مصير “احتلوا وول ستريت” تُحدّده الشرطة الأمريكية

الكاتب:

28 نوفمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

لا يُمكن تجاهل تأثير الثورات العربية في نظرة العالم وإيمانه بإرادة الشعوب وقيمة تلك الإرادة الجمعية. ما حصل ويحصل في الدول العربية جعل شعوب العالم تتوقّف لتُعيد النظر في كيفية تعريفها ورؤيتها لنفسها، وتتساءل عن قدراتها وطموحاتها الحقيقية. وحركة” احتلوا وول ستريت” ليست باستثناء من ذلك التأثير. فمنذ بدايات الحركة قال المحتجّين أنهم يريدون تحويل شارع المال والأعمال، وول ستريت إلى “ميدان تحرير”. هذا عدا بعض اللافتات التي حملها المتظاهرون والتي تضمّنت عبارات مثل، “امشِ كمصري” و” حارب كمصري”.

حركة “احتلوا وول ستريت” هي تعبير شعبي عن سخط الشعب الأمريكي على النظام الرأسمالي وضيقهم بجشع مالكي الشركات الكبرى، الذين يستولون على معظم الثروات في حين يحصلون على “تنزيلات هائلة” في دفع الضرائب. لم يعد يستطع المواطن الأمريكي من الطبقة المتوسطة أن يتعامى عن حقيقة عبوديته للوبيات الصناعية التي تمصّ دمه ولا تكتفي، في حين يرى أن الشعوب العربية لا يمنعها فقرها من الثورة من أجل كرامتها الإنسانية .

وقد ظهرت فكرة الحركة بإلهام من مجلة كندية ، آدبسترز Adbusters ، مناهضة لنمط الحياة الاستهلاكية وداعية إلى أنماط معيشية صديقة للبيئة.وبالرغم أن التظاهرات كانت سلمية بحتة إلا أنها لم تسلم من أيدي شرطة نيويورك، التي لم تُمهِل المتظاهرين أكثر من يومين -منذ بدايتها في 17 سبتمبر- قبل أن تبدأ في عمليات الاعتقال. وهكذا اعتقلت الشرطة أكثر من 90 متظاهر في الأسبوع الأول فقط،، بذريعة “عرقلة السير” و”مقاومة الشرطة”. إلا أن عملية الاعتقال الأكبر كانت في 30 سبتمبر، فاعتقلت شرطة نيويورك 700 متظاهر كانوا يُحاولون عبر جسر بروكلين بتهمة عرقلة المرور. هذا وقد صرّح كثير من المتظاهرين أن الشرطة تعمّدت جرّهم إلى وسط الطريق ليكون لديها سبباً لاعتقالهم.

وبالرغم أن مطالب الحركة في جملتها لا تختلف عن مطالب الثورات الجارية في العالم العربي، حيث تُطالب بالعدالة والمساواة الاجتماعيةوالاقتصادية، و تحسين الأوضاع المعيشية من خدمات صحيّة وتعليمية، إلا أنها لم تسلم من الانتقادات سواء من الوسط الأمريكي أو العالمي. فبعض النقّاد قالوا أن مطالب الحركة مائعة وشِعاراتية، وأن تحقيقها لم يُبنَى على أي خطة مدروسة. والبعض الآخر انتقد كون الحركة بدون زعامات رسمية أو أي انتماءات سياسية أو أيديولوجية، لأن عدم الانتماء الأيديولوجي –على حسب زعمهم- يجعل الحركة أقل فاعلية. لكن البعض سَارعَ في استباق الأمور والتنبؤ بأن الحركة ستلعب دور “حزب الشاي”، لكن في الطرف الآخر من معادلة المشهد السياسي الأمريكي.

ولم تتوقّف الانتقادات عند الجانب الفلسفي والأيديولوجي للحركة، بل تجاوزتها إلى الرغبة في لفت الانتباه وتعبير الشعب عن حسّهم الكرنفالي بإقامة المخيمّات، والاستمتاع بكل ما يأتي معها من مظاهر ثقافية واجتماعية. وهذا يأخذنا إلى انتقادٍ آخر تواجهه الحركة وهو شريحة المشاركين في المظاهرات. فكثير من النقاد يزعمون أن المتظاهرين هم من العاطلين عن العمل وجماعات الهيبز المناهضة لطابع الحياة الاستهلاكية الرأسمالية و غيرها من الجماعات المنعزلة عن الحياة الواقعية، هذا عدا المتقاعدين وكبار السن.

إن انتقاد حركة”احتلوا وول ستريت” ليس مستغرباً، بل ربما هو ردة فعل طبيعية لأي حركة شعبية جديدة. لكن من المهم التفريق بين الانتقاد لمجرد الانتقاد، والانتقاد الذي يُحاول توفير بدائل أكثر فاعلية. وأعتقد أن أهم هذه البدائل وأكثرها عملية هي حملتا Move Your Money  أو “انقل مالك” و Close Your Account أو”اقفل حسابك”. والفكرة الرئيسية وراء هاتين الحملتين هي عدم المشاركة في النظام المالي الحالي أو تعزيز سُلطته ، و مقاطعة المؤسسات المالية التابعة لوول ستريتوالتعامل مع المؤسسات المالية الإقليمية الصغيرة.

هاتان الحملتان تُحاولان تحويل الغضب الشعبي على النظام المالي الأمريكي إلى سلوك عملي وحضاري. فحملة “انقل مالك” تدعو إلى تحويل الخامس من كل شهر-ابتداءا من الخامس من نوفمبر- إلى يوم لتحويل الحسابات البنكية Bank Transfer Day إلى البنوك المحلية الصغيرة. أما حملة “اقفل حسابك” فتُحاول أن تجعل عملية تحويل الحسابات البنكية أكثر انتظاماً- كل يوم اثنين- وتحويلها إلى تجربة بصرية مستفزة للعاملين في البنوك الكبيرة، وذلك بلبس قميص يحمل عبارة” أرجو إقفال حسابي”، لإيصال فكرة عدم رضا العملاء عن سياسة تلك البنوك وقدرتهم على ممارسة إرادتهم في الانسحاب منها والمساهمة في إفلاسها.

أما الشيء الذي سيُحدّد إذا ما كانت هذه الحركة قادرة على خلق تغيير جذري في المجتمع الأمريكي أو التحّول إلى ثورة شعبية، هو كيفية تعامل الحكومة الأمريكية مع المتظاهرين السلميين. فاستخدام الشرطة للعنف والقوة المفرطة (رذاذ الفلفل الحارق والقنابل المسيلة للدموع) منذ 30 سبتمبر، ثم حظر التجوال في حديقة ميدان واشنطن في 8 أكتوبر- بذريعة عدم الحصول على تصريح لإقامة المظاهرة، واستمرار فضّ الاعتصامات بالقوة مثل إلقاء شَرطة بوسطن بأغراض المتظاهرين في حديقة روز كينيدي في القمامة، كلها تُشير إلى أن غباء الشرطة الأمريكية في التعامل مع المتظاهرين السلميين لن يجعل تلك المظاهرات أكثر بكثير من تعبير عن الغضب الشعبي.

كان مطلب المتظاهرين بدايةً هو إعادة فرض ولاية نيويورك لضريبة بنسبة 2% على الثروات الضخمة والشركات المالية الكبيرة وتوفير فرص وظيفية وتعليم مجاني للشباب. أما الآن فقد تراجع مطلبهم إلى السماح لهم بالتجمّع السلمي وممارسة حق حرية التعبير، الذي من المفترض أنه من أساسيات الدستور الأمريكي.

هل سنرى متظاهري وول ستريت يُطالبون بإسقاط سلطة الشرطة؟ هذا ما ستُحدّده طريقة تعامل الشرطة ذاتها مع المتظاهرين في الأيام المقبلة.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق