الضريبة على الأراضي

الكاتب:

29 سبتمبر, 2013 لاتوجد تعليقات

بعد رحلة طويلة على خيله، توقف السياسي والاقتصادي هنري جورج – مؤسس الفلسفة الاقتصادية التي أطلق عليها لاحقًا “الجورجية” – ليلتقط أنفاسه وسأل أحد سائقي العربات عن قيمة الأرض في ذلك المكان. أشار السائق لبعض البقر التي ترعى بعيدًا جدًا حد أنهم بدوا كمجموعة من الفئران وقال: “لا أعرف تمامًا ولكن هناك رجل سيبيع أراضٍ بألف دولار للفدان.” يقول جورج: “كومضة أتى على بالي السبب الذي يجعل الفقر يتزايد مع تزايد الثروة. مع نمو السكان تزداد الأرض قيمة والرجال الذين يعملون هناك يتوجب عليهم أن يدفعوا أكثر لهذا الامتياز. ‪فَطِنت وسط تفكير صامت إلى فهم ذلك الأمر الذي بقى معي منذ ذلك الحين.”(٥٨) لتشكل تلك نقطة تحول في حياة أكثر المؤيدين لضريبة الأراضي في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر.

“حياة الأمم السابقة تُظهر وجع لعنة احتكار الأراضي، لا يمكننا أن نقلب صفحة من تاريخهم من دون إيجاد بقع الدم وعلامات الدموع التي خلفتها” الاقتصادي الأمريكي هنري جورج، (1839-1897)، “أرضنا وسياسة الأرض”.

التحليل الآتي يتعلق بالأرض ذاتها دون أي تحسينات تتعلق بإمدادها بالكهرباء وخطوط الهاتف والصرف الصحي‫، ما يبقي الأرض كشيء مجرد من هذه التحسينات التي تزيد رأس المال للبلد‫. تمتاز الأرض -عن غيرها من السلع- بكونها ثابتة غير قابلة للتغير ولا تكلف أي شيء يذكر للحفاظ عليها، حيث لا يوجد تكلفة صيانة ولا فواتير كهرباء وماء، وليس عليها أي ضريبة، محدودة الكمية حيث أن الزيادة في السعر لا يمكن أن تولد زيادة في العرض فهي لا تُنْتِج، وليس لها عمر محدد لاستهلاكها. هذه الخصائص هي (القاعدة الصلبة) لاحتساب سعرها، فالأرض ليس لها قيمة جوهرية بحد ذاتها، ولذلك لا يمكننا مقارنتها مثلا بمنتج صناعي سعره في السوق الحر (perfect competition) هو قيمة تكلفته، حيث تزيد كمية إنتاج هذه السلعة الصناعية بزيادة الطلب عليها.

من هذا المنطلق فإن ارتفاع أسعار الأراضي لا يشكل قيمة إضافية للناتج القومي, إنما هو مجرد إعادة توزيع للثروة بين طبقة المضاربين ليجد مجموعة أشخاص أنفسهم أغنى بكثير من باقي المجتمع, فتكون زيادة رأس المال في صالحهم هم لا في صالح المجتمع. إضافة إلى أن فائدة هذه الثروة سيتم إنفاقها على مشاريع رأسمالية أخرى أو أغراض شخصية لا تعود بالفائدة على الاقتصاد العام. باستخدام عبارات الاقتصاديين المعاصرين فإن حجم الكعكة لم يتغير ولكن الذي تغير هو توزيع قطعها‫، وعليه فإن توزيع الثروة عن طريق زيادة أسعار هذه الأراضي سيكون غير متكافيء بالنسبة لتوزيع رأس المال (capital allocation). ماذا سيقول جورج يا ترى لو علم أن بعض هذه الأراضي كما في دول الخليج ملكت لمجموعة من الفاسدين بدون حق تاريخي؟ ماذا نتوقع إنفاقهم سيكون عليه حيث لا مشاركة مجتمعية ولا تنمية مفروضة؟.

تضخمت مشكلة الإسكان في السعودية بالسنوات الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الأراضي لدرجة تجعلها غير متاحة لأغلب فئات الشعب، حيث أظهرت دراسة حديثة أعدتها جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة أن ٣٧٪ من السعوديين ليس لديهم سكن و٦٧٪ يبحثون عن سكن لائق، فيما ٣٠٪ منهم يعيشون في مساكن غير لائقة في أحياء عشوائية. تعكس هذه الإحصائيات وغيرها الصعوبة التي يجدها الشباب – الذين يشكلون الغالبية الكبرى من الشعب السعودي – في الحصول على سكن مناسب لسبب رئيسي هو ارتفاع سعر الأرض الذي لا يتناسب مع مستوى دخل الفرد لحد يجعلها في غير متناول يده. للمقارنة حسب البنك الأهلي التجاري: المتوسط الحسابي لدخل الفرد السنوي في أمريكا هو ٥٠٢٢٤ دولار والمتوسط الحسابي لسعر المنزل يقارب ١٦٨٨٠٠ دولار، يكون معدل تملك المنزل هو ٣.٤ مرات الدخل السنوي. لكن في حالة السعودية، حيث أن المتوسط الحسابي لدخل الفرد السنوي هو ١٨٨٥١ دولار يرتفع المعدل إلى ٧.٦ نظراً لأن متوسط سعر المنزل يقارب ١٤٤ ألف دولار. ولو أخذنا بعين الاعتبار أسعار الأراضي والمنازل في المدن الكبيرة، سيكون معدل أسعارها أعلى من المبلغ المذكور، وحسب تقرير البنك الفرنسي “تقرير العقارات السعودية” المنشور في مايو ٢٠١١، فإن هذا المبلغ لا يوفر قطعة أرض حجمها ٢٥٠ متر مربع في المدن الرئيسية كالرياض والخبر وجدة –  مما سيوصل المعدل إلى مستويات مقلقة أكثر.

عن القيمة الضرورية للأرض‫

يقول هنري جورج‫  “حيث تستخدم الأرض، أغلب الأراضي ستحوز على قيمة ‫-إما  لحيازتها ميزات طبيعية تفوق الأراضي غير المستخدمة أو من مكانها المركزي نسبة إلى السكان“.

يفرق جورج بين هذه القيمة “الضرورية” في مقابل القيمة “غير الضرورية” المزيفة الناتجة من الاحتكار.القيمة الضرورية للأرض هي( نتيجة للخدمات العامة المحيطة بها بدون أي جهد مبذول من قبل المالك); هذا الذي يجعل قيمة متر الأرض في الربع الخالي تقريبًا صفر حيث أن تكلفتها لن تتعدى أي رسوم إدارية تفرضها الدولة على استخدامها، أما القيمة غير الضرورية فهي ناتجة عن احتكارها. هذه النظرة لقيمة الأرض كان يشارك جورج فيها العديد من الاقتصاديين الكلاسيكيين أمثال آدم سميث وجون ستيورات ميل وديفيد ريكاردو، وبذلك تكون القيمة الضرورية ناتجة من المجتمع ويجب تنظيمها بما يعود بالنفع على المجتمع، بحيث يجب أن لا يشتريها المجتمع من مالكيها لأن في ذلك إضفاء شرعية على ملكية أصحابها.
وفي السعودية، التلاعب بهذه الحقيقة الاقتصادية من أهم طرق الإثراء غير المشروع والفساد، حيث يقوم من تتوفر لديه معلومات عن مشروع حكومي بإحاطة الأراضي العامة ثم بيعها على الدولة بأسعار مرتفعة، والإشكالية التي تحدث في هذه الحالة أن الدولة تشتري من الفاسد ما هو ابتداء ملكٌ للمجتمع.

الفرق بين القيمة الضرورية للأرض والقيمة الحالية المتضخمة الممسوكة شاسع، وهذا الفرق يمثل الضريبة غير اللازمة التي يفرضها الاحتكار على القوى العاملة في المجتمع، وفي حالة السعودية هي ضريبة على الغالبية الساحقة من السكان الشباب، فعندما يضطر المواطن لأن يدخر من راتبه لمدة 30 سنة لشراء أرض، فإنه فعلياً قد حول قيمة عمله المكتسب لمحتكر حصل على الأرض بالإحاطة غير المشروعة في أسوأ الأحوال أو منتفع من دخل غير مكتسب تحقق بفضل القوى العاملة في أفضل الأحوال. إذن فإن ما يفعله إعطاء المنح أو السماح بإحاطة الأراضي العامة من قبل طغمة فاسدة هو مطابق فعليًا لسرقة مجهود المواطن العامل أو حصته من الخيرات الطبيعية في هذه البلاد.  إذن فهدف الضريبة هو “تثبيت القيمة اللازمة للأرض النابعة من موقعها أو من طبيعتها وإلغاء أثر الاحتكار.”لكل مواطن من الأرض ما يحتاج وما سوف يستخدم، ويعتبر عدواً للدولة من يطمع في أكثر من ذلك”.

عن ملكية الأرض

يذكر هنري جورج أن “حق كل إنسان في ملكية نفسه هو المؤسس لحق الملكية. لذلك كل ما ينتجه الإنسان يعتبر ملكه وله الحق في الاحتفاظ به، بيعه أو إعطائه، وعلى هذا ينبني حق الشخص في ملكية أي شيء في مقابل حق آخر معلن بحقيقة وجوده وهو حقه في استخدام ما يلزمه من الهدايا المجانية المقدمة من الطبيعة بحسب ما يغطي احتياجاته شريطة أن لا يتعارض مع حقوق الآخرين المتساوية مع حقوقه، فكل شخص لديه حق مقابل كل العالم.إذن حق الإنسان في الأرض حق طبيعي لا يمكن تحويله، فالأرض هدية من الله ومن مخزونها الطبيعي يستمد الإنسان وسائل عيشه وطرق إشباع احتياجاته، وعليه كل شخص ولد على هذه الأرض يملك حقا طبيعيا في امتلاك مساحة من الأرض حسب حاجته دون احتكار، حيث لا يوجد ما يحول بين الشخص الذي لديه الرغبة في العمل والحقل الذي توفره له الطبيعة، فالاستمتاع بالأرض يُعتبر حقاً متساوياً للجميع. صحيح أن الاعتراف بالملكية الخاصة شرط للحضارة، ولكن عند استخدامها بالشكل الصحيح، ولذلك يجب أن يعامل الشخص العامل في أرض ما بشكل محفز يحوله من مستخدم لمالك لهذه الأرض حسب المقدرة”.

تأسيس جورج لحق أفراد الأمة في الموارد الطبيعية – ومن ضمنها الأرض – من الخالق هو مستقيم مع مفهوم “بيت مال المسلمين” في الفكر الإسلامي وهو النتيجة الطبيعية للتصنيف المنطقي للأرض الذي يجعلها متساوية مع ما تحتها كالنفط والموارد الطبيعية من معادن وعناصر فالأرض والموارد الطبيعية موجودة قبل أي يطأها الإنسان، وقد كان جورج يجادل بأن الأراضي يجب أن “تعطى” ولا “تباع” لمن يريد أن يستخدمها لأنه لا حق لنا بأن نحول بينهما ونفرض سعرًا على من يريد أن يستخدم أرضًا غير مستخدمة بما أنها من نعم الله. وهذا المفهوم هو ما يستشف من حديث النبي (ص) “من أحيا أرضا ميتة فهي له”.

ومن هنا يتضح مدى الخطأ في الأنباء التي تتردد عن نية بعض الوزارات الخدمية مثل الإسكان تثمين الأراضي لإقامة مشاريعها لأنها دفع ثمن ما هو ملك للناس أساسًا وتعزيز للفساد. الدولة يجب عليها أن تنزع ملكيات هذه الأراضي بدون أي تعويض،  والذي يحدث عندما يتم تعويض مُلّاك هذه الأراضي المحاطة هو سرقة ثروة المجتمع التي تكونت على يد قواه العاملة أو من خلال مصادر طبيعية كالنفط اتفقت الأمة على أن ريعها يجب أن يعود على جميع أفرداها – وإن لم يطبق هذا المفهوم لكنه متفق عليه -. يوضح جورج: “عندما نسمح لشخص أن يأخذ أرضًا والتي يجب أن تكون لمائة،  ونعطي الأرض لشركة التي يجب أن يعيش عليها مليون، فإننا لسنا فقط نعطي الثروة لقلة في الوقت الحاضر، ولكننا نعطيهم القوة لأن يفرضوا ضريبة ثابتة ومتزايدة على العديد من الناس، ونزيد نزعة تركيز الثروة ليس فقط على الأرض المحتكرة، ولكن على كل البلد.”

عندما نوافق على أن تملك فئة أراضي البلد بغير حق، فهو كأن نوافق على سيطرتهم اقتصاديًا ونرضى بالتوزيع غير العادل للثروة (أغنياء جدًا وفقراء جدًا) الناتج عن ذلك. ولا يعني ذلك عدم اعترافٍ بشرعية الملكية للأراضي، ولكن هو تنظيم ضروري لأحد المصادر الطبيعية بما يعود لمصلحة المجتمع.

المفهوم الاقتصادي للضريبة على قيمة الأرض

الطريقة الوحيدة لضمان العدالة في تسعير الأراضي هو فرض ضريبة يجعل احتكارها مكلفاً إلا لمن يستطيع أن يستثمرها بما يعود بالنفع على المجتمع سواء بالإسكان أو الاستثمار.  إن ضريبة الأراضي هي الضريبة الوحيدة التي يجب أن تدفع من قبل مالك السلعة، وهو في هذه الحالة مالك الأرض. طبقًا للاقتصاد الجزئي الحديث، فإن الضريبة التي تفرض على السلع يشترك في دفعها البائع والمشتري. التجزيء في تحمل الضريبة يعتمد بشكل أساسي على مرونة الطلب والعرض (المرونة هي درجة استجابة الطلب أو العرض للتغيّر السعري)، حيث يتفاوت ثقل الضريبة طبقًاً لمتغيرين هما مرونة الطلب والعرض في ظل وجود بدائل. لو فرضت ضريبة مثلًا على شراء السجائر، فإن تحمل الضريبة سيكون معتمدا على مرونة الطلب, كلما زادت مرونة الطلب – لوجود البدائل – كلما قلت إمكانية البائع تمرير الضريبة إلى المشتري.

نأخذ مثالاً آخر, لو فرضت ضريبة مثلًا على المباني، فإن من يستخدمها سيكون مجبرًا على دفعها وإلا أصبحت تجارة البناء غير مربحة وستتوقف إلى أن ترتفع الإيجارات إلى الحد الذي يجعلها قادرة على الربح فوق قيمة البناء بالإضافة لقيمة الضريبة. ولكن الأراضي هي حالة خاصة – كما بينا سابقا – لأنها ليست مادة إنتاجية،كميتها ثابتة، مهما كانت الضريبة التي تفرضها عليها منخفضة لن يزيد عددها، ومهما كانت الضريبة التي تفرضها عليها عالية لن يقل عددها، لا يمكن أن تلغى ولا أن تجعل شحيحة بتقليل الإنتاج، إنها حسب المصطلح الاقتصادي الحديث ذات مرونة ثابتة تماما قيمتها صفر.

هذه القاعدة الاقتصادية البسيطة تلغي الأسطورة التي تتردد من قبل ملاك الأراضي بأن قيمة الضريبة ستُمرر إلى المشترين. هي على العكس من ذلك تمامًا، سيتحملها ملاك الأراضي بنسبة 100%. طبقاً لخصوصية الأرض كسلعة، حيث لا يمكن لمالك الأرض أن يمرر الضريبة للمستخدم. وأجد نفسي هنا مختلفًا مع الدكتور محمد السقا الذي جادل بأن الطلب على الأراضي هو غير مرن بدليل ارتفاع متوسط المتر في مختلف مناطق المملكة منذ النصف الثاني لـ 2009 إلى النصف الأول لـ 2011، والتغيير “الديمغرافي” خلال عشرين سنة القادمة الأمر الذي سيزيد الضغط على الطلب لسوق السكن من خلال النمو السكاني للفئات الشابة التي تمثل غالبية الشعب السعودي في عمر أقل من 20 سنة، ووجود المضاربة في سوق الأراضي .. لكن هذا التحليل مهما كان مصيبًا في النظر إلى جهة الطلب من سوق السكن، فإنه يتجاهل تمامًا الخصوصية الاقتصادية لسلعة الأرض التي تجعل أي قيمة لمرونة الطلب غير ذات أهمية، فأي مستوى من الضرائب سيخفض قيمة الأرض وإن اختلفت تلك القيمة باختلاف مرونة الطلب.

ربما هناك من يجادل حول حالة غريبة جدًا اقتصاديًا، وهي أن يكون الطلب على الأراضي هو بدوره غير مرن تمامًا مما يجعلنا في مواجهة حالة يكون فيه للطلب والعرض مرونة ثابتة قيمتها صفر، ما يجعل النتائج الاقتصادية صعبة التنبؤ. غير أن هذا الكلام لا يعتمد على حقائق،  لأن حقيقة الطلب على الأراضي في السعودية مرن بدلالة إحجام المواطنين عن شراء الأراضي. في حالات الطلب ذو المرونة قيمة صفر يكون خيار الامتناع عن الشراء أو السلعة البديلة غير موجودين. مثلاً: لنفترض أن حياة شخص ذو ثروة مرتفعة تتوقف على عملية زراعة قلب، فإن الطلب في هذه الحالة هو ذو مرونة ثابتة قيمتها صفر لأن المشتري (الشخص الغني) لا يقدر على عدم الشراء وليس أمامه أي بديل آخر عن القيام بالعملية. بينما نجد أنه خلال السنوات الأخيرة التي شهدت الارتفاعات الخيالية في أسعار الأراضي، امتنع أغلب الناس عن الشراء أو اتجهوا إلى بدائل مثل توسعة منازلهم المملوكة أو الإتجاه إلى الشقق المستأجرة، مما يدل على أن الطلب على الأراضي هو مرن وإن اخُتلف حول درجة المرونة.

المضاربة

من الأسباب المختصرة التي أوردها الدكتور السقا في معارضته للضريبة أنها لن تكون مفيدة كون المضاربة تستشري في سوق الأراضي. المضاربة بمفهومها البسيط هي: الاستثمار بشراء سلعة بهدف ارتفاع قيمتها في المستقبل وإعادة بيعها، ليكون الربح هو الفارق السعري بين قيمة الشراء والقيمة المستقبلية للبيع بدرجة مخاطرة هي مدى تقلبها، لكن عادة ما يكون المضارب غير مستعد لإضافة أي تطويرات على الأرض وعادة ما يبالغ في تقييم العوائد المستقبلية للأرض الأمر الذي سيجعل الضريبة تتسبب في انخفاض أي عوائد مستقبلية بالمقارنة مع من يخطط للاستفادة من الأرض باستثمارها مما سيجعل الحافز في المضاربة ضعيف لضعف المردود المستقبلي.

ماذا لو لم تمرر ضريبة الأراضي؟

تاريخ تكوُّن الاقتصاد السياسي في السعودية كان دائمًا مبنيًا على مجتمع متشرذم بسبب القوة غير المتوازنة التي أتاحها الريع النفطي للسلطة الحاكمة منذ بدايات تكوين الدولة. كانت البيروقراطية السعودية دائمًا قابلة لأن تكون حاضنًا لزيادة غير صحية في العاملين بما يتيح لها إرضاء مختلف الفئات الاجتماعية وإبعاد أي خطر لمعارضة محتملة مما جعلها رهينة للدولة، الأمر الذي تسبب بحرمانها من قدرة الضغط الجماعي وقوة التفاوض. قضية ذات توابع اجتماعية مهمة مثل عدم توفر السكن للفئات السكانية الشابة هي مثال واضح للخلل الذي تسببت به العلاقة غير المتوازنة بين المجتمع والدولة. على الرغم من الدعوات هنا وهناك لإيجاد حل، عجز المجتمع عن خلق قوة تضغط على الدولة لتجد حلاً في مقابل فئة ملاك الأراضي التي تملك قوة تفاوض معقولة تكفي لعرقلة أي حل سيكون بطبيعة الموقف سلبيًا لوضعهم الحالي مهما كان هزيلًا.

في حال كانت الدولة راغبة في التدخل في سوق الأراضي وفرض ضريبة على قيمة الأرض ولكن تعاني من صعوبات إدارية في فرضها، تستطيع اللجوء إلى حل أسهل ومشابه يتمثل في فرض أداة تحكم كمية على تملك الأراضي كأن أن تكون المساحة الأقصى للفرد ٥٠٠٠ متر مربع.

أما لو غاب هذين الخيارين،  ففي هذه الحالة سيتوجب على المواطن العادي التعامل مع الوضع غير الصحي الحالي بدون تدخل من الدولة لإصلاح سوق السكن. أحد الحلول هو التوسع العمودي للمساكن, أغلب المنازل المبنية خلال الثلاثين السنة الماضية تحتوي على طابقين فقط. توسعة المنازل بإضافة طوابق إضافية وتحويل البيت إلى مجموعة شقق بما يتيح لعدة أفراد من نفس الأسرة الممتدة السكن في نفس المنزل هو استثمار مناسب للمواطنين لخلوه من تكلفة الأرض وقاعدة البناء. على نفس النسق، يجب إعطاء تسهيلات للعمارات السكنية ذات الطوابق المتعددة  التي لا تتطلب أراضي واسعة بما يتيح لعشرات الأسر الصغيرة السكن في نفس البناء، ويتيح للمستثمر توزيع التكلفة على عدة مستخدمين. لكن حتى هذه الأمور اللازمة لحل مشكلة الإسكان تتعرض لمعوقات مثل عدم اعتماد السماح ببناء الدور الثالث في بعض المدن مما يجعل حل أزمة السكن بغياب تدخل حكومي أشبه بالمستحيل.

Restuccia, Paul. “Troubled Cities Eye Land-Value Tax.” Boston Herald (February 28, 2003)

Fitzpatrick, Dan. “The Tax Grind: New Assessment Structure Packs a Wallop for Some Pittsburgh Businesses.” Pittsburgh Post- Gazette (April 22, 2001), p. C1.

خاص بموقع المقال

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق