الدور السعودي في الإطاحة بشاه إيران

الكاتب:

2 يونيو, 2014 لاتوجد تعليقات

في مقالة للكاتب أندرو سكوت كوبر في أكتوبر من عام 2008م بعنوان (مواجهة الدوحة-اتفاقية النفط السرية التي ساعدت على سقوط الشاه) أفاد أنّ الوثائق السرية لـِ (برنت سكوكروفت) الذي كان يعمل في عهد إدارتي الرئيسين (ريتشارد نيكسون و جيرالد فورد) و أُزيلت السرّية عنها كشفت أنّهٌ في عام 1976م قامت الولايات المتحدة بدعم من السعودية بفرض خفض أسعار النفط؛ مما أدى إلى حدوث الأزمة المالية التي زعزعت استقرار الاقتصاد الإيراني، وأضعفت قبضة الشاه على السلطة وعجلت بسقوطه.

فقد كشفت وثائق ِسكوكروفت التي نشرت أيضًا في موقع ويكيليكس (Wiki Leaks ) وهي عبارة عن نصوص لأحاديث ومذكرات ومراسلات بين  الرئيسين (نيكسون و فورد) إلى جانب وزير الخارجية (هنري كيسنجر) كثيرًا من الأسرار التي تتعلق بخفايا الثورة التي أسقطت الشاه وأهمها أنّ المتسبب الرئيس في الأزمة المالية الإيرانية التي أدت إلى سقوطه هي سياسة الولايات المتحدة بدعم من السعودية،  التي تحدّت في اجتماع منظمة الأوبك في شهر ديسمبر من عام 1976 م بالدوحة اقتراح إيران برفع الأسعار، وأعلنت على لسان وزير النفط الأسبق (الشيخ أحمد زكي يماني) بأنّ المملكة ستُبطِل أي تأثير برفع الأسعار، و ذلك بإغراق الأسواق العالمية بنفط رخيص.

فقد كانت المملكة تراقب باهتمام شديد تنامي القدرة العسكرية للجيش الإيراني من تسليح حديث وتدريب، حيث كانت إيران تُلقّب بـِشُرطيّ الخليج ذلك الوقت، وهو ما كان يقلق السعودية، سبب آخر أيضًا يهم المملكة هو أنّ المخطط الأمريكي لحماية منابع النفط في الخليج  المملكة في حال تعرض تلك المناطق إلى أي أخطار كان يشمل دعم إيران، لذا رأت السعودية أنّهُ في مصلحتها دعم التوجه الأمريكي تجاه إيران لتحجيم القوة العسكرية المتنامية للجيش الإيراني من ناحية أخرى اعتبرت المملكة هذا الدعم فرصة لتعزيز مكانتها بصفتها حليفًا استراتيجيا للولايات المتحدة في المنطقة بدلاً من الشاه.

وقد حانت الفرصة للتخلص من الشاه في منتصف السبعينيات الميلادية، بعد أن وقع خلاف بين الشاه والإدارة الأمريكية، حيث كانت أوروبا والولايات المتحدة تحت ضغوط مالية صعبة بسبب ارتفاع أسعار النفط؛ من جهتها كانت الولايات المتحدة تحاول جاهدة دفع أسعار النفط إلى الأسفل بأي طريقة كانت لكن الشاه من جهته كان يصرّ على إبقاء الأسعار مرتفعة لتغطية خطط الإنفاق الضخمة لميزانية الحكومة الإيرانية، واعتبرت الولايات المتحدة إصراره على ذلك خروجًا عن سياستها الرامية لخفض أسعار النفط.

وكان وزير الخارجية الأمريكية الأسبق (هنري كيسنجر) الذي كان يصف الشاه بأنه حليفٌ للولايات المتحدة قد قال بأنّ الشاه: “قد خرج عن الخط فيما يتعلق بأسعار النفط”. هذا الاختلاف بين الطرفين كان بمثابة الضوء الأخضر للمملكة لتحل محل إيران وتصبح الحليف الأول في المنطقة للولايات المتحدة بدلاً من إيران، لذا بادرت المملكة و أبدت استعدادها لحل المشكلة و مساعدة الولايات المتحدة بدفع الأسعار إلى أسفل، و كانت صفقة (كيسنجر) مع السعودية بشأن الأسعار تشمل إيقاف أو تحجيم النفط المصدّر من إيران، لإضعاف الموقف الإيراني الداعي إلى رفع الأسعار عن طريق خفض أسعار النفط، التي انعكست بالتالي على الإيرادات المالية للحكومة الإيرانية مما أدى إلى إضعاف موقف حكومة الشاه فسقوطها.

 وهو ما حدث في اجتماع منظمة الأوبك الشهير في (الدوحة) العاصمة القطرية في شهر ديسمبر من عام 1976م بعد أن طالب المجتمعون تنفيذ وعود اتفاق (بالي) الذي عُقد في شهر مايو من نفس العام الذي اتفق خلاله الدول الأعضاء في المنظمة على تجميد الأسعار لمدة ستة أشهر، لكن بعض الدول في اجتماع الدوحة تراجعوا عن وعودهم وأبدوا معارضتهم لزيادة الأسعار وتعهدت السعودية على لسان وزير النفط (الشيخ أحمد زكي يماني) بإغراق الأسواق بنفط رخيص للحدّ من ارتفاع الأسعار.

الهدف من إغراق الأسواق هو إضعاف موقف إيران تجاه التحكم بأسعار النفط وتحجيم قوة الشاه الذي يدعم ارتفاع الأسعار، وهي نقطة الخلاف مع الإدارة الأمريكية، لذا كان على المملكة بالاتفاق مع الولايات المتحدة ضخ المزيد لإغراق الأسواق العالمية بنفط رخيص، والذي يقضي بشكل نهائي على أي دور لإيران للتأثير في أسعار النفط بشكل كامل، وبالفعل بدأ الاقتصاد الإيراني يعاني من انخفاض الأسعار منذ بداية الأسبوع الأول من شهر يناير من عام 1977م، حيث تسببت عملية إغراق الأسواق العالمية بالنفط إلى  اضطرابات داخل الأسواق والتي أدت إلى خفض إنتاج النفط الإيراني بنسبة 38% ، وتقلصت العائدات والإيرادات المالية من النفط مما تسبب في إعادة حكومة الشاه لكتابة ميزانيتها لتتماشى مع التطورات الجديدة غير الطبيعية التي طرأت على أسواق النفط العالمية، وألغت خطط الإنفاق الجديدة وجمّدَت برامج المساعدات الخارجية وأجبرت الأزمة الحكومة الإيرانية على الحصول على قرض طارئ بقيمة 500 مليون من الولايات المتحدة و أوروبا، لكن كل ذلك لم يجدِ نفعًا.

 و بعد حوالي عشرة أشهر من اجتماع الدوحة، واستمرار خفض الأسعار بدأ الشعب الإيراني بالتذمّر من سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة، وبدأت المظاهرات ضد الشاه في شهر أكتوبر من عام 1977م ، وأخذت المظاهرات تتحول تدريجيًّا إلى مقاومة مدنية، واشتدّت أكثر في يناير من عام 1978م بعد دخول عناصر دينية في المظاهرات التي ازدادت وانتشرت خلال الفترة من شهر أغسطس وديسمبر 1978م في جميع أنحاء إيران، مما دعا بالشاه بنهاية المطاف إلى مغادرة إيران إلى المنفى في 16 يناير 1979م، والذي تزامن مع عودة الخميني من منفاه في العاصمة الفرنسية باريس.

في وقتٍ لاحق أكد أحد كبار الاقتصاديين بحكومة الشاه أنّ الحكومة قد توقعت إمكانية حدوث انخفاض في أسعار النفط لكنها لم تتوقع أن يصل انخفاض أسعار النفط إلى تلك المستويات، وعلى الرغم من ذلك حاولت الحكومة الإيرانية تعديل الوضع، لكن الأزمة المالية كانت قد تفاقمت أكثر، مما أدى إلى الإعلان عن ميزانية انكماشية قاسية أدّت إلى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الاضطرابات التي ساعدت في غليان الشارع الإيراني ونزول الملايين للمناداة بسقوط الشاه و حكومته.

 

إذن طبقا للمعطيات السابقة أقول إنّ إدارة الرئيسين (نيكسون و فورد) سَعَيتا وبدعم هائل من قوة الإنتاج السعودي من النفط إلى تقويض قوة الشاه بالتحكم بأسعار النفط، لكنها تسببت في إسقاطه، وهو أكثر مما كانت تطمح له الإدارة الأمريكية و السعودية بصفتها شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة، حيث أدى سقوط الشاه إلى سلسلة من الأحداث التي لم تنتهِ فصولُها حتى هذه اللحظة، والتي بدأت بدخول الجيش العراقي للأراضي الإيرانية في عام 1980م، وهو تدخل يعده البعض محاولة من الإدارة الأمريكية لتعديل الخطأ الذي ارتكبته في إيران.

 

خاص بموقع “المقال” 

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق