حب الوطن

الكاتب:

3 يناير, 2014 لاتوجد تعليقات

حينما كنت في عمر 10سنوات تقريبا، أمسكت بعصفور بعد أن دخل الغرفة التي في مزرعتنا، وأخذته معي للمنزل ووضعته في قفص لونه أخضر، و نزلت إلى القبو، وأحضرت من كل أنواع الحبوب التي وجدتها الصغيرة منها والكبيرة كالذرة وغيرها، طحنتها و وضعتها للعصفور بجانب الماء، لعبت معه، وقفزت بحبور حول القفص لتسلية صديقي الجديد، و بعد يومين .. مات العصفور! ولم أحزن عليه لكني تعجبت موته رغم أني لم أقصر معه في شيء، وقلت لوالدي: وفرت له كل ما يحتاج ليعيش لكنه لم يأكل ولم يشرب ومات؟ قال والدي: لا عجب في ذلك .. قديم الزمان بعض من كانوا يأسرونهم ويحضروهم ليبيعوهم على أنهم “عبيد”، كانوا يرفضون الزواج كي لا يصبح أبنائهم عبيدًا مثلهم.

إذا كانت الطيور ترفض التطويع وتفضل الموت بحرية عن الحياة المستعبدة فكيف بلإنسان الذي يفوقها عقلا وقدرة -ولكل قاعدة شواذ.-

إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وآلية اتخاذ القرار الحالية لا تصب في مصلحة المواطن، خصوصًا في ظل انعدام قنوات شعبية يعبر من خلالها المواطن عن رأيه، فكلها محتكرة للمسؤول، وإلا من أين تكونت مستعمرات الشبوك وتردي الخدمات المقدمة للمواطن -والتي هي ناقصة من الأساس- والاحتكار وغلاء الأسعار؟

المراقب للمشهد بشكل عام يشاهد أننا نسير نحو الهاوية بلا ريب، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، وإلا متى سنذهب إلى الهاوية بصمت؟، الله وحده يعلم !

إن القضايا الشعبية التي تشغل بال المواطن البسيط كمسائل الفقر و العنوسة والبطالة و ازدياد نسبة المدمنين على المخدرات, من أسباب تكونها السلطة المطلقة وغياب الرقابة، إن المبالغ المرصودة للمشاريع الخدمية بأرقام فلكية مليارية مبالغ فيها، بل إنه حين يحين موعد تسليمها لا تجد شيئًا على أرض الواقع! وحينما يأتي المطر يكشف لنا عن الفساد في آلية تملك الأراضي و منح الترخيص للشخصيات النافذة لإنشاء المخططات السكنية في مجاري الأودية، ليكون الضحية الأول والأخير المواطن، فيما على المقابل يطلق العنان لأصحاب النفوذ فيستولون على الأراضي البيضاء ليصل الحال بأن ثلثي الشعب يسكن في منازل إيجار!

الاستبداد يجد في الصمت بيئته المناسبة للعيش والاستمرار، و يصنع الحواجز الوهمية بالتخويف لترهيب لكل من تسول له نفسه رفض الظلم. طبعا بإمكان الشخص أن يعيش سالمًا لو تغافل عن رؤية الواقع العام، وحصر اهتماماته ونشاطه في شأنه الخاص، طالما لا ينقصه شيء فلماذا ينكر الظلم؟ ليكون من حيث يشعر أو لا يشعر من عوامل استمرار الاستبداد، وفي هذه الحالة يختلق الأعذار ليبرر صمته، وليته يسلم من أكل حقه في شؤون الحياة العامة.

الاستبداد هو العدو الأول للشعوب، وهو سبب تخلفها وهوانها .. يمنعها من حقها في المال العام الذي وهبه الله لها ليتقوى به على تخضيعها، ويتناسى الاستبداد أن الشعوب شركاء في الأرض! الاستبداد يريد شعبًا مطيعًا خانعًا له مستسلم، يأكل ما يتفضل به عليهم، وباستمرار الصمت لا يجد غضاضة في المزيد من النهب والتسلط، فالفساد نتاج طبيعي في ظل غياب المراقبة و المحاسبة.

الوطن غالي علينا جميعا.. وحب الوطن لا يعبر عنه بالتراقص على نغمات موسيقى صاخبة ونظم الشعر.. حب الوطن أن تحافظ عليه وتضحي لأجله وأن تقف بوجه الفاسدين وتفضح الفساد والفُسّاد، كم هي خيانة لو صمت القادر وتراخى ذو العزم، وهي بلا شك تدمير للمكتسبات التي حققها من سبقنا ممن ضحوا بجهدهم و أنفسهم ومالهم ليكون لنا وطن.

ومن واجبنا الآن أن نرفع الصوت بإنكار عليه لاستئثاره بالثروة و القرار، إن واجبنا كمواطنين نحب وطننا أن نسعى للإصلاح السياسي وهو البوابة للحل.

التمثيل الشعبي لصناعة القرار عبر مجلس نواب منتخب بصلاحيات واسعة من رقابة ومحاسبة وسن للأنظمة هو من يحدد أولويات وحاجات الشعب، بدلا من الخوض في نقاشات وجدليات ومعارك جانبية يصنعها الاستبداد، أو إهدار لأموال الأمة عبر منح لا تصب في مصلحة الوطن و المواطن.

إن من الواجب علينا أن نناضل و نضحي بالغالي و النفيس في سبيل تعديل المسار قبل الوقوع في الهاوية، وقد حان الوقت للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي وهي الضامن للخروج من الأزمات الاجتماعية والسياسية التي نغوص فيها الآن، كما أنها الضمان لاستقرار البلد بشكل عام.

إن المشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي هي الخطوة الأولى لنيل الحقوق، ولن يكون تنازل دون تضحية، ولابد من خوض معركة انتزاع الحقوق المدنية و السياسية، وغلاء الثمن من جودة السلعة.

ربما ندرك بعض نتائجها في حياتنا وربما لا، لكن المهم أننا سلكنا الطريق وعبدنا ولو جزء منه لمن خلفنا، وحان الوقت لننزع عباءة الخوف التي صنعناها بأنفسنا.

 خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق