمل الربيع العربي دورته وينهي مخاضه الذي قد يأخذ سنين طويلة حتى  ينبلج فجره. هذا الموقف الضعيف باطناً والقوي ظاهراً للحكومات العربية تجاه القضية الفلسطينية منذ حرب 1948 وحتى الآن لا يعفي الشعوب العربية ويرفع عنها أفراداً ومؤسسات واجب  الضغط على حكوماتها بالوسائل المتاحة للوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية من جهة  ومن جهة أخرى تقديم الدعم الشعبي إلى المؤسسات والقوى الفلسطينية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني ومقاومته.

 الحكومات العربية اليوم يمكنها أن تقوم بمايلي:

*ترك القضية الفلسطينية لأبنائها يديرونها بالنهج والأسلوب والسياسة التي يرونها محققة لأهدافهم وقيام دولتهم فما حك جلدك مثل ظفرك وأهل مكة أدرى بشعابها، والكف والابتعاد عن إدخال القضية الفلسطينية من خلال مناورات القرب أو البعد مع أي من الفصائل والأحزاب الفلسطينية  في مناوراتهم وصراعاتهم السياسية العربية أو الإقليمية.

*تقديم  الدعم المادي والمعنوي المالي والعسكري بكل الوسائل المتاحة بصدق ورغبة حقيقية تتمشى مع صدق ورغبة الشعوب العربية  في مد يد العون لإخوانهم في فلسطين ودون هلع وخشية من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي تجاهر ليل نهار بدعمها المادي والمعنوي لإسرائيل رغم أنها أي إسرائيل مدانة دولياً بالاحتلال والأعمال الوحشية والإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.دعم الحكومات العربية للشعب الفلسطيني المحاصر المحتل بالمال والسلاح مبرراً أخلاقياً وإنسانياً وقانونيناً (معاهدة الدفاع المشترك العربية وغيرها من معاهدات الجامعة العربية القائمة قانونيا والمعطلة فعليا ).

* فتح باب الدعم الشعبي للشعب الفلسطيني ومقاومته وإزالة العوائق الإجرائية والسياسية من طريقه لينساب الدعم من الأفراد والمؤسسات المدنية بكل أشكاله إلي الشعب الفلسطيني ومقاومته.

* فتح كل المعابر والحدود مع الأرض الفلسطينية التي تديرها وتشرف عليها الحكومة الفلسطينية

3-الولايات المتحدة الأمريكية:

حسب الواقع السياسي المعاش فإن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تمسك بكل مفاتيح القضية الفلسطينية. كيف ذلك؟ من الجانب الإسرائيلي الأمر مفهوم بحكم العلاقة الإستراتيجية الأمنية والاقتصادية والسياسية بين البلدين. أما فيما يتعلق بالحكومات العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية  فقد سلموا الأمر كله للولايات المتحدة الأمريكية لأسباب يصعب جمعها هنا لكن يمكن اختصارها بأنها نوع من أنواع فقدان الثقة بالنفس والبحث عن داعم سياسي خارجي عندما تكون قواعدك الشعبية غير مؤمنة بك وبصلاحك وقدرتك.

موضوع العلاقة بين الحكومات العربية والشعوب ليس هو موضوعي هنا لكن ما يعنيني هو دور الولايات المتحدة في إدارة وتوجيه القضية الفلسطينية الذي ما كان له أن  يكون بهذه القوة والفاعلية لو أن الحكومات العربية وخصوصاً تلك المرتبطة تاريخياً وجغرافياً بالقضية الفلسطينية لم تسلم كل أوراقها للولايات المتحدة أو لو أنها تجرأت على الكلام والفعل دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني ولو أغضب ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

 الحكومات العربية لا تستطيع أن تملي على الولايات المتحدة ما تريد  خصوصاً في موضوع يتعلق بإسرائيل لكن الحكومات العربية  تستطيع جماعة أو فرادى أن تقف إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني في كفاحه من أجل إقامة دولته على جزء من أرضه التي احتلتها إسرائيل في حرب 1948 وما بعدها من حروب وتقدم للشعب والحكومة الفلسطينية الدعم المالي والسياسي والعسكري استناداً إلى القانون الدولي والقانون الأخلاقي وفوق كل ذلك الروابط السياسية والتاريخية والقومية والأمنية مع الشعب والدولة الفلسطينية وإن أغضب ذلك  الولايات المتحدة وهددت بقطع المعونات عن الحكومات العربية أو رفع الحماية العسكرية  عنها أو عدم بيع السلاح لها . الوقوف في وجه الانحياز الواضح للولايات المتحدة الأمريكية ضد حق الشعب الفلسطيني ومع الاحتلال الإسرائيلي  يتطلب استقلالاً حقيقياً للحكومات العربية من السيطرة السياسية والمالية و الإستراتيجية الأمريكية وهذه أمور وإن بدت صعبة إلا أنها ممكنة وتحظى بدعم شعبي قوي لأنها تمس كرامة الأمة واستقلال القرار السياسي الوطني.

الحكومة الأمريكية قائدة فريق الحماية والدعم الغربي لإسرائيل لا يمكن أن تتخلى عن إسرائيل في المدى المنظور لكنها سوف لن تستطيع ممارسة الضغط على الفلسطينيين لصالح إسرائيل لو وجدت أمامها صفاً من الدول العربية واقفاً للدفاع عن الفلسطينيين بصدق وعزيمة يدعمها في ذلك الحق والقانون الدولي والإنساني المساند لقضايا التحرير والدفاع عن النفس.

خلاصة القول، حرب غزة 2014 بعثت القضية الفلسطينية من سباتها ووضعتها على الطريق المؤدي إلى سلام حقيقي مع إسرائيل بعد أن ظن الإسرائيليون أنهم قد انتزعوا ودمروا روح المقاومة والفداء لدى الشعب الفلسطيني بعد تخديره بعملية السلام الوهم.

هل ينجح الفلسطينيون وقياداتهم السياسية والمقاومة في البناء علي النصر الذي تحقق و السير علي النهج المقاوم تحت راية فلسطينية شاملة جامعة؟ أم سيحاول كل فصيل أو حزب تجيير النصر لصالحه فتضيع القضية كما ضاعت سابقاً؟

لقد جير السادات نصر حرب أكتوبر1973 لصالحه كنبي للسلام مع إسرائيل، لم يتحقق السلام وخسر العرب والفلسطينيون مصر المحاربة وخسرت مصر دورها القومي و ريادتها العربية وقتل السادات.

وجير نصرالله انتصار حزب الله اللبناني على إسرائيل في حرب 2006 لصالح سلطة حزبية عسكرية أقامت دولة داخل دولة. تعدت أضرارها حدود الدولة اللبنانية وأخلت بموازين القوى المدنية اللبنانية إخلالاً لم تستقر بعده البلاد حتى يومنا هذا.

الفرق بين القضية الفلسطينية والمثالين أنه بالنسبة لمصر وحزب الله هدف إسرائيل هو تحييدهما والدفع بهما خارج ميدان المقاومة والدفاع  عن  القضية الفلسطينية وقد فعلت.

أما بالنسبة للفلسطينيين فهدف إسرائيل القضاء على أملهم ومستقبلهم في وطن ودولة فلسطينية وشتان بين هذا وذاك. فهل يرتقي الفلسطينيون إلى مستوى الخطر الإسرائيلي ويسيرون قدماً على طريق المقاومة تحت راية واحدة، ثورة حتى التحرير؟ المستقبل كفيل بالإجابة.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق