باتجاه الهشاشة: عبدالله حميد الدين أنموذجاً

الكاتب:

14 مايو, 2014 لاتوجد تعليقات

تنقسم هذه المقالة إلى قسمين أساسيين، الأول أتحدث فيه عن تأثير أفكارنا المؤسسة على التماسك المنطقي لحججنا، بحيث أطرح طريقة استعيابنا للأفكار، وكيف أن التأثير النفسي للأفكار قد يجعلنا نفكر بطريقة خاطئة، وفي القسم الثاني سأطرح مثالاً  على ذلك بفكرة خاطئة طرحها عبدالله حميد الدين في مقالته التي عنونها بـ رسالة إلى مواطن اسرائيلي، والتي نشرها موقع قناة العربية، وسأقوم بالاقتباس منه وتبيين أمرين: الأول قفزته غير المنطقية في مقاله، و الثاني سبب هذه القفزة.

لم نولد متعلمين، فقد تم تعليمنا وتلقيننا حينما كنا صغاراً، ولجهلنا، فمن الطبيعي حينما نكبر أن نتفاجأ بأن الأفكار التي نحملها خاطئة فنسعى لتبديلها، لكنه يصعب علينا أن ننظر لها كباقي الأفكار، لأن هذه الأفكار قد تربينا وتعودنا عليها.  حين نتعامل مع الأفكار نحاول جعلها متسقة ومنطقية وغير متناقضة، بحيث نستمر بالبحث عن مزيد من الكمال في الفكرة الواحدة، ونقدم حجة نستطيع الدفاع عنها دون ثغور، لكن حينما نتفاعل مع أفكارٍ تربينا عليها أو أفكارٍ لها تأثير نفسي علينا فقد نقع في منطقة خطرة، أي أننا قد نفكر بشكل خاطئ ونقوم برفض الفكرة فقط لأننا قد تربينا عليها، أو لأن تياراً معيناً نادى بها، أو نقوم بقبولها لنفس السبب، دون أن نقوم بعملية نقد منطقي لها، وبذلك نكون رفضنا الأفكار أو قبلناها لأسباب نفسية، والتأثير النفسي لهذه الأفكار المؤسِّسة قد يوقعنا في مغالطات منطقية توصلنا بالنهاية لفكرة هشة وغير متصلة وبالإمكان دحضها بسهولة.

يكتب عبدالله حميد الدين في خطاب وجهه للمواطن الاسرائيلي – وأنا أترجم من الانجليزية-“كبرت…كطفل أتنفس كراهية كل شيء يهودي”، “نشأت وأنا معتقد أنكم أبناء القردة والخنازير”. لكن حميد الدين لما كبر صُدم حينما رأى يهودياً لأول مرة واكتشف أن” شكلهم.. مثل.. شكلنا”. ويحكي بعد ذلك كيف أن نظرته هذه تغيرت حينما صادق يهوداً في أمريكا، وحينما قرأ لتشومسكي، ليصل لنتيجة مهمة عبر عدة مراحل” كبداية تعلمت أن هناك فعلاً يهودي جيد!… وبعد ذلك تعلمت أن هناك اسرائيليون جيدون واسرائيليون سيئون، صهاينة جيدون وصهاينة سيئون”، ليصل بعد ذلك إلى نتيجة يخاطب بها المواطن الاسرائيلي “ أنا وأنت تشاركنا المعاناة، أنا وأنت تشاركنا العنف والعدوان”
هذه نتيجته، فما النتيجة التي نصل لها نحن مما قال؟. نلاحظ أنه بمجرد انتباهه أن هناك يهود جيدون فهذا يعني بالنسبة له أن هناك صهاينة جيدون، لأن مشكلته الأساسية الناتجة عن الأفكار التي تربى عليها كانت مع اليهود، ومجرد انتهاء هذه المشكلة فهذا يعني أن مشكلته ليست مع اسرائيل.
كيف حصلت هذه القفزة؟، كيف لكاتب معروف نسبياً في السعودية وله العديد من المتابعين الذين يجلّونه ويراهنون على رجاحة عقله أن يقفز مثل هذه القفزة اللامنطقية والتي ليس لها مبررات؟ فليس اختراعاً أن نقول بأن اليهود ليسوا بالضرورة صهاينة، وأن اسرائيل دولة محتلة، وأن المشكلة معها ليست مشكلة مع الديانة اليهودية بل مشكلة مع واقع الاحتلال، وحتى تشومسكي نفسه الذي بسببه عرف حميد الدين أن هناك يهود جيدون يهاجم اسرائيل ويزور غزة.

الذي حدث أن حميد الدين تربى على أن الخلاف مع اسرائيل خلاف عقائدي، بين مسلمين ويهود، وبمجرد أن كبر وتفاجأ بوجود يهود جيدين انصدم، فعوضاً عن أن يفكر منطقياً بواقع الاحتلال وأسبابه، بأن يسأل نفسه: إذا كان اليهود جيدون فمن قام باحتلالنا؟، ويجيب بأنهم الصهاينة، يقوم حميد الدين بهذه القفزة التي تجعل من انتفاء المشكلة مع اليهود جسراً للتطبيع مع الصهاينة، لأنه في حالة صدمة من الفكرة الخاطئة التي تربى عليها، “ كنت متفاجئاً بحق، ترعرت مؤمناً أنكم حرفياً أبناء قردة وخنازير” ، فأثر ذلك على رؤيته وجعلها غير متسقة، حتى أنه بعد هذه المفاجأة أخذ “سنيناً عديدة جداً، والكثير من التفكير، والتبصر، والبحث داخل الروح، وإعادة النظر في نظرتي للعالم كله، وبالنظام الأخلاقي”، كل هذا قام به دون أن يستطيع أن يفرق بين اليهودي والصهيوني، فقفز نحو التطبيع متصوراً أنه يتخلص من إرثٍ متخلف غير مرغوب به، ويتمرد على ماضيه، بل وينتقم منه، وينفتح إنسانياً..على قتلة مغتصبين للأرض!

إذا كنا كلنا نتأثر بسياقاتنا، ماذا نفعل؟. علينا أن نعي هذا التأثير، لكن لا نجعله يسيطر علينا، ومن المهم أن نتصالح مع ماضينا ونكف عن الحقد والكره والتعامل معه بسلبية مطلقة، وفي هذه الحالة يصبح ماضينا نقطة قوة لانقطة ضعف، لأنه يضيف بعداً جديداً لنا، فنعرف الحق من خلال عوامله التي نتج عنها، ونبقى نغير رأينا وفق هذه العوامل، دون أن ندخل في صدامٍ نفسي مع سياقاتنا فيكون الناتج أفكاراً مشوهة وغير منطقية

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق