ملعوب علينا.. حقٌ وقضية

الكاتب:

18 أكتوبر, 2011 لاتوجد تعليقات

ككثير من التعبيرات المحلية السعودية التي مرّت بحالة من الانزياح نحو حمولة جديدة من المعاني بفضل حراك السعوديين اللغوي على شبكات التواصل الاجتماعي؛ فإن تعبير “ملعوب علينا” الذي كان يُستخدم اجتماعياً لتوصيف موقفٍ محدود في زمانه و مكانه، تطوّرت أبعاده عندما تحوّل على تويتر خلال أربعة أشهر إلى هاشتاق #mal3ob3lena، ثم صار الهاشتاق أيقونة ترمز إلى أداء حرّ في السخرية من جملة الأساطير السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية التي طالما عاش أفراد المجتمع في ظلالها سابقاً. “ملعوب علينا” أصبحت علامة فارقة ببُعدها الجديد، و تطور استخدامها لتصبح اسماً لأحد البرامج الشبابية التي تعرض على موقع يوتيوب، ضمن موجة من البرامج و الأفلام التي تتخذ من يوتيوب شاشة عرض مجانية لها، و باتت مجتمعة تمثل ظاهرة خاصة بدأت منذ العام الماضي و توفّر للمشاهد مادّة كوميدية و درامية و وثائقية مفارقة في سقفها و مضامينها للأعمال السعودية التي يتم عرضها عادة على الشاشات الرسمية و التجارية. بدأت حلقات برنامج “ملعوب علينا” الذي يقدمه فراس بقنه قبل شهرين بحلقة عن نظام المخالفات المرورية “ساهر”، أعقبتها حلقتان حول ارتفاع الأسعار و الشباب، و جميعها حققت نسب مشاهدة جيدة؛ لكن الحلقة الرابعة التي نُشِرت قبل أسبوع واحد فقط و موضوعها الفقر، تجاوز عدد مشاهداتها حتى اللحظة 600 ألف مشاهد، لأن هذه الحلقة بالذات إضافة إلى موضوعها الجريء و أسلوب تقديمها الأكثر جرأة؛ أعقبها توقيف و استجواب فريق برنامج “ملعوب علينا” الذي ذاع خبره مساء الأحد الماضي، و لا يزال أعضاء الفريق رهن التوقيف حتى اللحظة، و خلال اليومين الماضيين، عاد هاشتاق “ملعوب علينا” إلى الحراك الساخن و بضجة تفوق تلك التي أحدثها في بدايته.

تضاربت الأنباء في البداية عن سبب التوقيف وحيثيات الإستجواب، إذ تواترت أصوات تحاول طمأنة جمهور البرنامج بأن ما جرى مجرد إجراء روتيني على خلفية الحلقة الأخيرة التي تم تصويرها مع الفقراء في حي الجرادية في الرياض، لكن هذه التبرير قابلته انتقادات من قبل عدة ناشطين حقوقيين، مفنّدين ذلك بأن الاستجواب يمارس من قبل المحققين في هيئة التحقيق والادعاء العام، و ليس من قِبل سلطة رجال الضبط كما يجري مع فريق البرنامج.

اللافت في الأمر أن الوعي الحقوقي كان سمة بارزة في عبارات كثير من المغردين و تساؤلاتهم حول إيقاف و اعتقال من يسهم في الكشف عن مشكلة الفقر في السعودية، إذ من المفترض أن يستحق التشجيع و الدعم، و قد أبدوا تضامنهم مع فريق البرنامج، إضافة إلى وضع شعار البرنامج في زاوية الحسابات الشخصية في تويتر تعبيرا عن هذا التضامن، بينما ظلت أعداد مشاهدات الحلقة في نمو مضطرد مع كل ساعة من نهار الأمس.

و كانت بعض أبرز التغريدات على تويتر تصبّ في هذا السياق:

“@BaNaN_S: افكر جديا بتصوير الاحياء الفقيرة في مدينتي و نشرها تضامنا مع فراس بقنه، ريتويت اذا تؤيد الفكرة”

“@Ahl89am: يا سخرية القدر في يوم الفقر العالمي 17 أكتوبر يحقق مع شاب سعودي لمجرد القائه الضوء على مشكلة الفقر بالسعودية”

“@iAbuhesham: من قال هناك فقر فهو مجرم.. ومن تسبب في هذا الفقر فليس بمجرم”

“@Hmd_Almajed: الفرق بين الجيل القديم، والجيل الجديد ، كالفرق بين قول الأول (الله لا يغير علينا)، وقول الثاني ( والله ملعوب علينا)”

“@mashi9a7 :  خبر الإعتقال دفعني لمشاهدة الفيلم لأول مرة، اعتقالهم سيزيد من شهرة الفيلم ويكسبه مزيد من المصداقية”

“@jeddahjustice : 690 يوم، يعتقل شباب وطنيون لأنهم نقلوا هموم الفقراء، وجدة ما زالت تنتظر العدالة، ومجرموها أحرار”

“@aymanway : في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر، ثم يستدعونك للتحقيق” 

و كان من اللافت للنظر بالأمس تضامن نجوم الإعلام الجديد من الشباب مُقدّمي البرامج على يوتيوب، مع زملائهم فريق عمل “ملعوب علينا”، في ذات الوقت الذي ترددت تساؤلات بعض المغرّدين حول أثر هذا التوقيف على مُستقبل هذه البرامج و على أداءِ كُتابها و مُقدّميها؟ فهذه البرامج مثلت طفرة إعلامية و قدّمت أخيراً البديل الإعلامي المستقل و الجماهيري في ظل أجواء إعلامية تسيطر عليها القنوات الحكومية و شبه الحكومية بأهدافها الخاصة و خطابها البعيد عن إيقاع الشارع؛ فجاءت برامج الإعلام الجديد بأسلوب إنتاج مختلف و أهداف مختلفة ما أفرز بالضرورة خطاباً إعلامياً جديداً أقرب إلى وجدان القاعدة الشعبية العريضة و إلى همومها. و السؤال الذي يتردد الآن هو حول ما إذا كان توقيف فريق عمل “ملعوب علينا” سيؤدّي إلى لجم اندفاعة هذه البرامج و دفعها إلى تخفيض سقفها النقدي، أم أنه و على العكس، سيمثل دافعاً لمقدّميها نحو المزيد من التوغّل النقدي في الممنوع، خاصة في ظل أجواء التضامن العام و الالتفاف حول فريق “ملعوب علينا” بعد تعرضه للتوقيف، من قِبل المغرّدين…؟

كانت “ملعوب علينا” فرصة لآلاف المغردين للتعبير عن إدراكهم لزيف كثير من الأساطير المجتمعية المفروضة عليهم، وهاهي تعود اليوم لتكون قضية رأي عام وطني، مركبة من الحق في حرية التعبير وحرية وسائل الأعلام، وفوق هذا استحقاقات قضية الفقراء وواجب الحكومة قبل الجميع في معالجتها والحد من مضاعفاتها المستقبلية. 

خاص بموقع “المقال” 

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق