حكاية المطبلاتية والنفيخة

الكاتب:

19 أكتوبر, 2011 لاتوجد تعليقات

هكذا حدثت هذه الحكاية في شارع محمد علي بالقاهرة.. وربما تحدث في حياتك اليومية الآن، الشارع الشهير خطه محمد علي نفسه في القرن التاسع عشر بمعية المهندس الفرنسي “هوسمان” ليكون توأماً لشارع ريفولي الباريسي، بمرور الوقت تحول الشارع إلى ملتقى للفنانين والموسيقيين والمطربين والراقصين من الجنسين وتُقام الحفلات الليلة الملونة على شرفهم، وبدأ الناس من أحياء القاهرة وأقاليم مصر ممن يحتاجون إلى إحياء أفراحهم أو موالدهم ومناسبات عودتهم من الحج أو العمرة يتوافدون إلى الشارع للتعاقد مع الفرق الموسيقية والمطربين والراقصات وبقية مباهج الفرحة، وتماهياً مع الموضوع المربح نشأت في العام1860  فرقة حسب الله الشهيرة لتضم نخبة طليعية من العازفين والمطبلين بقيادة المايسترو الشعبي حسب الله، الجدير بالذكر أن هذه الفرقة في بدايتها كانت رائدة بخلاف الشائع حتى وصل بها المقام أن تعزف أمام حكام مصر في عهود البشوات.

مع بداية القرن العشرين ازداد الطلب على الفرق الموسيقية وبالتالي زاد الطلب على عاملين جدد وهذا يعني انخفاض الجودة، فتناقص عدد العازفين الحقيقيين في الفرقة الواحدة مع دخول نافخين جدد، كانت المهمة الأساسية لهؤلاء النافخين هي أن يرتدوا ملابس الفرقة البنية المزركشة ذات الأربطة الحمراء والخضراء ويمسكوا بالآلات النحاسية وينفخون فيها وهم يحركون أجسادهم على نغم الإيقاع أو يطبلون بحيث لا تطرق أياديهم الطبلة بل تعطي إيحاءً بالحركة والانسجام، هكذا يا أصدقائي ظهر للكون مهنة جديدة وهي مهنة الادعاء في أجمل صورها، كان دخول الفرقة بكامل طاقمها منصة الحفل بملابسهم المميزة والآلات النحاسية مقنعًا لصاحب الحفل والضيوف بجودة الفرقة، فيكفي في الفرقة المكونة من 11 شخص أن تحوي نصف العدد من العازفين والمطبلين الحقيقين والبقية يتم تعبئة المكان بهم كممثلين فقط، يلتقط الكاتب المصري الساخر علي سالم من الموقف عبارة (تلبس مزيكا ؟) وهو السؤال الافتتاحي لعقد العمل كنافخ موسيقى بين رؤساء الفرق والعاطلين عن العمل الجالسين في مقاهي الشارع، حيث يعتاد العاطلين عن العمل الجلوس على مقاعد مقاهي الشارع انتظاراً لفرص النفخ والتطبيل الإيحائي.

في بيئات العمل غير المرضية والمجتمعات التي لا تنتج تنتشر مقولة غربية المصدر تقول Keep busy do nothing بمعنى (تظاهر بالعمل ولا تعمل)، تأمل يا رعاك الله الآن كم من نافخ موسيقى مزيف في الإعلام والفن والأدب والصحافة يدّعي أنه يعمل ولكنه لا يعمل؟ وكم من مبنى حكومي راجعت معاملتك فيه من مكتب لمكتب ودور لآخر وستعرف أنهم حولك، يشعرون بك ويعزفون لك.. وعليك.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق