المرأة في قانون الجنسية

الكاتب:

7 أبريل, 2014 لاتوجد تعليقات

يقول المفكر العروبي عصمت سيف الدولة في كتابه الطريق إلى الديمقراطية أو سيادة القانون في الوطن العربي: ” المستبدون اليوم يقهرون الناس ويستعبدونهم استعباداً قانونياً، تنفيذاً لحكمٍ أصدره قضاة، وتطبيقاً لقانون وضعه مشرعون، في نطاق دستورٍ موضوع”.  ومن القوانين التي تناقض العدالة، وتحتوي في جوهرها على الكثير من البنود التمييزية -خاصة ضد المرأة-  في وطننا العربي؛ قوانين الجنسية.

يُعد قرار منح الجنسية سمة من سمات سيادة الدول، والتي يعود إليها أمر إرساء القواعد المنظمة لمنح جنسيتها، وعلى هذا الأساس تنشأ الرابطة القانونية بين الفرد والدولة التي ينتمي إليها، وعليه يتم تحديد حقوق والتزامات المواطنة، ويصبح من حق المواطن التمتع بحماية الدولة والحصول على حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كاملة.

في الدول الريعية، ترتبط فكرة المواطنة بمن يستحق الحصول على المزايا وتوزيع ثروة الريع عليه، بدلاً من تعزيز المواطنة المرتبطة بالانتماء والإنتاج وتمثيل الإرادة السياسية؛ لتصبح الجنسية مجرد “تابعية” تخول المواطن للحصول على رعاية الدولة دون أن تكفل له حقوق المواطنة السياسية. ولتتمكن الدولة من الاستمرار في لعب دور (الراعي) بكفاءة، ويستمر الشعور بالتميز على الآخر (الأجنبي) لدى المواطن؛ يتم التشدد في شروط وإجراءات منح الجنسية، مع منح الامتيازات والخدمات للمواطن، لتظهر طبقة ريعية من المواطنين تستخدم الجنسية أو المواطنة كوسيلة لكسب الرزق، عن طريق ما يعرف بـ “نظام الكفالة”، والذي بموجبه يقوم المواطن (الكفيل) بتقديم المشروعية القانونية للمقيم ليتمكن من البقاء في البلاد والعمل فيها، عن طريق كفالته له مقابل مبلغ ثابت من المال. وقد يتم في أحيان كثيرة وضع العامل في ظروف عمل قاسية، أو يضطر للقيام بأعمال غير قانونية ليسدد للكفيل هذا المبلغ من المال.

وتختلف قوانين الجنسية من دولة إلى أخرى، إلا أنها تعتمد في بنائها على مبدأين رئيسيين -أو أحدهما- : الأول، حق الدم والذي يرث الطفل من خلاله جنسية الوالدين أو أحدهما، وغالباً ما تكون جنسية الأب. والثاني، حق مسقط الرأس، والذي يمنح الطفل جنسية البلد التي ولد فيها. وترتكز معظم قوانين الجنسية في دول العالم على المبدأين معاً. في المملكة العربية السعودية، يتم الحصول على الجنسية وفقاً للتسلسل الذكوري؛ أي أنها مرتبطة برابط الدم بغض النظر عن مكان الولادة أو الانتماء الثقافي للبلاد، ولا يصبح المولود سعودياً إلا إذا حصل أحد أجداده (من جهة الأب) على التابعية بعد توحيد البلاد مباشرة، ليرثها أبناؤه من بعده.
نلحظ هنا ارتباط جنسية الأبناء بالأب وحرمان الأم من تمرير جنسيتها لهم؛ وهذا من أوضح مظاهر التمييز ضد النساء، ولا يتوقف التمييز ضد المرأة في قانون الجنسية السعودي عند هذه النقطة؛ بل وفقاً للوائح النظام، يحق لأبناء الأم السعودية الذكور التقديم على طلب للحصول على الجنسية إذا بلغوا 18 عاماً، في حين تُحرم الفتيات من هذا الحق، ولا يمكنهن الحصول عليها إلا إذا تزوجن من رجل سعودي -مع أن النظام لا ينص صراحة على ذلك- ليصبح مصدر الأحقية الزوج وليست الأم. ومع ذلك، فإن الجنسية لا تمنح مباشرة لصاحب الطلب، بل تم تقييدها بشروط تقلل من إمكانية الحصول عليها، إذ يتوجب جمع (7) نقاط كحد أدنى لتتم دراسة الطلب من خلال لجنة مختصة، تقوم برفعه بعد ذلك لوزارة الداخلية، ويُحفظ الطلب إذا لم يتمكن المتقدم من إتمام النقاط المطلوبة، ومن أبرز الشروط المعرقلة لإتمام هذه النقاط؛ شرط إثبات أن جد الأم لأبيها كان سعودياً.

عدم الحصول على الجنسية السعودية؛ يعني أن يُصنف الشخص تحت بند العمالة الوافدة ويخضع لقوانين الإقامة، التي تشترط وجود كفيل لتصبح الإقامة شرعية قانونياً، وبما أن الإقامة غير دائمة، فإنه يتوجب على المقيم تجديدها كل سنتين. ومن صور التخبط في أنظمة الإقامة، أنه في حين تُكتب عبارة  “يُعامل معاملة السعوديين في التعليم والعمل” في بطاقة تسلم لأبناء المواطنات، يُكتب “تابع غير مصرح له بالعمل” على بطاقة الإقامة، وهذا يشترط أن يكون لهم كفيل؛ مما يعني وجود كفالة صورية مقابل مبلغ من المال يدفع للكفيل في كل مرة يتم تجديد الإقامة فيها، ككلفة إضافية تضاف إلى رسوم تجديد الإقامة، وتوجد حالات لأبناء سعوديات متزوجات من أجانب تم تسجيلهم في مهن سائقين وخادمات؛ ومع أن القرار الأخير الذي سمح للأم السعودية بكفالة أبنائها وزوجها الأجانب يعتبر إيجابياً إلى حد ما، إلا أنه لا يُعد حلاً جذرياً للمشكلة، سواء من ناحية الظلم الكبير الذي يتضمنه نظام الكفالة في حد ذاته، أو غموض مستقبل الأبناء في حال توفيت الأم، إذ سيضطرون إلى البحث عن كفيل ليكونوا تحت رحمته. هذا بالإضافة إلى الصعوبات الكبيرة في مجال التعليم والصحة والعمل والتملك.  ويمكن إجمال أبرز المشاكل التي تواجه أبناء السعوديات المتزوجات من غير سعوديين في النقاط التالية:

  • •يُطلق على ابن المواطنة في وزارة العمل “وافد خاص”.
  • •لا يمكن للأم أن تقوم بتوكيل ابنها، ولا يمكنه التعريف عنها لأنه أجنبي.
  • •لا يطبق عليهم فرع المعاشات من أنظمة التأمينات، ويتم الاكتفاء بتطبيق نظام الأخطار المهنية ونسبتها 2% باعتبارهم أجانب.
  • •إذا توفيت الأم لا يرث الأبناء ما تملك من عقار، بل يسلم إلى جهات مختصة؛ ليباع في المزاد العلني، ومن ثم يتم تسليم المبلغ إلى الورثة بعد استقطاع نسبة من قيمة البيع.
  • •تحرم الأم الكافلة لأبنائها من الضمان الاجتماعي.
  • •لا يُقبل الأبناء في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، مع مواجهة صعوبات في القبول لإتمام الدراسة الجامعية.
  • •عند السفر خارج المملكة لابد من دفع مبلغ (200) ريال عن كل فرد.
  • •تحدد مدة الخروج والعودة بستة أشهر، حتى لو كانت الأم في بعثة خارجية، أما إذا كان الأبناء في المرحلة الدراسية فيمكن أخذ مدة عام بعد إثبات أنهم طلاب للجوازات.
  • •عند مراجعة الدوائر الحكومية لابد من حضور الأم أو الزوجة السعودية، أو توكيل سعودي، وبالتالي متابعة الوكيل والنفقات المترتبة على ذلك.
  • •يتم تسجيل المهن في كرت الإقامة عندما يكون الزوج أو الأبناء تحت كفالة المواطنة المتزوجة من أجنبي بـ (ابن ، بنت، زوج .. مواطنة)، وهذا غير صحيح؛ إذ لا يمكن اعتبار هذه الصفات مهن.
  • •مواجهة صعوبات في مجال الصحة، ليتم تلقي العلاج في مستشفيات الدولة.

والأخطر من كل ذلك؛ هو مواجهة أبناء وزوج المواطنة خطر الترحيل، والذي يمكن أن يحدث في أي وقت ولأي سبب، كالاختلاف مع الكفيل مثلاً، لذا فإن عدم السماح لزوج المواطنة بالتجنس لا يقل ضرراً عن حرمان الأبناء من جنسية والدتهم، لأن هذا يعني أن وضعه غير مستقر وبأنه مهدد بالترحيل، لتكون النتيجة تشتت العائلة، وبقاء الأم مع أبناءها الأجانب لتتحمل مسؤوليتهم منفردة. والجدير بالذكر، أن الأبناء ليسو في مأمن من خطر الترحيل؛ حيث ذكرت تقارير صحفية نقلاً عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أنها رصدت خلال زيارة تفقدية لعنابر الترحيل الخاصة بالمبعدين في السجون، وجود أبناء لسعوديات جار العمل على ترحيلهم ومنهم من هو متزوج بسعودية، مع أن النظام يمنع ترحيلهم ما دامت الأم على قيد الحياة، وهذا يعني أن ترحيلهم إلى البلاد التي يحملون جنسيتها يصبح قانونياً بعد وفاتها..

تُحرم المرأة في معظم الأقطار العربية من حق تمرير جنسيتها لأبنائها؛ إما لمبررات دينية تقضي بأن الرجل صاحب القوامة وإليه يُنسب الأطفال، وهذا المبرر يفترض وجود علاقة بين الجنسية والنسب، مع أن الجنسية رابطة سياسية وقانونية تنشأ على أساسها العلاقة بين المواطن والدولة، أما النسب فهو علاقة عائلية تنشأ على أساسه الرابطة الأسرية.
أو لمبررات أمنية لها ارتباط بالأمن القومي والتوازن الديموغرافي للسكان، وجميعها مبررات زائفة، إذ لا يمكن أن تكون التشريعات التي تقصي المرأة وتنتقص من حقوقها ضامن للأمن والسلم الأهلي أو في مصلحة المجتمع.  وكلا المبررين يصوران أن للرجل حق في الدولة أكثر من المرأة وأن درجته في المواطنة أعلى من درجتها،  وهذا تمييز جنسي سافر يناقض مبدأ المواطنة نفسه، لأنه يقضي بأن هنالك مواطنون لهم حقوق أكثر من مواطنين آخرين بحجة أنهم ولدوا ذكورا لا غير.

وكنظرة شاملة على وضع المرأة العربية في قوانين الجنسية، فإن معظم هذه التشريعات تميز ضد المرأة، وإن كان هناك تفاوت طفيف في درجات التمييز، ففي حين تُمنع الأم نهائياً من تمرير جنسيتها لأطفالها في كل من قطر وعمان والأردن وسوريا ولبنان، فإن الثلاث دول الأخيرة تسمح بذلك في حالة الابن غير الشرعي -مجهول النسب من جهة الأب- الذي تعترف به أمه وهو قاصر، ويتم التمييز ضد المرأة في هذه الدول الثلاث تحت ذريعة (حق العودة إلى فلسطين). وتختلف  درجات الشروط ومدى تعقيدها في دول مثل السعودية والإمارات والبحرين والكويت؛ ففي الأخيرة مثلاً؛ يشترط أن تكون الأم أرملة أو مطلقة طلاقاً بائناً لتتمكن من تمرير جنسيتها لأبنائها، مما دفع كثير من الأسر للطلاق من أجل حصول الأبناء على الجنسية. ويمكن اعتبار القوانين في الجزائر والمغرب وتونس والعراق الأكثر مساواة بين الجنسين -نظرياً على الأقل- في هذا الجانب.

هذا، وتمنح السلطة السياسية لنفسها حق منح الجنسية بناء على حسابات خاضعة لمصالح و ولاءات ضيقة، مخترقة بذلك القوانين التي وضعتها، والتي تحرم أعداداً كبيرة ممن قضوا سنوات طويلة -ولأجيال متلاحقة- في البلاد التي ولدوا ونشأوا فيها من هذا الحق. إن نظرتنا للعدالة يجب أن لا تتوقف عند قانونية الأفعال، بل لابد من مراجعة القوانين ذاتها، فالنظام القانوني الذي يُقصي فئة من المجتمع، أو يصعب سير حياتها، أو يقلص من الحريات، ويمس الحقوق العامة، ولا يضمن تكافؤ الفرص؛ هو قانون مجرد من مضمونه، لأن القوانين توجد بهدف تحقيق العدالة، أما إذا أصبح الهدف منها حماية السلطة، أو تحقيق مصالحها، تتحول حقوق الناس لألعوبة في أيدي الطغمة الحاكمة، وهنا يكون التناقض بين العدالة المنشودة، وبين ما يُسن من قوانين باسمها.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق