أنيس السامر في قصة “أبي سامر”!

الكاتب:

2 نوفمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

أبو سامر .. وما أدراك ما أبو سامر!.. أبو سامر هو اللقب الحركي لإنسان سوري يعيش خارج الأراضي السورية منذ زمن بعيد.. ويُـعْـرف بين الكثير من الذين اقتربوا منه بأنه أشبه بمعارض سوري لأنه يكثر من النقد الشرس للنظام السوري بمناسبة وغير مناسبة.. ويجتمع حوله الأصدقاء ليفعل ذلك كلما سنحت له الفرصة.. لدرجة أن كثيرين كانوا يظنون أن لديه مشكلة شخصية تجاه عائلة الأسد جميعاً وتجاه طبيب الأسنان “بشار” بصفة خاصة.

“أبو سامر” ليس شخصية وهمية.. وإن كان هذا اللقب من وحي القلم.. لم أقابله وجهاً لوجه لكن كل التفاصيل والمواصفات إذا انطبقت على أي شخصية مماثلة فالأمر ليس من قبيل المصادفة ولا الموافقة.. بل بسبق إصرار وترصد. أبو سامر كان يُعْرف عنه اقتناصه الفرص لنقد النظام والمطالبة بتعديل جذري فيه أو حتى ربما إسقاطه.. مع أن هذا الشخص يكتنف شخصه بعض الغموض وتحتف به الأسئلة من أصدقائه المقربين قبل البعيدين.

“أبو سامر” كان يمثل مرحلةً مهمة.. يسير عكس التيار كما يقولون يوم كان أشبه بمعارض سوري لكنه ليس معارضاً مكتمل النمو لأن قدرته السياسية المتواضعة وبساطته العلمية لا تؤهله لأكبر من هذا.. فهو يعمل بالتجارة الحرة البسيطة.. ويذم “بشار” حينما يتعكر مزاجه من أي شيء.. حتى أنه ربما يكون مستعجلاً يوماً ما لم يستطع فتح باب شقته بالسرعة الكافية فيلعن “بشار” أمام سمع كل من حوله وبصرهم كما يفعل كل مرة حينما يصعب عليه أي أمر..

الشيء الأكثر غرابة في “أبي سامر” والذي لم يكن بحسبان أي أحدٍ ممن عرفه أو اقترب منه.. أن ذلك الرجل الذي كان يذم بشار ويسبه لأي غرض ومناسبة قبل بدء ما يسمى بالربيع العربي وفورة الثورات.. أصبح بعدها يتحفظ على أي نقد للنظام.. وانقلب يدافع عنه.. وأصبح بشكل واضح ومكشوف يبرر للنظام وسياسته.. ويخاف كل شيء بعد رحيله.. ويزعم أن “بشار” صمام أمان ضد العنف وضد الطائفية وضد الحرب الأهلية.. وأصبح أبو سامر يدعم ما يسميه بـ”إستراتيجية الإصلاح” التي يطبقها بشار الأسد ويحذر من النزول للشوارع و”الفوضى” و”الجماعات المسلحة”!

هكذا دفعة واحدة انقلب “أبو سامر”.. وتبخر كل ذلك الكلام الذي كان يعرفه منه أصدقاؤه حول نقد النظام بل ونقضه.. وعرف الكثيرون من الذين كانوا يعرفونه بأن “أبا سامر” هذا لم يكن منذ البدء شبه معارض ولا متحفظ ولكنه كان أحد أدوات حزب البعث الاستخباراتية لجمع المعلومات ورصد المعارضين الحقيقيين.. واختراقهم من الداخل..!

بعد الثورات العربية.. الاستخبارات نفسها لم تعد ترى أن تمثيل دور “شبه معارض” يفيد النظام.. لأن كل المعارضات العربية لم تعد تخفي أعمالها ورؤاها وأهدافها.. وأيضاً لأن تمثيل دور المنتقد والمختلف مع النظام قد يكون نفسه أداةً حقيقية لتشجيع الآخرين على النقد الحقيقي للنظام وبالتالي إسقاطه.. وهذا ماعرفته الحكومة السورية.

القصة -هنا- باختصار شديد أن النظام السوري لم يعد يرى أن الاصطفاف مع المختلفين مع النظام أمراً يفيد الاستخبارات ولا أمراً يغوي النظام.. بل قد يكون بالفعل أداةً غير مضبوطة لكسر حاجز الخوف من النظام وإشاعة نقده.. وهذا ما حصل.

بعد الثورات العربية.. نقد النظام ولو كذباً يضعفه بالفعل.. لأنه يمارس أول خطوة وأهمها.. خطوة ” كسر حاجز الخوف” وجدار الصمت.. ولذلك فإن دور الشبكات الاجتماعية كان يصب في هذا الاتجاه.. ومع بروز دور الشبكات الاجتماعية.. لم يعد المخبرون يرون أن إخفاء شخصية “المخبر” أمراً مفيداً..

انتشار المخبرين يعني أن ينتشر الخوف من المخبرين.. وأن يشك الناس بالمخبرين.. وأن يتهم الناس آخرين بأنهم مخبرون.. وفي النهاية لا أحد يقول شيئاً لأن هناك “مخبرون”.. ولأن “المخبرين” قد ينقلون.. والمخبرون كثر!

هذه المعادلة.. هي معادلة “الجدران التي لها أذان”.. تجعل كل أحد يكظم صوت الوعي في داخله خوفاً من تلك الأذان والأعين.. وينقطع الوعي.. وتمنع انتشار كلمة الحق والعدل والإنصاف..

فمع الشبكات الاجتماعية لم يعد أحدٌ يسأل عن هؤلاء المخبرين.. بل أصبحوا مادة لطيفة وجميلة للتندر والنكت.. وأصبح هؤلاء المخبرون أنفسهم أهم وأكبر أداة لتشويه صورة النظام.. ولتقديم  شكل لا أخلاقي للجهاز الأمني ضد الناس.

بعد الثورات العربية.. وبفضل أدوات التواصل والشبكات الاجتماعية.. النقد والتشريح.. قد يشكل رأياً عاماً.. فلم يعد الناس يهتمون بالجدران ولا بالأذان.. لأن الناس أنفسهم اكتشفوا أن لهم أذانا.. ولم يعد وجود المخبرين أو عدم وجودهم يغير من المعادلة شيئاً.. فالكلام الذي قد ينقله المخبرون هو بالتحديد هو ما يريد الناس للنظام أن يسمعه.. والشعب المنتفض في سوريا على سبيل المثال.. لم يعد يهمس بينه وبين نفسه.. بل أصبح يصرخ في الشوارع.. ويزلزل الأرض.. وهذا ما يجعلها ثورة محسومة.. ومسألة وقت.

وبعد تحول أبي سامر.. فإن أهم إنجازات الشبكات الاجتماعية هو أن الناس لم يعودوا يسألون أو حتى يهتمون إذا ماكان هناك “أبو سامر” فالوعي لن يقف خوفاً من وجوده.. بل أصبح أبو سامر نفسه.. مزاراً لكل الساخرين والعابثين و”المحششين”.. ومجالاً خصباً لتطوير النكتة التي تذكرني بمقولة فريدة لكريستوفر هيتشينز حينما قال “الشعوب تثور.. فقط حينما تعرف أن تصنع النكتة”!

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

عن عبدالله العودة

كاتب حاصل على ماجستير قانون
زيارة صفحة الكاتب على تويتر

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق