ثقافة الاحتراب في تويتر المجتمع السعودي نموذجاً

الكاتب:

9 يونيو, 2014 لاتوجد تعليقات

يعتبر تويتر من أهم مواقع الشبكات الاجتماعية الافتراضية التفاعلية، حيث نحن السعوديون نهتم ونتابع كثير مما يحدث في واقعنا من خلال تويتر، نتابع الفاعلين وأصحاب القضايا وصناع الرأي، والبرامج وأصحاب الأطروحات الفكرية والسياسية وأيضاً العامة، يمكن أن نقول أننا نتابع ما نهتم به. في شبكات التواصل نحن نتناقش ونتفاعل مع القضايا من حولنا، لكن هناك ثمة حالة من التوتر والشحن والمعارك الحادة اللتي نشاهدها في كثير من الأوقات، هناك نوع من التصفية والإقصاء والفجور في الخصومة. في المجتمع الطبيعي الخارج عن حدود الإنترنت لدينا ذات هذه الصفات كحالة طبيعية حاضرة  في التجمع البشري، لكن في شبكات التواصل هناك مبالغة في حدة الشحن والتوتر في الخطاب والتعاطي مع الرأي الآخر، أو مع الطرف المخالف في ذات التوجهات والآراء. هذا التوتر والشحن والإقصاء حالة غير طبيعية وغير مستوعبة لحدتها وفجورها في الخصومة. هنا نسأل عن الأسباب والدوافع اللتي تجعل من مجتمع تويتر (السعودي) مجتمع مشحون بالكراهية والإقصاء والتجييش ضد الآخر وأحياناً بالبذائة في التعاطي مع الرأي المخالف، نحاول أن نفهم ما الذي يدفع بكل تلك الكتلة من الحدة والقسوة في التعاطي مع الآخر ومع بعضنا البعض، ولماذا استمرت في الصعود والسيطرة على مزاج المشهد الثقافي السعودي في تويتر؟

في البدء عند قدوم الإنترنت للسعودية كانت المنتديات هي الساحة المتاحة للحوار والنقاش، كان إخفاء الهوية الشخصية هو الأساس المتبع عند أغلب مرتادي تلك المنتديات، حيث معرفات بأسماء رمزية وسرية هي الطريقة المتبعة في التعريف بهوية الحسابات، ونادراً ما يكون هناك اسم حقيقي يكتب في المعرف. طبيعة الكتابة في المنتديات تختلف عن تويتر في أمور كثيرة، ليس مهم أن نتطرق هنا للاختلافات بينهما، لكن المهم هنا في هذا المقال أن نشير أن ذات المزاج الحدي في التعاطي مع المخالف هو ذاته، سواء كانت 140حرف أو 1000 كلمة في المنتديات. منذ البدء ومرتادي الإنترنت والفاعلين فيه داخل صفحات الإنترنت في تعاطيهم ونقاشهم تكون الحدة والإقصاء هي المزاج العام للكتابة. هنا تعميم للظاهرة، فهي مشاهدة وملحوظة في الصفحات التي نرتادها، حيث نرى الكثير من اللفظ العنيف والسب والطعن وعبارات ذات مدلول عنف لفظي وإقصاء، وكذلك التحريض غير الأخلاقي. حتى في صفحات المواقع الإخبارية، عندما يكن هناك خبر ساخن ومحل نقاش، تكون التعليقات جارحة وعنيفة في حق المعنين بها والمناقشين للخبر لسبب أو بدون سبب.  وتظهر التعليقات الأكثر حدية من غيرها عندما يكون هناك خبر أو موضوع ذو بعد أمني، أو خبر متعلق بشخصية ذات حضور عام من أي وسط كانت، سواء الديني أو المعرفي أو الرياضي.

عند الانتقال إلى مجتمع تويتر، ومشاهدة ما تتضمنه الهاشتاقات وتفاعل المغردين معها، نلاحظ أنه لم يتغير شيء في لغة الخطاب وفي التعاطي مع المخالف الآخر، الذي تغير هو الوضوح والعلانية في الأسماء بدل المعرفات السرية كما كان في السابق. تصيب تويتر موجات ساخطة وساخنة مع الأحداث اللتي تمر بالمنطقة، فتجد الحدية تظهر على كلا الطرفين أو الأطراف اللتي تتداول الموضوع.  طرح أو تناول بعض المواضيع بعيداً عن الشحونة اللفظية موجود لكنه نادر، وحيث أن الملاحظ غالباً هو أسلوب الشحن والتوتر والعنف اللفظي.

هنا نسأل هل العبارات والجمل الصغيرة تكون أكثر قوة وقدرة على حمل مضامين تعبيرية قاسية وحادة، تختلف عن المقالات المطولة، ولهذا نحن نرى ونشعر بقسوتها وفظاظتها، أم أن هناك سبب آخر يجعل الاحتراب والكراهية هي سيدة الموقف؟

بلا شك أن هناك أسباباً جوهرية أعمق من أهمها أن عدم وجود مؤسسات المجتمع المدني، ومنابر يتاح من خلالها للمواطن أن يتحدث بكل حرية، وأن يقول ما يشاء ويتفاعل مع الواقع وأن ويطرح تصوراته. وهذا هو ما يُفتقد بشكل واضح في بنية المجتمع السعودي، حيث أن مؤسسات المجتمع المدني محدودة جداً والموجود مؤطر بسقف من السلطة السياسية. وكذلك الأماكن اللتي من الممكن أن يرتادها للنقاش والحوار وسماع وجهات نظر مختلفة أيضاً محدودة. وعندما نقول مجتمع مدني نقصد به الحرية في التجمع والنقاش بدون تأطير ورقابة من جهات عليا، حيث أن المجتمع المدني هو المجتمع الحر المستقل كلياً عن أي علاقة بمؤسسات الدولة الرسمية. عند النظر لمثل هذا البعد المهم الذي من المرجح أن يكون أحد أهم الأسباب اللتي بفقدانها يُدعم الاحتقان والاحتراب في طبيعة نقاشنا بشكل عام، حيث أن التجمعات الطبيعية اللتي يصنعها المجتمع المدني لوضع الموضوعات والنقاش حولها والتفاعل الحواري، ينعكس على سلوك المجتمع في رسم صورة للحوار والتعاطي مع الموضوعات الجدلية أو المختلف عليها من قبل الأطرف.

مجتمع تويتر هو مجتمع انعكاسي للواقع الذي نعيش فيه، فذات القضايا اللتي نهتم بها في واقعنا الطبيعي، نجد في تويتر بيئة حرة نوعاً ما للتعبير عن قضايانا اللتي تشغل حيزاً من تفكيرنا.  يرى الكثير منا أن التطرق لها وإحضارها لساحة تويتر هو نوع من معالجة الإشكالية و التنوير بأهميتها، أو الوعظ ونشر العمل الصالح أو عكسه، هي ساحة، كل يجلب معه ما يشغل عقله و ما تحمله نفسه.

تويتر جمل قصيرة وكراهية كبيرة:

الاحتراب في تويتر يتمثل بعدد من النماذج مثلاً الكتابة والتعليق بما يوحي بالشماتة والسخرية من طرف آخر فاعل، وهذا فعل رمزي هدفه هو الإسقاط والتحريض، وهذا السلوك يعتبر متداول بين الفاعلين في تويتر، مهما كنت خلفيتهم، دينية مشيخية، حقوقية، قومية، أكاديمية، مهتم بالشأن العام، ألخ… الكثير  ينطلق من أرضية ثقافية واحدة، مهما اختلفت الشعارات والغايات يبقى هناك نوع من الثقافة المشتركة وهي ثقافة الاحتراب والاقصاء. نعم هناك بكل تأكيد استثناءات لبعض الفاعلين، لكن ليست هي الرائجة والسائدة في مجتمع تويتر.

بعض من يدعو للحوار وحق حرية التعبير وحقوق الإنسان يناقض كل هذه الشعارات البراقة وينطلق من ثقافة إقصائية احترابية،هم كذلك يفشلون في أغلب الوقت وينزلقون في مستنقع الاحتراب. حتى بعض الأكادميين الفاعلين لديهم ذات الثقافة وإن كانت متفاوتة فيما بينهم، البعض هو الاحتراب ذاته في تعاطيه مع القضايا ومعظم ما يكتب هو نوع من الإحتراب وإقصاء كلي للآخر، جزء آخر هو مشجع وداعم بدرجة أقل لهذا النوع من الاحتراب، فمثلاً إعادة نشر تغريدة تحمل إقصاء أو تعبير عن رفض كلي لشخص آخر أو تهكم بفكرة ما. هذه ليست بعيدة عن الأول اختلفت السبل والغاية واحدة.

إذا كان هذا نمط تفاعل الفاعلين الأساسين في مجتمع تويتر، فكيف يكون تعاطي متابعيهم من الألوف المؤلفة؟ بلا شك ليس بالضرورة أن تكون النسبة الأكبر كذلك، بل قد تكون شريحة من المتابيعن ترفض هذه الطريقة في التعاطي مع القضايا، لكن هناك من يتقبل هذا السلوك التفاعلي بكل صدر رحب ويرى فيه مُتنفساً له، هذا ما لم يكن لديه ذات أسلوب التعاطي.

مآلات الاحتراب

اتساع رقعة الشقاق الاجتماعي، يؤول إلى تكوين قاعدة صلبة في التمركز حول بعض الأفكار اللتي يُحترب عليها، وهي في الأساس قد تكون أفكار هشة وغير واقعية، لكن كثرة الاحتراب عليها والدفاع عنها يحولها إلى موقف وقناعة مركزية وربما إلى أيدولوجيا تحكم نظرته للحياة ولمن حوله. الاحتراب إذا تجذر ولّد العمى المعرفي في تعاطيه مع القضايا والأفكار من حوله، بلا مقدمات هو لديه النتيجة الكامنة في عقله بدون الخوض في المعالجات المطروحة يكون له رأيه المسبق عن هذه القضايا والأفكار. أسوأ ما ينتجه الاحتراب هو الكراهية في التعاطي مع الرأي الآخر، لقد شاهدنا في تويتر دعوات تحريضية وقذف وفجور في الخصومة، شاهدنا أنه بسبب رأي فكري، يدعو طرف آخر السلطة السياسية بمحاسبته والقبض عليه، المشاهد البائسة في تويتر كثيرة ونحن في غنى عن ذكرها..

أخيراً،

إذا استمرت هذه الأجواء في تزايد فسوف يكون تويتر بيئة منفرة ومجتمع تغلو فيه الاقصائية على التسامح وتسوده الكراهية وعدم تقبل وجود الآخر، حيث أصبح جلياً بما يسمى التربص( الإستقعاد) هو شغل شاغل لمن لا عمل له. وهذا بكل تأكيد سينعكس على الواقع  من خلال التفاعل مع القضايا، كثير من المواقف الاقصائية تطورت وخرجت كقوة مادية إلى أرض الواقع بعد أن كانت مجرد فكرة في تويتر.  لكن هنا رهان على المنصفين من كل الأطراف في الدعوة بشكل جاد وجذري إلى تقبل وجهات النظر بلا تحريض أو تهكم وبلا لمز في المعتقد والهوية أو حتى الوطنية.

دعوة إلى تحليل محتوى تويتر

كمجتمع افتراضي من المهم أن تكون هناك دراسات تهتم بتحليل محتوى تويتر للوصول لفهم أعمق لتفسير كثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية وغيرها مما يظهر على محتوى تويتر، حيث أن ما يكتب ليس بالقليل، ومن يتفاعل مع قضايا الشأن العام من خلال تويتر أيضاً ليس بالقليل. تحليل محتوى مجتمع تويتر السعودي مهم في معرفة أنفسنا وقضايانا وطريقة تعاطينا معها، من المهم تطوير آليات أكثر عمقاً لفهم مجتمعنا في بعض أجزاؤه وقضاياه، قد يكون تويتر مجتمعاً افتراضيا، لكن له من الواقعية الكثير، وذلك لسهولته ولإمكانية إحضار الكثير من الواقع إليه وربما في بعض الأحيان هو الواقع ذاته.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق