أبواق الثورة المضادة: في الرد على تركي الدخيل

الكاتب:

8 مايو, 2014 لاتوجد تعليقات

قدّم الكاتب تركي الدخيل في صحيفة عكاظ بتاريخ 7/4/2014، ما يعتبره نقداً “موضوعياً” يصف من خلاله ظاهرة “المناضلون من منازلهم”، التي تهدف برأيه لزعزعة الأمن والإضرار بالسلم. في ظل الانفتاح الإعلامي اليوم والمتغيرات التي يواكبها العالم العربي، أصبح المواطن أمام خيارات كثيرة ليعبر عن رأيه بضغطة زر، إذ بات من الممكن لفت انتباه الرأي العام من خلال هاشتاق في تويتر، أو النقاش على قضية اجتماعية أو سياسية مع أفراد أخرين وأنت في منزلك. وفي بلداننا العربية، وفي ظل غياب الفضاء المفتوح الذي يسمح للمواطن بالمشاركة والتفاعل في المجال السياسي العام بشكل سلمي، يكون الخيار المتاح أمامه هو “شبكات التواصل الاجتماعي”، ونلاحظ في وطننا العربي بروز الآراء والنقاشات السياسية في هذه الشبكات، مع غياب حق المشاركة والتفاعل على أرض الواقع.

يقول الدخيل: “يغري الحراك السياسي بعض الكتاب والمدونين بأن يتحولوا إلى كائنات ناشطة تحاول أن تنتقد كل شيء” مستنكرًا هنا وجود فضاء للنقد، مبدياً رغبته الصريحة في تقويضه وإلغاء الرأي الأخر، وهو ما يدل على (اعتداله / وسطيته / ليبراليته) المتماهية مع السلطة التي ترفض الاختلاف وتطمس التعددية، ورفضه الاختلاف باعتباره خطراً، وعمله على “شيطنة هذا الآخر” صاحب الرأي المختلف، والتحريض ضده لكي يتمكن من فرض رأي واحد فقط. في الوقت نفسه يروج لمغالطة (نقد كل شيء) بمعنى عدم ذكر إيجابيات، وكأن المطلوب من كل منتقد أن يفتتح نقده بذكر الإيجابيات حتى يُقبل منه، أو كأن الناس يجب أن يشعروا بالامتنان الشديد إذا قامت أجهزة الدولة بأداء واجباتها، أو على طريقته هو ومن معه: أن يشكروا الإحسان والمكرمة التي يتم التفضل عليهم بها، وهذه عقلية “المثقف الريعي” الذي يستبدل الحقوق والواجبات في علاقة المواطن بالدولة بمسألة الشكر للمكرمة والإحسان.

“يستهترون بكل القرارات والإجراءات ويحاولون دغدغة عواطف الناس بالضرب للدولة والنقد للسياسي من دون أي رؤية، ومن دون التوفر على برنامج تنموي” يقول الدخيل مستنكراً، ويتساءل بجدية عن عدم امتلاك الناقد لأداء الدولة برامج إصلاحية وتنموية تطرح رؤية مختلفة. هل هو يتغافل عن مصير مشاريع الإصلاح وأصحابها؟! وأين يجلس معظهم الآن؟، ولماذا يفترض مبدئيًا أن يكون وراء كل نقد مشاريع وحلول؟، فالناس ليسوا ملزمين بتقديم حلول أو بدائل حين يطرحون آراءهم في أداء الدولة أو يتذمرون من واقعهم السيء، وليست وظيفتهم أن يطرحوا حلولاً، إلا إذا كانوا يمثلون أحزاباً سياسية تقدم مشروعاً بديلاً في التنمية وإدارة الدولة، فهل الدخيل يوافق على وجود أحزاب سياسية منظمة تطرح مشاريع بديلة ليقيمها؟!.

يتذمر الدخيل من تسامح الدولة مع منتقديها، ويرى أنه السبب الذي أنتج هامش الحرية الحاصل، لكن الحقيقة أن ما أنتج هذا الهامش – مع ضعفه وهشاشته ومحاصرته المستمرة بالقوانين الصادرة من الدولة – هو الفضاء الافتراضي الذي صنعته وسائل التواصل الإجتماعي للمواطن، وغضبه المتزايد من واقعه، ولهذا بات قادراً على إيصال صوته بعيداً عن بروتوكولات الإعلام الرسمي الذي لا تسمح فيه الدولة بمثل هذا النقد بحكم قدرتها على السيطرة عليه بالكامل، وبدلاً من لوم الناس على تذمرهم يجب لوم أجهزة الدولة على تقصيرها.

إن حديث تركي الدخيل عن تسامح الدولة مع منتقديها ينقضه حديثه عن إجبار “المناضلين من منازلهم” على إزالة شعار رابعة، فكيف تضع الدولة المتسامحة نفسها في مواجهة مع شعار في تويتر؟!، وكيف يمكن وضع كلام الدخيل وشماتته بإزالة شعار رابعة في خانة غير عدم قدرة الدولة على التسامح مع التعاطف فضلاً عن الانتقاد؟!.

ينتقد الدخيل استخدام هذه المنابر للتعبير، ويريد صنع نفاق اجتماعي تطغى فيه أصوات النخب وأصحاب المصالح الشخصية التي تجد ذاتها في التملق للسلطة، مباركاً الخوف الناتج عن القمع وكأن نتائجه هي ما يستحقه هؤلاء، بينما استجابتهم المكرهة لا تعني أنهم لا يستحقون أن يمتلكوا رأياً مخالفاً يعبرون عنه، فالقمع هو ما يُفترض أن ينقده صاحب كُل قلم “حر” لا أن يبارك نتائجه، ولا أعرف كيف ينتقد عدم ثباتهم على موقفهم في نشر أفكارهم وقناعاتهم ويسخر من خوفهم، في الوقت الذي يحدث فيه القمع لمجرد التعاطف فقط مع ضحايا سقطوا؟!! بل وبكل وقاحة يتحدث ساخرًا وكأن ما حصل انتصارٌ لفكرته!

“أحدهم يتحدث عن انتشار الفساد -وحق له ذلك- لكن ماذا لو أن الكشف عن الفساد وصل إلى محيطه التجاري؟! أو إلى استثمارات هو جزء منها؟! هل سيكون بنفس الحماس المهم للكشف عن الفساد وانتشاره وتفشيه وخطره؟! هذا سؤال لم يجب عليه المناضل من منزله” هنا ينتقل الدخيل من دائرة الفكرة إلى دائرة الشخوص، متسائلين في الوقت نفسه: هل هو يعرف “أحدهم” هذا؟ ماذا يعني التلميح هنا؟ هل هو ابتزاز في أن يصمت “أحدهم” هذا مقابل استمراره فاسدًا؟ أم هو “لا أحد” أم ماذا؟  

منهج الدخيل وكّتاب النخبة في الإعلام الرسمي هو منهج الترهيب الفكري للمختلف والحشد ضده وتسخيفه وتشويه أفكاره لإزاحته عن الساحة، حتى يبقى طرف واحد ورأي واحد، وهذا الأسلوب لا يفضي إلا إلى مزيد من القمع الذي لا يخلق بدوره فضاءً مفتوحاً يحترم الآراء ويستوعبها ليعبر كل أطياف المجتمع عن قناعاتهم بحرية. إن دور كل صاحب قلم حر هو أن يدافع عن حرية الرأي وينتصر لها لا أن يشمت بانتصاره عليها.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق