السعودية: استقرار في القمة اضطراب في القاعدة

الكاتب:

30 يوليو, 2013 لاتوجد تعليقات

تُجاهد السلطات السعودية ليل نهار لصد أمواج الربيع العربي التي ضربت المنطقة. تُثابر، على غير عادتها، لكي لا تصل ارتداته إلى أراضيها التي تنعم باستقرار مؤقت نتيجةً لثبات تداول قيادة هرم السلطة، على خلاف القاعدة التي تُضمر في أعمقها حمماً بركانية قابلة للانفجار في أي لحظة.

يمكننا تشبيه النظام السياسي- أي نظام كان- بشكل الهرم. النظام ذو السلطة المطلقة يأخذ شكل الهرم المقلوب على رأسه، قاعدتهُ في الأعلى ورأسهُ في الأسفل، وأن أي اهتزاز في الرأس قد يسقط الهرم. أما النظام الديمقراطي فهو هرم مُنتصب قاعدته في أصلاب الأرض على أُسس قانونية ودستورية صلبة ورأسهُ شامخٌ في السماء. أي خللاً فيه يغير القمة ويحفظ القاعدة. بهذا التصوير، وهذا التصور لشكل السلطة نصل لقناعة صافية بأن ثبات قمة الهرم تعتمد بشكل كبير على طبيعة تركيبة النظام السياسي وعلى متانة أرضيته.

تتمتع السعودية بقدرات مالية هائلة تفيض عن مصروفاتها الداخلية تمكنها من ضخ (أموال) دماء في شرايين الجهاز البيروقراطي والإداري رغم كهولته وثقل حركته، بل وتتبرع بفائض ما بعد البدخ منه لأنعاش اقتصاد حلفاءها في الأقليم. لكن المال وحده لا يبني دولة.وإذا ما أُسيء استخدام المال الوافر فقد يتحول إلى نقمة على السلطة؛ لأن الناس تتسأل أين يذهب ولماذا لا نشعر بوجوده؟!. تعاني المملكة وهي أكبرمنتج للنفط من سوءٍ في الخدمات، وفساد مستشرٍ بما يجعل التذمر الشعبي ظاهرة مُلاحظة لأي عابر سبيل في المملكة، مع أخذ فارق حجم السعودية وعدد سكانها في الحسبان مقارنة ببقية دول الخليج. لكن الأكثر إيلاماً ملف المعتقلين(الاعتقالات العشوائية)  والتعطش للمشاركة السياسية، وشح الحريات، وعدم الشعور بالأطمئنان على النفس في ظل تزايد اعتقالات الناشطين السياسيين والحقوقيين ومنعهم من السفر لأسباب تبدو لكثيرين غير مبررة وتندرج قانونياً ضمن خانة التعسف. آخر مشاهد هذا المسلسل المُفعم بالكئابة كان ملاحقة مجموعة من الناشطين والحقوقيين ومنها على سبيل المثال قضية منع الناشطة الحقوقية إيمان القحطاني من السفر.

تحكم السلطة في السعودية عقلية “الكاش مشين”، وهي تسرف في استغلالها على حساب التخطيط السياسي والرؤية الاستراتيجية. المملكة دولة اقليمية مهمة ونظامها السياسي على علاته الكثيرة يتمتع بشرعية تقليدية لكنها جيدة ولايزال المواطنون يثقون به وينتظرون منه المزيد، وهي- أي المملكة- تملك كل الأمكانيات المادية والبشرية لكي تتزعم العالم العربي، لكن إذا تصرفت كدولة كبرى صاحبة مشروع قومي، لا كدولة خائفة ومرعوبة من حكومات الربيع العربي في دول لا تُشبهها لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً في شيء البتة، أو الخوف من نشاط حقوقي وسياسي فتي على أراضيها، وجوده يعتبر ضمانة لاستقرارها وتعزيزاً لقوتها ومنعتها، بل ودليلاً على صلابة نظامها السياسي.

أن البنية الاجتماعية أو ما يسمى بالبنية الأساسية (قاعدة الهرم) في السعودية تحتوي على الكثير من الأمراض التي تجعل من انفجارها مسألة وقت لا أكثر. تبدا أمراضنا بالبطالة والسكن وقلة الأجور ولا تنتهي عند الحريات المدنية والسياسية. ما من شك بأن هذه القضايا ملحة، وتناقش بشكل يومي في العالم الحقيقي والافتراضي، وقد شهدت المملكة مظاهرات احتجاجية فئوية في مناطق عدة ولأسباب متنوعة، وإذا ما تُركت مثل هذه المشاكل للقضاء والقدر وأغمضت السلطة عينيها مستسلمة لغطرستها فإن مولدات الصاعق قد تهز استقرار الهرم.

على قيادة السلطة النظر للأسفل ولو لمرة واحدة، فليس كل ما هو ثقيل غير قابل للحركة وليس كل ما هو ثابت ميت.

 خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق