تصبحون على وطن

الكاتب:

24 سبتمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

أحلام مواطن بمناسبة اليوم الوطني السعودي

فكرت أن أكتب شيئًا بمناسبة اليوم الوطني، فلم أجد سوى أن أحلم، وهي المرة الأولى التي أكتب فيها بهذه الطريقة، ولأنّه حلم، فلن أتعمّد ترتيب أفكاره، سأتركه كالخيال الذي يلوح لمواطن أغمض عينيه وهو مسترخٍ في بيته عشيَّة اليوم الوطني، يفكر في وطنه، ويحلم حُلمًا ممكن التطبيق، وليس مستحيلا، هي أحلام مبعثرة، هنا وهناك، فلا تعتبوا علي في ترتيب الأولويات، ولا تقولوا لماذا ذكرت هذا ونسيت ذاك، فهو حلم لا يقبل العتاب.

نحن دولة حديثة، ومتأخرة الوجود بالنسبة لدول أخرى سبقتنا بقرن وقرنين، لتونا احتفلنا بمرور مائة عام على دخول الرياض، يحق لكل من لا يحب الأحلام أن يقول أعطنا فرصة فنحن جئنا متأخرين، لكني لا أستطيع أن أنسى نعمة النفط التي تدفقت على هذه البلد، فمع التقدم التقني ووفرة المال تستطيع أن تختصر الزمن فتحقق في عقد واحد ما حققته دول أخرى في مائة عام، من الممكن أن تكون الخمسين سنة الماضية خمس مائة سنة في زمن الحضارات، أن تبدأ يا وطني من النقطة التي توقفوا عندها، فتمضي في السباق الحضاري وكأننا عشنا التاريخ معهم … أحببت قول هذا قبل الحلم .. لأني أنا من يحلم وكثيرون معي .. وليس غيرنا.

أحلم بوطن يعرّفني بأني مواطن، ويقول في كل شارع وحارة ودائرة حكومية (دعوها فإنها منتنة)، لو قال لي أحد: “وش ترجع” لحاكمته بتهمة العنصرية، لا يفرق بين الناس بقبيلة ولا عرق ولا دين ولا طائفة، وطن يشعرنا أنه للجميع .

أحلم أن تكون سياسة وطني الداخلية والخارجية من صنع أولئك الأطفال الذين عشت معهم طفولتي .. وهم الآن في أرقى المناصب، لكنهم يفتقدون المشاركة في صنع القرار!

أحلم أن يكون الجيل الذي تربيت في ظلاله، بات اليوم سيد قراره، وبات يشكل وطنه الجديد بمشاركته السياسية، أحلم بشعب قوي الشكيمة، لا يرضى أن يكون مهمشًا .. ما أسرع  ما ينتفض .. ما أسرع ما يهُب .. يهابه المسؤول في كل مكتب وكل وزارة.

أحلم بك يا وطني .. يا وطن الموارد والطاقات .. والأموال التي تملأ أرصدة البنوك .. أحلم بك شامة في جبين التاريخ المعاصر .. أتدري أكثر شيء يؤلمني؟ أنا لا أتألم من الجوع والعطش، ولا من البطالة، ولا لأني لا أملك سكنًا، لكني أتألم أن لا أجد وطني على الخارطة، لا أجده لاعبًا إقليميًا في المنطقة، أعرف تمامًا أنك ستقول إنك لاعبٌ إقليمي، لكن المرمى ليس المرمى، إنه ملعب كرة القدم يا وطني .. وأنت تلعب كرة السلة!

إني أشعر بالإهانة حين لا أجدك يا وطني في فلسطين .. ولا في الثورات العربية .. وأنت أنت !! هل تعلم أنك بمكانك الجغرافي، وقدراتك المالية، كنت قادرا على إخراج الأمة من أزمتها خلال الخمسين سنة الماضية! فما الذي فعلته بالله عليك !! كنت مع من وضد من؟ وأغرقت بالمال من؟ وتربصت بمن؟

أحلم أن تكون يا وطني ملجأ الباحثين عن العدالة من كل العالم، موطن الضعفاء الشرفاء الذين لم تسعهُم دولهم، لا ملجأ من يخجل التاريخ من ذكر اسمهم.

أحلم بمستقبل أعرف ما هو، حتى إذا وصلت إليه قلت لأبنائي : لقد قلنا نريد دولة اقتصادية، وحققنا الحلم .. أردنا دولة تعليمية، وحققنا الحلم .. أردنا دولة تحقق الأمان لجيرانها، والتقدم لشركائها في اللغة والدين، دولة سياسية من الطراز الأول، وحققنا الحلم ..

بالله عليك ماذا سنقول لأولادنا ؟ نحن جيل ناضل عقدين حتى تقود المرأة السيارة ! وعقدًا لتعمل كاشيرة ! وأقمنا الدنيا حين ابتعثنا الطلاب للدراسة في الخارج ! نحن جيل ضيع عمره في صراعات يا وطني ! جيل يفرح بانتخاب نصف مجلس بلدي بلا صلاحيات !

أحلم بريادة في الفنون، أن نكون قبلة المسرح العربي والعالمي، أحلم بسينما ننتجها ونشارك بها السينما العالمية .. أليس ذلك أجمل من أن نكون جيلاً ناضل عقدين وأكثر حتى لا تفتح دور للسينما !

أحلم بمال يخرج من النفط إلى وزارة المالية إلى مكانه المخصص له، دون قطاع للطريق، أحلم بميزانية نقية .. شفافة معلنة .. لن أحلم بوطن بلا فساد، أعرف أن الفساد في كل مكان، لكني أحلم بمحاسبة المفسدين، بـ (كائنا من كان) وقد عرض على القضاء .. وحوسب .. وحوكم .. وصار عبرة لكائنات أخرى.

أحلم بوطن يشعرني بالاطمئنان، حين أخاف من الناس ألجأ إلى قانونه، وحين يظلمني الناس ألجأ إلى قضائه، هل تعرف يا وطني .. سأقول لك سرًا .. حين أفكر في التجارة .. فأنت (وكائنا من كان) أول من أخاف منهم .. وحين أفكر بالكتابة والكلام .. فأُذنك أول ما أخاف منها .. بل أخاف أن تأخذني خطأ .. فأقضي حياتي فيما لا ذنب لي فيه .. لا أخاف من الناس ولا من الحياة ولا من المرض .. بقدر ما أخافك .. أحلم يا وطني أن تكون مصدر أمان لي .. لا مصدر خوف !

أفكر في ابنتي الصغيرة، فأحلم بمستقبل لها، لا أريدك أن تحفظها كالجوهرة المكنونة، أريدك أن تعدُّها مواطنة كاملة الأهلية، لست أخاف عليها من نفسها .. صدقني .. أريدها حرة .. فقد ربيتها وسأقضي حياتي في تربيتها .. أريدها آمنة حاصلة على حقوقها في كل أوضاعها .. (بنت/ متزوجة/ وحيدة/ أم) .. أريدها مواطنة يا وطني.

هل تسمح لي أن أحلم بوطن يفاخر العالم بأنه خال من سجناء الرأي .. ياااه .. ياله من حلم، بسجون مفتوحة أمام كل مؤسسات حقوق الإنسان، لا تخاف إعلامًا أجنبيًا ولا مؤسسات حقوقية، ياله من حلم جميل، أحلم بسجناء لا يوقفون أكثر من شهر واحد على ذمة التحقيق، فإما أن يحاكموا أو أن يطلقوا، أحلم بقضاء مستقل، ومهيأ، أحتمي به من “كائنا من كان”، أحلم بالعدل يا وطني.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق